الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَمُنَاسَبَتُهُ لِمَا قَبْلَهُ: أَنَّ فِيهِ قَسْمَ الرِّبْحِ بَيْنَ الْعَامِلِ وَرَبِّ الْمَالِ وَنَوْعَ شَرِكَةٍ قَبْلَ الْقَسْمِ. وَهُوَ بِكَسْرِ الْقَافِ: مَأْخُوذٌ مِنْ الْقَرْضِ وَهُوَ الْقَطْعُ؛ لِأَنَّ رَبَّ الْمَالِ قَطَعَ لِلْعَامِلِ قِطْعَةً مِنْ مَالِهِ يَتَصَرَّفُ فِيهَا بِقِطْعَةٍ مِنْ الرِّبْحِ. وَيُسَمَّى مُضَارَبَةً أَيْضًا. وَعَرَّفَهُ بِقَوْلِهِ:
(الْقِرَاضُ) الصَّحِيحُ عُرْفًا:
ــ
[حاشية الصاوي]
[بَابٌ فِي الْقِرَاضِ وَأَحْكَامِهِ] [
تَعْرِيف الْقِرَاض]
قَوْلُهُ: [وَنَوْعُ شَرِكَةٍ] : عَطْفٌ عَلَى قَسَمٍ.
قَوْلُهُ: [مِنْ الْقَرْضِ] : أَيْ بِفَتْحِ الْقَافِ.
قَوْلُهُ: [وَهُوَ الْقَطْعُ] : وَقِيلَ مَأْخُوذٌ مِنْ الْقَرْضِ: وَهُوَ مَا يُجَازَى عَلَيْهِ الرَّجُلُ مِنْ خَيْرٍ أَوْ شَرٍّ؛ لِأَنَّ الْمُقْتَرِضَيْنِ قَصَدَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَى مَنْفَعَةِ الْآخَرِ، فَهُوَ مُقَارَضَةٌ مِنْ الْجَانِبَيْنِ.
قَوْلُهُ: [وَيُسَمَّى مُضَارَبَةً أَيْضًا] : أَيْ عِنْدَ أَهْلِ الْعِرَاقِ، أَخْذًا مِنْ قَوْله تَعَالَى:{وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الأَرْضِ} [المزمل: 20] الْآيَةَ، وَذَلِكَ أَنَّ الرَّجُلَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ كَانَ يَدْفَعُ إلَى الرَّجُلِ مَالَهُ عَلَى الْخُرُوجِ بِهِ إلَى الشَّامِ وَغَيْرِهَا فَيَبْتَاعُ الْمَتَاعَ عَلَى هَذَا الشَّرْطِ، وَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِهِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، وَكَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَأَقَرَّهُ الْمُصْطَفَى عليه الصلاة والسلام فِي الْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّ الضَّرُورَةَ دَعَتْ إلَيْهِ لِحَاجَةِ النَّاسِ إلَى التَّصَرُّفِ فِي أَمْوَالِهِمْ، وَلَيْسَ كُلُّ أَحَدٍ يَقْدِرُ عَلَى التَّنْمِيَةِ بِنَفْسِهِ، وَهُوَ مُسْتَثْنًى لِلضَّرُورَةِ مِنْ الْإِجَارَةِ الْمَجْهُولَةِ.
قَوْلُهُ: [الصَّحِيحُ] : دَفَعَ بِهِ مَا يُتَوَهَّمُ أَنَّ هَذَا التَّعْرِيفَ يَشْمَلُ الصَّحِيحَ وَالْفَاسِدَ؛ لِأَنَّ شَأْنَ التَّعَارِيفِ أَنْ تَكُونَ لِلْمَاهِيَّاتِ صَحِيحِهَا وَفَاسِدِهَا، فَأَفَادَ أَنَّ هَذَا التَّعْرِيفَ لِخُصُوصِ الصَّحِيحِ.
قَوْلُهُ: [عُرْفًا] : أَيْ وَأَمَّا لُغَةً فَقَدْ تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ: مَأْخُوذٌ مِنْ الْقَرْضِ إلَخْ.
