الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أَيْ مُجَرَّدِ حِفْظِهِ، فَخَرَجَ الْقِرَاضُ وَالْإِبْضَاعُ وَالْمُوَاضَعَةُ وَالْوَكَالَةُ.
وَلَمَّا كَانَتْ الْوَدِيعَةُ أَمَانَةً، وَكُلُّ أَمَانَةٍ لَا يَضْمَنُهَا الْأَمِينُ إلَّا إذَا فَرَّطَ مَنْ يَصِحُّ تَوْكِيلُهُ فِيهَا، أَشَارَ لِذَلِكَ قَوْلُهُ:(تُضْمَنُ بِتَفْرِيطِ رَشِيدٍ، لَا) بِتَفْرِيطِ (صَبِيٍّ وَ) لَا (سَفِيهٍ) كَذَا عَبْدٌ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ سَيِّدُهُ، لِعَدَمِ صِحَّةٍ وَكَالتُّهَمِ كَمَا تَقَدَّمَ. فَمَنْ اسْتَوْدَعَ وَاحِدًا مِنْهُمْ فَهُوَ الْمُفْرِطُ فِي مَالِهِ إلَّا أَنَّ فِي الْعَبْدِ تَفْصِيلًا سَيُذْكَرُ قَرِيبًا (وَإِنْ أَذِنَ أَهْلُهُ) : أَيْ وَلِيُّ الصَّبِيِّ وَالسَّفِيهِ فَلَا ضَمَانَ، إلَّا فِيمَا صُونَ بِهِ مَالُهُ وَهُوَ مَلِيءٌ كَمَا تَقَدَّمَ. وَأَشَارَ لِلتَّفْصِيلِ فِي الْعَبْدِ بِقَوْلِهِ:(وَيَضْمَنُهَا) الْعَبْدُ (غَيْرُ الْمَأْذُونِ) إذَا قَبِلَهَا بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ وَفَرَّطَ (فِي ذِمَّتِهِ إنْ عَتَقَ) لَا إنْ لَمْ يَعْتِقْ (إلَّا أَنْ يُسْقِطَهَا) : أَيْ يُسْقِطَ ضَمَانَهَا (عَنْهُ سَيِّدُهُ قَبْلَهُ) : أَيْ قَبْلَ الْعِتْقِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ.
ــ
[حاشية الصاوي]
وَمَنْ جَازَ لَهُ أَنْ يَتَوَكَّلَ جَازَ لَهُ أَنْ يَقْبَلَ الْوَدِيعَةَ.
قَوْلُهُ: [فَخَرَجَ الْقِرَاضُ] : أَيْ؛ لِأَنَّهُ مُوَكَّلٌ عَلَى حِفْظِهِ وَالتَّجْرِ فِيهِ وَالْإِبْضَاعِ؛ لِأَنَّهُ مُوَكَّلٌ عَلَى حِفْظِهِ وَالتَّصَرُّفِ فِيهِ بِمَا أَمَرَهُ الْمَالِكُ، وَخُرُوجُ الْأَمَةِ الَّتِي تَتَوَاضَعُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ الْمَقْصُودُ مِنْهَا حِفْظُ ذَاتِ الْأَمَةِ مِنْ حَيْثُ هِيَ، بَلْ الْمُحَافَظَةُ عَلَيْهَا لِأَجْلِ رُؤْيَةِ الدَّمِ.
وَقَوْلُهُ: [وَالْوَكَالَةُ] : أَيْ مُطْلَقًا عَلَى نِكَاحٍ أَوْ طَلَاقٍ أَوْ اقْتِضَاءِ دَيْنٍ أَوْ مُخَاصِمَةٍ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ تَوْكِيلًا عَلَى مُجَرَّدِ حِفْظِ مَالٍ.
[ضمان الْوَدِيعَة بِالتَّفْرِيطِ فِيهَا]
قَوْلُهُ: [مَنْ يَصِحُّ تَوْكِيلُهُ] : أَيْ وَهُوَ الْبَالِغُ الْعَاقِلُ الرَّشِيدُ.
قَوْلُهُ: [سَيُذْكَرُ قَرِيبًا] : أَيْ فِي قَوْلِهِ وَيَضْمَنُهَا الْعَبْدُ غَيْرُ الْمَأْذُونِ إلَخْ قَوْلُهُ: [إلَّا فِيمَا صُونَ بِهِ مَالُهُ] : أَيْ يَضْمَنُ قَدْرَ الْمَالِ الَّذِي صُونَ كَمَا لَوْ كَانَ يَصْرِفُ مِنْ مَالِهِ كُلَّ يَوْمٍ عَشَرَةً فَانْتَفَعَ بِتِلْكَ الْوَدِيعَةِ فِي يَوْمٍ مِنْ الْأَيَّامِ، فَإِنَّهُ لَا يُؤْخَذُ مِنْ مَالِهِ إلَّا مِقْدَارُ عَشَرَةٍ وَلَوْ كَانَتْ الْوَدِيعَةُ مِائَةً.
قَوْلُهُ: [غَيْرُ الْمَأْذُونِ] : أَيْ وَغَيْرُ الْمُكَاتَبِ.
قَوْلُهُ: [إلَّا أَنْ يُسْقِطَهَا] : أَيْ؛ لِأَنَّ لِلسَّيِّدِ إسْقَاطَ الْحُقُوقِ الْمَالِيَّةِ الَّتِي تَعَلَّقَتْ بِالْعَبْدِ غَيْرِ الْمَأْذُونِ قَبْلَ عِتْقِهِ وَيَصِيرُ لَا تَبِعَةَ عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ.
وَأَمَّا الْمَأْذُونُ لَهُ فِي التِّجَارَةِ فَيَضْمَنُهَا فِي ذِمَّتِهِ عَاجِلًا فِي مَالِهِ لَا مَالِ السَّيِّدِ، وَلَا يَتَوَقَّفُ الضَّمَانُ عَلَى عِتْقِهِ. وَكَذَا الصَّبِيُّ إذَا نَصَّبَهُ وَلِيُّهُ لِلتِّجَارَةِ فَقَوْلُهُمْ: لَا ضَمَانَ عَلَى صَبِيٍّ فَرَّطَ وَإِنْ أَذِنَ لَهُ وَلِيُّهُ: أَيْ مَا لَمْ يُنَصِّبْهُ لِلتِّجَارَةِ وَالْمُعَامَلَاتِ بَيْنَ النَّاسِ.
ثُمَّ بَيَّنَ وُجُوهَ التَّفْرِيطِ بِقَوْلِهِ: (فَتُضْمَنُ) الْوَدِيعَةُ (بِسُقُوطِ شَيْءٍ عَلَيْهَا مِنْهُ) : أَيْ مِنْ يَدِ الْمُودَعِ وَلَوْ خَطَأً؛ لِأَنَّ الْخَطَأَ كَالْعَمْدِ فِي الْأَمْوَالِ وَزِدْنَا عَلَيْهِ لَفْظَ مِنْهُ لِبَيَانِ مُرَادِهِ إذْ هُوَ مَحَلُّ التَّفْرِيطِ (لَا) يُضْمَنُ (إنْ انْكَسَرَتْ) الْوَدِيعَةُ مِنْهُ (فِي نَقْلِ مِثْلِهَا الْمُحْتَاجِ إلَيْهِ) مِنْ مَكَان إلَى آخَرَ. فَإِذَا لَمْ تَحْتَجْ إلَى النَّقْلِ فَنَقَلَهَا، أَوْ احْتَاجَتْ وَنَقَلَهَا نَقْلَ غَيْرِ مِثْلِهَا ضَمِنَ إنْ انْكَسَرَتْ. وَنَقْلُ مِثْلِهَا: مَا يَرَى النَّاسُ أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ بِمُفْرِطٍ فَزِيَادَتُنَا عَلَيْهِ: " الْمُحْتَاجِ إلَيْهِ " لَا بُدَّ مِنْهَا.
ــ
[حاشية الصاوي]
قَوْلُهُ: [وَأَمَّا الْمَأْذُونُ لَهُ فِي التِّجَارَةِ] : أَيْ وَمِثْلُهُ الْمُكَاتَبُ.
