الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ضَمَانِهِ وَلَمْ يُرَدَّ، أَوْ بَعْدَهُ. وَكَلَامُنَا أَوْفَى مِنْ كَلَامِهِ رضي الله عنه.
(وَ
التَّغْرِيرُ الْفِعْلِيُّ) مِنْ الْبَائِعِ
كَالشَّرْطِ الْمُصَرَّحِ بِهِ، فَيُرَدُّ بِهِ الْمَبِيعُ لِأَنَّهُ غَرَرٌ؛ بِخِلَافِ الْقَوْلِيِّ كَقَوْلِهِ: اشْتَرِ مِنِّي هَذَا الشَّيْءَ فَإِنَّهُ جَيِّدٌ فَيُوجَدُ بِخِلَافِهِ فَيَجْرِي عَلَى مَا تَقَدَّمَ، فَإِنْ وَجَدَ بِهِ عَيْبًا مُنْقِصًا فَلَهُ الرَّدُّ وَإِلَّا فَلَا.
(كَتَلْطِيخِ ثَوْبِ عَبْدٍ بِمِدَادٍ) أَوْ يَجْعَلُ بِيَدِهِ قَلَمًا وَمِحْبَرَةً لِيُوهِمَ الْمُشْتَرِيَ أَنَّهُ كَاتِبًا، وَكَصَبْغِ الثَّوْبِ الْقَدِيمِ لِيُوهِمَ أَنَّهُ جَدِيدٌ، وَكَصَقْلِ سَيْفٍ لِيُوهِمَ أَنَّهُ جَيِّدٌ فَيُوجَدُ بِخِلَافِهِ.
ــ
[حاشية الصاوي]
[التَّغْرِيرُ الْفِعْلِيُّ مِنْ الْبَائِعِ]
قَوْلُهُ: [وَالتَّغْرِيرُ الْفِعْلِيُّ مِنْ الْبَائِعِ كَالشَّرْطِ] : أَيْ ظُهُورُ الْحَالِ بَعْدَ التَّغْرِيرِ الْفِعْلِيِّ لَا نَفْسُ التَّغْرِيرِ الْفِعْلِيِّ.
قَوْلُهُ: [كَقَوْلِهِ اشْتَرِ مِنِّي] إلَخْ: هَذَا الْمِثَالُ فِيهِ تَسَامُحٌ فَإِنَّ الْغُرُورَ الْقَوْلِيَّ فِي هَذَا الْوَجْهِ أَشَدُّ مِنْ الْفِعْلِيِّ. وَإِنَّمَا الْمُنَاسِبُ تَمْثِيلُ الْغُرُورِ الْقَوْلِيِّ بِمَا إذَا لَمْ يُصَاحِبْهُ عَقْدٌ كَمَا سَيَأْتِي لَنَا فِي أَمْثِلَتِهِ فَتَأَمَّلْ.
قَوْلُهُ: [فَيَجْرِي عَلَى مَا تَقَدَّمَ] : أَيْ مِنْ التَّفْصِيلِ بَيْنَ الْعَيْبِ الظَّاهِرِ وَالْخَفِيِّ. وَكَوْنِ الْمُشْتَرِي أَعْمَى أَوْ بَصِيرًا. وَمِنْ الْغُرُورِ الْقَوْلِيِّ أَنْ يَقُولَ شَخْصٌ لِآخَرَ: عَامِلْ فُلَانًا فَإِنَّهُ ثِقَةٌ مَلِيءٌ وَهُوَ يَعْلَمُ خِلَافَ ذَلِكَ، فَلَا يَضْمَنُ ذَلِكَ الشَّخْصُ الْقَائِلُ مَا عَامَلَ بِهِ الْآخَرَ عَلَى الْمَشْهُورِ. وَمَحَلُّ عَدَمِ الضَّمَانِ مَا لَمْ يَقُلْ: عَامِلُهُ وَأَنَا ضَامِنٌ، وَإِلَّا ضَمِنَ مَا عَامَلَهُ فِيهِ. وَمِنْ الْغُرُورِ الْقَوْلِيِّ: صَيْرَفِيٌّ نَقَدَ دَرَاهِمَ بِغَيْرِ أَجْرٍ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَلَوْ أَخْبَرَ بِخِلَافِ مَا يَعْلَمُ وَمِنْ ذَلِكَ لَوْ أَعَارَ شَخْصٌ الْآخَرَ إنَاءً مَخْرُوقًا وَهُوَ يَعْلَمُ بِهِ وَقَالَ إنَّهُ صَحِيحٌ فَتَلِفَ مَا وُضِعَ فِيهِ، فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْغَارِّ عَلَى الْمَشْهُورِ. وَمَحَلُّ عَدَمِ الضَّمَانِ بِالْغُرُورِ الْقَوْلِيِّ مَا لَمْ يَنْضَمَّ لَهُ عَقْدُ إجَارَةٍ؛ كَصَيْرَفِيٍّ نَقَدَ بِأُجْرَةٍ وَأَخْبَرَ أَنَّهُ جَيِّدٌ مَعَ عِلْمِهِ بِرَدَاءَتِهِ، وَكَمَنْ أَخَذَ أُجْرَةً عَلَى الْإِنَاءِ وَأَخْبَرَ أَنَّهُ سَالِمٌ مَعَ عِلْمِهِ بِخَرْقِهِ قَالَهُ الْأُجْهُورِيُّ، كَذَا يُؤْخَذُ مِنْ حَاشِيَةِ الْأَصْلِ.
