الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَصْلٌ فِي بَيَانِ حُكْمِ بَيْعِ الْمُرَابَحَةِ وَبَيَانِ حَقِيقَتِهِ
(الْمُرَابَحَةُ: وَهِيَ بَيْعُ مَا اشْتَرَى) مِنْ إضَافَةِ الْمَصْدَرِ لِمَفْعُولِهِ: أَيْ إنَّ حَقِيقَتَهَا أَنْ يَبِيعَ بَائِعٌ شَيْئًا اشْتَرَاهُ بِثَمَنٍ مَعْلُومٍ (بِثَمَنِهِ) الَّذِي اشْتَرَاهُ بِهِ (وَرِبْحٍ) : أَيْ مَعَ زِيَادَةِ رِبْحٍ (عُلِمَ) لَهُمَا فَخَرَجَ جَمِيعُ أَنْوَاعِ الْبَيْعِ مِنْ صَرْفٍ وَمُبَادَلَةٍ وَمُرَاطَلَةٍ وَسَلَمٍ وَشَرِكَةٍ، وَكَذَا الْإِجَارَةُ وَالْمُسَاقَاةُ.
(جَائِزَةٌ) خَبَرٌ لِقَوْلِهِ الْمُرَابَحَةُ، وَالْمُرَادُ بِالْجَوَازِ خِلَافُ الْأَوْلَى، وَلِذَا قَالَ الشَّيْخُ:" وَالْأَحَبُّ خِلَافُهُ ". وَالْمُسَاوَمَةُ أَحَبُّ إلَى أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ بَيْعِ الْمُزَايَدَةِ وَبَيْعِ
ــ
[حاشية الصاوي]
[فَصْلٌ فِي بَيَانِ حُكْمِ بَيْعِ الْمُرَابَحَةِ وَبَيَانِ حَقِيقَتِهِ]
[تَعْرِيف الْمُرَابَحَة]
فَصْلٌ
لَمَّا كَانَ الْبَيْعُ يَنْقَسِمُ إلَى بَيْعِ مُسَاوَمَةٍ. كَبَيْعِ الْمَالِكِ بَغْتَةً لِمَنْ يَشْتَرِي مِنْهُ، وَاسْتِئْمَانٍ كَ: بِعْنِي كَمَا تَبِيعُ لِلنَّاسِ، وَمُزَايَدَةٍ كَبَيْعِ الدَّلَّالِ فِي التَّرِكَاتِ أَوْ عَلَى التُّجَّارِ، وَمُرَابَحَةٍ وَهُوَ الْمَقْصُودُ هُنَا فَلِذَلِكَ تَعَرَّضَ لِأَحْكَامِهِ.
قَوْلُهُ: [حُكْمُ بَيْعِ الْمُرَابَحَةِ] : سَيَأْتِي أَنَّهَا جَائِزَةٌ وَقَوْلُهُ وَبَيَانُ حَقِيقَتِهِ أَيْ تَعْرِيفُهُ.
قَوْلُهُ: [وَرِبْحٍ] : هَذَا يَقْتَضِي أَنَّ الْبَيْعَ عَلَى الْوَضِيعَةِ وَالْمُسَاوَاةِ لَا يُقَالُ لَهُ مُرَابَحَةٌ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ إطْلَاقَ الْمُرَابَحَةِ عَلَيْهِمَا حَقِيقَةٌ عُرْفِيَّةٌ وَأُجِيبَ بِأَنَّ هَذَا تَعْرِيفٌ لِلنَّوْعِ الْغَالِبِ فِي الْمُرَابَحَةِ الْكَثِيرِ الْوُقُوعِ لَا تَعْرِيفٌ لِحَقِيقَتِهَا الشَّامِلَةِ لِلْوَضِيعَةِ أَوْ الْمُسَاوَاةِ وَقَدْ عَرَّفَ ابْنُ عَرَفَةَ حَقِيقَتَهَا: بِأَنَّهَا بَيْعٌ مُرَتَّبٌ ثَمَنُهُ عَلَى ثَمَنِ مَبِيعٍ تَقَدَّمَهُ غَيْرُ لَازِمٍ مُسَاوَاتُهُ لَهُ. فَقَوْلُهُ: غَيْرُ لَازِمٍ مُسَاوَاتُهُ لَهُ صَادِقٌ بِكَوْنِ الثَّانِي مُسَاوِيًا لِلْأَوَّلِ أَوْ أَزْيَدَ أَوْ أَنْقَصَ مِنْهُ، قَالَ: فَخَرَجَ بِالْأَوَّلِ الْمُسَاوَمَةُ وَالْمُزَايَدَةُ وَالِاسْتِئْمَانُ، وَخَرَجَ بِالثَّانِي الْإِقَالَةُ وَالتَّوْلِيَةُ وَالشُّفْعَةُ وَالرَّدُّ بِالْعَيْبِ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهَا بَيْعٌ.
قَوْلُهُ: [وَالْمُرَادُ بِالْجَوَازِ خِلَافُ الْأَوْلَى] : وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالْجَوَازِ الْكَرَاهَةَ وَمُرَادُ خَلِيلٍ بِقَوْلِهِ: وَالْأَحَبُّ خِلَافُهُ، خُصُوصُ بَيْعِ الْمُسَاوَمَةِ فَهُوَ مِنْ قَبِيلِ الْعَامِّ الَّذِي أُرِيدَ بِهِ الْخُصُوصُ بِدَلِيلِ قَوْلِ الشَّارِحِ وَالْمُسَاوَمَةُ أَحَبُّ إلَخْ.
الِاسْتِئْمَانِ وَالِاسْتِرْسَالِ، وَأَضْيَقُهَا عِنْدَهُمْ بَيْعُ الْمُرَابَحَةِ لِأَنَّهُ يَتَوَقَّفُ عَلَى أُمُورٍ كَثِيرَةٍ قَلَّ أَنْ يَأْتِيَ بِهَا الْبَائِعُ عَلَى وَجْهِهَا.
