الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(وَدَيْنٍ بِدَيْنٍ) : أَيْ وَكَبَيْعٍ أَدَّى إلَى ذَلِكَ كَمَا لَوْ بَاعَهَا بِعَشْرَةٍ لِأَجَلٍ وَاشْتَرَاهَا بِمِثْلِهَا لِلْأَجَلِ، وَشَرَطَا نَفْيَ الْمُقَاصَّةِ؛ فَالسِّلْعَةُ رَجَعَتْ لِرَبِّهَا وَكُلٌّ مِنْهُمَا ابْتَدَأَ فِي ذِمَّةِ صَاحِبِهِ دَيْنًا. وَسَيَأْتِي تَفْصِيلُهُ.
(وَصَرْفٍ مُؤَخَّرٍ) : أَيْ وَكَبَيْعٍ أَدَّى لِذَلِكَ، كَمَا لَوْ بَاعَهَا بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ لِأَجَلٍ وَاشْتَرَاهَا بِمِائَةِ دِرْهَمٍ حَالَّةٍ أَيْ وَلِأَجَلٍ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ.
وَأَصْلُ صُوَرِ هَذَا الْبَابِ اثْنَتَا عَشَرَةَ صُورَةً يُمْنَعُ مِنْهَا ثَلَاثَةٌ وَيَجُوزُ الْبَاقِيَ. وَقَدْ أَشَارَ لِذَلِكَ بِقَوْلِهِ: (فَمَنْ بَاعَ) شَيْئًا (لِأَجَلٍ ثُمَّ اشْتَرَاهُ) هُوَ أَوْ وَكِيلُهُ مِنْ الْمُشْتَرِي أَوْ وَكِيلِهِ
ــ
[حاشية الصاوي]
قَوْلُهُ: [وَاشْتَرَاهَا بِمِثْلِهَا لِلْأَجَلِ] : لَا مَفْهُومَ لِقَوْلِهِ: " بِمِثْلِهَا " بَلْ لَوْ اخْتَلَفَ الثَّمَنُ كَمَا يَأْتِي: وَالْمَدَارُ فِي الْحُرْمَةِ عَلَى شَرْطِ عَدَمِ الْمُقَاصَّةِ سَوَاءٌ كَانَ الثَّمَنُ الثَّانِي مُسَاوِيًا لِلْأَوَّلِ أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ. قَوْلُهُ: [وَصَرْفٍ مُؤَخَّرٍ] : مِثْلُهُ الْبَدَلُ الْمُؤَخَّرُ كَمَا يَأْتِي.
قَوْلُهُ: [أَوْ لِأَجَلٍ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ] : لَا مَفْهُومَ لِذَلِكَ بَلْ مِثْلُهَا لِلْأَجَلِ نَفْسِهِ لِأَنَّ جَمِيعَ صُوَرِ الصَّرْفِ مَمْنُوعَةٌ كَمَا يَأْتِي.
[مَا يَمْنَع وَمَا يَجُوز مِنْ بَيْع الْآجَال]
قَوْلُهُ: [يُمْنَعُ مِنْهَا ثَلَاثَةٌ وَيَجُوزُ الْبَاقِي] : أَيْ عِنْدَ وُجُودِ الشُّرُوطِ الْآتِيَةِ وَإِلَّا فَتَارَةً يُمْنَعُ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ.
قَوْلُهُ: [فَمَنْ بَاعَ شَيْئًا لِأَجَلٍ] : تَضَمَّنَتْ هَذِهِ الْعِبَارَةُ شُرُوطَ بُيُوعِ الْآجَالِ الْخَمْسَةِ: وَهِيَ أَنْ تَكُونَ الْبَيْعَةُ الْأُولَى لِأَجَلٍ وَالْمُشْتَرِي ثَانِيًا هُوَ الْبَائِعَ أَوَّلًا أَوْ وَكِيلَهُ، وَالْمُبَاعُ ثَانِيًا هُوَ الْمُبَاعَ أَوَّلًا، وَالْبَائِعُ الثَّانِي هُوَ الْمُشْتَرِي أَوَّلًا أَوْ وَكِيلَهُ، وَالثَّمَنُ الثَّانِي بِصِفَةِ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ، وَتَعْجِيلُ الثَّمَنِ الثَّانِي كُلِّهِ أَوْ تَأْجِيلُ كُلِّهِ، بِدَلِيلِ قَوْلِ الْمَتْنِ الْآتِي:" وَلَوْ عُجِّلَ بَعْضُهُ امْتَنَعَ " إلَخْ؛ فَتَكُونُ الشُّرُوطُ سِتَّةً. وَقَوْلُهُ: [شَيْئًا] : أَيْ مُقَوَّمًا. وَأَمَّا الْمِثْلِيُّ فَلَهُ مَزِيدُ أَحْكَامٍ سَتَأْتِي فِي قَوْلِهِ: " وَالْمِثْلِيُّ صِفَةً وَقَدْرًا كَعَيْنِهِ " إلَخْ. قَوْلُهُ: [ثُمَّ اشْتَرَاهُ] : لَيْسَ الْمَقْصُودُ مِنْ ثُمَّ التَّرَاخِي بَلْ لَا فَرْقَ بَيْنَ التَّرَاخِي وَغَيْرِهِ وَفَاعِلُ " اشْتَرَاهُ " هُوَ فَاعِلُ " بَاعَ " وَالضَّمِيرُ الْمَنْصُوبُ عَائِدٌ عَلَى الشَّيْءِ الْمُشْتَرَى. وَالْمُرَادُ اشْتَرَاهُ لِنَفْسِهِ، وَأَمَّا لَوْ اشْتَرَاهُ لِغَيْرِهِ كَمَحْجُورِهِ مَثَلًا فَهُوَ مَكْرُوهٌ فَقَطْ.
