الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابٌ فِي أَحْكَامِ الصُّلْحِ وَأَقْسَامِهِ
قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: الصُّلْحُ انْتِقَالٌ عَنْ حَقٍّ أَوْ دَعْوَى بِعِوَضٍ لِرَفْعِ نِزَاعٍ أَوْ خَوْفِ وُقُوعِهِ (اهـ) وَهُوَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: بَيْعٌ، وَإِجَارَةٌ وَهِبَةٌ. لِأَنَّ الْمَصَالِحَ بِهِ إنْ كَانَ ذَاتًا فَبَيْعٌ، وَإِنْ كَانَ مَنْفَعَةً فَإِجَارَةٌ، وَإِنْ كَانَ بِبَعْضِ الْمُدَّعَى بِهِ فَهِبَةً. وَهَذِهِ الْأَقْسَامُ الثَّلَاثَةُ تَجْرِي فِي الصُّلْحِ عَنْ إقْرَارٍ عَلَى الْإِقْرَارِ وَعَلَى السُّكُوتِ. وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: (الصُّلْحُ جَائِزٌ عَنْ إقْرَارٍ وَإِنْكَارٍ وَسُكُوتٍ؛ إنْ لَمْ يُؤَدِّ
ــ
[حاشية الصاوي]
[بَابٌ فِي أَحْكَامِ الصُّلْحِ وَأَقْسَامِهِ]
[تَعْرِيف الصُّلْح]
بَابٌ: لَمَّا أَنْهَى الْكَلَامَ عَلَى مَا أَرَادَ مِنْ أَسْبَابِ الْحَجْرِ شَرَعَ فِي الْكَلَامِ عَلَى شَيْءٍ مِنْ مَسَائِلِ الصُّلْحِ، لِأَنَّهُ قَطَعَ الْمُنَازَعَةَ؛ فَهُوَ نَوْعٌ مِنْ أَنْوَاعِ الْبَيْعِ. وَهُوَ مِنْ حَيْثُ ذَاتُهُ مَنْدُوبٌ.
قَوْلُهُ: [وَأَقْسَامُهُ] : أَيْ الثَّلَاثَةُ الْآتِيَةُ.
قَوْلُهُ: [قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ الصُّلْحُ] إلَخْ: تَعَقَّبَهُ (ر) بِقَوْلِهِ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الصُّلْحَ هُوَ الِانْتِقَالُ بَلْ هُوَ الْمُعَاوَضَةُ وَالِانْتِقَالُ مَعْلُولٌ لَهُ كَالِانْتِقَالِ فِي الْبَيْعِ فَإِنَّهُ مَعْلُولٌ لَهُ وَمُفَرَّعٌ عَلَيْهِ. وَيَدْخُلُ فِي قَوْلِهِ: " انْتِقَالٌ عَنْ حَقِّ الصُّلْحِ عَنْ الْإِقْرَارِ " وَقَوْلُهُ: " أَوْ دَعْوَى " يَدْخُلُ فِيهِ صُلْحُ الْإِنْكَارِ وَقَوْلُهُ: " بِعِوَضٍ " مُتَعَلِّقٌ بِانْتِقَالٍ يَخْرُجُ بِهِ الِانْتِقَالُ بِغَيْرِ عِوَضٍ، فَلَا يُقَالُ لَهُ صُلْحٌ وَقَوْلُهُ:" لِرَفْعِ نِزَاعٍ أَوْ خَوْفِ وُقُوعِهِ " رَاجِعٌ لِكُلٍّ مِنْ الطَّرَفَيْنِ اللَّذَيْنِ هُمَا قَوْلُهُ انْتِقَالٌ عَنْ حَقٍّ أَوْ دَعْوَى الْمُشَارِ لَهُمَا بِصُلْحِ الْإِقْرَارِ وَالْإِنْكَارِ فَإِنْ قُلْت: السُّكُوتُ إذَا وَقَعَ الصُّلْحُ فِيهِ خَارِجٌ مِنْ التَّعْرِيفِ. قُلْت: قَالُوا حُكْمُهُ حُكْمُ الْإِقْرَارِ - تَأَمَّلْ.
قَوْلُهُ: [وَهُوَ] : أَيْ الصُّلْحُ مِنْ حَيْثُ هُوَ.
قَوْلُهُ: [عَنْ إقْرَارٍ] : الْمُنَاسِبُ عَلَى إقْرَارٍ.