وَيَجُوزُ بَيْعُ الْمُرَابَحَةِ (وَلَوْ عَلَى عِوَضٍ مَضْمُونٍ) : أَيْ مَوْصُوفٍ نَقَدَهُ فِي سِلْعَةٍ وَأَوْلَى مُقَوَّمٍ مُعَيَّنٍ فَمَنْ ابْتَاعَ سِلْعَةً بِحَيَوَانٍ أَوْ عَرْضٍ مَوْصُوفٍ أَوْ مُعَيَّنٍ وَنَقَدَهُ فِيهَا جَازَ أَنْ يَبِيعَهَا مُرَابَحَةً عَلَى مَا نَقَدَ لَا عَلَى قِيمَتِهِ إذَا وَصَفَهُ لِلْمُشْتَرِي عِنْدَ أَبِي الْقَاسِمِ وَمَنَعَهُ أَشْهَبُ؛ فَقَوْلُنَا: " مَضْمُونٍ ": أَيْ مَوْصُوفٍ نَصَّ عَلَى الْمُتَوَهَّمِ، فَأَوْلَى أَنْ كَانَ الْعِوَضُ مُعَيَّنًا: كَهَذَا الثَّوْبُ. وَقَوْلُ الشَّيْخِ: " مُقَوَّمٌ " صَادِقٌ بِهِمَا. وَالْمُرَادُ أَنَّهُ نَقَدَ فِيهَا الْعِوَضَ وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ فِي الذِّمَّةِ إذْ مَا لَمْ يَبْرُزْ فِي الْخَارِجِ لَا تَصِحُّ مُرَابَحَةٌ عَلَيْهِ.
ــ
[حاشية الصاوي]
قَوْلُهُ: [وَالِاسْتِرْسَالُ] : عَطْفٌ مُرَادِفٌ عَلَى مَا قَبْلَهُ وَإِنَّمَا كَانَتْ الْمُسَاوَمَةُ أَحَبَّ لِمَا فِي الْمُزَايَدَةِ مِنْ السَّوْمِ عَلَى سَوْمِ الْأَخِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ وَلِمَا فِي الِاسْتِئْمَانِ مِنْ الْجَهْلِ وَالْخَطَرِ وَلِتَوَقُّفِ الْمُرَابَحَةِ عَلَى أُمُورٍ كَثِيرَةٍ.
قَوْلُهُ: [وَلَوْ عَلَى عِوَضٍ] : صَوَابُهُ مُقَوَّمٌ كَمَا قَالَ خَلِيلٌ؛ أَيْ هَذَا إذَا كَانَ ثَمَنُ السِّلْعَةِ الْمَبِيعَةِ مُرَابَحَةً عَيْنًا بَلْ وَلَوْ كَانَ عَلَى مُقَوَّمٍ وَفِيهِ رَدٌّ عَلَى أَشْهَبَ كَمَا سَيَأْتِي.
قَوْلُهُ: [وَمَنَعَهُ أَشْهَبُ] : أَيْ إذَا كَانَ الْمُقَوَّمُ الْمَوْصُوفُ لَيْسَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي مُرَابَحَةٌ لِمَا فِيهِ مِنْ سَلَمِ الْحَالِّ، لِأَنَّ دُخُولَ الْبَائِعِ عَلَى أَنَّ الْمُشْتَرِيَ يَدْفَعُ لَهُ الْمُقَوَّمُ الْمَوْصُوفُ الْآنَ هُوَ عَيْنُ السَّلَمِ الْحَالِّ، وَهُوَ بَاطِلٌ عِنْدَنَا: وَاخْتُلِفَ: هَلْ ابْنُ الْقَاسِمِ يُجَوِّزُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ؟ فَيَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَشْهَبَ خِلَافٌ، أَوْ يَمْنَعُهَا فَيَكُونُ مُوَافِقًا؟ وَمَحَلُّ الْخِلَافِ بَيْنَهُمَا فِي مُقَوَّمٍ مَضْمُونٍ لَيْسَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي وَلَكِنْ يَقْدِرُ عَلَى تَحْصِيلِهِ وَإِلَّا لَمُنِعَ اتِّفَاقًا كَمَا يَتَّفِقَانِ عَلَى الْمَنْعِ فِي مُقَوَّمٍ مُعَيَّنٍ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ لِشِدَّةِ الْغَرَرِ، وَأَمَّا مَضْمُونٌ أَوْ مُعَيَّنٌ فِي مِلْكِهِ فَيَتَّفِقَانِ عَلَى جَوَازِهِ فَالصُّوَرُ خَمْسٌ: الْأُولَى: مُقَوَّمٌ مَضْمُونٌ لَيْسَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي وَلَكِنْ يَقْدِرُ عَلَى تَحْصِيلِهِ. وَالثَّانِيَةُ: مِثْلُهَا لَكِنْ لَا يَقْدِرُ عَلَى تَحْصِيلِهِ. وَالثَّالِثَةُ: مُعَيَّنٌ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ. وَالرَّابِعَةُ: مَضْمُونٌ فِي مِلْكِهِ. وَالْخَامِسَةُ: مُعَيَّنٌ فِي مِلْكِهِ.
قَوْلُهُ: [وَالْمُرَادُ أَنَّهُ نَقَدَ فِيهَا الْعِوَضَ] : يَعْنِي أَنَّ بَائِعَ الْمُرَابَحَةِ نَقَدَ الْعِوَضَ الَّذِي يَبِيعُ عَلَيْهِ مُرَابَحَةً لِمَنْ اشْتَرَى مِنْهُ.