(بِجِنْسِ ثَمَنِهِ) الَّذِي بَاعَهُ بِهِ (مِنْ عَيْنٍ أَوْ طَعَامٍ أَوْ عَرْضٍ) بَيَانٌ لِلثَّمَنِ؛ (فَإِمَّا) أَنْ يَشْتَرِيَهُ (نَقْدًا أَوْ لِلْأَجَلِ) الْأَوَّلِ، (أَوْ أَقَلَّ) مِنْهُ (أَوْ أَكْثَرَ) مِنْهُ؛ فَهَذِهِ أَرْبَعُ صُوَرٍ بِالنِّسْبَةِ لِلْأَجَلِ الْأَوَّلِ وَفِي كُلٍّ مِنْهَا؛ إمَّا أَنْ يَشْتَرِيَهُ (بِمِثْلِ الثَّمَنِ) الْأَوَّلِ قَدْرًا (أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ) فَهَذِهِ اثْنَتَا عَشْرَةَ صُورَةً (يُمْنَعُ مِنْهَا ثَلَاثٌ وَهِيَ)، أَيْ الثَّلَاثُ:(مَا تَعَجَّلَ فِيهِ) الثَّمَنَ (الْأَقَلَّ) : كَأَنْ يَبِيعَهَا بِعَشْرَةٍ لِرَجَبٍ ثُمَّ يَشْتَرِيهَا بِثَمَانِيَةٍ نَقْدًا، أَوْ لِدُونِ رَجَبٍ. أَوْ بِأَكْثَرَ مِنْ الْعَشَرَةِ لِأَبْعَدَ مِنْ رَجَبٍ كَشَعْبَانَ لِمَا فِيهِ مِنْ السَّلَفِ بِمَنْفَعَةٍ وَتَجُوزُ التِّسْعَةُ الْبَاقِيَةُ. (فَيَجُوزُ تَسَاوِي الْأَجَلَيْنِ) سَوَاءٌ كَانَ الثَّمَنُ مُسَاوِيًا لِلْأَوَّلِ أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ (أَوْ) تَسَاوِي (الثَّمَنَيْنِ) سَوَاءٌ اتَّحَدَ الْأَجَلَانِ أَوْ اخْتَلَفَا
ــ
[حاشية الصاوي]
قَوْلُهُ: [بِجِنْسِ ثَمَنِهِ] : الْمُرَادُ بِالْجِنْسِ الِاتِّحَادُ مَعَهُ فِي الصِّفَةِ، بِدَلِيلِ مَا يَأْتِي مِنْ مَنْعِ الْبَيْعِ بِذَهَبٍ وَشِرَائِهِ بِفِضَّةٍ وَعَكْسِهِ فِي جَمِيعِ الصُّوَرِ وَمَنْعِهِ بِسِكَّتَيْنِ إلَى أَجَلٍ. وَحُكْمِ مَا إذَا اشْتَرَاهُ بِعَرْضٍ مُخَالِفٍ فَإِنَّ لِهَذِهِ أَحْكَامًا تَخُصُّهَا غَيْرَ مَا هُنَا.
قَوْلُهُ: [فَهَذِهِ اثْنَتَا عَشْرَةَ صُورَةً] : أَيْ مِنْ ضَرْبِ أَحْوَالِ الثَّمَنِ الثَّلَاثَةِ فِي أَحْوَالِ الْأَجَلِ وَالنَّقْدِ وَإِنْ شِئْتَ قُلْتَ: وَفِي كُلٍّ مِنْ الِاثْنَتَيْ عَشْرَةَ: إمَّا أَنْ تَكُونَ الْعُقْدَةُ الثَّانِيَةُ فِي مَجْلِسِ الْعُقْدَةِ الْأُولَى أَوْ لَا، وَفِي كُلٍّ: إمَّا أَنْ تَكُونَ السِّلْعَةُ قَدْ قَبَضَهَا الْمُشْتَرِي الْأَوَّلُ أَوْ لَا؛ فَهَذِهِ ثَمَانٍ وَأَرْبَعُونَ. وَإِنْ شِئْت قُلْت: وَفِي كُلٍّ إمَّا: أَنْ يَكُونَ الثَّمَنَانِ عَيْنًا أَوْ عَرْضًا. وَمُرَادُهُمْ بِالْعَرْضِ: مَا يَشْمَلُ الْحَيَوَانَ وَطَعَامًا؛ فَتَبْلُغُ الصُّوَرُ مِائَةً وَأَرْبَعَةً وَأَرْبَعِينَ.
قَوْلُهُ: [لِمَا فِيهِ مِنْ السَّلَفِ بِمَنْفَعَةٍ] : أَيْ وَالْمُسَلِّفُ فِي الصُّورَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ الْبَائِعُ الْأَوَّلُ. وَفِي الثَّالِثَةِ الْبَائِعُ الثَّانِي، وَمَحَلُّ مَنْعِ الثَّالِثَةِ مَا لَمْ يَدْخُلَا عَلَى الْمُقَاصَّةِ وَإِلَّا فَلَا تَحْرُمُ كَمَا يَأْتِي. قَوْلُهُ:[فَيَجُوزُ تَسَاوِي الْأَجَلَيْنِ] : أَيْ إنْ لَمْ يَشْتَرِطَا نَفْيَ الْمُقَاصَّةِ وَإِلَّا مُنِعَ كَمَا يَأْتِي. قَوْلُهُ: [سَوَاءٌ اتَّحَدَ الْأَجَلَانِ] : لَا حَاجَةَ لَهُ لِأَنَّهَا إحْدَى صُوَرِ تَسَاوِي
(كَاخْتِلَافِهِمَا) أَيْ الْأَجَلَيْنِ وَالثَّمَنَيْنِ بِالْقِلَّةِ أَوْ الْكَثْرَةِ (إذَا لَمْ يَرْجِعْ لِلْيَدِ السَّابِقَةِ بِالْعَطَاءِ أَكْثَرُ) فَإِنْ رَجَعَ لَهَا أَكْثَرُ مُنِعَ، وَهِيَ الثَّلَاثَةُ الْمُتَقَدِّمَةُ؛ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِمْ: إنْ تَسَاوَى الْأَجَلَانِ أَوْ الثَّمَنَانِ فَالْجَوَازُ. وَإِلَّا فَانْظُرْ لِلْيَدِ السَّابِقَةِ بِالْعَطَاءِ فَإِنْ دَفَعَتْ قَلِيلًا عَادَ إلَيْهَا كَثِيرٌ مُنِعَ، وَإِلَّا فَلَا.