قَوْلُهُ: [كَتَلْطِيخِ ثَوْبِ عَبْدٍ] إلَخْ: أَيْ عِنْدَ إرَادَتِهِ بَيْعَهُ فَيَثْبُتُ لِلْمُشْتَرِي الرَّدُّ إنْ فَعَلَهُ الْبَائِعُ أَوْ أَمَرَ بِفِعْلِهِ فَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ أَنَّ الْبَائِعَ فَعَلَهُ وَلَا أَمَرَ الْعَبْدَ بِفِعْلِهِ فَلَا رَدَّ لِلْمُشْتَرِي لِاحْتِمَالِ فِعْلِ الْعَبْدِ ذَلِكَ بِغَيْرِ إذْنِ السَّيِّدِ لِكَرَاهَةِ بَقَائِهِ فِي مِلْكِهِ.
قَوْلُهُ: [أَنَّهُ كَاتِبًا] : هَكَذَا نُسْخَةُ الْأَصْلِ بِالنَّصْبِ وَالْمُنَاسِبُ الرَّفْعُ لِأَنَّهُ خَبَرُ أَنَّ.
(وَتَصْرِيَةِ حَيَوَانٍ) أَيْ تَرْكِ حَلْبِهِ لِيَعْظُمَ ضَرْعُهُ فَيُظَنَّ بِهِ كَثْرَةُ اللَّبَنِ وَلَوْ آدَمِيًّا كَأَمَةٍ لِرَضَاعٍ. قَالَ الْمَازِرِيُّ: وَلَوْ كَانَتْ التَّصْرِيَةُ فِي غَيْرِ الْأَنْعَامِ كَالْحُمُرِ وَالْآدَمِيَّاتِ فَلِلْمُبْتَاعِ مَقَالٌ؛ فَإِنَّ زِيَادَةَ لَبَنِهَا يَزِيدُ فِي ثَمَنِهَا لِتَغْذِيَةِ وَلَدِهَا.
(وَيُرَدُّ) الْحَيَوَانُ (إنْ حَلَبَهُ) الْمُشْتَرِي (بِصَاعٍ) : أَيْ مَعَ صَاعٍ (مِنْ غَالِبِ الْقُوتِ) لِأَهْلِ الْبَلَدِ، وَرَدُّ الصَّاعِ خَاصٌّ بِالْأَنْعَامِ. وَظَاهِرُهُ اتِّحَادُ الصَّاعِ وَلَوْ تَكَرَّرَ حِلَابُهَا حَيْثُ لَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا. وَغَيْرُ الْأَنْعَامِ تُرَدُّ بِلَا صَاعٍ كَالْأَنْعَامِ إذَا لَمْ يَحْلِبْهَا كَمَا يَأْتِي (وَحَرُمَ رَدُّ اللَّبَنِ) الَّذِي حَلَبَهُ مِنْهَا بَدَلًا عَنْ الصَّاعِ وَلَوْ تَرَاضَيَا عَلَى ذَلِكَ (كَغَيْرِهِ) : أَيْ غَيْرِ اللَّبَنِ مِنْ طَعَامٍ أَوْ عَيْنٍ أَوْ غَيْرِهِمَا
ــ
[حاشية الصاوي]
قَوْلُهُ: [مِنْ غَالِبِ الْقُوتِ] : أَيْ وَلَا يَتَعَيَّنُ كَوْنُهُ مِنْ تَمْرٍ عَلَى الْمَذْهَبِ وَقِيلَ يَتَعَيَّنُ لِوُقُوعِهِ فِي الْحَدِيثِ حَيْثُ قَالَ «إنْ شَاءَ أَمْسَكَهَا وَإِنْ شَاءَ رَدَّهَا وَصَاعًا مِنْ تَمْرٍ» وَحَمَلَهُ الْمَشْهُورُ عَلَى أَنَّهُ كَانَ غَالِبَ قُوتِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ. ثُمَّ إنَّ قَوْلَهُ: " مِنْ غَالِبِ الْقُوتِ " يُشْعِرُ بِأَنَّ هُنَاكَ غَالِبًا وَغَيْرَهُ. أَمَّا إنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ غَالِبٌ بَلْ كَانَ هُنَاكَ صِنْفَانِ مُسْتَوِيَانِ أَوْ ثَلَاثَةٌ مُسْتَوِيَةٌ فَإِنَّهُ يُخَيَّرُ فِي الْإِخْرَاجِ مِنْ أَيُّهَا شَاءَ مِنْ الْأَعْلَى أَوْ الْأَدْنَى أَوْ الْأَوْسَطِ، قَالَهُ الْبِسَاطِيُّ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ، وَقَالَ الشَّيْخُ عَلِيٌّ السَّنْهُورِيُّ: يَتَعَيَّنُ الْإِخْرَاجُ مِنْ الْأَوْسَطِ.