(دَفْعُ مَالِكٍ) مِنْ إضَافَةِ الْمَصْدَرِ لِفَاعِلِهِ. (مَالًا) مَفْعُولُهُ (مِنْ نَقْدٍ) ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ، خَرَجَ بِهِ الْعَرْضُ (مَضْرُوبٍ) أَيْ مَسْكُوكٍ، وَخَرَجَ التِّبْرُ وَالنِّقَارُ مِنْهُمَا (مُسَلَّمٍ) مِنْ الْمَالِكِ، لَا بِدَيْنٍ عَلَيْهِ أَوْ مُحَالٍ بِهِ عَلَى أَحَدٍ (مَعْلُومٍ) قَدْرًا وَصِفَةً لَا مَجْهُولٍ، (لِمَنْ) : مُتَعَلِّقٌ: بِ " دَفْعُ ": أَيْ دَفَعَهُ لِعَامِلٍ (يَتَّجِرُ بِهِ) . وَالتَّجْرُ: التَّصَرُّفُ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ لِتَحْصِيلِ رِبْحٍ.
(بِجُزْءٍ) : أَيْ فِي نَظِيرِ جُزْءٍ شَائِعٍ (مَعْلُومٍ) كَرُبْعٍ أَوْ نِصْفٍ لَا مَجْهُولٍ (مِنْ رِبْحِهِ) : أَيْ مِنْ رِبْحِ ذَلِكَ الْمَالِ الْمَدْفُوعِ، لَا مِنْ رِبْحِ غَيْرِهِ، وَلَا بِقَدْرٍ مَخْصُوصٍ؛ كَعَشْرَةِ دَنَانِيرَ مِنْ رِبْحِهِ (قَلَّ) ذَلِكَ الْجُزْءُ كَعُشْرٍ (أَوْ كَثُرَ) كَنِصْفٍ أَوْ أَكْثَرَ، (بِصِيغَةٍ) دَالَّةٍ عَلَى ذَلِكَ، وَلَوْ مِنْ أَحَدِهِمَا وَبِرِضَى الْآخَرِ. وَلَا يُشْتَرَطُ اللَّفْظُ كَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ وَلِذَا عَبَّرَ ابْنُ الْحَاجِبِ فِي تَعْرِيفِهِ بِإِجَارَةٍ حَيْثُ قَالَ:
ــ
[حاشية الصاوي]
قَوْلُهُ: [خَرَجَ بِهِ الْعَرْضُ] : أَيْ وَمِنْهُ الْفُلُوسُ الْجُدُدُ فَلَا تَكُونُ رَأْسَ مَالٍ.
قَوْلُهُ: [مَضْرُوبٍ] : كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَزِيدَ مُتَعَامَلٌ بِهِ لِيَخْرُجَ الْمَضْرُوبُ الَّذِي لَا يُتَعَامَلُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ غَيْرِ الْمَضْرُوبِ كَمَا أَفَادَهُ زَرُّوقٌ. لَكِنْ قَالَ (ح) : لَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِهِ فَلِذَلِكَ شَارِحُنَا تَرَكَ زِيَادَةَ هَذَا الْقَيْدِ.
قَوْلُهُ: [لَا بِدَيْنٍ عَلَيْهِ] : أَيْ عَلَى الْعَامِلِ بِأَنْ يَقُولَ لَهُ: اتَّجِرْ فِي الدَّيْنِ الَّذِي عَلَيْك وَالرِّبْحُ بَيْنِي وَبَيْنَك، وَكَذَلِكَ يَصِحُّ فِي الرَّهْنِ أَوْ الْوَدِيعَةِ الَّتِي عِنْدَ الْعَامِلِ مَا لَمْ يُقْبِضْ الدَّيْنُ لِرَبِّ الْمَالِ وَيُسَلِّمْهُ لِلْعَامِلِ أَوْ يُحْضِرْهُ وَيُشْهِدْ عَلَيْهِ كَمَا يَأْتِي.
قَوْلُهُ: [أَوْ مُحَالٍ بِهِ] : أَيْ كَمَا إذَا قَالَ لَهُ اقْبِضْ الدَّيْنَ الَّذِي لِي عَلَى فُلَانٍ وَاتَّجِرْ فِيهِ، فَمُرَادُهُ بِالْحَوَالَةِ التَّوْكِيلُ فِي قَبْضِ الدَّيْنِ الَّذِي لَهُ عَلَى الْغَيْرِ، وَإِلَّا فَالْحَوَالَةُ الْمُصْطَلَحُ عَلَيْهَا لَا تَصِحُّ هُنَا؛ لِأَنَّ الْمَالَ يَأْخُذُهُ الْمُحَالُ لِنَفْسِهِ مِلْكًا.
