الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابٌ فِي بَيَانِ
أَسْبَابِ الْحَجْرِ
وَأَحْكَامِهِ
(سَبَبُ الْحَجْرِ) : أَيْ أَسْبَابُهُ سَبْعَةٌ:
خَمْسَةٌ عَامَّةٌ وَاثْنَانِ خَاصَّانِ بِمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ. وَأَشَارَ لِلْخَمْسَةِ الْعَامَّةِ بِقَوْلِهِ: (فَلَسٌ) بِالْمَعْنَى الْأَعَمِّ أَوْ الْأَخَصِّ؛ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي الْبَابِ قَبْلَهُ مُسْتَوْفًى. (وَجُنُونٌ) بِصَرَعٍ أَوْ اسْتِيلَاءِ وَسْوَاسٍ. (وَصِبًا) . و (تَبْذِيرٌ) لِمَالٍ.
ــ
[حاشية الصاوي]
[بَابٌ فِي بَيَانِ أَسْبَابِ الْحَجْرِ وَأَحْكَامِهِ][أَسْبَابُ الْحَجْرِ]
بَابٌ:
لَمَّا أَنْهَى الْكَلَامَ عَلَى مَا أَرَادَ مِنْ مَسَائِلِ التَّفْلِيسِ، أَعْقَبَهُ بِالْكَلَامِ عَلَى بَقِيَّةِ أَسْبَابِ الْحَجْرِ، وَهُوَ لُغَةً يُقَالُ لِلْمَنْعِ وَالْحَرَامِ وَلِمُقَدَّمِ الثَّوْبِ، وَيُثَلَّثُ أَوَّلُهُ فِي الْجَمْعِ، وَشَرْعًا - قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: صِفَةٌ حُكْمِيَّةٌ تُوجِبُ مَنْعَ مَوْصُوفِهَا مِنْ نُفُوذِ تَصَرُّفِهِ فِي الزَّائِدِ عَلَى قُوَّتِهِ أَوْ تَبَرُّعِهِ بِمَالِهِ، قَالَ: وَبِهِ دَخَلَ حَجْرُ الْمَرِيضِ وَالزَّوْجَةِ (اهـ) .
قَوْلُهُ: [وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ] : أَيْ وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ هُنَا جَمْعًا لِلنَّظَائِرِ.
قَوْلُهُ: [بِصَرْعٍ] : أَيْ وَهُوَ الَّذِي يَلْبِسُهُ الْجِنُّ.
قَوْلُهُ: أَوْ اسْتِيلَاءِ وَسْوَاسٍ: أَيْ وَهُوَ الَّذِي يُخَيَّلُ إلَيْهِ، وَسَوَاءٌ كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا دَائِمًا أَوْ مُتَقَطِّعًا. وَالتَّقْيِيدُ بِالصَّرْعِ أَوْ الْوَسْوَاسِ مُخْرِجٌ لِمَا كَانَ بِالطَّبْعِ أَيْ غَلَبَةِ السَّوْدَاءِ فَإِنَّ صَاحِبَهُ لَا يُفِيقُ مِنْهُ عَادَةً، فَلَا يَدْخُلُ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ؛ لِأَنَّ الْحَجْرَ فِيهِ لَا غَايَةَ لَهُ.
قَوْلُهُ: [وَتَبْذِيرٌ لِمَالٍ] : وَهُوَ حَجْرُ السَّفَهِ لِأَنَّ التَّبْذِيرَ هُوَ بِحُكْمِ إحْسَانِ التَّصَرُّفِ فِي الْمَالِ.
(وَرِقٌّ) وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ: (وَمَرَضٌ) مُتَّصِلٌ بِمَوْتٍ (وَنِكَاحٌ بِزَوْجَةٍ) : أَيْ فَالزَّوْجُ يَحْجُرُ عَلَيْهَا فِيمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ وَلَيْسَ لَهَا حَجْرٌ عَلَى زَوْجِهَا وَلِذَا قَيَّدَهُ بِقَوْلِهِ: " بِزَوْجَةٍ "؛ أَيْ أَنَّهُ سَبَبٌ لِلْحَجْرِ عَلَى الزَّوْجَةِ فَقَطْ؛ إذَا عَلِمَتْ ذَلِكَ:
(فَالْمَجْنُونُ) بِمَا ذُكِرَ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ. وَالْحَجْرُ لِأَبِيهِ أَوْ وَصِيِّهِ - إنْ كَانَ - وَجُنَّ قَبْلَ بُلُوغِهِ وَإِلَّا فَلِلْحَاكِمِ إنْ وَجَدَهُ مُنْتَظِمًا، وَإِلَّا فَجَمَاعَةُ الْمُسْلِمِينَ وَيَمْتَدُّ الْحَجْرُ عَلَيْهِ (لِلْإِفَاقَةِ) مِنْ جُنُونِهِ. ثُمَّ إنْ أَفَاقَ رَشِيدًا انْفَكَّ حَجْرُهُ بِلَا حُكْمٍ وَإِنْ أَفَاقَ صَبِيًّا أَوْ سَفِيهًا حُجِرَ عَلَيْهِ لِأَجْلِهِمَا. (وَالصَّبِيُّ) مَحْجُورٌ عَلَيْهِ لِمَنْ ذُكِرَ (لِبُلُوغِهِ رَشِيدًا) ، فَإِنْ بَلَغَ سَفِيهًا
ــ
[حاشية الصاوي]
قَوْلُهُ: [وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ وَمَرَضٌ] إلَخْ: فِي الْكَلَامِ حَذْفٌ وَالْأَصْلُ وَأَشَارَ لِلِاثْنَيْنِ الْخَاصَّيْنِ بِقَوْلِهِ وَمَرَضٌ إلَخْ.