قَوْلُهُ: [أَيْ مَا لَمْ يُنَصِّبْهُ لِلتِّجَارَةِ] : أَيْ كَالصِّبْيَانِ الْجَالِسِينَ فِي الدَّكَاكِينِ بِمِصْرَ: فَضَمَانُهُمْ كَضَمَانِ الْحُرِّ الرَّشِيدِ؛ لِأَنَّ يَدَهُمْ بِمَنْزِلَةِ يَدِ أَوْلِيَائِهِمْ.
قَوْلُهُ: [وَلَوْ خَطَأً] : أَيْ هَذِهِ إذَا كَانَ السُّقُوطُ عَمْدًا، بَلْ وَلَوْ كَانَ خَطَأً كَمَنْ أَذِنَ لَهُ فِي تَقْلِيبِ شَيْءٍ فَسَقَطَ مِنْ يَدِهِ فَكَسَرَ غَيْرَهُ فَلَا يَضْمَنُ السَّاقِطَ؛ لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ لَهُ فِيهِ، وَيَضْمَنُ الْأَسْفَلَ بِجِنَايَتِهِ عَلَيْهِ خَطَأً وَالْعَمْدُ وَالْخَطَأُ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ سَوَاءٌ كَمَا أَفَادَهُ الشَّارِحُ، وَفِي (ح) لَا يَجُوزُ لِلْمُودَعِ إتْلَافُ الْوَدِيعَةِ وَلَوْ أَذِنَ لَهُ رَبُّهَا فِي إتْلَافِهَا، فَإِنْ أَتْلَفَهَا ضَمِنَهَا لِوُجُوبِ حِفْظِ الْمَالِ كَمَنْ قَالَ لِرَجُلٍ اُقْتُلْنِي أَوْ وَلَدِي.
قَوْلُهُ: [ضَمِنَ إنْ انْكَسَرَتْ] : أَيْ فِي الصُّوَرِ الثَّلَاثِ.
وَالْحَاصِلُ: أَنَّ الصُّوَرَ أَرْبَعٌ؛ لَا ضَمَانَ فِي صُورَةِ الْمُصَنِّفِ: وَهِيَ مَا إذَا اُحْتِيجَ لِلنَّقْلِ وَنَقَلَهَا نَقْلَ مِثْلِهَا فَانْكَسَرَتْ، وَالضَّمَانُ فِيمَا عَدَاهَا: وَهُوَ مَا إذَا لَمْ تَحْتَجْ لِنَقْلٍ وَنَقَلَهَا فَانْكَسَرَتْ؛ كَأَنْ نَقَلَ مِثْلَهَا أَمْ لَا أَوْ احْتَاجَتْ لِلنَّقْلِ وَنَقَلَهَا غَيْرَ نَقْلِ أَمْثَالِهَا فَانْكَسَرَتْ.
قَوْلُهُ: [وَنَقْلُ مِثْلِهَا مَا يَرَى النَّاسُ] إلَخْ: أَيْ وَهُوَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَشْيَاءِ؛ فَبَعْضُ الْأَشْيَاءِ شَأْنُهُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى جَمَلٍ، وَبَعْضُهَا عَلَى حِمَارٍ، وَبَعْضُهَا عَلَى الرِّجَالِ، وَبَعْضُهَا يُنَاسِبُهُ الْمَشْيُ بِسُرْعَةٍ، وَبَعْضُهَا عَلَى مَهَلٍ.
(وَ) تُضْمَنُ (بِخَلْطِهَا) : أَيْ الْوَدِيعَةِ بِغَيْرِهَا إذَا تَعَذَّرَ تَمْيِيزُهَا عَمَّا خُلِطَتْ فِيهِ.
(إلَّا كَقَمْحٍ) وَفُولٍ مِنْ سَائِرِ الْحُبُوبِ (بِمِثْلِهِ) نَوْعًا وَصِفَةً، فَإِنْ خَلَطَ سَمْرَاءَ بِمَحْمُولَةٍ ضَمِنَ، وَكَذَا جَيِّدٌ بِرَدِيءٍ أَوْ نَقِيٍّ بِغَلْثٍ. وَدَخَلَ تَحْتَ الْكَافِ دَنَانِيرُ بِمِثْلِهَا، أَوْ دَرَاهِمُ بِمِثْلِهَا؛ لِأَنَّهَا لَا تُرَادُ لِعَيْنِهَا.
(أَوْ دَرَاهِمُ بِدَنَانِيرَ) لِتَيَسُّرِ التَّمْيِيزِ فَلَا يَضْمَنُ إذَا خَلَطَهَا (لِلْإِحْرَازِ أَوْ الرِّفْقِ) : رَاجِعٌ لِلصُّورَتَيْنِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْخَلْطُ لِلصَّوْنِ وَلَا لِلِارْتِفَاقِ ضَمِنَ؛ لِاحْتِمَالِ عَدَمِ تَلَفِهَا أَوْ ضَيَاعِهَا لَوْ كَانَتْ عَلَى حِدَةٍ، وَيُعْلَمُ ذَلِكَ بِقَرَائِنِ الْأَحْوَالِ الَّتِي تَقْتَضِي التَّفْرِيطَ وَعَدَمَهُ. وَكَوْنُ الْقَيْدِ رَاجِعًا لِلْمَسْأَلَتَيْنِ ظَاهِرٌ. فَالِاعْتِرَاضُ عَلَى الشَّيْخِ بِأَنَّ الْقَيْدَ إنَّمَا ذَكَرُوهُ فِي الْأُولَى دُونَ الثَّانِيَةِ مِمَّا لَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ.
ــ
[حاشية الصاوي]
قَوْلُهُ: [إذَا تَعَذَّرَ تَمْيِيزُهَا] : أَيْ كَمَا لَوْ كَانَتْ الْوَدِيعَةُ سَمْنًا وَخَلَطَهَا بِدُهْنٍ أَوْ زَيْتٍ فَتُضْمَنُ وَإِنْ لَمْ يَحْصُلُ فِيهَا تَلَفٌ.
قَوْلُهُ: [فَإِنْ خَلَطَ سَمْرَاءَ بِمَحْمُولَةٍ] . إلَخْ: مِثَالٌ لِمَا اخْتَلَفَتْ صِفَتُهُ. وَإِنَّمَا ضَمِنَ لِتَعَذُّرِ التَّمْيِيزِ بَعْدَ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ خَلَطَ مُخْتَلِفَيْ النَّوْعِ كَقَمْحٍ بِأُرْزٍ.
قَوْلُهُ: [وَدَخَلَ تَحْتَ الْكَافِ] : أَيْ الَّتِي فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: " لَا كَقَمْحٍ " أَيْ: فَلَا ضَمَانَ فِي ذَلِكَ أَيْضًا؛ لِأَنَّهَا لَا تُرَادُ لِعَيْنِهَا كَمَا أَفَادَهُ الشَّارِحُ.
قَوْلُهُ: [وَكَوْنُ الْقَيْدِ رَاجِعٌ لِلْمَسْأَلَتَيْنِ] : أَيْ مَسْأَلَةِ خَلْطِ الْحُبُوبِ بِمِثْلِهَا وَالدَّرَاهِمِ بِالدَّنَانِيرِ وَالْمُنَاسِبُ نَصْبُ رَاجِعٌ؛ لِأَنَّهُ خَبَرُ الْكَوْنِ.
قَوْلُهُ: [فَالِاعْتِرَاضُ عَلَى الشَّيْخِ] : أَصْلُ الِاعْتِرَاضِ لِابْنِ غَازِيٍّ قَائِلًا: هَذَا الْقَيْدُ لِلْأُولَى خَاصَّةً؛ لِأَنَّهُ الَّذِي فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَلَا ضَمَانَ فِيهَا وَلَوْ فَعَلَ ذَلِكَ لِغَيْرِ الْإِحْرَازِ. وَرُدَّ عَلَيْهِ بِأَنَّ أَبَا عِمْرَانَ وَأَبَا الْحَسَنِ قَيْدَا الثَّانِيَةَ أَيْضًا بِذَلِكَ كَذَا فِي (عب) . وَرَدَّ عَلَيْهِ (بْن) : بِأَنَّ تَقْيِيدَهُمَا إنَّمَا وَقَعَ لِمَسْأَلَةِ خَلْطِ الدَّرَاهِمِ بِمِثْلِهَا وَالدَّنَانِيرِ بِمِثْلِهَا وَهُوَ مِمَّا أَدْخَلَتْهُ الْكَافُ الْأُولَى، وَأَمَّا خَلْطُ الدَّنَانِيرِ بِالدَّرَاهِمِ فَلَمْ يَقَعْ مِنْ أَحَدٍ تَقْيِيدُهَا بِذَلِكَ (اهـ) فَعُلِمَ مِنْ هَذَا أَنَّ كَلَامَ ابْنِ غَازِيٍّ لَا غُبَارَ عَلَيْهِ مِنْ رُجُوعِ الْقَيْدِ لِلصُّورَةِ الْأُولَى، وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَلَا ضَمَانَ فِيهَا مُطْلَقًا فَعَلَهُ لِلْإِحْرَازِ أَوْ لَا.
