الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْمُدَوَّنَةِ. وَالِاسْتِحْسَانُ عِنْدَهُ أَيْضًا أَنَّ لِلْمُجِيزِ أَخْذَ جَمِيعِ السِّلْعَةِ فَلَا يُجْبَرُ عَلَى الرَّدِّ إنْ رَدَّ الْبَعْضُ وَاقْتَصَرْنَا عَلَى الْقِيَاسِ لِقَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَهَذَا هُوَ النَّظَرُ، ثُمَّ قَالَ فِيهَا أَيْضًا: وَاسْتُحْسِنَ لِمَنْ أَجَازَ مِنْهُمْ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُمْ مَنْ لَمْ يُجِزْ.
(وَهُوَ) : أَيْ الْقِيَاسُ (فِي وَرَثَةِ الْبَائِعِ) الَّذِي لَهُ الْخِيَارُ حَيْثُ مَاتَ (إجَازَةُ الْجَمِيعِ إنْ أَجَازَ بَعْضُهُمْ) وَيُجْبَرُ مَنْ رَدَّ الْبَيْعَ عَلَى الْإِجَازَةِ مَعَ الْمُجِيزِ، عَكْسُ وَرَثَةِ الْمُشْتَرِي. وَهَلْ يَتَعَيَّنُ فِيهِمْ الْقِيَاسُ وَلَا يَجْرِي فِيهِمْ الِاسْتِحْسَانُ؟ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ أَبِي زَيْدٍ، أَوْ يَجْرِي فِيهِمْ أَيْضًا؟ وَهُوَ قَوْلُ بَعْضِ الْقَرَوِيِّينَ. وَعَلَيْهِ فَلِلرَّادِّ مِنْهُمْ أَخْذُ الْجَمِيعِ. وَالْقِيَاسُ فِي كُلٍّ هُوَ الْمُعْتَمَدُ.
(وَالْمِلْكُ) لِلْمَبِيعِ بِالْخِيَارِ فِي زَمَنِهِ - سَوَاءٌ كَانَ لِأَحَدِ الْمُتَبَايِعَيْنِ أَوْ لِأَجْنَبِيٍّ
ــ
[حاشية الصاوي]
قَوْلُهُ: [وَالِاسْتِحْسَانُ] : هُوَ مَعْنًى يَنْقَدِحُ فِي ذِهْنِ الْمُجْتَهِدِ تَقْصُرُ عَنْهُ عِبَارَتُهُ وَالْمُرَادُ بِالْمَعْنَى دَلِيلُ الْحُكْمِ الَّذِي اسْتَحْسَنَهُ وَوَجْهُ اسْتِحْسَانِ أَخْذِ الْمُجِيزِ الْجَمِيعَ أَنَّ الْمُجِيزَ حَيْثُ أَخَذَ الْجَمِيعَ يَدْفَعُ جَمِيعَ الثَّمَنِ لِلْبَائِعِ وَيَرْتَفِعُ ضَرَرُ الشَّرِكَةِ بِالتَّبْعِيضِ. قَوْلُهُ: [الْقِيَاسُ فِي كُلٍّ هُوَ الْمُعْتَمَدُ] : أَيْ فَالْمُعْتَمَدُ فِي وَرَثَةِ الْمُشْتَرِي رَدُّ جَمِيعِ السِّلْعَةِ لِلْبَائِعِ إنْ رَدَّ بَعْضُهُمْ وَفِي وَرَثَةِ الْبَائِعِ إمْضَاءُ الْجَمِيعِ الْبَيْعَ إنْ أَمْضَى بَعْضُهُمْ. تَنْبِيهَانِ:
الْأَوَّلُ يَنْتَقِلُ الْخِيَارُ الَّذِي كَانَ لِلْمُكَاتَبِ لِسَيِّدِهِ حَيْثُ عَجَزَ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ وَقَبْلَ الِاخْتِيَارِ كَانَ بَائِعًا أَوْ مُشْتَرِيًا، فَالسَّيِّدُ عِنْدَ عَجْزِ الْمُكَاتَبِ بِمَنْزِلَةِ الْوَارِثِ أَوْ الْغَرِيمِ إذَا مَاتَ الْمُوَرِّثُ أَوْ مَنْ أَحَاطَ الدَّيْنَ بِمَالِهِ قَبْلَ الِاخْتِيَارِ. الثَّانِي: إذَا جُنَّ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ وَعُلِمَ أَنَّهُ لَا يُفِيقُ أَوْ يُفِيقُ بَعْدَ طُولٍ يَضُرُّ الصَّبْرُ إلَيْهِ بِالْآخَرِ نَظَرَ الْحَاكِمُ الشَّرْعِيُّ فِي الْأَصْلَحِ لَهُ مِنْ إمْضَاءٍ أَوْ رَدٍّ. وَأَمَّا لَوْ أُغْمِيَ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ فَإِنَّهُ يَنْتَظِرُ إفَاقَتَهُ لِيَنْظُرَ لِنَفْسِهِ، فَإِنْ طَالَ إغْمَاؤُهُ بَعْدَ مُضِيِّ زَمَنِهِ بِمَا يَحْصُلُ بِهِ الضَّرَرُ فُسِخَ الْبَيْعُ وَلَا يَنْظُرُ لَهُ حَاكِمٌ وَلَا غَيْرُهُ وَقَالَ أَشْهَبُ: يَنْظُرُ لَهُ (اهـ) مِنْ الْأَصْلِ.
[مُلْك الْمَبِيع زَمَن الْخِيَار وَضَمَانه]
قَوْلُهُ: [وَالْمِلْكُ لِلْمَبِيعِ] إلَخْ: هَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَعَلَيْهِ فَالْإِمْضَاءُ نَقْلٌ لِلْمَبِيعِ مِنْ مِلْكِ الْبَائِعِ لِمِلْكِ الْمُشْتَرِي. وَقِيلَ: إنَّ الْمِلْكَ لِلْمُشْتَرِي فَالْإِمْضَاءُ تَقْرِيرٌ
(لِلْبَائِعِ، وَالضَّمَانُ مِنْهُ؛ فَالْغَلَّةُ وَأَرْشُ الْجِنَايَةِ) عَلَى الْمَبِيعِ بِالْخِيَارِ: (لَهُ) أَيْ لِلْبَائِعِ. (بِخِلَافِ الْوَلَدِ وَالصُّوفِ) فَهُمَا لِلْمُشْتَرِي إذَا تَمَّ لَهُ الشِّرَاءُ لِأَنَّهُمَا كَجُزْءٍ مِنْ الْبَيْعِ.
(وَلَوْ قَبَضَهُ الْمُشْتَرِي) وَادَّعَى ضَيَاعَهُ زَمَنَ الْخِيَارِ (ضَمِنَ فِيمَا يُعَابُ عَلَيْهِ) كَالرَّهْنِ (إلَّا لِبَيِّنَةٍ) تَشْهَدُ بِضَيَاعِهِ بِلَا تَفْرِيطٍ مِنْ الْمُشْتَرِي فَلَا يَضْمَنُ (وَحَلَفَ فِي غَيْرِهِ) : أَيْ فِي غَيْرِ مَا يُغَابُ عَلَيْهِ - كَالْحَيَوَانِ - حَيْثُ اتَّهَمَهُ الْبَائِعُ: (لَقَدْ ضَاعَ وَمَا فَرَّطَ، إلَّا أَنْ يَظْهَرَ كَذِبُهُ) : أَيْ الْمُشْتَرِي فِي
ــ
[حاشية الصاوي]
لِمِلْكِ الْمُشْتَرِي وَأَصْلُ مِلْكِهِ حَصَلَ بِالْعَقْدِ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِمْ: إنَّ بَيْعَ الْخِيَارِ مُنْحَلٌّ، أَيْ أَنَّ الْمَبِيعَ عَلَى مِلْكِ الْبَائِعِ أَوْ مُنْعَقِدٌ أَيْ أَنَّهُ عَلَى مِلْكِ الْمُشْتَرِي لَكِنَّ مِلْكَهُ لَهُ غَيْرُ تَامٍّ لِاحْتِمَالِ رَدِّهِ. وَلِذَلِكَ كَانَ ضَمَانُ الْمَبِيعِ مِنْ الْبَائِعِ عَلَى الْقَوْلَيْنِ اتِّفَاقًا. فَثَمَرَةُ الْخِلَافِ إنَّمَا هِيَ فِي الْغَلَّةِ الْحَاصِلَةِ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ وَمَا أُلْحِقَ بِهَا، فَهِيَ لِلْبَائِعِ عَلَى الْأَوَّلِ وَلِلْمُشْتَرِي عَلَى الثَّانِي. إلَّا أَنَّ كَوْنَ الْغَلَّةِ لِلْمُشْتَرِي عَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي مُخَالِفٌ لِقَاعِدَةِ:" الْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ " وَ: " مَنْ لَهُ الْغُنْمُ عَلَيْهِ الْغُرْمُ " فَإِنَّ الْغُنْمَ هُنَا لِلْمُشْتَرِي وَالْغُرْمَ الَّذِي هُوَ الضَّمَانُ عَلَى الْبَائِعِ اهـ مِنْ حَاشِيَةِ الْأَصْلِ.