وَهَذَا إنْ عَجَّلَ الثَّمَنَ الثَّانِيَ كُلَّهُ أَوْ أَجَّلَهُ كُلَّهُ. وَأَمَّا لَوْ نَقَدَ بَعْضَهُ وَأَجَّلَ بَعْضَهُ فَأَشَارَ لَهُ بِقَوْلِهِ: (وَلَوْ أَجَّلَ بَعْضَهُ) : أَيْ الثَّمَنَ الثَّانِيَ وَنَقَدَ بَعْضَهُ (امْتَنَعَ) مِنْ الصُّوَرِ (مَا تَعَجَّلَ فِيهِ الْأَقَلُّ بَعْضُهُ) : أَيْ بَعْضُ الْأَقَلِّ وَسَوَاءٌ فِيهِمَا تَعَجَّلَ عَلَى جَمِيعِ الْأَكْثَرِ أَوْ بَعْضِهِ؛ فَالصُّوَرُ أَرْبَعَةٌ. مِثَالُ مَا تَعَجَّلَ فِيهِ الْأَقَلُّ عَلَى كُلِّ الْأَكْثَرِ: أَنْ يَبِيعَ السِّلْعَةَ بِعَشْرَةٍ لِأَجَلٍ ثُمَّ يَشْتَرِيَهَا مِنْهُ بِثَمَانِيَةٍ أَرْبَعَةٍ نَقْدًا وَأَرْبَعَةٍ لِدُونِ الْأَجَلِ، فَآلَ أَمْرُهُ إلَى أَنَّهُ دَفَعَ ثَمَانِيَةً أَخَذَ عَنْهَا عِنْدَ الْأَجَلِ عَشْرَةً. وَمِثَالُ مَا تَعَجَّلَ فِيهِ الْأَقَلُّ عَلَى بَعْضِ الْأَكْثَرِ: أَنْ يَبِيعَهَا بِعَشْرَةٍ لِأَجَلٍ ثُمَّ يَشْتَرِيَهَا بِاثْنَيْ عَشَرَ خَمْسَةٍ نَقْدًا وَالسَّبْعَةِ لِأَجَلٍ
ــ
[حاشية الصاوي]
الْأَجَلَيْنِ فَهُوَ مُكَرَّرٌ فَيَتَعَيَّنُ فَرْضُ مَا هُنَا فِي تَسَاوِي الثَّمَنَيْنِ وَاخْتِلَافِ الْأَجَلَيْنِ أَوْ كَوْنِ الثَّانِي نَقْدًا.
قَوْلُهُ: [كَاخْتِلَافِهِمَا] إلَخْ: أَيْ وَتَحْتَهُ ثَلَاثُ صُوَرٍ، وَهِيَ: كَوْنُ الثَّمَنِ الثَّانِي بِأَكْثَرَ نَقْدًا، أَوْ لِدُونِ الْأَجَلِ، أَوْ بِأَقَلَّ لِأَبْعَدَ مِنْ الْأَجَلِ. فَتَحْصُلُ مِنْ تَسَاوِي الْأَجَلَيْنِ ثَلَاثٌ، وَمِنْ تَسَاوِي الثَّمَنَيْنِ مِثْلُهَا، وَمِنْ اخْتِلَافِ الثَّمَنَيْنِ وَالْأَجَلَيْنِ سِتٌّ، ثَلَاثٌ مَمْنُوعَةٌ وَثَلَاثٌ جَائِزَةٌ، تُضَمُّ لِصُوَرِ اتِّحَادِ الثَّمَنِ وَاتِّحَادِ الْأَجَلِ وَأَمْثِلَتُهَا وَاضِحَةٌ.
قَوْلُهُ: [فَالصُّوَرُ أَرْبَعَةٌ] : أَيْ فَالْمَمْنُوعُ أَرْبَعٌ مِنْ تِسْعٍ لِسُقُوطِ صُوَرِ النَّقْدِ الثَّلَاثِ مِنْ الِاثْنَتَيْ عَشَرَةَ الَّتِي بُنِيَ الْبَابُ عَلَيْهَا، وَالْجَائِزُ خَمْسٌ وَهِيَ: أَنْ يَشْتَرِيَ السِّلْعَةَ الَّتِي بَاعَهَا لِأَجَلٍ بِعَشْرَةٍ مِثْلَ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ، لَكِنْ خَمْسَةٌ مِنْهَا نَقْدًا، وَخَمْسَةٌ لِدُونِ الْأَجَلِ أَوْ لِلْأَجَلِ أَوْ لِأَبْعَدَ أَوْ يَشْتَرِيهَا بِاثْنَيْ عَشَرَ خَمْسَةٍ نَقْدًا. وَسَبْعٍ لِدُونِ الْأَجَلِ أَوْ لِلْأَجَلِ نَفْسِهِ. وَحَاصِلُ هَذِهِ الصُّوَرِ التِّسْعِ أَنْ تَقُولَ: إذَا كَانَ الثَّمَنُ الثَّانِي أَقَلَّ مُنِعَ مُطْلَقًا كَانَ الْبَعْضُ الْمُؤَجَّلُ أَجَلُهُ أَبْعَدَ مِنْ
أَبْعَدَ، فَآلَ الْأَمْرُ إلَى أَنَّ الْبَائِعَ الْأَوَّلَ تَعَجَّلَ الْأَقَلَّ وَهِيَ الْعَشَرَةُ عِنْدَ أَجَلِهَا خَمْسَةٌ مِنْهَا فِي نَظِيرِ الْخَمْسَةِ الَّتِي نَقَدَهَا وَخَمْسَةٌ يَدْفَعُ عَنْهَا سَبْعَةً عِنْدَ أَجَلِهَا وَصَدَقَ عَلَيْهِ أَنَّهُ تَعَجَّلَ الْأَقَلَّ عَلَى بَعْضِ الْأَكْثَرِ. وَمِثَالُ مَا تَعَجَّلَ فِيهِ بَعْضَ الْأَقَلِّ عَلَى جَمِيعِ الْأَكْثَرِ: أَنْ يَبِيعَهَا بِالْعَشَرَةِ إلَى أَجَلٍ ثُمَّ يَشْتَرِيَهَا بِثَمَانِيَةٍ، أَرْبَعَةٍ مِنْهَا نَقْدًا وَأَرْبَعَةٍ لِلْأَجَلِ نَفْسِهِ، فَآلَ الْأَمْرُ إلَى أَنَّهُ عِنْدَ الْأَجَلِ تَقَعُ الْمُقَاصَّةُ فِي أَرْبَعَةٍ، وَيَأْخُذُ عَنْ الْأَرْبَعَةِ الَّتِي نَقَدَهَا سِتَّةً. وَمِثَالُ مَا عَجَّلَ فِيهِ بَعْضَ الْأَقَلِّ عَلَى بَعْضِ الْأَكْثَرِ أَنْ يَشْتَرِيَهَا فِي الْفَرْضِ الْمَذْكُورِ بِثَمَانِيَةٍ، أَرْبَعَةٍ نَقْدًا وَأَرْبَعَةٍ لِأَبْعَدَ مِنْ الْأَجَلِ، فَرَجَعَ الْحَالُ إلَى أَنَّ الْمُشْتَرِيَ الْأَوَّلَ دَفَعَ عَشْرَةً عِنْدَ أَجَلِهَا، سِتَّةٌ مِنْهَا فِي نَظِيرِ الْأَرْبَعَةِ، وَالْأَرْبَعَةُ الْأُخْرَى يَأْخُذُ عَنْهَا أَرْبَعَةً عِنْدَ أَجَلِهَا.