(ثُمَّ إنْ تَلِفَ بَعْضُهُ) بَعْدَ الْخَلْطِ (فَبَيْنَكُمَا) عَلَى حَسَبِ الْأَنْصِبَاءِ مِنْ النِّصْفِ أَوْ الثُّلُثِ أَوْ غَيْرِهِمَا، فَإِذَا ضَاعَ اثْنَانِ مِنْ أَرْبَعَةٍ لِأَحَدِهِمَا وَاحِدٌ وَلِلثَّانِي ثَلَاثَةٌ فَالِاثْنَانِ الْبَاقِيَانِ لِصَاحِبِ الثَّلَاثَةِ مِنْهُمَا وَاحِدٌ وَنِصْفٌ وَلِصَاحِبِ الْوَاحِدِ نِصْفٌ وَهَكَذَا.
(إلَّا أَنْ يَتَمَيَّزَ) التَّالِفُ مِنْ السَّالِمِ - كَمَا فِي خَلْطِ الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ - فَمَا تَلِفَ فَعَلَى رَبِّهِ خَاصَّةً.
(وَ) يَضْمَنُ (بِانْتِفَاعِهِ بِهَا) بِلَا إذْنٍ مِنْ رَبِّهَا، فَتَلِفَتْ أَوْ تَعَيَّبَتْ بِسَبَبِ ذَلِكَ؛ كَرُكُوبِ الدَّابَّةِ وَاسْتِخْدَامِ الْعَبْدِ وَلُبْسِ الثَّوْبِ. وَاخْتُلِفَ فِيمَا إذَا هَلَكَ فِي اسْتِعْمَالِهِ بِأَمْرٍ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى فَقَالَ سَحْنُونَ: يَضْمَنُ؛ لِأَنَّهُ كَالْغَاصِبِ وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا يُضْمَنُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْغَالِبَ فِيمَا تَعْطَبُ بِمِثْلِهِ السَّلَامَةُ؛ كَمَا لَوْ أَرْسَلَ الْعَبْدُ أَوْ رَكِبَ الدَّابَّةَ لِنَحْوِ السُّوقِ فَمَاتَ مِنْ اللَّهِ.
ــ
[حاشية الصاوي]
قَوْلُهُ: [عَلَى حَسَبِ الْأَنْصِبَاءِ] : هَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَمُقَابِلُهُ أَنَّ مَا تَلِفَ يَكُونُ عَلَى حَسَبِ الدَّعَاوَى.
قَوْلُهُ: [فَعَلَى رَبِّهِ خَاصَّةً] : قَالَ فِي الْحَاشِيَةِ: يُؤْخَذُ مِنْ هَذَا أَنَّ الْمَرْكَبَ إذَا وُسِقَتْ بِطَعَامٍ لِجَمَاعَةٍ غَيْرِ شُرَكَاءَ وَأَخَذَ الظَّالِمُ مِنْهُمْ شَيْئًا فَإِنْ كَانَ الطَّعَامُ مَخْلُوطًا بَعْضُهُ عَلَى بَعْضٍ فَمُصِيبَةُ مَا أَخَذَ مِنْ الْجَمِيعِ تُقْسَمُ عَلَى حَسَبِ أَمْوَالِهِمْ، وَأَمَّا إذَا كَانَ غَيْرَ مُخْتَلِطٍ فَمَا أَخَذَ مُصِيبَتُهُ مِنْ رَبِّهِ، وَأَمَّا مَا جَعَلَهُ الظَّالِمُ عَلَى الْمَرْكَبِ بِتَمَامِهَا فَيُوَزَّعُ عَلَى جَمِيعِ مَا فِيهَا كَانَ هُنَاكَ اخْتِلَاطٌ أَوْ لَا كَالْمَجْعُولِ عَلَى الْقَافِلَةِ.
قَوْلُهُ: [وَيَضْمَنُ بِانْتِفَاعِهِ بِهَا] : أَيْ عَلَى وَجْهِ الْعَارِيَّةِ، وَأَمَّا عَلَى وَجْهِ السَّلَفِ فَسَيَأْتِي.
قَوْلُهُ: [وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَا يَضْمَنُ] : قَالَ (عب) : إذَا انْتَفَعَ الْوَدِيعَةِ انْتِفَاعًا لَا تَعْطَبُ بِهِ عَادَةً فَتَلِفَتْ بِسَمَاوِيٍّ أَوْ غَيْرِهِ فَلَا ضَمَانَ، فَإِنْ تُسَاوَى الْأَمْرَانِ - الْعَطَبُ وَعَدَمُهُ - فَالْأَظْهَرُ كَمَا يُفِيدُهُ أَوَّلُ كَلَامِ ابْنِ نَاجِي الضَّمَانُ وَلَوْ بِسَمَاوِيٍّ، وَكَذَا إنْ جُهِلَ الْحَالُ لِلِاحْتِيَاطِ.
قَالَ فِي حَاشِيَةِ الْأَصْلِ: وَالْحَاصِلُ أَنَّ الصُّوَرَ ثَمَانٍ فَإِذَا رَكِبَهَا لِمَحَلٍّ تَعْطَبُ فِي مِثْلِهِ غَالِبًا أَوْ اسْتَوَى الْأَمْرَانِ وَتَلِفَتْ ضَمِنَ كَانَ التَّلَفُ بِسَمَاوِيٍّ أَوْ بِتَعَدِّيهِ، وَإِنْ رَكِبَهَا فِيمَا يَنْدُرُ فِيهِ الْعَطَبُ فَلَا ضَمَانَ عَطِبَتْ بِسَمَاوِيٍّ أَوْ
(أَوْ سَفَرِهِ) بِهَا: أَيْ إذَا سَافَرَ فَأَخَذَ الْوَدِيعَةَ مَعَهُ فَضَاعَتْ أَوْ تَلِفَتْ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ (إنْ وَجَدَ أَمِينًا) يَتْرُكُهَا عِنْدَهُ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ صَارَ مُفَرِّطًا بِأَخْذِهَا مَعَهُ. فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ أَمِينًا يَتْرُكُهَا عِنْدَهُ - بِأَنْ لَمْ يَجِدْ أَمِينًا أَصْلًا، أَوْ وَجَدَهُ وَلَمْ يَرْضَ بِأَخْذِهَا عِنْدَهُ - فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ إذَا سَافَرَ بِهَا فَتَلِفَتْ؛ لِأَنَّهُ أَمْرٌ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ. (إلَّا أَنْ تُرَدَّ) بَعْدَ الِانْتِفَاعِ بِهَا أَوْ بَعْدَ سَفَرٍ بِهَا (سَالِمَةً) لِمَوْضِعِ إيدَاعِهَا ثُمَّ تَلِفَتْ أَوْ ضَاعَتْ بَعْدَ ذَلِكَ بِلَا تَفْرِيطٍ فَلَا يَضْمَنُ (وَالْقَوْلُ لَهُ) : أَيْ لِمَنْ انْتَفَعَ بِهَا أَوْ سَافَرَ بِهَا عِنْدَ وُجُودِ أَمِينٍ (فِي رَدِّهَا سَالِمَةً) لِمَحَلِّ إيدَاعِهَا إذَا خَالَفَهُ رَبُّهَا فِي ذَلِكَ وَهَذَا (إنْ أَقَرَّ بِالْفِعْلِ) : أَيْ بِأَنَّهُ انْتَفَعَ بِهَا أَوْ سَافَرَ. (لَا إنْ) أَنْكَرَ ذَلِكَ، وَ (شَهِدَ عَلَيْهِ) بِهِ، فَادَّعَى رُجُوعَهَا سَالِمَةً لِمَحَلِّ إيدَاعِهَا فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ وَيَضْمَنُ.