قَوْلُهُ: [فَالْغَلَّةُ وَأَرْشُ الْجِنَايَةِ] : إلَخْ: مِثْلُ الْغَلَّةِ مَا يُوهَبُ لِلْعَبْدِ الْمَبِيعِ بِالْخِيَارِ فِي زَمَنِهِ فَإِنَّهُ لِلْبَائِعِ إلَّا أَنْ يَسْتَثْنِيَ الْمُشْتَرِي مَالَهُ.
قَوْلُهُ: [وَالصُّوفِ] : أَيْ التَّامِّ أَوْ غَيْرِهِ. وَأَمَّا الثَّمَرَةُ الْمُؤَبَّرَةُ فَكَمَالِ الْعَبْدِ لَا تَكُونُ لِلْمُشْتَرِي إلَّا بِشَرْطٍ.
قَوْلُهُ: [وَلَوْ قَبَضَهُ الْمُشْتَرِي] : أَيْ الْمُشْتَرِي عَلَى الْخِيَارِ لَوْ قَبَضَ الشَّيْءَ الْمُشْتَرَى سَوَاءٌ كَانَ الْبَيْعُ صَحِيحًا أَوْ فَاسِدًا وَمَا تَقَدَّمَ مِنْ انْتِقَالِ ضَمَانِ الْفَاسِدِ بِالْقَبْضِ إنَّمَا هُوَ فِي الْبَيْعِ بِالْبَتِّ. قَوْلُهُ: [وَحَلَفَ فِي غَيْرِهِ] : أَيْ مُتَّهَمًا أَوْ لَا بِخِلَافِ الْمُودِعِ وَالشَّرِيكِ لَا يَحْلِفُ إلَّا إذَا كَانَ مُتَّهَمًا.
قَوْلُهُ: [إلَّا أَنْ يَظْهَرَ كَذِبُهُ] : اسْتِثْنَاءٌ مِنْ مُقَدَّرٍ أَيْ حَلَفَ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَظْهَرَ كَذِبُهُ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ وَلَيْسَ اسْتِثْنَاءً مِنْ قَوْلِهِ وَحَلَفَ فِي غَيْرِهِ، فَلَوْ شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ بِكَذِبِهِ وَشَهِدَتْ أُخْرَى بِصِدْقِهِ قُدِّمَتْ بَيِّنَةُ الْكَذِبِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ كَذَا فِي الْحَاشِيَةِ.
دَعْوَاهُ الضَّيَاعَ، كَأَنْ يَقُولَ: ضَاعَ يَوْمَ كَذَا، فَتَشْهَدُ الْبَيِّنَةُ عَلَى رُؤْيَتِهِ عِنْدَهُ بَعْدَ ذَلِكَ الْيَوْمِ، أَوْ تَشْهَدُ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ أَكَلَهُ أَوْ أَتْلَفَهُ أَوْ بَاعَهُ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ، وَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ يَمِينٌ. وَإِذَا نَكَلَ عِنْدَ تَوَجُّهِ الْيَمِينِ عَلَيْهِ غَرِمَ.