قَوْلُهُ: [مُتَّصِلٌ بِمَوْتٍ] : إنَّمَا قُيِّدَ بِذَلِكَ مَعَ أَنَّ كُلَّ مَنْ مَرِضَ مَرَضًا مَخُوفًا يُحْجَرُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ ثَمَرَةَ الْحَجْرِ لَا تَتِمُّ إلَّا بِالْمَوْتِ.
قَوْلُهُ: [أَيْ أَنَّهُ سَبَبٌ] إلَخْ: أَيْ أَنَّ الزَّوْجَ سَبَبٌ لِلْحَجْرِ عَلَى زَوْجَتِهِ الْحُرَّةِ الرَّشِيدَةِ الصَّحِيحَةِ فِي زَائِدِ الثُّلُثِ لَا غَيْرِهِ كَمَا يَأْتِي.
قَوْلُهُ: [بِمَا ذَكَرَ] : أَيْ بِالصَّرْعِ أَوْ الْوَسْوَاسِ.
قَوْلُهُ: [وَإِلَّا فَلِلْحَاكِمِ] : أَيْ وَإِلَّا يَكُنْ أَبٌ وَلَا وَصِيٌّ - جُنَّ قَبْلَ الْبُلُوغِ أَمْ لَا أَوْ جُنَّ بَعْدَ الْبُلُوغِ وَالرُّشْدِ - فَالْحَاكِمُ وَإِنْ كَانَ الْأَبُ أَوْ الْوَصِيُّ مَوْجُودًا.
وَقَوْلِهِ: [إنْ وَجَدَهُ مُنْتَظِمًا] : يُحْتَرَزُ عَنْ حُكَّامِ الْجَوْرِ، فَلَا يُعْتَبَرُ وُجُودُهُمْ بَلْ جَمَاعَةُ الْمُسْلِمِينَ تَقُومُ مَقَامَهُمْ.
قَوْلُهُ: [انْفَكَّ حَجْرُهُ بِلَا حُكْمٍ] : خُلَاصَتُهُ أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ لِلْفَكِّ مُطْلَقًا حَيْثُ زَالَ جُنُونُهُ وَهُوَ رَشِيدٌ كَانَ جُنُونُهُ طَارِئًا بَعْدَ الْبُلُوغِ وَالرُّشْدِ أَمْ لَا.
قَوْلُهُ: [حُجِرَ عَلَيْهِ لِأَجْلِهِمَا] : أَيْ لِأَجْلِ السَّفَهِ أَوْ الصِّبَا.
قَوْلُهُ: [مَحْجُورٌ عَلَيْهِ لِمَنْ ذُكِرَ] : أَيْ الْأَبُ وَالْوَصِيُّ وَالْحَاكِمُ وَجَمَاعَةُ الْمُسْلِمِينَ عَلَى التَّرْتِيبِ.
حُجِرَ عَلَيْهِ لِلسَّفَهِ (فِي) الْوَلَدِ (ذِي الْأَبِ) وَلَا يَحْتَاجُ لِفَكِّ حَجْرِهِ (وَ) إلَى (فَكِّ الْوَصِيِّ وَ) فَكِّ (الْمُقَدَّمِ) عَلَيْهِ مِنْ الْقَاضِي. وَالْحَاصِلُ: أَنَّ الصَّبِيَّ إذَا رَشَدَ لِحِفْظِ مَالِهِ لَا يَحْتَاجُ إلَى فَكِّ الْحَجْرِ عَنْهُ مِنْ أَبِيهِ بِخِلَافِ الْمُقَدَّمِ وَالْوَصِيِّ فَيَحْتَاجُ، بِأَنْ يَقُولَ لِلْعُدُولِ: اشْهَدَا أَنِّي فَكَكْت الْحَجْرَ عَنْ فُلَانٍ وَأَطْلَقْت لَهُ التَّصَرُّفَ لِمَا قَامَ عِنْدِي مِنْ رُشْدِهِ وَحُسْنِ تَصَرُّفِهِ فَتَصَرُّفُهُ بَعْدَ الْفَكِّ لَازِمٌ لَا يُرَدُّ وَلَا يَحْتَاجُ لِإِذْنِ الْحَاكِمِ فِي الْفَكِّ.
