الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَصْلٌ فِي بَيَانِ حُكْمِ بُيُوعِ الْآجَالِ وَهُوَ بَيْعُ الْمُشْتَرِي مَا اشْتَرَاهُ لِبَائِعِهِ أَوْ لِوَكِيلِهِ لِأَجَلٍ. وَهُوَ بَيْعٌ ظَاهِرُهُ الْجَوَازُ، لَكِنَّهُ قَدْ يُؤَدِّي إلَى مَمْنُوعٍ؛ فَيَمْتَنِعُ وَلَوْ لَمْ يَقْصِدْ فِيهِ التَّوَصُّلَ إلَى الْمَمْنُوعِ، سَدًّا لِلذَّرِيعَةِ الَّتِي هِيَ مِنْ قَوَاعِدِ الْمَذْهَبِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَا أَدَّى إلَى الْوَاجِبِ وَاجِبٌ، وَمَا أَدَّى إلَى الْحَرَامِ حَرَامٌ وَلَوْ لَمْ
ــ
[حاشية الصاوي]
[فَصْلٌ فِي حُكْمِ بُيُوعِ الْآجَالِ] [
يَمْنَع مِنْ الْبُيُوع مَا أَدَّى إلَى مَمْنُوع]
فَصْلٌ: قَوْلُهُ: [لِبَائِعِهِ] : مُتَعَلِّقٌ بِبَيْعٍ. وَقَوْلُهُ: [لِأَجَلٍ] : مُتَعَلِّقٌ بِاشْتَرَاهُ. قَوْلُهُ: [وَهُوَ بَيْعٌ ظَاهِرُهُ الْجَوَازُ] : وَاعْتَبَرَ الشَّافِعِيُّ ذَلِكَ، فَعِنْدَهُ بُيُوعُ الْآجَالِ جَائِزَةٌ فِي جَمِيعِ الصُّوَرِ. قَوْلُهُ:[سَدًّا لِلذَّرِيعَةِ] : الذَّرِيعَةُ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ: الْوَسِيلَةُ إلَى الشَّيْءِ وَأَصْلُهَا عِنْدَ الْعَرَبِ مَا تَأْلَفُهُ النَّاقَةُ الشَّارِدَةُ مِنْ الْحَيَوَانِ لِتَنْضَبِطَ بِهِ. ثُمَّ نُقِلَتْ إلَى الْبَيْعِ الْجَائِزِ الْمُتَحَيَّلِ بِهِ عَلَى مَا لَا يَجُوزُ، وَكَذَلِكَ غَيْرِ الْبَيْعِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ، فَهِيَ مِنْ مَجَازِ الْمُشَابَهَةِ. وَالذَّرَائِعُ ثَلَاثَةٌ: مَا أُجْمِعَ عَلَى إلْغَائِهِ كَالْمَنْعِ مِنْ زَرْعِ الْعِنَبِ لِأَجْلِ الْخَمْرِ، وَمَا أُجْمِعَ عَلَى إعْمَالِهِ كَالْمَنْعِ مِنْ سَبِّ الْأَصْنَامِ عِنْدَ مَنْ يَعْلَمُ أَنَّهُ يَسُبُّ اللَّهَ عِنْدَ ذَلِكَ، وَمَا اُخْتُلِفَ فِيهِ كَالنَّظَرِ لِلْأَجْنَبِيَّةِ وَالتَّحَدُّثِ مَعَهَا وَبُيُوعِ الْآجَالِ.
وَمَذْهَبُ مَالِكٍ مَنْعُهَا ابْنُ عَرَفَةَ: بُيُوعُ الْآجَالِ يُطْلَقُ مُضَافًا وَلَقَبًا. الْأَوَّلُ: مَا أَجَلُ ثَمَنِهِ الْعَيْنُ وَمَا أَجَلُ ثَمَنِهِ غَيْرُهَا سَلَمٌ. وَالثَّانِي: لَقَبٌ لِتَكَرُّرِ بَيْعِ عَاقِدِي الْأَوَّلِ وَلَوْ بِغَيْرِ عَيْنٍ قَبْلَ انْقِضَائِهِ، وَقَوْلُهُ: لِتَكَرُّرٍ إلَخْ أَخْرَجَ بِهِ عَدَمَ تَكَرُّرِ الْبَيْعِ فِي الْعُقْدَةِ وَتَكَرُّرِهَا مِنْ غَيْرِ عَاقِدِ الْأَوَّلِ (اهـ. خَرَشِيٌّ) .
قَوْلُهُ: [وَمَا أَدَّى إلَى الْحَرَامِ حَرَامٌ] : فَالْحَرَامُ كَسَلَفٍ جَرَّ نَفْعًا أَوْ ضَمَانٍ يُجْعَلُ أَوْ شَرْطِ بَيْعٍ وَسَلَفٍ أَوْ صَرْفٍ مُؤَخَّرٍ أَوْ بَدَلٍ مُؤَخَّرٍ أَوْ فَسْخِ مَا فِي مُؤَخَّرٍ أَوْ غَيْرِ
يَقْصِدْ الْحَرَامَ، كَمَا أَنَّ مَا أَدَّى إلَى الْجَائِزِ جَائِزٌ كَمَا فِي بَعْضِ مَسَائِلِ هَذَا الْبَابِ
وَلِذَا قَالَ:
(يُمْنَعُ) مِنْ الْبُيُوعِ (مَا أَدَّى لِمَمْنُوعٍ يَكْثُرُ قَصْدُهُ) : لِلْمُتَبَايِعَيْنِ وَلَوْ لَمْ يُقْصَدْ بِالْفِعْلِ.