وَلَمَّا كَانَ قَدْ يَعْرِضُ الْمَنْعُ لِلْجَائِزِ فِي الْأَصْلِ، وَالْجَوَازُ لِلْمُمْتَنِعِ؛ نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ - مُشْبِهًا فِي الْمَنْعِ - قَوْلُهُ:(كَتَسَاوِي الْأَجَلَيْنِ) فَإِنَّهُ يَمْتَنِعُ (إنْ شَرَطَا) عِنْدَ الشِّرَاءِ (نَفْيَ الْمُقَاصَّةِ) وَسَوَاءٌ كَانَ الثَّمَنُ الثَّانِي مُسَاوِيًا لِلْأَوَّلِ أَوْ أَكْثَرَ أَوْ أَقَلَّ (لِلدَّيْنِ بِالدَّيْنِ) : أَيْ لِابْتِدَاءِ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَدْ أَشْغَلَ ذِمَّةَ صَاحِبِهِ بِمَالِهِ عَلَيْهِ. وَمَفْهُومُهُ أَنَّهُمَا لَوْ شَرْطَاهَا أَوْ سَكَتَا جَازَ وَهُوَ مَا تَقَدَّمَ.
(وَلِذَا) : أَيْ وَلِأَنَّ لِلشَّرْطِ الْمُتَعَلِّقِ بِالْمُقَاصَّةِ تَأْثِيرًا ثُبُوتًا أَوْ نَفْيًا (صَحَّ) الْبَيْعُ (فِي أَكْثَرَ) مِنْ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ (لِأَبْعَدَ) مِنْ الْأَجَلِ الْأَوَّلِ (إذَا شَرَطَاهَا)
ــ
[حاشية الصاوي]
الْأَجَلِ الْأَوَّلِ أَوْ مُسَاوِيًا لَهُ أَوْ دُونَهُ، وَإِنْ كَانَ الثَّمَنُ الثَّانِي قَدْرَ الْأَوَّلِ جَازَ مُطْلَقًا فِي الْأَحْوَالِ الثَّلَاثَةِ، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مُنِعَتْ وَاحِدَةٌ وَهِيَ مَا إذَا كَانَ الْبَعْضُ مُؤَجَّلًا لِأَبْعَدَ.
قَوْلُهُ: [إنْ شَرَطَا] : هَكَذَا بِالْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ مَعَ ضَمِيرٍ يَعُودُ عَلَى الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي، وَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: إنْ شُرِطَ - بِالْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ - كَانَ الشَّرْطُ مِنْهُمَا أَوْ مِنْ أَحَدِهِمَا. قَوْلُهُ: [صَحَّ الْبَيْعُ فِي أَكْثَرَ] : لَا مَفْهُومَ لِقَوْلِهِ: " فِي أَكْثَرَ " لِأَبْعَدَ إذْ بَاقِي الصُّوَرِ الْمَمْنُوعَةِ كَذَلِكَ وَهِيَ شِرَاؤُهَا ثَانِيًا بِأَقَلَّ نَقْدًا أَوْ لِدُونِ الْأَجَلِ كَمَا فِي (ح) وَمَشَى عَلَيْهِ فِي الدَّمْجِ.
لِلسَّلَامَةِ مِنْ دَفْعِ قَلِيلٍ فِي كَثِيرٍ، فَلَوْ سَكَتَا عَنْ شَرْطِهِمَا بَقِيَ الْمَنْعُ عَلَى أَصْلِهِ.
(وَمُنِعَ) الْبَيْعُ (بِذَهَبٍ) مُؤَجَّلٍ (وَ) شِرَاؤُهَا (بِفِضَّةٍ) وَعَكْسُهُ فِي الصُّوَرِ الِاثْنَتَيْ عَشَرَةَ - تَقَدَّمَتْ الْفِضَّةُ عَلَى الذَّهَبِ أَوْ تَأَخَّرَتْ - فَقَدْ صَارَتْ أَرْبَعًا وَعِشْرِينَ صُورَةً (لِلصَّرْفِ الْمُؤَخَّرِ) : أَيْ تُهْمَةُ ذَلِكَ.
(وَلِذَا) أَيْ وَلِأَجْلِ أَنَّ تُهْمَةَ الصَّرْفِ الْمُؤَخَّرِ تُوجِبُ الْمَنْعَ لَوْ انْتَفَتْ التُّهْمَةُ كَمَا (لَوْ عَجَّلَ) مِنْ أَحَدِ النَّقْدَيْنِ (أَكْثَرَ مِنْ قِيمَةِ الْمُتَأَخِّرِ جِدًّا) بِأَنْ تَبْلُغَ الْكَثْرَةُ النِّصْفَ فَأَكْثَرَ - كَبَيْعِ ثَوْبٍ بِدِينَارٍ أَوْ دِينَارَيْنِ لِشَهْرٍ ثُمَّ اشْتَرَاهُ بِسِتِّينَ دِرْهَمًا نَقْدًا وَصَرَفَ الدِّينَارَ عَشْرَةً. (جَازَ) لِنَفْيِ التُّهْمَةِ إذْ الْعَاقِلُ لَا يُعَجِّلُ سِتِّينَ لِيَأْخُذَ مَا قِيمَتُهُ عَشْرَةٌ أَوْ عِشْرُونَ إلَّا لِقَصْدِ الْمَعْرُوفِ. وَكَذَا إذَا بَاعَهُ بِثَلَاثِينَ دِرْهَمًا لِشَهْرٍ ثُمَّ اشْتَرَاهُ بِسِتَّةِ دَنَانِيرَ نَقْدًا فَأَكْثَرَ.
(وَ) مُنِعَ الْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ (بِسِكَّتَيْنِ إلَى أَجَلٍ) فِيهِمَا، وَسَوَاءٌ اتَّفَقَ الْأَجَلُ أَوْ اخْتَلَفَ - كَبَيْعِهِ بِعَشْرَةٍ يَزِيدِيَّةٍ لِشَهْرٍ ثُمَّ اشْتَرَاهُ بِمُحَمَّدِيَّةٍ لِذَلِكَ الشَّهْرِ أَوْ دُونَهُ أَوْ أَبْعَدَ مِنْهُ (لِلدَّيْنِ بِالدَّيْنِ) تَسَاوَى الْعَدَدُ أَوْ اخْتَلَفَ. وَلَا يُمْكِنُ هُنَا شَرْطُ الْمُقَاصَّةِ
ــ
[حاشية الصاوي]
قَوْلُهُ: [بَقِيَ الْمَنْعُ عَلَى أَصْلِهِ] : أَيْ لِوُجُودِ الْعِلَّةِ وَهِيَ سَلَفٌ جَرَّ نَفْعًا، فَظَهَرَ الْفَرْقُ بَيْنَ الَّتِي أَصْلُهَا الْمَنْعُ وَاَلَّتِي أَصْلُهَا الْجَوَازُ فَاَلَّتِي أَصْلُهَا الْجَوَازُ لَا يُفْسِدُهَا إلَّا شَرْطُ نَفْيِ الْمُقَاصَّةِ لَا السُّكُوتُ فَإِنَّ التُّهْمَةَ فِيهَا ضَعِيفَةٌ فَإِذَا شُرِطَ نَفْيُهَا تَحَقَّقَتْ التُّهْمَةُ، وَأَمَّا مَا أَصْلُهَا الْمَنْعُ فَلَا يَجُوزُ إلَّا إذَا شَرَطَاهَا لِأَنَّ التُّهْمَةَ فِيهَا قَوِيَّةٌ فَإِذَا شَرَطَاهَا بَعُدَتْ وَالسُّكُوتُ عَنْهَا لَا يَنْفِي الْمَنْعَ.