قَوْلُهُ: [وَحَرُمَ رَدُّ اللَّبَنِ] : أَيْ غَابَ عَلَيْهِ الْمُشْتَرِي أَمْ لَا. وَهَذَا إذَا رَدَّ اللَّبَنَ بِدُونِ الصَّاعِ وَأَمَّا لَوْ رَدَّ اللَّبَنَ مَعَ الصَّاعِ فَلَا حُرْمَةَ وَاعْلَمْ أَنَّ رَدَّ الْمُشْتَرِي لِلصَّاعِ أَمْرٌ تَعَبُّدِيٌّ أَمَرَنَا بِهِ الشَّارِعُ وَلَمْ نَعْقِلْ لَهُ مَعْنًى، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْقَاعِدَةَ أَنَّ " الْخَرَاجَ بِالضَّمَانِ "" وَالضَّمَانُ عَلَى الْمُشْتَرِي "، فَمُقْتَضَاهُ أَنْ يَفُوزَ بِاللَّبَنِ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ كَمَا قَالَ بَعْضُهُمْ. عَلَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ عِوَضًا عَنْ اللَّبَنِ فِيهِ بَيْعُ الطَّعَامِ بِالطَّعَامِ نَسِيئَةٌ. هَذَا وَقَدْ قَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْمَذْهَبِ - كَأَشْهَبَ: إنَّهُ لَا يُؤْخَذُ بِحَدِيثِ الْمُصَرَّاةِ لِنَسْخِهِ بِحَدِيثِ «الْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ» لِأَنَّهُ أَثْبَتُ مِنْهُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ كَابْنِ يُونُسَ لَا نَسْخَ لِأَنَّ
(بَدَلًا عَنْهُ) : أَيْ عَنْ الصَّاعِ، رَاجِعٌ لِمَا قَبْلَ " الْكَافِ " أَيْضًا، وَذَلِكَ لِمَا فِيهِ مِنْ بَيْعِ الطَّعَامِ قَبْلَ قَبْضِهِ؛ لِأَنَّهُ بِرَدِّ الْمُصَرَّاةِ أَوْجَبَ عَلَيْهِ الشَّارِعُ رَدَّ الصَّاعِ عِوَضًا عَنْ اللَّبَنِ، فَلَا يَجُوزُ رَدُّ اللَّبَنِ وَلَا غَيْرِهِ عِوَضًا عَنْ الصَّاعِ. وَهَذَا التَّعْلِيلُ يُفِيدُ حُرْمَةَ رَدِّ غَيْرِ الْغَالِبِ مَعَ وُجُودِ غَالِبٍ وَهُوَ كَذَلِكَ. فَلَوْ غَلَبَ اللَّبَنُ رَدَّ مِنْهُ صَاعًا مِنْ غَيْرِ مَا حَلَبَهُ مِنْ الْمُصَرَّاةِ (لَا إنْ رَدَّهَا) أَيْ الْمُصَرَّاةَ (بِغَيْرِ) أَيْ بِعَيْبٍ غَيْرِ (عَيْبِ التَّصْرِيَةِ أَوْ) بِهِ (قَبْلَ حَلْبِهَا) فَلَا يَرُدُّ صَاعًا بَلْ يَرُدُّهَا مُجَرَّدَةً عَنْهُ.