إلَى حَرَامٍ) : فَإِنْ أَدَّى إلَيْهِ حَرُمَ رَوَى التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «الصُّلْحُ جَائِزٌ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ إلَّا صُلْحًا حَرَّمَ حَلَالًا أَوْ أَحَلَّ حَرَامًا» . (وَهُوَ) : أَيْ الصُّلْحُ - (عَلَى غَيْرِ الْمُدَّعَى بِهِ - بَيْعٌ) لِلْمُدَّعَى بِهِ (إنْ لَمْ يَكُنْ) الصُّلْحُ بِمَعْنَى الْمَصَالِحِ بِهِ (مَنْفَعَةً) : فَيُشْتَرَطُ فِيهِ شُرُوطُ الْبَيْعِ وَانْتِفَاءُ مَوَانِعِهِ؛ مِنْ كَوْنِهِ طَاهِرًا مَعْلُومًا مُنْتَفِعًا بِهِ مَقْدُورًا عَلَى تَسْلِيمِهِ لَيْسَ طَعَامَ مُعَاوَضَةٍ إلَى غَيْر ذَلِكَ مِمَّا تَقَدَّمَ؛ كَمَا لَوْ ادَّعَى عَلَيْهِ بِعَرْضٍ أَوْ حَيَوَانٍ أَوْ بِدَنَانِيرَ أَوْ دَرَاهِمَ فَأَقَرَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَوْ أَنْكَرَ أَوْ سَكَتَ ثُمَّ صَالَحَ بِشَيْءٍ مُخَالِفٍ لِلْمُدَّعَى بِهِ نَقْدًا، فَيُشْتَرَطُ فِي الْمَأْخُوذِ مَا تَقَدَّمَ،
ــ
[حاشية الصاوي]
وَقَوْلُهُ: [وَعَلَى الْإِقْرَارِ] : الصَّوَابُ: وَعَلَى الْإِنْكَارِ. أَمَّا جَرَيَانُهَا فِي الْإِقْرَارِ فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا فِي الْإِنْكَارِ فَبِالنَّظَرِ لِلْمُدَّعَى بِهِ وَالْمُصَالَحِ، بِهِ وَأَمَّا فِي السُّكُوتِ فَلِأَنَّهُ رَاجِعٌ لِأَحَدِهِمَا أَيْ الْإِقْرَارِ وَالْإِنْكَارِ؛ لِأَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِي الْوَاقِعِ إمَّا مُقِرٌّ أَوْ مُنْكِرٌ، وَإِنْ كَانَ يُعَامَلُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ مُعَامَلَةَ الْمُقِرِّ.
قَوْلُهُ: «حَرَّمَ حَلَالًا أَوْ أَحَلَّ حَرَامًا» : مِثَالُ الْأَوَّلِ: كَمَا لَوْ شَرَطَ عَلَيْهِ فِي عَقْدِ الصُّلْحِ أَنْ يُعْطِيَهُ جَارِيَةً مَثَلًا وَلَا يَطَؤُهَا أَوْ لَا يَبِيعُهَا، وَمِثَالُ الثَّانِي: مَا لَوْ طَالَبَهُ بِدَيْنٍ لَهُ شَرْعًا فَاصْطَلَحَ مَعَهُ عَلَى صَرْفِ مُؤَخَّرٍ أَوْ عَلَى مَا فِيهِ فَسْخُ دَيْنٍ فِي دَيْنٍ أَوْ عَلَى بَيْعِ طَعَامٍ قَبْلَ قَبْضِهِ. فَالْمُرَادُ بِتَحْلِيلِ الْحَرَامِ انْتِهَاكُ حُرْمَتِهِ وَإِجْرَاؤُهُ مَجْرَى الْحَلَالِ، هَذَا هُوَ الَّذِي يَظْهَرُ.
قَوْلُهُ: [بَيْعٌ] : أَيْ لِذَاتِ الْمُدَّعَى بِهِ إنْ كَانَ الْمُعَوَّضُ عَنْهُ ذَاتًا سَوَاءٌ كَانَ الْمُدَّعَى بِهِ مُعَيَّنًا أَمْ لَا.
قَوْلُهُ: [فَيُشْتَرَطُ فِي الْمَأْخُوذِ مَا تَقَدَّمَ] : أَيْ الَّذِي هُوَ شُرُوطُ الْبَيْعِ.
وَأَلَّا يَلْزَمَ فَسْخُ الدَّيْنِ فِي الدَّيْنِ، أَوْ الصَّرْفِ الْمُؤَخَّرِ، وَلَا بَيْعُ الطَّعَامِ قَبْلَ قَبْضِهِ، وَأَنْ يَسْلَمَ مِنْ الشَّرْطِ الْمُنَاقِضِ؛ كَشَرْطِ أَلَّا يَلْبَسَهُ أَوْ لَا يَرْكَبَهُ أَوْ لَا يَسْكُنَ فِيهِ نَحْوَ ذَلِكَ.