قَوْلُهُ: [فِي الصُّوَرِ الِاثْنَتَيْ عَشْرَةَ] : حَاصِلُهَا أَنَّهُ إذَا بَاعَ فِضَّةً لِأَجَلٍ ثُمَّ اشْتَرَاهُ بِذَهَبٍ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ الذَّهَبُ قِيمَةَ الْفِضَّةِ أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ وَفِي كُلٍّ إمَّا أَنْ يَكُونَ الشِّرَاءُ الثَّانِي نَقْدًا أَوْ لِدُونِ الْأَجَلِ أَوْ لَهُ أَوْ لِأَبْعَدَ مِنْهُ فَهَذِهِ اثْنَتَا عَشْرَةَ صُورَةً وَمِثْلُهَا يُقَالُ فِيمَا إذَا بَاعَ أَوَّلًا بِذَهَبٍ ثُمَّ اشْتَرَى بِفِضَّةٍ فَالصُّوَرُ أَرْبَعٌ وَعِشْرُونَ كُلُّهَا مَمْنُوعَةٌ لِتُهْمَةِ الصَّرْفِ الْمُؤَخَّرِ، وَلِذَا لَوْ انْتَفَتْ التُّهْمَةُ جَازَ كَمَا أَفَادَهُ بِقَوْلِهِ وَلِذَا لَوْ عَجَّلَ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَةِ الْمُتَأَخِّرِ جِدًّا جَازَ.
قَوْلُهُ: [أَكْثَرَ مِنْ قِيمَةِ الْمُتَأَخِّرِ] : الْعِبْرَةُ بِالْكَثْرَةِ بِاعْتِبَارِ صَرْفِ الْمِثْلِ لَا بِاعْتِبَارِ الذَّاتِ لِأَنَّ الْقِلَّةَ وَالْمُسَاوَاةَ وَالْكَثْرَةَ بِاعْتِبَارِ الذَّاتِ إنَّمَا تَتَأَتَّى فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ.
إذْ شَرْطُهَا تَسَاوِي الدَّيْنَيْنِ قَدْرًا وَصِفَةً، مَفْهُومُ الْأَجَلِ جَوَازُ صُوَرِ النَّقْدِ مُطْلَقًا.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ صُوَرَ الْأَجَلِ كُلَّهَا مَمْنُوعَةٌ - وَهِيَ ثَمَانِي عَشْرَةَ - لِأَنَّ الثُّمُنَ الثَّانِيَ إمَّا أَنْ يَكُونَ لِمِثْلِ أَجَلِ الْأَوَّلِ أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ، وَفِي كُلٍّ: إمَّا أَنْ يُسَاوِيَهُ فِي الْقَدْرِ أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ، فَهَذِهِ تِسْعَةٌ وَفِي كُلٍّ مِنْهَا: إمَّا أَنْ يَبِيعَ بِالْجَيِّدِ وَيَشْتَرِيَ بِالرَّدِيءِ أَوْ عَكْسُهُ، وَصُوَرُ النَّقْدِ سِتَّةٌ لِأَنَّهُ: إمَّا مِثْلُ الْمُؤَجَّلِ قَدْرًا، أَوْ أَقَلَّ، أَوْ أَكْثَرَ. وَفِي كُلٍّ: إمَّا أَنْ يَبِيعَ بِالْجَيِّدِ وَيَشْتَرِيَ بِالْأَدْنَى أَوْ عَكْسُهُ. وَكُلُّهَا جَائِزَةٌ لِعَدَمِ شُغْلِ الذِّمَّتَيْنِ، فَمَجْمُوعُ الصُّوَرِ أَرْبَعٌ وَعِشْرُونَ، كَصُوَرِ الصَّرْفِ. إلَّا أَنَّ صُوَرَهُ كُلَّهَا مَمْنُوعَةٌ لِلصَّرْفِ الْمُؤَخَّرِ كَمَا تَقَدَّمَ.
(وَإِنْ اشْتَرَاهُ بِعَرَضٍ مُخَالِفٍ) لِمَا بَاعَهُ بِهِ فِي الْجِنْسِ - كَمَا لَوْ بَاعَهُ بِدِينَارٍ أَوْ ثَوْبٍ ثُمَّ اشْتَرَاهُ بِشَاةٍ أَوْ ثَوْبٍ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ الْأَوَّلِ - (جَازَتْ) مِنْ الِاثْنَتَيْ عَشَرَةَ (ثَلَاثَةُ النَّقْدِ فَقَطْ) وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْعَرْضُ الْمَنْقُودُ قِيمَتُهُ قَدْرَ قِيمَةِ السِّلْعَةِ
ــ
[حاشية الصاوي]
قَوْلُهُ: [وَكُلُّهَا جَائِزَةٌ لِعَدَمِ شُغْلِ الذِّمَّتَيْنِ] : إلَخْ: فِيهِ نَظَرٌ، بَلْ الْجَائِزُ مِنْهَا اثْنَتَانِ، وَهُمَا: مَا إذَا اشْتَرَى بِأَجْوَدَ أَكْثَرَ أَوْ مُسَاوِيًا. وَالْأَرْبَعَةُ مَمْنُوعَةٌ وَهِيَ: مَا إذَا اشْتَرَى بِأَدْنَى أَكْثَرَ، أَوْ مُسَاوِيًا، أَوْ أَقَلَّ، أَوْ بِأَجْوَدَ أَقَلَّ؛ لِأَنَّهُ - وَإِنْ انْتَفَى فِيهِ عِمَارَةُ الذِّمَّتَيْنِ - لَكِنْ وُجِدَ فِيهِ عِلَّةُ سَلَفٍ جَرَّ نَفْعًا. فَإِنْ قُلْتَ: إذَا كَانَ الْمَنْقُودُ أَدْنَى وَهُوَ مُسَاوٍ لِلْمُؤَجَّلِ فِي الْقَدْرِ كَيْفَ يُمْنَعُ مَعَ أَنَّهُ تَقَدَّمَ جَوَازُ قَضَاءِ الْقَرْضِ بِالْأَفْضَلِ صِفَةً؟ وَالْجَوَابُ: أَنَّ مَحَلَّ جَوَازِهِ فِيمَا تَقَدَّمَ إنْ لَمْ يَكُنْ مَدْخُولًا عَلَيْهِ وَإِلَّا فَيُمْنَعُ وَمَا هُنَا مَدْخُولٌ عَلَيْهِ فَلْيُتَأَمَّلْ.