(وَحَرُمَ) عَلَى الْمُودَعِ بِالْفَتْحِ (سَلَفٌ مُقَوَّمٌ) أُودِعَ عِنْدَهُ كَثِيَابٍ
ــ
[حاشية الصاوي]
بِغَيْرِهِ مِنْ غَيْرِ تَعَدِّيه كَمَا قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ خِلَافًا لِسَحْنُونٍ إذَا عَلِمْت ذَلِكَ فَكَلَامُ الشَّارِحِ فِي غَايَةِ الْإِجْمَالِ.
قَوْلُهُ: [فَإِنْ لَمْ يُوجِدْ أَمِينًا] : هَكَذَا نُسْخَةُ الْمُؤَلِّفِ، وَحَقُّ الْعِبَارَةِ بِنَاءُ الْفِعْلِ لِلْمَجْهُولِ وَرَفْعُ أَمِينًا عَلَى أَنَّهُ نَائِبُ فَاعِلٍ، وَمِثْلُهُ يُقَالُ فِي قَوْلِهِ:" بِأَنْ لَمْ يُوجَدْ أَمِينًا ". أَوْ يُحْذَفُ الْوَاوُ وَيُبْنَى الْفِعْلُ لِلْفَاعِلِ وَيَبْقَى أَمِينًا عَلَى نَصْبِهِ؛ لِأَنَّ وَجَدَ كَوَعَدَ يُقَالُ فِي مُضَارِعِهِ يَجِدُ كَيَعِدُ فَتَأَمَّلْ.
قَوْلُهُ: [عِنْدَ وُجُودِ أَمِينٍ] : أَيْ لَا يَمْتَنِعُ مِنْ قَبُولِهَا.
قَوْلُهُ: [فِي رَدِّهَا سَالِمَةً] : أَيْ وَحَيْثُ كَانَ الْقَوْلُ لَهُ إذَا رُدَّتْ سَالِمَةً بَعْدَ انْتِفَاعِهِ بِهَا فَلِرَبِّهَا أُجْرَتُهَا إنْ كَانَ مِثْلُهُ يَأْخُذُ ذَلِكَ وَإِلَّا فَلَا، هَذَا هُوَ الْحَقُّ خِلَافًا لِمَا ذَكَرَهُ (ح) فِي أَوَّلِ الْغَصْبِ مِنْ إطْلَاقِ لُزُومِ الْأُجْرَةِ كَذَا فِي الْحَاشِيَةِ.
قَوْلُهُ: [فَادَّعَى رُجُوعَهَا سَالِمَةً] : مَفْهُومُهُ لَوْ شَهِدَتْ لَهُ بَيِّنَةٌ عَلَى الرُّجُوعِ سَالِمَةً أَنَّهُ يَقْبَلُ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ.
قَوْلُهُ: [: سَلَفٌ مُقَوَّمٌ] : حَاصِلُ ذَلِكَ أَنَّ الْوَدِيعَةَ إمَّا مِنْ الْمُقَوَّمَاتِ أَوْ الْمِثْلِيَّاتِ. وَفِي كُلٍّ إمَّا أَنْ يَكُونَ الْمُودَعُ بِالْفَتْحِ مَلِيًّا أَوْ مُعْدَمًا. فَالصُّوَرُ أَرْبَعٌ؛ فَإِنْ كَانَتْ مِنْ الْمُقَوَّمَاتِ حَرُمَ تَسَلُّفُهَا بِغَيْرِ إذْنِ رَبِّهَا مُطْلَقًا كَانَ الْمُودَعُ الْمُتَسَلَّفُ لَهَا مَلِيًّا أَوْ مُعْدَمًا،
وَحَيَوَانٍ بِغَيْرِ إذْنِ رَبِّهِ؛ لِأَنَّ الْمُقَوَّمَاتِ تُرَادُ لِأَعْيَانِهَا وَسَوَاءٌ كَانَ الْمُتَسَلِّفُ مَلِيًّا أَوْ مُعْدِمًا. (وَ) حَرُمَ تَسَلُّفُ (مُعْدِمٍ) : أَيْ مُعْسِرٍ وَلَوْ لِمِثْلِيٍّ؛ لِأَنَّهُ مَظِنَّةُ عَدَمِ الْوَفَاءِ. وَالشَّأْنُ عَدَمُ رِضَا رَبِّهَا بِذَلِكَ. (وَكُرِهَ) لِلْمَلِيِّ (النَّقْدُ وَالْمِثْلِيُّ) مِنْ عَطْفِ الْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ: أَيْ تَسَلُّفُهُمَا؛ لِأَنَّ الْمَلِيَّ مَظِنَّةُ الْوَفَاءِ مَعَ كَوْنِ مِثْلِ الْمِثْلِ كَعِينَةٍ، إذْ الْمِثْلِيَّاتُ لَا تُرَادُ لِأَعْيَانِهَا. وَمَحَلُّ الْكَرَاهَةِ إذَا لَمْ يَكُنْ سَيِّئَ الْقَضَاءِ وَلَا ظَالِمًا وَإِلَّا حَرُمَ.
(كَالتِّجَارَةِ) الْوَدِيعَةِ؛ فَإِنَّهَا تَحْرُمُ إنْ كَانَ مُقَوَّمًا أَوْ مِثْلِيًّا وَالتَّاجِرُ مُعْدَمًا، وَإِلَّا كُرِهَ فَالتَّشْبِيهُ تَامٌّ عَلَى الصَّوَابِ.
(وَالرِّبْحُ) الْحَاصِلُ مِنْ التِّجَارَةِ (لَهُ) : أَيْ الْمُودَعِ بِالْفَتْحِ. وَرُدَّ عَلَى رَبِّهَا مِثْلُ الْمِثْلِيِّ وَقِيمَةُ الْمُقَوَّمِ.
ــ
[حاشية الصاوي]
وَإِنْ كَانَتْ مِنْ الْمِثْلِيَّاتِ حَرُمَ أَيْضًا إنْ كَانَ مُعْدَمًا وَكُرِهَ إنْ كَانَ مَلِيًّا مَحَلُّ الْكَرَاهَةِ حَيْثُ لَمْ يُبِحْ لَهُ رَبُّهَا ذَلِكَ أَوْ يَمْنَعُهُ بِأَنْ جَهِلَ الْحَالَ وَإِلَّا أُبِيحَ فِي الْأَوَّلِ. وَمُنِعَ فِي الثَّانِي وَمَنْعُهُ لَهَا إمَّا بِالْمَقَالِ أَوْ الْقَرَائِنِ.
قَوْلُهُ: [أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ سَيِّئَ الْقَضَاءِ] : الْمُنَاسِبُ حَذَفَ " مَا وَإِذَا "، وَالْمَعْنَى: أَنَّهُ إذَا كَانَ يَعْلَمُ مِنْ نَفْسِهِ سُوءَ الْقَضَاءِ فَإِنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ وَلَا يُفْتَى لَهُ بِكَرَاهَةِ ذَلِكَ بَلْ بِالْحُرْمَةِ وَالظَّالِمُ الْمُسْتَغْرِقُ الذِّمَمَ. كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ رَدَّ لَرَدَّ لَنَا حَرَامًا فَمُرَادُهُ بِالظَّالِمِ الْمُسْتَغْرِقِ الذِّمَمَ وَالْمُنَاسِبُ لِلشَّارِحِ نَصْبُ ظَالِمٍ؛ لِأَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى خَبَرِ يَكُنْ.
قَوْلُهُ: [وَالتَّاجِرُ مُعْدَمًا] قَيْدٌ فِي الْمِثْلِيِّ.
قَوْلُهُ: [وَإِلَّا كُرِهَ] : أَيْ وَإِلَّا بِأَنْ كَانَ الْمَالُ مِثْلِيًّا وَالتَّاجِرُ مَلِيئًا غَيْرَ سَيِّئِ الْقَضَاءِ وَلَا مُسْتَغْرِقِ الذِّمَمِ.
قَوْلُهُ: [فَالتَّشْبِيهُ تَامٌّ عَلَى الصَّوَابِ] : وَمُقَابِلُهُ أَنَّ التَّشْبِيهَ فِي الْكَرَاهَةِ فَقَطْ فِي جَمِيعِ الْمَسَائِلِ.
قَوْلُهُ: [وَالرِّبْحُ الْحَاصِلُ] : أَيْ بَعْدَ الْبَيْعِ كَانَتْ التِّجَارَةُ حَرَامًا أَوْ مَكْرُوهَةً.