ثُمَّ بَيَّنَ مَا يَغْرَمُهُ لِلْبَائِعِ وَهُوَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَحْوَالِ فَقَالَ: (الْأَكْثَرَ) أَيْ يَضْمَنُ الْمُشْتَرِي لِلْبَائِعِ إذَا ادَّعَى ضَيَاعَ مَا يُعَابُ عَلَيْهِ أَوْ مَا يُعَابُ إذَا ظَهَرَ كَذِبُهُ أَوْ نَكَلَ الْأَكْثَرَ (مِنْ الثَّمَنِ) الَّذِي وَقَعَ بِهِ الْبَيْعُ (وَالْقِيمَةِ) هَذَا (إنْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ) فِي الصُّوَرِ الثَّلَاثِ. (إلَّا أَنْ يَحْلِفَ) فِي صُورَةِ مَا يُغَابُ عَلَيْهِ: إنَّهُ (مَا فَرَّطَ) فِي ضَيَاعِهِ فَالثَّمَنُ خَاصَّةً إنْ قَلَّ عَنْ الْقِيمَةِ؛ لِأَنَّهُ إذَا سَاوَى الْقِيمَةَ أَوْ كَثُرَ عَنْهَا لَمْ يَتَوَجَّهْ عَلَيْهِ الْيَمِينُ إذْ لَا ثَمَرَةَ لَهَا حِينَئِذٍ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ.
(كَأَنْ كَانَ الْخِيَارُ لَهُ) : أَيْ لِلْمُشْتَرِي، فَإِنَّهُ يَغْرَمُ الثَّمَنَ الَّذِي وَقَعَ بِهِ الْبَيْعُ وَلَوْ كَانَ الْخِيَارُ لَهُمَا غُلِّبَ جَانِبُ الْبَائِعِ فِيمَا يَظْهَرُ لِأَنَّ الْمِلْكَ لَهُ.
ــ
[حاشية الصاوي]
قَوْلُهُ: [الْأَكْثَرَ] : مَعْمُولٌ لِقَوْلِهِ ضَمِنَ وَمَا بَيْنَهُمَا اعْتِرَاضٌ. قَوْلُهُ: [وَالْقِيمَةِ] : أَيْ وَتُعْتَبَرُ يَوْمَ قَبَضَ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ.
قَوْلُهُ: [فِي الصُّوَرِ الثَّلَاثِ] : الْأُولَى: مَا إذَا كَانَ يُعَابُ عَلَيْهِ وَادَّعَى الضَّيَاعَ وَلَمْ تَقُمْ لَهُ بَيِّنَةٌ. وَالثَّانِيَةُ: مَا لَا يُغَابُ عَلَيْهِ وَاتَّهَمَهُ وَلَمْ يَحْلِفْ. وَالثَّالِثَةُ: مَا لَا يُعَابُ عَلَيْهِ وَظَهَرَ كَذِبُهُ.
قَوْلُهُ: [إلَّا أَنْ يَحْلِفَ] إلَخْ: هَذِهِ هِيَ الْأَوْلَى. قَوْلُهُ: [فَالثَّمَنُ خَاصَّةً] : حَاصِلُهُ أَنَّ الْمَبِيعَ إذَا كَانَ مِمَّا يُعَابُ عَلَيْهِ وَادَّعَى الْمُشْتَرِي ضَيَاعَهُ أَوْ تَلَفَهُ وَلَمْ تَقُمْ لَهُ بَيِّنَةٌ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ الْأَكْثَرُ مِنْ الثَّمَنِ وَالْقِيمَةِ كَمَا مَرَّ، فَإِنْ كَانَ الثَّمَنُ أَكْثَرَ أَوْ مُسَاوِيًا لِلْقِيمَةِ غَرِمَهُ وَلَا كَلَامَ وَإِنْ كَانَتْ الْقِيمَةُ أَكْثَرَ وَغَرِمَهَا فَلَا كَلَامَ. وَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَغْرَمَ الثَّمَنَ الَّذِي هُوَ أَقَلُّ مِنْهَا حَلَفَ الْيَمِينَ وَالْمَوْضُوعُ أَنَّ الْخِيَارَ لِلْبَائِعِ.
