الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثُمَّ أَخَذَ يَتَكَلَّمُ عَلَى شُرُوطِ الرُّكْنِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي فَقَالَ: (وَشَرْطُ صِحَّةِ) عَقْدِ (الْعَاقِدِ: تَمْيِيزٌ) : فَلَا يَصِحُّ مِنْ غَيْرِ مُمَيِّزٍ لِصِغَرٍ أَوْ جُنُونٍ أَوْ إغْمَاءٍ أَوْ سُكْرٍ لَيْسَ بِحَرَامٍ، وَكَذَا بِحَرَامٍ إمَّا اتِّفَاقًا أَوْ عَلَى الْمَشْهُورِ. فَلَوْ أَسْقَطَ الشَّيْخُ قَوْلَهُ:" إلَّا بِسُكْرٍ فَتَرَدَّدَ " لَكَانَ أَحْسَنَ؛ لِأَنَّ مُرَادَهُ بِالتَّرَدُّدِ الطَّرِيقَتَانِ: طَرِيقَةُ ابْنِ شَعْبَانَ: عَدَمُ الصِّحَّةِ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَطَرِيقَةُ ابْنِ رُشْدٍ وَالْبَاجِيِّ: عَدَمُهَا اتِّفَاقًا. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ: سَكْرَانُ لَا يَعْرِفُ الْأَرْضَ مِنْ السَّمَاءِ وَلَا الرَّجُلَ مِنْ الْمَرْأَةِ؛ فَلَا خِلَافَ أَنَّهُ كَالْمَجْنُونِ فِي جَمِيعِ أَحْوَالِهِ وَأَقْوَالِهِ، إلَّا فِيمَا ذَهَبَ وَقْتُهُ مِنْ الصَّلَاةِ فَلَا تَسْقُطُ عَنْهُ. بِخِلَافِ الْمَجْنُونِ وَسَكْرَانُ مَعَهُ تَمْيِيزٌ بِعَقْلِهِ. قَالَ ابْنُ نَافِعٍ: يَجُوزُ عَلَيْهِ كُلُّ مَا فَعَلَ مِنْ بَيْعٍ وَغَيْرِهِ. وَقِيلَ: تَلْزَمُهُ الْجِنَايَاتُ وَالْعِتْقُ وَالطَّلَاقُ وَالْحُدُودُ وَلَا يَلْزَمُهُ الْإِقْرَارُ وَالْعُقُودُ، وَهُوَ
ــ
[حاشية الصاوي]
تَنْبِيهٌ: لَا يَضُرُّ فِي الْبَيْعِ الْفَصْلُ بَيْنَ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ، إلَّا أَنْ يَخْرُجَ عَنْ الْبَيْعِ لِغَيْرِهِ عُرْفًا. وَلِلْبَائِعِ إلْزَامُ الْمُشْتَرِي فِي الْمُزَايَدَةِ وَلَوْ طَالَ حَيْثُ لَمْ يَجْرِ عُرْفٌ بِعَدَمِهِ.
[شُرُوط أَرْكَان الْبَيْع وَشُرُوطُ لُزُومِهِ]
قَوْلُهُ: [عَقْدُ الْعَاقِدِ] : إنَّمَا قَدَّرَ الشَّارِحُ الْمُضَافَ الثَّانِيَ؛ لِأَنَّ الَّذِي يَتَصَرَّفُ بِالصِّحَّةِ وَعَدَمِهَا هُوَ الْعَقْدُ لَا الْعَاقِدُ.
قَوْلُهُ: [فَلَا يَصِحُّ مِنْ غَيْرِ مُمَيِّزٍ] : أَيْ خِلَافًا لِمَا فِي (ر) مِنْ صِحَّةِ الْعَقْدِ مِنْ غَيْرِ الْمُمَيِّزِ، إلَّا أَنَّهُ غَيْرُ لَازِمٍ؛ فَجَعَلَ التَّمْيِيزَ شَرْطًا فِي لُزُومِهِ. وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هُوَ مَا عَلَيْهِ خَلِيلٌ وَابْنُ الْحَاجِبِ وَابْنُ شَاسٍ وَيَشْهَدُ لَهُ قَوْلُ الْقَاضِي عَبْدِ الْوَهَّابِ فِي التَّلْقِينِ. وَفَسَادُ الْبَيْعِ يَكُونُ لِأُمُورٍ؛ مِنْهَا: مَا يَرْجِعُ إلَى الْمُتَعَاقِدَيْنِ مِثْلُ أَنْ يَكُونَا أَوْ أَحَدُهُمَا مِمَّنْ لَا يَصِحُّ عَقْدُهُ كَالصَّغِيرِ وَالْمَجْنُونِ. وَقَوْلُ ابْنِ بَزِيزَةَ: لَمْ يَخْتَلِفْ الْعُلَمَاءُ أَنَّ بَيْعَ الصَّغِيرِ وَالْمَجْنُونِ بَاطِلٌ لِعَدَمِ التَّمْيِيزِ.