قَوْلُهُ: [وَقِيمَةُ الْمُقَوَّمِ] : أَيْ حَيْثُ فَاتَ فَإِنْ كَانَ قَائِمًا فَرَبُّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَخْذِهِ وَرَدِّ الْبَيْعِ وَإِمْضَائِهِ وَأَخْذِ مَا بِيعَ بِهِ. وَأَمَّا فِي الْفَوَاتِ فَلَيْسَ لَهُ إلَّا الْقِيمَةُ وَلَوْ
(وَبَرِئَ) مُتَسَلِّفُ الْوَدِيعَةِ وَكَذَا تَاجِرٌ فِيهَا بِلَا إذْنٍ (إنْ رَدَّ الْمِثْلِيَّ لِمَحَلِّهِ) الَّذِي أَخَذَهُ مِنْهُ سَوَاءٌ كَانَ الْمِثْلِيُّ نَقْدًا أَوْ غَيْرَهُ، وَسَوَاءٌ كَانَ السَّلَفُ لَهُ مَكْرُوهًا - كَالْمَلِيِّ - أَوْ مُحَرَّمًا كَالْمُعْدِمِ، فَإِنْ تَلِفَ بَعْدَ رَدِّهِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ. بِخِلَافِ الْمُقَوَّمِ فَلَا يَبْرَأُ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ بِتَصَرُّفِهِ فِيهِ وَفَوَاتِهِ لَزِمَتْهُ قِيمَتُهُ لِرَبِّهِ. (وَصُدِّقَ) الْمُتَسَلِّفُ (فِي رَدِّهِ) لِمَحَلِّهِ إذَا لَمْ تَقُمْ لَهُ بَيِّنَةٌ (إنْ حَلَفَ) فَالْقَوْلُ لَهُ بِيَمِينِهِ أَنَّهُ رَدَّهُ. (إلَّا) أَنْ يَكُونَ تَسَلُّفُهَا تَسَلُّفًا جَائِزًا بِأَنْ تَسَلَّفَهَا (بِإِذْنٍ) مِنْ رَبِّهَا (أَوْ يَقُولُ) لَهُ رَبُّهَا:(إنْ احْتَجْت فَخُذْ) فَأَخَذَ، (فَبِرَدِّهَا) : أَيْ فَلَا يَبْرَأُ إلَّا بِرَدِّهَا (لِرَبِّهَا) : وَلَا يُبْرِئُهُ رَدُّهَا لِمَحَلِّهَا؛ لِأَنَّهَا بِالْإِذْنِ انْتَقَلَتْ مِنْ الْأَمَانَةِ إلَى الدَّيْنِ فِي الذِّمَّةِ. (كَالْمُقَوَّمِ) فَإِنَّهُ إذَا تَسَلَّفَهُ فَلَا يَبْرَأُ إلَّا بِرَدِّهِ لِرَبِّهِ كَمَا تَقَدَّمَ.
(وَ) إذَا أَخَذَ الْبَعْضُ مِنْهَا بِإِذْنٍ أَوْ بِلَا إذْنٍ (ضَمِنَ الْمَأْخُوذَ فَقَطْ) عَلَى التَّفْصِيلِ الْمُتَقَدِّمِ، وَمَا لَمْ يَأْخُذْهُ لَمْ يَضْمَنْهُ؛ رُدَّ إلَيْهِ مَا أَخَذَهُ أَمْ لَا.
(وَ) تُضْمَنُ (بِقَفْلٍ) عَلَيْهَا (نُهِيَ عَنْهُ) بِأَنْ قَالَ لَهُ رَبُّهَا لَا تَقْفِلْ
ــ
[حاشية الصاوي]
أَبْدَلَهُ بِعَرَضٍ آخَرَ مُمَاثِلًا لَهُ كَمَا هُوَ مُفَادُ كَلَامِ الْأَشْيَاخِ خِلَافًا لِمَا فِي الْخَرَشِيِّ.
قَوْلُهُ: [بِخِلَافِ الْمُقَوَّمِ فَلَا يَبْرَأُ بِذَلِكَ] : أَيْ سَوَاءٌ تَسَلَّفَهُ مَلِيءٌ أَوْ غَيْرُهُ، فَإِذَا تَسَلَّفَ الْمُقَوَّمَ شَخْصٌ فَلَا يَبْرَأُ مِنْهُ إلَّا بِالْإِشْهَادِ عَلَى الرَّدِّ لِرَبِّهِ وَلَا تَكْفِي الشَّهَادَةُ عَلَى الرَّدِّ لِمَحَلِّ الْوَدِيعَةِ.
قَوْلُهُ: [فَالْقَوْلُ لَهُ بِيَمِينِهِ] : أَيْ وَلَا بُدَّ أَنْ يَدَّعِيَ أَنَّهُ رَدَّ عَيْنَهُ أَوْ صِفَتَهُ، فَإِنْ نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ غَرِمَ.
قَوْلُهُ: [كَمَا تَقَدَّمَ] : أَيْ مِنْ أَنَّهُ بِمُجَرَّدِ تَصَرُّفِهِ وَفَوَاتِهِ لَزِمَتْهُ قِيمَتُهُ لِرَبِّهِ.
قَوْلُهُ: [عَلَى التَّفْصِيلِ الْمُتَقَدِّمِ] : أَيْ فَإِنْ كَانَ مَكْرُوهًا وَرَدَّهُ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ لِمَا أَخَذَهُ وَلَا لِمَا يَأْخُذُهُ وَإِنْ كَانَ جَائِزًا بِأَنْ تَسَلَّفَهُ بِالْإِذْنِ تَعَلَّقَ الْبَعْضُ الَّذِي أَخَذَهُ بِذِمَّتِهِ فَلَا يَبْرَأُ إلَّا بِتَسْلِيمِهِ لِرَبِّهِ وَإِنْ كَانَ حَرَامًا فَلَا يَبْرَأُ إلَّا بِتَسْلِيمِهِ لِرَبِّهِ إنْ كَانَ مُقَوَّمًا، وَإِنْ كَانَ مِثْلِيًّا صُدِّقَ بِيَمِينِهِ أَنَّهُ رَدَّهُ بِعَيْنِهِ أَوْ صِفَتِهِ.
قَوْلُهُ: [وَتُضْمَنُ بِقَفْلٍ] : بِفَتْحِ الْقَافِ بِمَعْنَى الْفِعْلِ كَمَا يَقْتَضِيه مَزْجُ الشَّارِحِ
عَلَيْهَا الصُّنْدُوقَ مَثَلًا، لِكَوْنِهِ خَافَ عَلَيْهَا مِنْ لِصٍّ؛ لِأَنَّ شَأْنَ اللِّصِّ أَنْ يَقْصِدَ مَا قُفِلَ عَلَيْهِ، فَقَفَلَ عَلَيْهَا فَسُرِقَتْ. بِخِلَافِ مَا لَوْ تَلِفَتْ بِسَمَاوِيٍّ أَوْ حَرْقٍ بِلَا تَفْرِيطٍ فَلَا يُضْمَنُ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَتْلَفْ مِنْ الْجِهَةِ الَّتِي خَافَ مِنْهَا. (وَ) تُضْمَنُ (بِوَضْعٍ) لَهَا (فِي نُحَاسٍ، فِي أَمْرِهِ) بِوَضْعِهَا (بِفُخَّارٍ فَسُرِقَتْ) . فَإِنْ لَمْ يَأْمُرْ بِشَيْءٍ لَمْ يَضْمَنْ حَيْثُ وَضَعَهَا بِمَحَلٍّ يُؤْمَنُ عَادَةً كَمَا لَا يَضْمَنُ إذَا تَلِفَتْ بِغَيْرِ سَرِقَةٍ.
(لَا إنْ زَادَ قُفْلًا) عَلَى قُفْلٍ أَمَرَهُ بِهِ فَلَا يَضْمَنُ، إلَّا إذَا كَانَ فِيهِ إغْرَاءٌ لِلِّصِّ (أَوْ أَمَرَ بِرَبْطِهَا بِكُمٍّ فَأَخَذَهَا بِيَدِهِ أَوْ جَيْبِهِ) فَلَا ضَمَانَ إنْ غُصِبَتْ أَوْ سَقَطَتْ، لِأَنَّ الْيَدَ أَحْرَزُ مِنْهُمَا. إلَّا أَنْ يَكُونَ شَأْنُ السَّارِقِ أَوْ الْغَاصِبِ قَصَدَ الْجَيْبَ.