قَوْلُهُ: [فَإِنَّهُ يَغْرَمُ الثَّمَنَ الَّذِي وَقَعَ بِهِ الْبَيْعُ] : أَيْ لِأَنَّهُ يُعَدُّ رَاضِيًا وَسَوَاءٌ كَانَ الثَّمَنُ أَقَلَّ مِنْ الْقِيمَةِ أَوْ أَكْثَرَ مَا لَمْ يَحْلِفْ عِنْدَ أَشْهَبَ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ الشِّرَاءَ، وَإِلَّا كَانَتْ عَلَيْهِ الْقِيمَةُ إنْ كَانَتْ أَقَلَّ.
(وَلَوْ اشْتَرَى) شَخْصٌ (أَحَدَ) سِلْعَتَيْنِ (كَثَوْبَيْنِ، وَقَبَضَهُمَا) مِنْ الْبَائِعِ لِيَخْتَارَ وَاحِدًا مِنْهُمَا وَيَرُدَّ الْآخَرَ (فَادَّعَى ضَيَاعَهُمَا) مَعًا (ضَمِنَ وَاحِدًا مِنْهُمَا فَقَطْ) ؛ لِأَنَّهُ فِي الْآخَرِ أَمِينٌ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِيهِ (بِالثَّمَنِ) الَّذِي وَقَعَ بِهِ الْبَيْعُ سَوَاءٌ (كَانَ فِيمَا يَخْتَارُهُ بِخِيَارٍ أَوْ لَا) بِأَنْ كَانَ فِيهِ عَلَى الْبَتِّ وَقِيلَ: الْمَسْأَلَةُ مَفْرُوضَةٌ فِي الْأَوَّلِ، وَأَمَّا لَوْ كَانَ فِيمَا يَخْتَارُهُ عَلَى الْبَتِّ - لَاشْتَرَكَا فِيهِمَا - وَلَزِمَهُ
ــ
[حاشية الصاوي]
تَنْبِيهَانِ:
الْأَوَّلُ: لَوْ غَابَ الْبَائِعُ عَلَى الْمَبِيعِ بِالْخِيَارِ وَادَّعَى التَّلَفَ وَالضَّيَاعَ - وَالْخِيَارُ لِغَيْرِهِ، مُشْتَرٍ أَوْ أَجْنَبِيٍّ - فَإِنَّهُ يَضْمَنُ الثَّمَنَ. وَمَعْنَى ضَمَانِهِ رَدُّهُ لِلْمُشْتَرِي إنْ كَانَ قَبَضَهُ، وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ لَهُ - كَذَا فِي الْأَصْلِ.
الثَّانِي: اشْتَرَيَا دَابَّتَيْنِ خِيَارًا ادَّعَى كُلٌّ التَّلَفَ وَقَالَ أَهْلُ الْمَوْضِعِ: إنَّمَا تَلِفَتْ وَاحِدَةٌ، فَحَكَى ابْنُ رُشْدٍ قَوْلَيْنِ: بَرَاءَتُهُمَا لِصِدْقِ أَحَدِهِمَا قَطْعًا وَلَا يَضْمَنُ الثَّانِي بِالشَّكِّ، وَضَمَانُ كُلٍّ نِصْفَ دَابَّتِهِ وَصَوَّبَهُ عَبْدُ الْحَقِّ فِي تَهْذِيبِهِ كَمَا فِي الـ (مج) .