قَوْلُهُ: [إنْ اشْتَرَاهُ بِعَرْضٍ مُخَالِفٍ] : الْمُرَادُ بِالْعَرْضِ: مَا قَابَلَ الْعَيْنَ، فَيَشْمَلُ الطَّعَامَ وَالْحَيَوَانَ. وَقَوْلُهُ مُخَالِفٍ لِمَا بَاعَهُ بِهِ فِي الْجِنْسِ، الْمُرَادُ بِالْجِنْسِ الصِّنْفُ. وَمَفْهُومُ قَوْلِهِ مُخَالِفٍ: أَنَّهُ لَوْ اشْتَرَاهُ بِمُوَافِقٍ لَهُ فِي الصِّنْفِ كَمَا لَوْ بَاعَ سِلْعَةً بِثَوْبٍ لِشَهْرٍ ثُمَّ اشْتَرَاهُ بِثَوْبٍ مِنْ صِنْفِهَا فَالشِّرَاءُ إمَّا نَقْدًا أَوْ لِدُونِ الْأَجَلِ أَوْ لِلْأَجَلِ لِأَبْعَدَ، وَفِي كُلٍّ: إمَّا أَنْ تَكُونَ قِيمَةُ الثَّوْبِ الثَّانِي مُسَاوِيَةً لِقِيمَةِ الْأَوَّلِ أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ، فَهَذِهِ اثْنَتَا عَشْرَةَ صُورَةً يُمْنَعُ مِنْهَا مَا عُجِّلَ فِيهِ الْأَقَلُّ وَهُوَ ثَلَاثُ صُوَرٍ كَمَا تَقَدَّمَ أَوَّلَ الْبَابِ
الَّتِي بَاعَ بِهَا أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ (وَمُنِعَتْ التِّسْعَةُ) الْبَاقِيَةُ (لِلدَّيْنِ بِالدَّيْنِ) .
(وَلَوْ اشْتَرَى) مَا بَاعَهُ (بِأَقَلَّ) مِمَّا بَاعَهُ بِهِ (لِلْأَجَلِ) نَفْسِهِ (أَوْ لِأَبْعَدَ) مِنْهُ - وَقُلْنَا بِالْجَوَازِ - (ثُمَّ رَضِيَ) الْمُشْتَرِي الثَّانِي (بِالتَّعْجِيلِ) : أَيْ تَعْجِيلِ الْأَقَلِّ الَّذِي اشْتَرَى بِهِ (فَالْأَرْجَحُ) مِنْ الْقَوْلَيْنِ (الْمَنْعُ) نَظَرًا لِمَا آلَ إلَيْهِ الْأَمْرُ مِنْ أَنَّهُ دَفَعَ قَلِيلًا عَادَ إلَيْهِ كَثِيرًا، وَقِيلَ بِالْجَوَازِ نَظَرًا إلَى حَالِ الْعَقْدِ.
(وَالْمِثْلِيُّ) مِنْ مَكِيلٍ - كَبُرٍّ أَوْ مَوْزُونٍ كَسَمْنٍ وَنُحَاسٍ، أَوْ مَعْدُودٍ كَبِيضٍ - (الْمُوَافِقُ لِمَا بَاعَهُ لِأَجَلٍ) كَشَهْرٍ (صِفَةً وَقَدْرًا كَعَيْنِهِ) : أَيْ كَعَيْنِ مَا بَاعَهُ. فَمَنْ بَاعَ إرْدَبَّ قَمْحٍ أَوْ قِنْطَارَيْنِ بِعَشْرَةٍ لِشَهْرٍ ثُمَّ اشْتَرَى مِنْ الْمُشْتَرِي مِثْلَهُ فَفِيهِ اثْنَتَا عَشَرَةَ صُورَةً، لِأَنَّهُ كَأَنَّهُ اشْتَرَى عَيْنَ مَا بَاعَهُ، فَإِمَّا نَقْدًا أَوْ لِأَجَلٍ أَوْ لِأَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ بِمِثْلِ الثَّمَنِ أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ (فَيُمْنَعُ) مِنْهَا الصُّوَرُ الثَّلَاثُ وَهِيَ:
ــ
[حاشية الصاوي]
قَوْلُهُ: [وَمُنِعَتْ التِّسْعَةُ الْبَاقِيَةُ] : أَيْ وَهِيَ مَا أُجِّلَ فِيهِ الثَّمَنَانِ سَوَاءٌ كَانَ أَجَلُ الثَّانِي مُسَاوِيًا لِلْأَوَّلِ أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَبْعَدَ، كَانَتْ قِيمَةُ الْعَرْضِ الْمُشْتَرَى بِهِ قَدْرَ قِيمَةِ الْأَوَّلِ أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ. قَوْلُهُ:[لِلدَّيْنِ بِالدَّيْنِ] : أَيْ لِابْتِدَاءِ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ، وَلَا يَتَأَتَّى هُنَا اشْتِرَاطُ الْمُقَاصَّةِ لِاخْتِلَافِ الدَّيْنَيْنِ وَشَرْطُهَا اتِّحَادُهُمَا جِنْسًا وَصِفَةً كَمَا تَقَدَّمَ.