قَوْلُهُ: [فَلَا تَسْقُطُ عَنْهُ] : أَيْ إنْ كَانَ سُكْرُهُ بِحَرَامٍ، وَإِلَّا فَكَالْمَجْنُونِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ.
قَوْلُهُ: [وَسَكْرَانُ مَعَهُ تَمْيِيزٌ بِعَقْلِهِ] : أَيْ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ سُكْرِهِ بِحَلَالٍ أَوْ بِحَرَامٍ. وَمَا حُكِيَ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ نَحْوُهُ لِلْبَاجِيِّ وَالْمَازِرِيِّ.
قَوْلُهُ: [وَقِيلَ تَلْزَمُهُ الْجِنَايَاتُ] إلَخْ: هَذَا مُقَابِلُ قَوْلِهِ: فَلَا خِلَافَ أَنَّهُ كَالْمَجْنُونِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ كَمَا قَالَ الشَّارِحُ.
مَذْهَبُ مَالِكٍ وَعَامَّةِ أَصْحَابِهِ وَهُوَ أَظْهَرُ الْأَقْوَالِ وَأَوْلَاهَا بِالصَّوَابِ. (اهـ) .
(وَ) شُرُوطُ (لُزُومِهِ) أَيْ الْبَيْعِ: (تَكْلِيفٌ) فَلَا يَلْزَمُ صَبِيًّا مُمَيِّزًا وَإِنْ صَحَّ، مَا لَمْ يَكُنْ وَكِيلًا عَنْ مُكَلَّفٍ؛ وَإِلَّا لَزِمَ لِأَنَّ الْبَيْعَ فِي الْحَقِيقَةِ مِنْ الْمُوَكِّلِ.
(وَعَدَمُ حَجْرٍ) : فَلَا يَلْزَمُ الْمَحْجُورَ لِسَفَهٍ أَوْ رِقٍّ إلَّا بِإِذْنِ الْوَلِيِّ. (وَ) عَدَمُ (إكْرَاهٍ) : فَلَا يَلْزَمُ الْمُكْرَهَ عَلَيْهِ، كَمَا قَالَ:(لَا إنْ أُجْبِرَ)، الْعَاقِدُ (عَلَيْهِ) : أَيْ عَلَى الْبَيْعِ (أَوْ عَلَى سَبَبِهِ جَبْرًا حَرَامًا) : أَيْ لَيْسَ بِحَقٍّ فَيَصِحُّ وَلَا يَلْزَمُ. (وَرَدُّ) الْمَبِيعِ (عَلَيْهِ) : أَيْ عَلَى الْبَائِعِ إذَا لَمْ يُمْضِهِ وَلَا يَفُوتُ عَلَيْهِ بِبَيْعٍ وَلَا هِبَةٍ وَلَا عِتْقٍ وَلَا إيلَادٍ (بِلَا ثَمَنٍ) يَغْرَمُهُ لِلْمُشْتَرِي، وَهَذَا خَاصٌّ بِمَا إذَا أُجْبِرَ عَلَى سَبَبِهِ؛ كَمَا إذَا أَجْبَرَهُ ظَالِمٌ عَلَى مَالٍ فَبَاعَ سِلْعَتَهُ لِإِنْسَانٍ لِيَدْفَعَ ثَمَنَهَا لِلظَّالِمِ أَوْ
ــ
[حاشية الصاوي]
قَوْلُهُ: [فَلَا يُلْزَمُ الْمُكْرَهَ عَلَيْهِ] : أَيْ عَلَى الْمَذْهَبِ. وَمُقَابِلُهُ: أَنَّهُ إذَا أُكْرِهَ عَلَى سَبَبِ الْبَيْعِ كَانَ الْبَيْعُ لَازِمًا لِمَصْلَحَةٍ؛ وَهُوَ الرِّفْقُ بِالْمَسْجُونِ لِئَلَّا يَتَبَاعَدَ النَّاسُ عَنْ الشِّرَاءِ فَيَهْلِكَ الْمَظْلُومُ. وَهَذَا الْقَوْلُ لِابْنِ كِنَانَةَ، وَقَدْ اخْتَارَهُ الْمُتَأَخِّرُونَ، وَأَفْتَى بِهِ اللَّخْمِيُّ وَالسُّيُورِيُّ وَمَالَ إلَيْهِ ابْنُ عَرَفَةَ، وَجَرَى بِهِ الْعَمَلُ بِفَاسَ - كَذَا فِي (بْن) وَفِيهِ أَيْضًا: أَنَّ مَنْ أُكْرِهَ عَلَى سَبَبِ الْبَيْعِ وَسَلَّفَهُ إنْسَانٌ دَرَاهِمَ، كَانَ لَهُ الرُّجُوعُ بِهَا عَلَيْهِ. بِخِلَافِ مَا إذَا ضَمِنَهُ إنْسَانٌ فَدَفَعَ الْمَالَ عَنْهُ لِعَدَمِهِ فَإِنَّهُ لَا رُجُوعَ لَهُ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا يَرْجِعُ عَلَى الظَّالِمِ. وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ لِلْمُكْرَهِ أَنْ يَقُولَ لِلدَّافِعِ: أَنْتَ ظَلَمْت وَمَالُك لَمْ تَدْفَعْهُ إلَيَّ، بِخِلَافِ الْمُسَلِّفِ. وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ خِلَافًا لِمَا فِي (عب) مِنْ عَدَمِ رُجُوعِ الْمُسَلِّفِ.