(وَإِلَّا) - بِأَنْ كَانَ الْمَصَالِحُ بِهِ مَنْفَعَةً - (فَإِجَارَةٌ) لِلْمَصَالِحِ بِهِ، وَهُوَ الْقِسْمُ الثَّانِي فَيُشْتَرَطُ فِيهَا شُرُوطُهَا، فَإِنْ كَانَ الْمُدَّعَى بِهِ مُعَيَّنًا - كَذَا الْعَبْدُ - جَازَ الصُّلْحُ عَنْهُ فِي الْأَحْوَالِ الثَّلَاثَةِ بِمَنَافِعَ مُعَيَّنَةٍ أَوْ مَضْمُونَةٍ لِعَدَمِ فَسْخِ الدَّيْنِ فِي الدَّيْنِ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُعَيَّنٍ بَلْ مَضْمُونًا فِي الذِّمَّةِ كَدِينَارٍ أَوْ ثَوْبٍ مُوصَفٌ ولَمْ يَجُزْ الصُّلْحُ عَنْهُ بِمَنَافِعَ مُعَيَّنَةٍ وَلَا مَضْمُونَةٍ لِمَا فِيهِ مِنْ فَسْخِ الدَّيْنِ فِي الدَّيْنِ.
(وَ) الصُّلْحُ (عَلَى بَعْضِهِ) : أَيْ بَعْضِ الْمُدَّعَى بِهِ (هِبَةٌ) لِلْبَعْضِ الْمَتْرُوكِ (وَإِبْرَاءٌ) مِنْ الْمُدَّعِي مِنْ ذَلِكَ الْبَعْضِ؛ وَهَذَا هُوَ الْقِسْمُ الثَّالِثُ
ــ
[حاشية الصاوي]
قَوْلُهُ: [وَأَلَّا يَلْزَمَ فَسْخُ الدَّيْنِ فِي الدَّيْنِ] : أَيْ كَمَا لَوْ صَالَحَهُ عَلَى الذَّاتِ الَّتِي يَدَّعِيهَا بِسُكْنَى دَارٍ أَوْ خِدْمَةِ عَبْدٍ مَثَلًا.
قَوْلُهُ: [أَوْ الصَّرْفِ الْمُؤَخَّرِ] : أَيْ كَمَا لَوْ صَالَحَهُ عَمَّا يَدَّعِيهِ عَلَيْهِ مِنْ الدَّنَانِيرِ الَّتِي فِي ذِمَّتِهِ بِفِضَّةٍ مُؤَجَّلَةٍ.
قَوْلُهُ: [وَلَا بَيْعِ الطَّعَامِ قَبْلَ قَبْضِهِ] : أَيْ كَمَا لَوْ دَفَعَ لَهُ فِي نَظِيرِ طَعَامٍ مَنْ سَلَّمَ شَيْئًا يُخَالِفُ الطَّعَامَ، وَهَذَا عَيْنُ قَوْلِهِ: وَلَيْسَ طَعَامُ مُعَاوَضَةٍ، فَلَا حَاجَةَ لِذِكْرِهِ.
قَوْلُهُ: [فَيُشْتَرَطُ فِيهَا] : أَيْ فِي الْمَنْفَعَةِ.
قَوْلُهُ: [بِمَنَافِعَ مُعَيَّنَةٍ] : أَيْ بِمَنَافِعَ ذَاتٍ مُعَيَّنَةٍ.
قَوْلُهُ: [وَلَا مَضْمُونَةَ] : أَيْ الذَّاتُ الْمُسْتَوْفَى مِنْهَا مَضْمُونَةٌ.
قَوْلُهُ: [لِمَا فِيهِ مِنْ فَسْخِ الدَّيْنِ فِي الدَّيْنِ] : أَيْ لِأَنَّ الذِّمَّةَ وَإِنْ لَمْ تَقْبَلْ الْمُعَيَّنَ - فَإِنَّهَا تَقْبَلُ مَنَافِعَهُ، وَقَبْضُ الْأَوَائِلِ لَيْسَ قَبْضًا لِلْأَوَاخِرِ كَمَا هُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ.
قَوْلُهُ: [وَإِبْرَاءٌ مِنْ الْمُدَّعِي] : أَشَارَ بِذَلِكَ إلَى أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِالْهِبَةِ حَقِيقَتَهَا حَتَّى يَحْتَاجَ فِيهَا لِلْقَبُولِ مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ قَبْلَ مَوْتِ الْوَاهِبِ الَّذِي هُوَ الْمُدَّعِي بَلْ الْمُرَادُ بِهَا الْإِبْرَاءُ وَحِينَئِذٍ، فَلَا يُشْتَرَطُ قَبُولٌ وَلَا تَجَدُّدُ حِيَازَةٍ عَلَى الْمُعْتَمَدِ. فَإِذَا أَبْرَأْت زَيْدًا مِمَّا عَلَيْهِ صَحَّ وَإِنْ لَمْ يَقْبَلْ، خِلَافًا لِمَا فِي الْخَرَشِيِّ مِنْ أَنَّ الْإِبْرَاءَ يَحْتَاجُ لِقَبُولٍ