(وَزِيدَ) عَلَى الْبُلُوغِ وَالرُّشْدِ وَفَكِّ الْوَصِيِّ وَالْمُقَدَّمِ (فِي الْأُنْثَى: دُخُولُ زَوْجٍ بِهَا) بِالْفِعْلِ (وَشَهَادَةُ الْعُدُولِ بِحِفْظِهَا مَالَهَا) وَإِنَّمَا اُحْتِيجَ لِلْإِشْهَادِ لِأَنَّ شَأْنَ النِّسَاءِ الْإِسْرَافُ؛ فَمَدَارُ الرُّشْدِ عِنْدَنَا عَلَى صَوْنِ الْمَالِ فَقَطْ دُونَ صَوْنِ الدِّينِ.
ــ
[حاشية الصاوي]
قَوْلُهُ: [وَلَا يَحْتَاجُ لِفَكِّ حَجْرِهِ] : حَاصِلُهُ: أَنَّهُ مَتَى بَلَغَ عَاقِلًا رَشِيدًا زَالَتْ وِلَايَةُ الْأَبِ عَنْهُ بِمُجَرَّدِ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ احْتِيَاجٍ إلَى فَكٍّ، وَمَعَ الْفَكِّ فِي الْوَصِيِّ وَالْحَاكِمِ وَمُقَدِّمِهِ. وَهَذَا مِنْ حَيْثُ تَدْبِيرُ نَفْسِهِ وَصِيَانَةُ مُهْجَتِهِ وَتَصَرُّفَاتِهِ، فَلَا يُمْنَعُ مِنْ الذَّهَابِ حَيْثُ يَشَاءُ إلَّا أَنْ يُخَافَ عَلَيْهِ الْفَسَادُ لِجَمَالِهِ مَثَلًا وَإِلَّا كَانَ لِأَبِيهِ أَوْ وَصِيِّهِ بَلْ وَلِلنَّاسِ أَجْمَعِينَ مَنْعُهُ.
قَوْلُهُ: [وَزِيدَ عَلَى الْبُلُوغِ] : أَيْ يُزَادُ فِي خُرُوجِ الْأُنْثَى الْبِكْرِ مِنْ حَجْرِ الْأَوْلِيَاءِ الثَّلَاثَةِ - الْأَبُ وَالْوَصِيُّ وَالْمُقَدِّمُ - شَرْطَانِ: دُخُولُ الزَّوْجِ بِهَا، وَشَهَادَةُ الْعُدُولِ عَلَى صَلَاحِ حَالِهَا. وَعَلَى هَذَا فَذَاتُ الْأَبِ لَا يَنْفَكُّ الْحَجْرُ عَنْهَا إلَّا بِأُمُورٍ أَرْبَعَةٍ: بُلُوغُهَا، وَحُسْنُ تَصَرُّفِهَا. وَشَهَادَةُ الْعُدُولِ بِذَلِكَ، وَدُخُولُ الزَّوْجِ بِهَا وَأَمَّا ذَاتُ الْوَصِيِّ وَالْمُقَدِّمِ فَلَا يَنْفَكُّ الْحَجْرُ عَنْهَا إلَّا بِأُمُورٍ خَمْسَةٍ؛ هَذِهِ الْأَرْبَعَةُ، وَفَكُّ الْوَصِيِّ أَوْ الْمُقَدَّمِ فَإِنْ لَمْ يُفَكَّا الْحَجْرَ عَنْهَا كَانَ تَصَرُّفُهَا مَرْدُودًا وَلَوْ عَنَّسَتْ أَوْ دَخَلَ بِهَا الزَّوْجُ وَطَالَتْ إقَامَتُهَا عِنْدَهُ.
قَوْلُهُ: [فَمَدَارُ الرُّشْدِ عِنْدَنَا] : أَيْ وَأَمَّا الشَّافِعِيَّةُ: فَالرُّشْدُ عِنْدَهُمْ بِصَلَاحِهِمَا مَعًا، فَمَتَى كَانَتْ مُسْرِفَةً فِي دِينِهَا فَهِيَ غَيْرُ رَشِيدَةٍ عِنْدَهُمْ وَتَصَرُّفُهَا مَرْدُودٌ وَإِنْ كَانَتْ مُصْلِحَةً لِدُنْيَاهَا.