قَوْلُهُ: [مَعْلُومٍ قَدْرًا وَصِفَةً] : أَيْ فَيُشْتَرَطُ عِلْمُ رَأْسِ الْمَالِ؛ لِأَنَّ الْجَهْلَ بِهِ يُؤَدِّي لِلْجَهْلِ بِالرِّبْحِ. وَيَجُوزُ بِالنَّقْدِ الْمَوْصُوفِ بِمَا تَقَدَّمَ وَلَوْ كَانَ مَغْشُوشًا.
قَوْلُهُ: [كَعَشْرَةِ دَنَانِيرَ] : أَيْ إلَّا أَنْ يَنْسُبَهَا لِقَدْرٍ سَمَّاهُ مِنْ الرِّبْحِ، كَ: لَك عَشْرَةٌ إنْ كَانَ الرِّبْحُ مِائَةً فَيَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْعُشْرِ.
إجَارَةٌ عَلَى التَّجْرِ فِي مَالٍ بِجُزْءٍ مِنْ رِبْحِهِ، وَعَبَّرَ الشَّيْخُ بِقَوْلِهِ: تَوْكِيلٌ عَلَى تَجْرٍ فِي نَقْدٍ إلَخْ، إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْعُقُودِ اللَّازِمَةِ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ بَلْ لِكُلٍّ الْفَسْخُ قَبْلَ الْعَمَلِ كَمَا سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَقَوْلُنَا:" دَفْعُ " قَدْ يُشِيرُ لِذَلِكَ مَعَ إخْرَاجِ الدَّيْنِ ابْتِدَاءً، وَإِنْ كَانَ لَا يُخْرِجُ الدَّيْنَ صَرِيحًا إلَّا بِقَوْلِهِ:" مُسَلَّمٍ ".
ثُمَّ ذَكَرَ مُحْتَرَزَ بَعْضِ الْقُيُودِ الْمَذْكُورَةِ. فَذَكَرَ مُحْتَرَزَ " نَقْدٍ " بِقَوْلِهِ: (لَا بِعَرْضٍ) كَعَبْدٍ أَوْ ثَوْبٍ، وَكَذَا مِثْلِيٌّ غَيْرُ نَقْدٍ طَعَامًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ. فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ رَأْسَ مَالِ قِرَاضٍ، وَلَوْ بِبِلَادٍ لَا يُوجَدُ فِيهَا النَّقْدُ كَالسُّودَانِ وَلَا يَجُوزُ اعْتِبَارُ قِيمَتِهِ رَأْسَ مَالٍ. فَإِنْ قَالَ لَهُ: بِعْهُ وَاجْعَلْ ثَمَنَهُ رَأْسَ مَالٍ فَسَيَأْتِي النَّصُّ عَلَيْهِ. وَذَكَرَ مُحْتَرَزٌ " مَضْرُوبٍ " بِقَوْلِهِ: (وَلَا تِبْرٍ) وَلَا نِقَارِ فِضَّةٍ وَلَا سَبِيكَةٍ مِنْهُمَا، فَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ رَأْسَ مَالِ قِرَاضٍ (إلَّا أَنْ يُتَعَامَلَ بِهِ) : أَيْ بِالتِّبْرِ وَنَحْوِهِ (فَقَطْ) وَلَمْ يُوجَدْ عِنْدَهُمْ مَسْكُوكٌ يُتَعَامَلُ بِهِ (بِبَلَدِهِ) : أَيْ فِي بَلَدِ الْقِرَاضِ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ حِينَئِذٍ أَنْ يَكُونَ رَأْسَ مَالٍ. وَمَفْهُومُ:" فَقَطْ " أَنَّهُ إنْ وُجِدَ مَسْكُوكٌ يُتَعَامَلُ بِهِ عِنْدَهُمْ أَيْضًا
ــ
[حاشية الصاوي]
قَوْلُهُ: [قَدْ يُشِيرُ لِذَلِكَ] : أَيْ لِمَا ذُكِرَ مِنْ عَدَمِ اشْتِرَاطِ التَّلَفُّظِ وَاللُّزُومِ حَيْثُ عَبَّرَ بِدَفْعٍ.
قَوْلُهُ: [مَعَ إخْرَاجِ الدَّيْنِ] : أَيْ بِلَفْظِ دَفْعٍ.