(وَ) تُضْمَنُ (بِنِسْيَانِهَا بِمَوْضِعِ إيدَاعِهَا) ؛ فَأَوْلَى غَيْرُهُ؛ لِأَنَّ عِنْدَهُ
ــ
[حاشية الصاوي]
لَا بِالضَّمِّ بِمَعْنَى الْآلَةِ، وَإِنْ صَحَّ أَيْضًا مِنْ جِهَةِ الْفِقْهِ.
قَوْلُهُ: [بِخِلَافِ مَا لَوْ تَلِفَ بِسَمَاوِيٍّ أَوْ حُرِقَ] : أَيْ وَالْمَوْضُوعُ أَنَّهُ خَالَفَ وَقَفَلَ عَلَيْهَا. وَمَفْهُومُ قَوْلِهِ نُهِيَ عَنْهُ أَنَّهُ لَوْ قَفَلَ عَلَيْهَا مِنْ غَيْرِ نَهْيٍ مِنْ صَاحِبِهَا لَا ضَمَانَ أَوْ تَرَكَ الْقَفْلَ مَعَ عَدَمِ النَّهْيِ وَعَدَمِ الْأَمْرِ لَا ضَمَانَ، وَذَكَرَ ابْنُ رَاشِدٍ أَنَّهُ لَوْ جَعَلَهَا فِي بَيْتِهِ مِنْ غَيْرِ قَفْلٍ وَلَهُ أَهْلٌ يَعْلَمُ خِيَانَتَهُمْ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ لِمُخَالَفَتِهِ الْعُرْفَ.
قَوْلُهُ: [فَأَخَذَهَا بِيَدِهِ] : أَيْ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ مَا لَمْ يَكُنْ الْمُودِعُ قَصَدَ إخْفَاءَهَا عَنْ عَيْنِ الْغَاصِبِ.
وَقَوْلُهُ: [أَوْ جَيْبِهِ] : ظَاهِرُهُ كَانَ الْجَيْبُ بِصَدْرِهِ أَوْ جَنْبِهِ وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ بَهْرَامَ، وَاسْتَظْهَرَ فِي الْحَاشِيَةِ قَصْرَهُ عَلَى الْأَوَّلِ، وَأَنَّهُ يَضْمَنُ بِوَضْعِهَا فِي جَيْبِهِ إذَا كَانَ بَجَنْبِهِ، وَلَوْ جَعَلَهَا فِي وَسَطِهِ وَقَدْ أَمَرَهُ بِجَعْلِهَا فِي عِمَامَتِهِ لَمْ يَضْمَنْ وَضَمِنَ فِي الْعَكْسِ، وَكَذَا لَوْ أَمَرَهُ بِالْوَسَطِ فَجَعَلَهَا فِي جَيْبِهِ أَوْ كُمِّهِ كَمَا فِي (بْن) .
قَوْلُهُ: [؛ لِأَنَّ الْيَدَ أَحْرَزُ مِنْهُمَا] : هَكَذَا نُسْخَةُ الْمُؤَلِّفِ، وَصَوَابُهُ؛ لِأَنَّ الْيَدَ أَوْ الْجَيْبَ أَحْرَزُ مِنْهُ فَتَأَمَّلْ.
قَوْلُهُ: [نِسْيَانُهَا بِمَوْضِعِ إيدَاعِهَا] : أَيْ وَأَوْلَى فِي غَيْرِهِ، كَمَا لَوْ حَمَلَ مَالًا
نَوْعًا مِنْ التَّفْرِيطِ. (وَ) تُضْمَنُ (بِدُخُولِ حَمَّامٍ) بِهَا، أَوْ دُخُولِ سُوقٍ بِهَا فَضَاعَتْ. (وَ) تُضْمَنُ (بِخُرُوجِهِ بِهَا يَظُنُّهَا لَهُ فَتَلِفَتْ) رَاجِعٌ لِجَمِيعِ مَا قَبْلَهُ، وَإِنَّمَا ضَمِنَ فِيمَا إذَا خَرَجَ بِهَا يَظُنُّ أَنَّهَا لَهُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْخَطَأِ وَهُوَ كَالْعَمْدِ فِي الْمَالِ.
(لَا) يَضْمَنُ (إنْ نَسِيَهَا) مَرْبُوطَةً (فِي كُمِّهِ) فَضَاعَتْ إنْ أَمَرَهُ بِوَضْعِهَا فِيهِ. (أَوْ شَرَطَ عَلَيْهِ الضَّمَانَ) فِيمَا لَا ضَمَانَ فِيهِ، بِأَنْ كَانَ مِمَّا لَا يُغَابُ عَلَيْهِ،
ــ
[حاشية الصاوي]
لِإِنْسَانٍ يَشْتَرِي لَهُ بِهِ بِضَاعَةً مِنْ بَلَدٍ آخَرَ حَتَّى أَتَى لِمَوْضِعٍ نَزَلَ لِيَبُولَ مَثَلًا فَوَضَعَهُ بِالْأَرْضِ ثُمَّ قَامَ وَنَسِيَهُ فَضَاعَ وَلَا يَدْرِي مَحَلَّ وَضْعِهِ، فَإِنَّهُ يَضْمَنُ؛ لِأَنَّ نِسْيَانَهُ جِنَايَةٌ وَتَفْرِيطٌ كَمَا أَفْتَى بِهِ ابْنُ رُشْدٍ خِلَافًا لِفَتْوَى الْبَاجِيِّ بِعَدَمِ الضَّمَانِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ.
قَوْلُهُ: [بِدُخُولِ حَمَّامٍ بِهَا] : أَيْ أَوْ دُخُولِهِ الْمِيضَأَةَ لِرَفْعِ حَدَثٍ أَصْغَرَ أَوْ أَكْبَرَ، وَمَحَلُّ الضَّمَانِ حَيْثُ كَانَ يُمْكِنُ وَضْعُهَا فِي مَحَلِّهِ، أَوْ عِنْدَ أَمِينٍ وَلَوْ كَانَ الْمُودِعُ غَرِيبًا فِي الْبَلَدِ لِقُدْرَتِهِ عَلَى سُؤَالِهِ فِيهَا عَنْ أَمِينٍ يَجْعَلُهَا عِنْدَهُ حَتَّى يَقْضِيَ حَاجَتَهُ.
وَأَعْلَمُ أَنَّ قَبُولَهُ لَهَا وَهُوَ ذَاهِبٌ لِلسُّوقِ كَقَبُولِهِ لَهَا وَهُوَ يُرِيدُ الْحَمَّامَ، فَإِذَا قَبِلَهَا وَضَاعَتْ فِي السُّوقِ أَوْ الْحَمَّامِ ضَمِنَهَا إنْ كَانَ يُمْكِنُهُ وَضْعُهَا عِنْدَ أَمِينٍ، وَمَحَلُّ الضَّمَانِ أَيْضًا مَا لَمْ يَعْلَمْ رَبُّهَا أَنَّ الْمُودَعَ ذَاهِبٌ لِلسُّوقِ أَوْ الْحَمَّامِ عِنْدَ الْإِعْطَاءِ، فَإِنْ عَلِمَ بِذَلِكَ فَلَا ضَمَانَ إذَا ضَاعَتْ فِي الْحَمَّامِ أَوْ السُّوقِ قِيَاسًا عَلَى مَا إذَا أَوْدَعَهُ وَهُوَ عَالِمٌ بِعَوْرَةِ مَنْزِلِهِ كَذَا قَرَّرَ شَيْخُ مَشَايِخِنَا الْعَدَوِيُّ.
قَالَ (عب) : وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إذَا دَخَلَ الْحَمَّامَ بِهَا لِعَدَمِ مَنْ يُودِعُهَا عِنْدَهُ فَإِنَّهُ يُؤْمَرُ بِوَضْعِهَا عِنْدَ رَئِيسِ الْحَمَّامِ، فَإِنْ لَمْ يُودِعْهَا عِنْدَهُ وَضَاعَتْ ضَمِنَهَا كَمَا هُوَ عُرْفُ مِصْرَ.
قَوْلُهُ: [مَرْبُوطَةً] : أَيْ وَأَمَّا لَوْ كَانَتْ غَيْرَ مَرْبُوطَةٍ وَنَسِيَهَا فَضَاعَتْ فَإِنَّهُ يَضْمَنُهَا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِحِرْزٍ حِينَئِذٍ.