قَوْلُهُ: [وَلَوْ اشْتَرَى شَخْصٌ أَحَدَ سِلْعَتَيْنِ] : لَمَّا أَنْهَى الْكَلَامَ عَلَى بَيْعِ الْخِيَارِ شَرَعَ فِي الْكَلَامِ عَلَى الِاخْتِيَارِ الْمُجَامِعِ لِلْخِيَارِ وَالْمُنْفَرِدِ عَنْهُ فَالْأَقْسَامُ ثَلَاثَةٌ: بَيْعُ خِيَارٍ فَقَطْ، وَقَدْ تَقَدَّمَ، وَبَيْعُ اخْتِيَارٍ فَقَطْ، وَبَيْعُ خِيَارٍ وَاخْتِيَارٍ، وَالْكَلَامُ الْآنَ فِيهِمَا. وَفِي كُلٍّ مِنْهَا؛ إنْ اشْتَرَى ثَوْبَيْنِ مَثَلًا: إمَّا أَنْ يَدَّعِيَ ضَيَاعَهُمَا مَعًا أَوْ ضَيَاعَ أَحَدِهِمَا، أَوْ تَمْضِيَ الْمُدَّةُ مَعَ بَقَائِهِمَا وَلَمْ يَخْتَرْ؛ فَهَذِهِ تِسْعُ صُوَرٍ يُعْلَمُ تَفْصِيلُهَا مِمَّا تَقَدَّمَ وَمِنْ هُنَا.
وَحَاصِلُهُ: أَنَّ الثَّوْبَيْنِ فِي بَيْعِ الْخِيَارِ فَقَطْ كِلَاهُمَا مَبِيعٌ فَيَضْمَنُهُمَا ضَمَانَ الرِّهَانِ إنْ ادَّعَى ضَيَاعَهُمَا أَوْ ضَيَاعَ أَحَدِهِمَا. فَإِنْ مَضَتْ مُدَّةُ الْخِيَارِ وَلَمْ يَخْتَرْ لَزِمَاهُ مَعًا؛ فَهَذِهِ ثَلَاثٌ، وَفِي الِاخْتِيَارِ فَقَطْ إنْ ادَّعَى ضَيَاعَهُمَا أَوْ ادَّعَى ضَيَاعَ أَحَدِهِمَا أَوْ مَضَتْ مُدَّةُ الِاخْتِيَارِ وَلَمْ يَخْتَرْ لَزِمَهُ النِّصْفُ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا فَيَغْرَمُ نِصْفَ ثَمَنِ أَحَدِهِمَا وَنِصْفَ قِيمَةِ الْآخَرِ. فَهَذِهِ ثَلَاثٌ أَيْضًا. وَفِي بَيْعِ الْخِيَارِ وَالِاخْتِيَارِ إنْ ادَّعَى ضَيَاعَهُمَا مَعًا ضَمِنَ وَاحِدًا بِالثَّمَنِ وَإِنْ ادَّعَى ضَيَاعَ وَاحِدٍ فَقَطْ ضَمِنَ نِصْفَهُ وَلَهُ اخْتِيَارُ الْبَاقِي. وَإِذَا مَضَتْ الْمُدَّةُ وَلَمْ يَخْتَرْ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ؛ فَهَذَا ثَلَاثٌ أَيْضًا فَلْتَحْفَظْ تِلْكَ الصُّوَرَ التِّسْعَ
قَوْلُهُ: [وَقِيلَ الْمَسْأَلَةُ مَفْرُوضَةٌ] : هَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ لِمَا سَيَأْتِي.
نِصْفُ قِيمَةِ أَحَدِهِمَا وَنِصْفُ ثَمَنِ الْآخَرِ.
(وَ) إنْ ادَّعَى (ضَيَاعَ وَاحِدٍ) مِنْهُمَا - وَلَمْ يَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ بِضَيَاعِهِ - (فَفِي الْخِيَارِ مَعَهُ) : أَيْ مَعَ الِاخْتِيَارِ - بِأَنْ شُرِطَ أَنَّهُ شَرْطٌ فِيمَا يَخْتَارُهُ بِالْخِيَارِ (ضَمِنَ نِصْفَهُ) لِعَدَمِ الْعِلْمِ بِالضَّائِعِ، هَلْ هُوَ الْمَبِيعُ بِالْخِيَارِ، أَوْ الثَّانِي؟ فَأَعْمَلْنَا الِاحْتِمَالَيْنِ. (وَلَهُ) : أَيْ لِلْمُشْتَرِي فِي ادِّعَاءِ ضَيَاعِ وَاحِدٍ فَقَطْ (اخْتِيَارُ الْبَاقِي) وَرَدُّهُ لِرَبِّهِ، إنْ كَانَ زَمَنُ الْخِيَارِ بَاقِيًا. وَلَيْسَ لَهُ اخْتِيَارُ نِصْفِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ ضَرَرِ الشَّرِكَةِ. فَإِنْ قَالَ: كُنْتُ اخْتَرْتُ مَا ضَاعَ قَبْلَ ضَيَاعِهِ، صُدِّقَ وَلَزِمَهُ ثَمَنُهُ. وَلَوْ قَالَ: كُنْتُ اخْتَرْتُ هَذَا الْبَاقِيَ ثُمَّ ضَاعَ الْآخَرُ وَأَنَا فِيهِ أَمِينٌ، لَمْ يُصَدَّقْ وَيَلْزَمُهُ نِصْفُهُ.