قَوْلُهُ: [جَبْرًا حَرَامًا] : أَيْ وَأَمَّا لَوْ أُجْبِرَ عَلَى الْبَيْعِ جَبْرًا حَلَالًا لَكَانَ الْبَيْعُ لَازِمًا؛ كَجَبْرِهِ عَلَى بَيْعِ الدَّارِ لَتَوْسِعَةِ الْمَسْجِدِ أَوْ الطَّرِيقِ أَوْ الْمَقْبَرَةِ، أَوْ عَلَى بَيْعِ سِلْعَةٍ لِوَفَاءِ دَيْنٍ أَوْ لِنَفَقَةِ زَوْجَةٍ أَوْ وَلَدٍ أَوْ وَالِدَيْنِ، أَوْ لِوَفَاءِ مَا عَلَيْهِ مِنْ الْخَرَاجِ السُّلْطَانِيِّ الَّذِي لَا ظُلْمَ فِيهِ.
أَكْرَهَهُ عَلَى أَنْ يَبِيعَهَا لِيَأْخُذَ الظَّالِمُ ثَمَنَهَا مِنْهُ أَوْ مِنْ الْمُشْتَرِي. وَأَمَّا لَوْ أَكْرَهَهُ عَلَى بَيْعِهَا وَأَخَذَ رَبُّهَا ثَمَنَهَا، فَإِنَّهَا إذَا رُدَّتْ عَلَيْهِ دَفَعَ لِلْمُشْتَرِي مَا أَخَذَهُ مِنْهُ. وَبَقِيَ مِنْ شُرُوطِ اللُّزُومِ: أَنْ يَكُونَ الْعَاقِدُ مَالِكًا أَوْ وَكِيلًا عَنْهُ وَإِلَّا فَهُوَ صَحِيحٌ غَيْرُ لَازِمٍ.
ــ
[حاشية الصاوي]
قَوْلُهُ: [وَأَمَّا لَوْ أَكْرَهَهُ عَلَى بَيْعِهَا] إلَخْ: حَاصِلُ مَا فِي الْمَقَامِ أَنَّ الْإِكْرَاهَ عَلَى سَبَبِ الْبَيْعِ فِيهِ أَقْوَالٌ ثَلَاثَةٌ قِيلَ: إنَّهُ لَازِمٌ، وَقِيلَ: غَيْرُ لَازِمٍ وَعَلَيْهِ إذَا رَدَّ الْمَبِيعَ فَهَلْ بِالثَّمَنِ أَوْ بِلَا ثَمَنٍ؛ مَشَى الْمُصَنِّفُ عَلَى أَنَّهُ بِلَا ثَمَنٍ. وَبَقِيَ قَوْلٌ رَابِعٌ لِسَحْنُونٍ يَقُولُ: إنَّ الْمَضْغُوطَ إنْ كَانَ قَبَضَ الثَّمَنَ رَدَّ الْمَبِيعَ بِالثَّمَنِ وَإِلَّا فَلَا يَغْرَمُهُ، وَأَمَّا الْإِكْرَاهُ عَلَى نَفْسِ الْبَيْعِ فَهُوَ غَيْرُ لَازِمٍ، وَيَرُدُّ الْمَبِيعَ إنْ شَاءَ الْبَائِعُ بِالثَّمَنِ قَوْلًا وَاحِدًا مَا لَمْ تَقُمْ بَيِّنَةٌ عَلَى ضَيَاعِهِ مِنْ غَيْرِ تَفْرِيطٍ.
قَوْلُهُ: [وَبَقِيَ مِنْ الشُّرُوطِ اللُّزُومُ] إلَخْ: وَبَقِيَ شَرْطٌ آخَرُ فِي الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ؛ وَهُوَ أَنَّهُ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقٌّ لِلْغَيْرِ بِدَلِيلِ مَا يَأْتِي مِنْ تَوَقُّفِ بَيْعِ الْعَبْدِ الْجَانِي عَلَى مُسْتَحِقِّ الْجِنَايَةِ. فَتَكُونُ شُرُوطُ اللُّزُومِ خَمْسَةً ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ أَرْبَعَةً وَهَذَا وَاحِدٌ.