قَوْلُهُ: [فَالْأَرْجَحُ مِنْ الْقَوْلَيْنِ الْمَنْعُ] : قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْمَنْعُ هُوَ الرَّاجِحَ لِعِلَّتِهِ الْمَذْكُورَةِ، وَكَذَلِكَ الْخِلَافُ إذَا اشْتَرَى بِأَكْثَرَ لِلْأَجَلِ ثُمَّ تَرَاضَيَا عَلَى التَّأْخِيرِ أَوْ اشْتَرَى بِأَكْثَرَ نَقْدًا أَوْ لِدُونِ الْأَجَلِ ثُمَّ رَضِيَ بِالتَّأْخِيرِ لِأَبْعَدَ، فَالْمَدَارُ فِي الْمَسْأَلَةِ عَلَى كَوْنِهِ وَقَعَ جَائِزًا ثُمَّ آلَ لِلْمَنْعِ فَهَلْ يَجُوزُ نَظَرًا لِلْعَقْدِ أَوْ يُمْنَعُ نَظَرًا لِمَا آلَ إلَيْهِ الْأَمْرُ قَوْلَانِ. وَيَجْرِي هَذَانِ الْقَوْلَانِ فِيمَنْ بَاعَ سِلْعَةً بِعَشْرَةٍ إلَى أَجَلٍ ثُمَّ أَتْلَفَهَا عَلَى الْمُشْتَرِي وَكَانَتْ قِيمَتُهَا حِينَ الْإِتْلَافِ ثَمَانِيَةً وَغَرِمَهَا لِلْمُشْتَرِي حَالًا، فَإِذَا جَاءَ الْأَجَلُ هَلْ يُمَكَّنُ الْبَائِعُ مِنْ أَخْذِهِ مِنْ الْمُشْتَرِي مَا زَادَهُ الثَّمَنُ عَلَى الْقِيمَةِ وَهُوَ الدِّرْهَمَانِ فَيَأْخُذُ الْعَشَرَةَ بِتَمَامِهَا أَوْ لَا يُمَكَّنُ، وَإِنَّمَا يَأْخُذُ الثَّمَانِيَةَ الَّتِي دَفَعَهَا وَيَسْقُطُ عَنْ الْمُشْتَرِي الدِّرْهَمَانِ؟ وَالظَّاهِرُ مِنْهُمَا الْأَوَّلُ لِبُعْدِ التُّهْمَةِ.
قَوْلُهُ: [أَوْ قِنْطَارَيْنِ] : أَيْ فَلَا فَرْقَ فِي الْمِثْلِيِّ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ رِبَوِيًّا كَإِرْدَبِّ قَمْحٍ أَوْ غَيْرِهِ كَقِنْطَارَيْنِ.
(مَا عُجِّلَ فِيهِ الْأَقَلُّ) بِأَنْ اشْتَرَاهُ بِثَمَانِيَةٍ نَقْدًا أَوْ لِأَجَلٍ أَقْرَبَ أَوْ اشْتَرَاهُ بِأَكْثَرَ مِمَّا بَاعَ بِهِ لِأَبْعَدَ كَمَا تَقَدَّمَ.
(وَإِنْ غَابَ مُشْتَرِيهِ) : أَيْ مُشْتَرِي الْمِثْلِيِّ الْأَوَّلِ (بِهِ) غَيْبَةً يُمْكِنُهُ الِانْتِفَاعُ بِهِ (مُنِعَ أَيْضًا) : صُورَتَانِ بَقِيَّةُ صُوَرِ الْأَقَلِّ وَهُوَ مَا إذَا اشْتَرَاهُ (بِأَقَلَّ) مِمَّا بَاعَ بِهِ (لِأَجَلِهِ أَوْ لِأَبْعَدَ) : لِأَنَّ الْغَيْبَةَ عَلَى الْمِثْلِيِّ تُعَدُّ سَلَفًا لِكَوْنِهِ لَا يُعْلَمُ بِعَيْنِهِ فَكَأَنَّهُ تَسَلَّفَ وَرَدَّهُ لِرَبِّهِ وَأَعْطَاهُ عِنْدَ الْأَجَلِ دِرْهَمَيْنِ فِي نَظِيرِ تَسَلُّفِهِ وَالثَّمَانِيَةُ فِي نَظِيرِ الثَّمَانِيَةِ. فَعُلِمَ أَنَّهُ إذَا بَاعَ مِثْلِيًّا وَغَابَ عَلَيْهِ الْمُشْتَرِي فَاشْتَرَاهُ مِنْهُ يَمْتَنِعُ خَمْسُ صُوَرٍ: أَرْبَعٌ صُوَرُ الْأَقَلِّ، وَمَا إذَا اشْتَرَاهُ بِأَكْثَرَ لِأَبْعَدَ.
(وَ) أَمَّا (إنْ بَاعَ مُقَوَّمًا) كَثَوْبٍ أَوْ شَاةٍ أَوْ أَرْضٍ وَاشْتَرَى مِثْلَهُ (فَمِثْلُهُ كَغَيْرِهِ) فَتَجُوزُ الصُّوَرُ كُلُّهَا.
(كَتَغَيُّرِهَا) : أَيْ السِّلْعَةِ الَّتِي بَاعَهَا تَغَيُّرًا (كَثِيرًا) عِنْدَ مُشْتَرِيهَا مِنْهُ ثُمَّ اشْتَرَاهَا بَائِعُهَا مِنْهُ فَتَجُوزُ الصُّوَرُ كُلُّهَا. وَكُلُّ مَا تَقَدَّمَ إذَا اشْتَرَى كُلَّ مَا بَاعَ.
(وَإِنْ اشْتَرَى بَعْضَ مَا بَاعَ) كَمَا لَوْ بَاعَ ثَوْبَيْنِ بِعِشْرِينَ لِشَهْرٍ فَاشْتَرَى أَحَدَهُمَا بِثَمَنٍ (لِأَبْعَدَ) مِنْ الْأَجَلِ الْأَوَّلِ (مُطْلَقًا) بِمِثْلِ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ (أَوْ بِأَقَلَّ) مِنْ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ (نَقْدًا، أَوْ لِدُونِ الْأَجَلِ، امْتَنَعَ) فِي الْخَمْسِ صُوَرٍ؛ لِمَا فِي الْمُسَاوِي وَالْأَكْثَرِ مِنْ سَلَفٍ جَرَّ نَفْعًا، وَلِمَا فِي الْأَقَلِّ نَقْدًا أَوْ لِدُونِ الْأَجَلِ أَوْ لِأَبْعَدَ. مِنْ بَيْعٍ وَسَلَفٍ. وَإِذَا اشْتَرَاهُ بِمِثْلِ الثَّمَنِ أَوْ بِأَكْثَرَ
ــ
[حاشية الصاوي]
قَوْلُهُ: [لِأَنَّ الْغَيْبَةَ عَلَى الْمِثْلِيِّ تُعَدُّ سَلَفًا] : أَيْ وَالْمُسَلَّفُ فِي جَمِيعِ الصُّوَرِ الْمَمْنُوعَةِ الْمُشْتَرِي إلَّا فِيمَا اشْتَرَاهُ بِأَكْثَرَ لِأَبْعَدَ فَإِنَّ الْمُسَلَّفَ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلُ يَدْفَعُ ثَمَانِيَةً مَثَلًا عَنْ الْأَجَلِ يَأْخُذُ بَعْدَ شَهْرٍ عَشْرَةً.