قَوْلُهُ: [الْقُيُودُ الْمَذْكُورَةُ] : أَيْ وَهِيَ ثَمَانٍ: نَقْدٌ مَضْرُوبٌ مُسَلَّمٌ مَعْلُومٌ لِمَنْ يَتَّجِرُ بِهِ بِجُزْءٍ مَعْلُومٍ مِنْ رِبْحِهِ بِصِيغَةٍ.
قَوْلُهُ: [لَا بِعَرْضٍ] : هَذَا مُحْتَرَزُ أَوَّلِ الْقُيُودِ.
قَوْلُهُ: [طَعَامًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ] : تَعْمِيمٌ فِي الْمِثْلِيِّ غَيْرِ النَّقْدِ، وَتَقَدَّمَ أَنَّ الْمِثْلِيَّ مَا ضَبَطَهُ كَيْلٌ أَوْ وَزْنٌ أَوْ عَدَدٌ.
قَوْلُهُ: [وَلَوْ بِبِلَادٍ لَا يُوجَدُ فِيهَا] : أَيْ لِأَنَّ الْقِرَاضَ رُخْصَةٌ يُقْتَصَرُ فِيهَا عَلَى مَا وَرَدَ كَمَا يَأْتِي.
قَوْلُهُ: [فَسَيَأْتِي النَّصُّ عَلَيْهِ] : أَيْ فِي قَوْلِهِ، وَإِنْ وَكَّلَهُ عَلَى خَلَاصِ دَيْنٍ إلَخْ.
لَمْ يَجُزْ التِّبْرُ وَنَحْوَهُ لِوُجُودِ الْأَصْلِ. (كَفُلُوسٍ) : أَيْ الْجُدُدُ النُّحَاسُ لَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ قِرَاضًا وَلَوْ تُعُومِلَ بِهَا، وَلَوْ فِي الْمُحَقَّرَاتِ؛ لِأَنَّ الْقِرَاضَ رُخْصَةٌ يُقْتَصَرُ فِيهَا عَلَى مَا وَرَدَ وَيَبْقَى مَا عَدَاهُ عَلَى الْأَصْلِ مِنْ الْمَنْعِ. وَذَكَرَ مُحْتَرَزَ:" مُسَلَّمٍ " بِقَوْلِهِ: (وَلَا بِدَيْنٍ وَ) لَا (بِرَهْنٍ وَ) لَا (وَدِيعَةٍ) عِنْدَ الْعَامِلِ أَوْ غَيْرِهِ كَأَمِينٍ. فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ وَاحِدٌ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ قِرَاضًا، أَمَّا الدَّيْنُ فَلِأَنَّهُ يُتَّهَمُ عَلَى أَنَّهُ أَخَّرَهُ لِيَزِيدَهُ فِيهِ، وَأَمَّا الرَّهْنُ الْوَدِيعَةُ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لِأَنِّي أَخَافُ أَنْ يَكُونَ أَنْفَقَهَا فَصَارَتْ عَلَيْهِ دَيْنًا (انْتَهَى) وَكَلَامُنَا فِي الْمَضْرُوبِ، فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَنْفَقَ مَا عِنْدَهُ مِنْ رَهْنٍ مَسْكُوكٍ أَوْ وَدِيعَةٍ، ثُمَّ تَوَاطَآ عَلَى التَّأْخِيرِ بِزِيَادَةٍ، وَهَذَا ظَاهِرٌ فِيمَا إذَا كَانَتْ تَحْتَ يَدِ الْعَامِلِ، وَأَمَّا لَوْ كَانَتْ تَحْتَ يَدِ أَمِينٍ فَقِيلَ: عِلَّةُ الْمَنْعِ انْتِفَاعُ رَبِّ الْمَالِ الرَّهْنِ أَوْ الْوَدِيعَةِ لِتَخَلُّصِهِمَا مِنْ الْأَمِينِ. وَلَا شَكَّ أَنَّهَا عِلَّةٌ ضَعِيفَةٌ فَقَوْلُ الشَّيْخِ: وَلَوْ بِيَدِهِ، صَوَابُهُ قَلْبُ الْمُبَالَغَةِ - كَمَا قَالَ ابْنُ غَازِيٍّ - بِأَنْ يَقُولَ: وَلَوْ بِيَدِ غَيْرِهِ، وَاعْتِرَاضُهُمْ عَلَى ابْنِ غَازِيٍّ مِمَّا لَا وَجْهَ لَهُ، فَتَدَبَّرْ.