(وَفِي الِاخْتِيَارِ فَقَطْ) : أَيْ دُونَ خِيَارٍ؛ بِأَنْ كَانَ فِيمَا يَخْتَارُهُ عَلَى الْبَتِّ وَادَّعَى ضَيَاعَ أَحَدِهِمَا وَلَا بَيِّنَةَ (لَزِمَهُ النِّصْفُ مِنْ كُلٍّ) : مِنْ التَّالِفِ وَالْبَاقِي، وَلَيْسَ لَهُ اخْتِيَارُ الْبَاقِي - كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ ابْنُ يُونُسَ - لِأَنَّهُ إنَّمَا يَكُونُ لَهُ الْخِيَارُ إنْ وَقَعَ الْبَيْعُ عَلَى الْخِيَارِ وَلَمْ تَنْقُصْ مُدَّتُهُ؛ وَهَذَا مِمَّا يُرَجِّحُ الْقِيلَ الْمُتَقَدِّمَ فِي ضَيَاعِهِمَا مَعًا وَيُضَعِّفُ التَّعْمِيمَ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي الْأَصْلِ فَتَدَبَّرْ.
ثُمَّ شَبَّهَ فِي لُزُومِ النِّصْفِ مِنْ كُلِّ قَوْلِهِ:
ــ
[حاشية الصاوي]
قَوْلُهُ: [فَأَعْمَلْنَا الِاحْتِمَالَيْنِ] : أَيْ احْتِمَالَ كَوْنِ الضَّائِعِ هُوَ الْمَبِيعَ وَاحْتِمَالَ كَوْنِهِ غَيْرَهُ أَيْ ارْتَكَبْنَا حَالَةً وُسْطَى، لِأَنَّهُ عَلَى احْتِمَالِ كَوْنِ الضَّائِعِ هُوَ الْمَبِيعَ يَلْزَمُهُ كُلُّهُ وَعَلَى احْتِمَالِ كَوْنِهِ غَيْرَ الْمَبِيعِ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ لِأَنَّهُ وَدِيعَةٌ عِنْدَهُ فَتَوَسَّطْنَا وَأَخَذْنَا مِنْ كُلٍّ طَرَفًا.
قَوْلُهُ: [اخْتِيَارُ الْبَاقِي] : أَيْ عَلَى الْمَشْهُورِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ.
قَوْلُهُ: [وَلَيْسَ لَهُ اخْتِيَارُ نِصْفِهِ] : أَيْ خِلَافًا لِابْنِ الْمَوَّازِ الْقَائِلِ الْقِيَاسُ أَنَّ لَهُ اخْتِيَارَ النِّصْفِ الْبَاقِي لَا جَمِيعِهِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمَبِيعَ ثَوْبٌ وَاحِدٌ فَإِذَا اخْتَارَ جَمِيعَ الْبَاقِي لَزِمَ كَوْنُ الْمَبِيعِ ثَوْبًا وَنِصْفًا وَهُوَ خِلَافُ فَرْضِ الْمَسْأَلَةِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ هَذَا أَمْرٌ جَرَّ إلَيْهِ الْحُكْمَ
لِدَفْعِ ضَرَرِ الشَّرِكَةِ.
قَوْلُهُ: [لِأَنَّهُ إنَّمَا يَكُونُ لَهُ الْخِيَارُ] إلَخْ: الْمُنَاسِبُ الِاخْتِيَارُ وَهُوَ إظْهَارٌ فِي مَحَلِّ الْإِضْمَارِ