(3)
قَوْلُهُ: [لِمَا فِي الْمُسَاوِي وَالْأَكْثَرُ مِنْ سَلَفٍ جَرَّ نَفْعًا] : أَيْ وَالْمُسَلَّفُ فِيهِمَا هُوَ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلُ، فَالسِّلْعَةُ الَّتِي رَجَعَتْ لِلْبَائِعِ الْأَوَّلِ كَأَنَّهَا لَمْ تَخْرُجْ مِنْ يَدِهِ وَصَارَ الثَّمَنُ الْمَدْفُوعُ إلَيْهِ سَلَفًا يَأْخُذُ عَنْهُ بَعْدَ شَهْرٍ مِثْلَهُ أَوْ أَكْثَرَ مِنْهُ فَقَدْ انْتَفَعَ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلُ بِالسِّلْعَةِ الَّتِي بَقِيَتْ عِنْدَهُ فِيمَا إذَا عَادَ إلَيْهِ مِثْلُ دَرَاهِمِهِ، أَوْ بِهَا وَبِالزِّيَادَةِ إنْ عَادَ إلَيْهِ أَكْثَرُ:
قَوْلُهُ: [مِنْ بَيْعٍ وَسَلَفٍ] : أَمَّا إذَا كَانَ الشِّرَاءُ نَقْدًا أَوْ لِدُونِ الْأَجَلِ،
مِنْهُ نَقْدًا فِيهِمَا أَوْ لِدُونِ الْأَجَلِ جَازَ فِي الصُّوَرِ الْأَرْبَعِ كَصُوَرِ الْأَجَلِ الثَّلَاثَةِ فَالْجَوَازُ فِي سَبْعٍ.
(وَصَحَّ أَوَّلُ مِنْ بُيُوعِ الْآجَالِ فَقَطْ) وَلَزِمَ بِالثَّمَنِ لِأَجَلِهِ وَفُسِخَ الثَّانِي إنْ كَانَتْ السِّلْعَةُ قَائِمَةً عِنْدَ بَائِعِهَا الْأَوَّلِ وَهُوَ الْمُشْتَرِي الثَّانِي، فَإِنْ فَاتَتْ بِيَدِهِ أَشَارَ لَهُ بِقَوْلِهِ:(إلَّا أَنْ يَفُوتَ) الْبَيْعُ (الثَّانِي بِيَدِ) الْمُشْتَرِي (الثَّانِي) وَهُوَ الْبَائِعُ الْأَوَّلُ (فَيُفْسَخَانِ) مَعًا لِسَرَيَانِ الْفَسَادِ لِلْأَوَّلِ بِالْفَوَاتِ وَحِينَئِذٍ (فَلَا مُطَالَبَةَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ بِشَيْءٍ) لِأَنَّ الْمَبِيعَ رَجَعَ لِبَائِعِهِ فَضَمَانُهُ مِنْهُ. وَسَقَطَ عَنْ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ لِرُجُوعِ السِّلْعَةِ لِرَبِّهَا وَسَقَطَ الثَّمَنُ الثَّانِي عَنْ الثَّانِي لِفَسَادِ الْبَيْعِ.
ــ
[حاشية الصاوي]
فَلِأَنَّ الْبَائِعَ الْأَوَّلَ يَدْفَعُ عَشَرَةً سَلَفًا لِلْمُشْتَرِي فَإِذَا جَاءَ الْأَجَلُ رَدَّ إلَيْهِ عِشْرِينَ عَشَرَةٌ فِي نَظِيرِ الْعَشَرَةِ الَّتِي أَخَذَهَا وَهِيَ سَلَفٌ وَعَشَرَةٌ ثَمَنُ الثَّوْبِ، وَأَمَّا فِي الْأَبْعَدِ فَلِأَنَّهُ عِنْدَ حُلُولِ الْأَجَلِ يَدْفَعُ لِلْبَائِعِ عِشْرِينَ عَشَرَةٌ ثَمَنُ الثَّوْبِ وَعَشَرَةٌ سَلَفًا، فَإِذَا جَاءَ الْأَجَلُ الثَّانِي دَفَعَ الْبَائِعُ الْأَوَّلُ عَشَرَةً بَدَلَ الْعَشَرَةِ الَّتِي أَخَذَهَا سَلَفًا. قَوْلُهُ:[فَالْجَوَازُ فِي سَبْعٍ] : هِيَ أَنْ يَشْتَرِيَهُ بِمِثْلِ الثَّمَنِ نَقْدًا أَوْ لِدُونِ الْأَجَلِ أَوْ بِأَكْثَرَ نَقْدًا أَوْ لِدُونِ الْأَجَلِ وَبِمِثْلٍ أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ لِلْأَجَلِ وَجَوَازُهَا لِانْتِفَاءِ عِلَّةِ الْمَنْعِ. قَوْلُهُ: [وَصَحَّ أَوَّلُ] : بِغَيْرِ تَنْوِينٍ لِأَنَّهُ بِمَعْنَى أَسْبَقَ فَهُوَ مَمْنُوعٌ مِنْ الصَّرْفِ لِلْوَصْفِيَّةِ وَوَزْنِ الْفِعْلِ وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ صِحَّةِ الْأَوَّلِ فَقَطْ هُوَ الْأَصَحُّ. وَخَالَفَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ فَقَالَ: يُفْسَخَانِ مَعًا، وَهَذَا الْخِلَافُ عِنْدَ قِيَامِ السِّلْعَةِ بِدَلِيلِ مَا يَأْتِي.
قَوْلُهُ: [إلَّا أَنْ يَفُوتَ] : أَيْ بِمُفَوِّتَاتِ الْفَاسِدِ. وَظَاهِرُهُ: أَيُّ مُفَوِّتٍ كَانَ، وَهُوَ قَوْلُ سَحْنُونَ. وَاَلَّذِي صَحَّحَهُ ابْنُ رُشْدٍ: أَنَّهُ لَا يَفُوتُ هُنَا إلَّا الْعُيُوبُ الْمُفْسِدَةُ. وَنَصُّ ابْنِ رُشْدٍ فِي الْبَيَانِ: وَاخْتُلِفَ بِمَا تَفُوتُ بِهِ السِّلَعُ فَقِيلَ: إنَّهَا تَفُوتُ بِحَوَالَةِ الْأَسْوَاقِ وَهُوَ مَذْهَبُ سَحْنُونَ وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا لَا تَفُوتُ إلَّا بِالْعُيُوبِ الْمُفْسِدَةِ إذْ لَيْسَ هُوَ بَيْعٌ فَاسِدٌ وَلَا مُثَمَّنٌ وَإِنَّمَا فَسْخٌ لِأَنَّهُمَا تَطَرَّقَا بِهِ إلَى اسْتِبَاحَةِ الرِّبَا كَذَا فِي (بْن) .