ــ
[حاشية الصاوي]
قَوْلُهُ: [وَلَوْ تُعُومِلَ بِهَا] : ظَاهِرُهُ وَلَوْ لَمْ يُوجَدْ غَيْرُهَا.
قَوْلُهُ: [يُقْتَصَرُ فِيهَا عَلَى مَا وَرَدَ] : فِي (بْن) . قَالَ بَعْضُهُمْ: وَالظَّاهِرُ فِي نَحْوِ هَذَا الْجَوَازُ؛ لِأَنَّ الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ لَيْسَتْ مَقْصُودَةً لِذَاتِهَا حَتَّى يَمْتَنِعَ بِغَيْرِهَا حَيْثُ انْفَرَدَ التَّعَامُلُ بِهِ، بَلْ هِيَ مَقْصُودَةٌ مِنْ حَيْثُ التَّنْمِيَةُ.
قَوْلُهُ: [عَلَى أَنَّهُ أَخَّرَهُ] : أَيْ فَيَكُونُ رِبًا.
قَوْلُهُ: [أَنْ يَكُونَ أَنْفَقَهَا] : الضَّمِيرُ يَعُودُ عَلَى الْعَيْنِ الْمَرْهُونَةِ أَوْ الْمُودَعَةِ.
قَوْلُهُ: [الرَّهْنُ أَوْ الْوَدِيعَةُ] : بَدَلٌ مِنْ الْمَالِ.
قَوْلُهُ: [وَاعْتِرَاضُهُمْ عَلَى ابْنِ غَازِيٍّ] إلَخْ: أَيْ فَقَدْ اعْتَرَضَ شُرَّاحُ خَلِيلٍ عَلَى ابْنِ غَازِيٍّ حَيْثُ اعْتَرَضَ عَلَى خَلِيلٍ فِي الْمُبَالَغَةِ بِالْوَجْهِ الَّذِي قَالَهُ شَارِحُنَا، فَوَجَّهُوا كَلَامَ خَلِيلٍ بِأَنَّ انْتِفَاعَ رَبِّ الْمَالِ بِتَخْلِيصِ الْعَامِلِ الرَّهْنَ أَوْ الْوَدِيعَةَ أَمْرٌ مُحَقَّقٌ، وَأَمَّا احْتِمَالُ اتِّفَاقِ الْعَيْنِ إنْ كَانَتْ تَحْتَ يَدِ الْعَامِلِ فَأَمْرٌ مُتَوَهَّمٌ فَالْمُبَالَغَةُ عَلَيْهِ صَحِيحَةٌ، وَكَلَامُ ابْنِ غَازِيٍّ تَحَامُلٌ، فَوَجَّهَ شَارِحُنَا كَلَامَ ابْنِ غَازِيٍّ بِمَا عَلِمْت.
(وَ) لَوْ وَقَعَ الْقِرَاضُ بِدَيْنٍ عَلَى الْعَامِلِ، بِأَنْ قَالَ رَبُّهُ: اجْعَلْ مَا عَلَيْك مِنْ الدَّيْنِ قِرَاضًا عَلَى أَنَّ الرِّبْحَ بَيْنَنَا كَذَا (اسْتَمَرَّ) الدَّيْنُ (دَيْنًا) عَلَى الْعَامِلِ يَضْمَنُهُ لِرَبِّهِ وَيَخْتَصُّ الْعَامِلُ بِالرِّبْحِ وَعَلَيْهِ الْخُسْرُ، وَلَا عِبْرَةَ بِمَا وَقَعَ مِنْهُمَا (إلَّا أَنْ يُقْبَضَ) الدَّيْنُ: بِأَنْ يَقْبِضَهُ رَبُّهُ مِنْ الْمَدِينِ ثُمَّ يَرُدُّهُ عَلَى أَنَّهُ قِرَاضٌ وَلَوْ بِالْقُرْبِ (أَوْ يُحْضَرَ) لِرَبِّهِ. (وَيُشْهِدَ عَلَيْهِ) بِعَدْلَيْنِ أَوْ عَدْلٍ وَامْرَأَتَيْنِ: عَلَى أَنَّ هَذَا الْمَالَ الَّذِي أَحْضَرَ هُوَ مَا عَلَيَّ مِنْ دَيْنٍ لِفُلَانٍ، ثُمَّ يَدْفَعُهُ لَهُ رَبُّهُ قِرَاضًا، فَيَجُوزُ. وَكَذَا الرَّهْنُ الْوَدِيعَةُ إذَا قُبِضَا