قَوْلُهُ: [بِأَنْ كَانَ مِمَّا لَا يُغَابُ عَلَيْهِ] إلَخْ: خُرُوجٌ عَنْ الْمَوْضُوعِ. وَالصَّوَابُ أَنْ يَقُولَ: بِأَنْ ضَاعَتْ بِغَيْرِ تَفْرِيطٍ؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ هُنَا تَابِعٌ لِلتَّفْرِيطِ لَا لِمَا يُغَابُ عَلَيْهِ إلَى آخِرِ مَا قَالَ، فَإِنَّ مَا قَالَهُ مَخْصُوصٌ بِالرِّهَانِ وَالْعَوَارِيِّ تَأَمَّلْ.
أَوْ قَامَتْ عَلَى هَلَاكِهِ بَيِّنَةٌ، فَلَا يُعْمَلُ بِالشَّرْطِ وَلَا ضَمَانَ.
(وَ) تُضْمَنُ (بِإِيدَاعِهَا لِغَيْرِ زَوْجَةٍ وَأَمَةٍ اُعْتِيدَا) لِلْوَضْعِ عِنْدَهُمَا، فَإِذَا اُعْتِيدَا فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، وَأُلْحِقَ بِهِمَا الْخَادِمُ الْمُعْتَادُ لِلْإِيدَاعِ وَالْمَمْلُوكُ وَالِابْنُ كَذَا مَعَ التَّجْرِبَةِ وَطُولِ الزَّمَانِ وَغَيْرُهُمَا: شَامِلٌ لِلزَّوْجَةِ وَالْأَمَةِ غَيْرُ مُعْتَادِينَ، وَلِلْأَبِ وَالْأُمِّ وَغَيْرِهِمَا مُطْلَقًا وَلَوْ أَرَادَ سَفَرًا مَعَ إمْكَانِ الرَّدِّ.
(إلَّا لِعُذْرٍ حَدَثَ) بَعْدَ الْإِيدَاعِ لِلْمُودَعِ بِالْفَتْحِ، كَهَدْمِ الدَّارِ وَطُرُوِّ جَارٍ سُوءٍ أَوْ ظَالِمٍ وَ (كَسَفَرٍ) أَرَادَهُ (وَعَجَزَ عَنْ الرَّدِّ) لِرَبِّهَا لِغِيبَتِهِ أَوْ سِجْنِهِ، فَيَجُوزُ الْإِيدَاعُ لِغَيْرِ الزَّوْجَةِ وَالْأَمَةِ الْمُعْتَادَيْنِ وَلَا ضَمَانَ إنْ تَلِفَتْ وَاحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ:" حَدَثَ " عَمَّا إذَا كَانَ حَاصِلًا قَبْلَ الْإِيدَاعِ وَعَلِمَ رَبُّهَا بِهِ فَلَيْسَ لَهُ إيدَاعُهَا وَإِلَّا ضَمِنَ فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ رَبُّهَا بِالْعُذْرِ فَلَيْسَ لِلْمُودَعِ قَبُولُهَا فَإِنْ قَبِلَهَا وَضَاعَتْ ضَمِنَ مُطْلَقًا أَوْدَعَهَا أَوْ لَا. (وَلَا يُصَدَّقُ) الْمُودَعُ - بِالْفَتْحِ - (فِي الْعُذْرِ) إنْ أَوْدَعَهَا وَضَاعَتْ وَادَّعَى أَنَّهُ إنَّمَا أُودِعَهَا لِعُذْرٍ (إلَّا بِبَيِّنَةٍ) تَشْهَدُ لَهُ (بِالْعُذْرِ) : أَيْ بِعِلْمِهِمْ بِهِ لَا بِقَوْلِهِ: اشْهَدُوا أَنِّي أُودِعْتهَا لِعُذْرٍ مِنْ غَيْرِهَا بِهِ. (وَعَلَيْهِ اسْتِرْجَاعُهَا) وُجُوبًا (إنْ) زَالَ الْعُذْرُ الْمُسَوِّغُ لِإِيدَاعِهَا أَوْ
ــ
[حاشية الصاوي]
قَوْلُهُ: [وَغَيْرُهُمَا شَامِلٌ] إلَخْ: رُجُوعٌ لِمَنْطُوقِ الْمَتْنِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُسْتَفَادَ مِنْ الْمَتْنِ وَالشَّرْحِ أَنَّ الضَّمَانَ لَا يَنْتَفِي عَنْهُ إلَّا إذَا وَضَعَهَا عِنْدَ زَوْجَةٍ أَوْ أَمَةٍ أَوْ خَادِمٍ أَوْ مَمْلُوكٍ أَوْ ابْنٍ اُعْتِيدَ هَؤُلَاءِ الْخَمْسَةِ لِذَلِكَ مَعَ التَّجْرِبَةِ وَطُولِ الزَّمَانِ، فَإِنْ لَمْ يُعْتَدْ هَؤُلَاءِ الْخَمْسَةُ أَوْ وَضَعَهَا عِنْدَ غَيْرِهِمْ مِنْ أَبٍ أَوْ أُمٍّ، أَوْ وَضَعَتْ الزَّوْجَةُ عِنْدَ زَوْجِهَا أَوْ عِنْدَ أَجَانِبَ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ اُعْتِيدَ مِنْ ذُكِرَ لِلْوَضْعِ أَمْ لَا، إلَّا لِعُذْرٍ حَدَثَ كَسَفَرٍ وَعَجْزٍ عَنْ الرَّدِّ وَهَذَا هُوَ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ.
قَوْلُهُ: [وَغَيْرُهُمَا مُطْلَقًا] : أَيْ اُعْتِيدَ أَمْ لَا.
قَوْلُهُ: [مِنْ غَيْرِهَا بِهِ] فِيهِ حَذْفُ مُضَافٍ تَقْدِيرُهُ مِنْ غَيْرِ عِلْمِهَا بِهِ، وَالْمَعْنَى: مِنْ غَيْرِ عِلْمِهَا بِالْعُذْرِ، فَالضَّمِيرُ فِي " بِهِ " يَعُودُ عَلَى الْعُذْرِ.
قَوْلُهُ: [إنْ زَالَ الْعُذْرُ] إلَخْ: حَاصِلُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّ الْمُودَعَ بِالْفَتْحِ إذَا أُودِعَ لِعَوْرَةٍ حَدَثَتْ أَوْ طُرُوُّ سَفَرٍ وَجَبَ عَلَيْهِ اسْتِرْجَاعُهَا إذَا رَجَعَ مِنْ سَفَرِهِ
(نَوَى الْإِيَابَ) : أَيْ الرُّجُوعَ مِنْ سَفَرِهِ عِنْدَ إرَادَتِهِ ثُمَّ رَجَعَ فَإِنْ لَمْ يَسْتَرْجِعْهَا ضَمِنَ. فَإِنْ لَمْ يَنْوِ الْإِيَابَ بِأَنْ نَوَى الْإِقَامَةَ أَوْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا، ثُمَّ رَجَعَ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ اسْتِرْجَاعُهَا وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ.
(وَ) تُضْمَنُ (بِإِرْسَالِهَا) لِرَبِّهَا (بِلَا إذْنٍ) مِنْهُ فَضَاعَتْ أَوْ تَلِفَتْ مِنْ الرَّسُولِ، وَكَذَا لَوْ ذَهَبَ هُوَ بِهَا لِرَبِّهَا بِلَا إذْنٍ فَضَاعَتْ مِنْهُ.
ــ
[حاشية الصاوي]
أَوْ زَالَتْ الْعَوْرَةُ. وَمَحَلُّ وُجُوبِ ذَلِكَ عِنْدَ رُجُوعِهِ مِنْ السَّفَرِ إنْ كَانَ قَدْ نَوَى الْإِيَابَ مِنْهُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ نَوَى الْإِيَابَ عِنْدَ سَفَرِهِ نُدِبَ لَهُ إرْجَاعُهَا فَقَطْ إذَا رَجَعَ، وَالْقَوْلُ لَهُ أَنَّهُ لَمْ يَنْوِهِ فَلَا يَضْمَنُ إذَا لَمْ يُرْجِعْهَا وَهَلَكَتْ، إلَّا أَنْ يَغْلِبَ الْإِيَابُ مِنْ ذَلِكَ السَّفَرِ وَإِلَّا لَمْ يُقْبَلْ.