(وَإِنْ حُلِبَتْ) الْمُصَرَّاةُ حَلْبَةً (ثَالِثَةً) فِي ثَالِثِ يَوْمٍ أَوْ فِيمَا الْعَادَةُ الْحَلْبُ فِيهِ كَالصَّبَاحِ وَالْمَسَاء (فَإِنْ) كَانَ (حَصَلَ) لِلْمُشْتَرِي (الِاخْتِبَارُ) لَهَا
ــ
[حاشية الصاوي]
حَدِيثَ الْمُصَرَّاةِ أَصَحُّ وَإِنَّمَا حَدِيثُ «الْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ» عَامٌّ وَالْخَاصُّ يُقْضَى بِهِ عَلَى الْعَامِّ هَذَا مُلَخَّصُ مَا فِي (بْن) .
قَوْلُهُ: [بِغَيْرِ عَيْبِ التَّصْرِيَةِ] إلَخْ: مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ مَا إذَا رَدَّهَا بِخِيَارِ التَّرَوِّي بَعْدَ أَنْ حَلَبَهَا الْمَرَّتَيْنِ وَالثَّلَاثَ فَلَا يَرُدُّ لِلَبَنٍ صَاعًا لِمَا فِيهِ مِنْ بَيْعِ الطَّعَامِ بِالطَّعَامِ نَسِيئَةٌ، بَلْ إمَّا أَنْ يَرُدَّ اللَّبَنَ بِعَيْنِهِ أَوْ مِثْلِهِ إنْ عَلِمَ قَدْرَهُ أَوْ قِيمَتَهُ إنْ جَهِلَ قَدْرَهُ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ لِلْبَائِعِ وَالْغَلَّةَ لَهُ. فَإِنْ كَانَ أَنْفَقَ عَلَيْهَا الْمُشْتَرِي حُسِبَتْ الْغَلَّةُ مِنْ أَصْلِ النَّفَقَةِ كَانَتْ الْغَلَّةُ لَبَنًا أَوْ غَيْرَهُ وَهَذَا الْحُكْمُ قَدْ عُلِمَ مِمَّا تَقَدَّمَ فِي خِيَارِ التَّرَوِّي. قَوْلُهُ:[وَإِنْ حُلِبَتْ الْمُصَرَّاةُ حَلَبَةً ثَالِثَةً] إلَخْ: حَاصِلُهُ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ إذَا حَلَبَ الْمُصَرَّاةَ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَلَمْ يَتَبَيَّنْ لَهُ أَمْرُهَا فَحَلَبَهَا ثَانِيَةً لِيَخْتَبِرَهَا فَوَجَدَ لَبَنَهَا نَاقِصًا، فَلَهُ رَدُّهَا اتِّفَاقًا. فَلَوْ حَلَبَهَا فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ فَهُوَ رِضًا بِهَا وَلَا رَدَّ لَهُ وَلَا حُجَّةَ عَلَيْهِ فِي الْحَلَبَةِ الثَّانِيَةِ إذْ بِهَا يَخْتَبِرُ أَمْرَهَا - كَذَا لِمَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ. فِي الْمَوَّازِيَّةِ عَنْ مَالِكٍ: لَهُ حَلْبُهَا ثَالِثَةً وَيَرُدُّهَا بَعْدَ حَلِفِهِ أَنَّهُ لَمْ يَرْضَ بِهَا وَلَمْ يُصَرِّحْ فِي الْمَوَّازِيَّةِ بِأَنَّهُ حَصَلَ لَهُ الِاخْتِبَارُ بِالْحَلَبَةِ الثَّانِيَةِ. وَاخْتَلَفَ الْأَشْيَاخُ هَلْ بَيْنَ الْكِتَابَيْنِ خِلَافٌ أَوْ وِفَاقٌ؟ فَذَهَبَ الْمَازِرِيُّ وَاللَّخْمِيُّ إلَى أَنَّ بَيْنَهُمَا خِلَافًا بِحَمْلِ مَا فِي الْمَوَّازِيَّةِ عَلَى إطْلَاقِهِ وَذَهَبَ ابْنُ يُونُسَ إلَى الْوِفَاقِ بِحَمْلِ الْمُدَوَّنَةِ عَلَى مَا إذَا حَصَلَ الِاخْتِبَارُ بِالثَّانِيَةِ وَالْمَوَّازِيَّةِ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَحْصُلْ الِاخْتِبَارُ بِالثَّانِيَةِ وَاسْتَحْسَنَ الشَّارِحُ مَا قَالَهُ ابْنُ يُونُسَ فَمَشَى عَلَيْهِ.