أَوْ أُحْضِرَا مَعَ الْإِشْهَادِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ دَفْعُهُمَا قِرَاضًا بِالْقِيَاسِ الْجَلِيِّ عَلَى الدَّيْنِ، فَإِنْ لَمْ يُقْبَضَا وَلَمْ يُحْضَرَا وَقَالَ رَبُّهُمَا لَهُ: اتَّجِرْ بِمَا عِنْدَك مِنْ رَهْنٍ أَوْ وَدِيعَةٍ عَلَى أَنَّ الرِّبْحَ بَيْنَنَا كَذَا قِرَاضًا، فَالرِّبْحُ لِرَبِّهِمَا وَعَلَيْهِ الْخُسْرُ وَلِلْعَامِلِ أَجْرُ مِثْلِهِ. وَمَا مَرَّ فِي الْوَدِيعَةِ مِنْ أَنَّ الْمُودَعَ بِالْفَتْحِ إذَا اتَّجَرَ فِي الْوَدِيعَةِ فَالرِّبْحُ لَهُ وَالْخَسَارَةُ عَلَيْهِ، فَذَاكَ فِيمَا إذَا اتَّجَرَ فِيهَا بِغَيْرِ إذْنِ رَبِّهَا، وَهُنَا أَذِنَ
ــ
[حاشية الصاوي]
قَوْلُهُ: [وَلَا عِبْرَةَ بِمَا وَقَعَ مِنْهُمَا] : أَيْ لَا يُعْتَبَرُ عَقْدُ الْقِرَاضِ؛ لِأَنَّ الْمَعْدُومَ شَرْعًا كَالْمَعْدُومِ حِسًّا.
قَوْلُهُ: [إلَّا أَنْ يَقْبِضَ الدَّيْنَ] : أَيْ وَلَوْ بِغَيْرِ إشْهَادٍ.
قَوْلُهُ: [أَنَّ هَذَا الْمَالَ الَّذِي أَحْضَرَ] : أَيْ مَعَ عِلْمِ الشُّهُودِ بِقَدْرِهِ، وَحِينَئِذٍ يَخْرُجُ بِهَذَا الْإِحْضَارِ مِنْ الذِّمَّةِ إلَى الْأَمَانَةِ.
قَوْلُهُ: [بِالْقِيَاسِ الْجَلِيِّ عَلَى الدَّيْنِ] : أَيْ لِأَنَّ الْقَبْضَ أَوْ الْإِحْضَارَ وَالْإِشْهَادَ كَافٍ فِي الدَّيْنِ مَعَ أَنَّهُ فِي الذِّمَّةِ، فَكِفَايَةُ مَا ذَكَرَ فِيمَا لَيْسَ فِي الذِّمَّةِ أَوْلَى، فَهُوَ قِيَاسٌ أَحْرَوِيٌّ.
قَوْلُهُ: [فَالرِّبْحُ لِرَبِّهِمَا] إلَخْ: إنْ قُلْتَ: مَا الْفَرْقُ بَيْنَ تِجَارَتِهِ بِالدَّيْنِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَالرَّهْنِ الْوَدِيعَةِ، حَيْثُ جَعَلْتُمْ الرِّبْحَ وَالْخُسْرَ لِلْعَامِلِ فِي الْأَوَّلِ وَلِرَبِّ الْمَالِ فِي الثَّانِي؟ قُلْتُ: إنَّ الدَّيْنَ لَمْ يَنْتَقِلْ عَنْ ذِمَّةِ الْعَامِلِ وَمَنْ عَلَيْهِ الضَّمَانُ لَهُ الْغُنْمُ، بِخِلَافِ الرَّهْنِ الْوَدِيعَةِ، فَإِنَّ الْأَصْلَ فِيهِمَا عَدَمُ الضَّمَانِ لِمَنْ هُمَا بِيَدِهِ فَتَأَمَّلْ.
قَوْلُهُ: [وَمَا مَرَّ فِي الْوَدِيعَةِ] : أَيْ فَلَا يُنَافِي مَا هُنَا؛ لِأَنَّ مَا مَرَّ صَارَتْ دَيْنًا حَيْثُ اتَّجَرَ فِيهَا بِغَيْرِ إذْنِ رَبِّهَا فَحُكْمُهَا حُكْمُ التِّجَارَةِ فِي الدَّيْنِ.