(كَسَلَفٍ بِمَنْفَعَةٍ) : أَيْ كَبَيْعٍ أَدَّى إلَى ذَلِكَ؛ كَبَيْعِهِ سِلْعَةً بِعَشْرَةٍ لِأَجَلٍ ثُمَّ يَشْتَرِيهَا بِخَمْسٍ نَقْدًا أَوْ إلَى أَجَلٍ أَقَلَّ فَقَدْ آلَ الْأَمْرُ إلَى رُجُوعِ السِّلْعَةِ لِرَبِّهَا وَقَدْ دَفَعَ قَلِيلًا عَادَ إلَيْهِ كَثِيرًا.
ــ
[حاشية الصاوي]
ذَلِكَ مِنْ عِلَلِ الْمَنْعِ الْآتِيَةِ.
قَوْلُهُ: [يَكْثُرُ قَصْدُهُ] : أَيْ لَا مَا قَلَّ قَصْدُهُ فَلَا يُمْنَعُ لِضَعْفِ التُّهْمَةِ كَتُهْمَةِ ضَمَانٍ بِجُعْلٍ وَتُهْمَةِ: أَسْلِفْنِي وَأُسْلِفْكَ. فَمِثَالُ الْأَوَّلِ: أَنْ يَبِيعَهُ ثَوْبَيْنِ بِدِينَارٍ لِشَهْرٍ ثُمَّ يَشْتَرِي مِنْهُ عِنْدَ الْأَجَلِ أَوْ دُونَهُ أَحَدَهُمَا بِدِينَارٍ، فَيَجُوزُ وَلَا يُنْظَرُ لِكَوْنِهِ دَفَعَ لَهُ ثَوْبَيْنِ لِيَضْمَنَ لَهُ أَحَدَهُمَا وَهُوَ الثَّوْبُ الَّذِي اشْتَرَاهُ مُدَّةَ بَقَائِهِ عِنْدَهُ بِالْآخَرِ لِضَعْفِ تُهْمَةِ ذَلِكَ وَلِقِلَّةِ قَصْدِ النَّاسِ إلَى ذَلِكَ، وَأَمَّا صَرِيحُ ضَمَانٍ بِجُعْلٍ فَلَا خِلَافَ فِي مَنْعِهِ؛ لِأَنَّ الشَّارِعَ جَعَلَ الضَّمَانَ وَالْجَاهَ وَالْقَرْضَ لَا يُفْعَلُ إلَّا لِلَّهِ. وَمِثَالُ الثَّانِي: أَنْ تَبِيعَهُ ثَوْبًا بِدِينَارَيْنِ إلَى شَهْرٍ تَشْتَرِيهِ مِنْهُ بِدِينَارٍ نَقْدًا أَوْ دِينَارٍ إلَى شَهْرَيْنِ، فَآلَ أَمْرُ الْبَائِعِ إلَى أَنَّهُ دَفَعَ الْآنَ دِينَارًا سَلَفًا لِلْمُشْتَرِي وَيَأْخُذُ عِنْدَ رَأْسِ الشَّهْرِ دِينَارَيْنِ؛ أَحَدُهُمَا عَنْ دِينَارِهِ، وَالثَّانِي: سَلَفٌ مِنْهُ يَدْفَعُ لَهُ مُقَابِلَهُ عِنْدَ رَأْسِ الشَّهْرِ الثَّانِي، فَلَا يُمْنَعُ أَيْضًا لِضَعْفِ التُّهْمَةِ. لِأَنَّ النَّاسَ فِي الْغَالِبِ لَا يَقْصِدُونَ إلَى السَّلَفِ لَا نَاجِزًا لِأَبْعَدَ مُدَّةٍ كَذَا فِي الْأَصْلِ.
قَوْلُهُ: [وَلَوْ لَمْ يَقْصِدْ بِالْفِعْلِ] : فِي الْمَوَّاقِ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ أَنَّهُ لَا إثْمَ عَلَى فَاعِلِهِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ حَيْثُ لَمْ يَقْصِدْ الْأَمْرَ الْمَمْنُوعَ.
قَوْلُهُ: [كَسَلَفٍ بِمَنْفَعَةٍ] : أَدْخَلَتْ الْكَافُ بَاقِيَ الْعِلَلِ الْمُحَرَّمَةِ. قَوْلُهُ: [أَيْ كَبَيْعٍ أَدَّى إلَى ذَلِكَ] : أَيْ فَفِي الظَّاهِرِ جَائِزٌ وَبِاعْتِبَارِ مَا يَئُولُ إلَيْهِ حَرَامٌ. قَوْلُهُ: [بِخَمْسَةٍ نَقْدًا] إلَخْ: وَمِثْلُ ذَلِكَ فِي النَّهْيِ مَا إذَا اشْتَرَاهَا بِأَكْثَرَ لِأَبْعَدَ كَمَا يَأْتِي.