قَوْلُهُ: [فَإِنْ لَمْ يَسْتَرْجِعْهَا ضَمِنَ] : فَلَوْ طَلَبهَا الْمُودَعُ بِالْفَتْحِ مِمَّنْ هِيَ عِنْدَهُ وَامْتَنَعَ مِنْ دَفْعِهَا لَهُ فَيَنْبَغِي الْقَضَاءُ بِدَفْعِهَا، لَهُ فَإِنْ حَصَلَ تَنَازُعٌ فِي نِيَّةِ الْإِيَابِ وَعَدَمِهَا فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُنْظَرُ إلَى سَفَرِهِ، فَإِنْ كَانَ الْغَالِبُ فِيهِ الْإِيَابَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُودَعِ الْأَوَّلِ فَيُقْضَى لَهُ بِأَخْذِهَا، وَإِنْ كَانَ الْغَالِبُ فِيهَا عَدَمَهُ أَوْ اسْتَوَى الْأَمْرَانِ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُودَعِ الثَّانِي فَلَا يُقْضَى عَلَى الْأَوَّلِ بِأَخْذِهَا، وَحِينَئِذٍ فَلَا يَضْمَنُهَا فِي تِلْكَ الْحَالَةِ وَصَارَتْ مُتَعَلِّقَةً بِالثَّانِي.
قَوْلُهُ: [وَتُضْمَنُ بِإِرْسَالِهَا] : يُسْتَثْنَى مِنْ كَلَامِهِ مَنْ أُودِعَتْ مَعَهُ وَدِيعَةٌ يُوصِلُهَا لِبَلَدٍ فَعَرَضَتْ لَهُ إقَامَةٌ طَوِيلَةٌ فِي الطَّرِيقِ كَالسَّنَةِ فَلَهُ أَنْ يَبْعَثَهَا مَعَ غَيْرِهِ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ إذَا تَلِفَتْ؛ لِأَنَّ بَعْثَهَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَاجِبٌ وَيَضْمَنُهَا إنْ حَبَسَهَا، وَأَمَّا إنْ كَانَتْ الْإِقَامَةُ الَّتِي عَرَضَتْ لَهُ قَصِيرَةً كَالْأَيَّامِ فَالْوَاجِبُ إبْقَاؤُهَا مَعَهُ، فَإِنْ بَعَثَهَا ضَمِنَهَا إنْ تَلِفَتْ، فَإِنْ كَانَتْ الْإِقَامَةُ مُتَوَسِّطَةً كَالشَّهْرَيْنِ خُيِّرَ فِي إرْسَالِهَا وَإِبْقَائِهَا وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِي كُلِّ حَالٍ، هَذَا مَا ارْتَضَاهُ ابْنُ رُشْدٍ كَمَا فِي (ح) كَذَا فِي (بْن) .
قَوْلُهُ: [وَكَذَا لَوْ ذَهَبَ هُوَ بِهَا لِرَبِّهَا] : مِثْلَ ذَهَابِهِ بِهَا فِي الضَّمَانِ وَصِيُّ رَبِّ الْمَالِ يَبْعَثُ الْمَالَ لِلْوَرَثَةِ أَوْ يُسَافِرُ هُوَ بِهِ إلَيْهِمْ مِنْ غَيْرِ إذْنِهِمْ، فَإِنَّهُ يَضْمَنُ إذَا ضَاعَ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي التَّوْضِيحِ وَالْمُدَوَّنَةِ، خِلَافًا لِمَا فِي كَثِيرِ الْخَرَشِيِّ مِنْ عَدَمِ الضَّمَانِ. وَكَذَا الْقَاضِي يَبْعَثُ الْمَالَ لِمُسْتَحِقِّهِ مِنْ وَرَثَةٍ أَوْ غَيْرِهِمْ بِغَيْرِ إذْنِهِ عِنْدَ
(كَأَنْ ادَّعَى الْإِذْنَ وَلَمْ يُثْبِتْهُ) فَيَضْمَنُ وَالْقَوْلُ قَوْلُ رَبِّهَا إنَّهُ لَمْ يَأْذَنْ (إنْ حَلَفَ رَبُّهَا: مَا أَذِنْت) . فَإِنْ نَكَلَ، حَلَفَ الْمُودَعُ أَنَّهُ إنَّمَا أَرْسَلَهَا لَهُ لِكَوْنِهِ أَذِنَ لَهُ، فَإِنْ نَكَلَ ضَمِنَ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ:(وَإِلَّا) يَحْلِفُ رَبُّهَا (حَلَفَ) الْمُودَعُ بِالْفَتْحِ (وَبَرِئَ. وَإِلَّا) يَحْلِفُ بَلْ نَكَلَ كَمَا نَكَلَ رَبُّهَا (غَرِمَ)(وَلَا يَرْجِعُ) الْمُودَعُ بِالْفَتْحِ (عَلَى) الرَّسُولِ (الْقَابِضِ) لَهَا مِنْهُ (إنْ تَحَقَّقَ الْإِذْنُ) لَهُ مِنْ رَبِّهَا وَادَّعَى عَدَمَهُ عِنَادًا مِنْهُ.
(وَ) تُضْمَنُ (بِجَحْدِهَا) مِنْ الْمُودَعِ عِنْدَ طَلَبِهَا بِأَنْ قَالَ لِرَبِّهَا لَمْ تُودِعْنِي شَيْئًا، ثُمَّ اعْتَرَفَ وَأَقَامَ عَلَيْهِ رَبُّهَا بَيِّنَةً بِالْإِيدَاعِ (ثُمَّ أَقَامَ) الْمُودَعُ بِالْفَتْحِ (بَيِّنَةً عَلَى الرَّدِّ) : أَيْ رَدِّهَا لِرَبِّهَا (أَوْ) عَلَى (الْإِتْلَافِ) لَهَا بِلَا تَفْرِيطٍ، وَإِنَّمَا ضَمِنَ؛ لِأَنَّهُ أَكْذَبَهَا أَوَّلًا بِجَحْدِهِ قِيَاسًا عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي الدَّيْنِ وَقِيلَ: لَا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ. وَقَدْ ذَكَرَ الشَّيْخُ الْخِلَافَ، فَهُمَا قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ وَمِثْلُ الْوَدِيعَةِ فِي الْخِلَافِ الْإِبْضَاعُ وَالْقِرَاضُ. وَقَوْلُنَا " أَوْ الْإِتْلَافُ " زِدْنَاهُ عَلَيْهِ وَقَدْ نَصَّ عَلَيْهِ فِي التَّوْضِيحِ وَأَنَّ الْخِلَافَ جَارٍ فِيهِمَا مَعًا: نَعَمْ هُنَاكَ قَوْلٌ ثَالِثٌ بِالتَّفْصِيلِ وَهُوَ: قَبُولُ بَيِّنَةٍ فِي الضَّيَاعِ دُونَ الرَّدِّ وَلَكِنَّهُ ضَعِيفٌ: إلَّا أَنَّ الَّذِي فِي الْمَوَّاقِ أَنَّ الْمَشْهُورَ
ــ
[حاشية الصاوي]
ابْنِ الْقَاسِمِ، خِلَافًا لِقَوْلِ أَصْبَغَ بِعَدَمِ ضَمَانِهِ، وَإِنْ مَشَى عَلَيْهِ غَيْرُ وَاحِدٍ كَذَا فِي (عب) .
قَوْلُهُ: [إنْ تَحَقَّقَ الْإِذْنُ] : هَذَا الشَّرْطُ لَا يُعْتَبَرُ مَفْهُومُهُ إلَّا إذَا كَانَ الرَّسُولُ مِنْ عِنْدِ الْمُودِعِ بِالْكَسْرِ تَأَمَّلْ.
قَوْلُهُ: [ثُمَّ أَقَامَ الْمُودَعُ بِالْفَتْحِ] : أَيْ بَيِّنَةً فَقَدْ حَذَفَ الْمَفْعُولَ.
قَوْلُهُ: [نَعَمْ هُنَاكَ قَوْلٌ ثَالِثٌ] : قَالَ (بْن) : وَقَدْ جَمَعَ فِي التَّوْضِيحِ بَيِّنَةَ الرَّدِّ وَبَيِّنَةَ التَّلَفِ حَكَى فِيهِمَا الْخِلَافَ وَنَصَّهُ، وَقَدْ حَكَى صَاحِبُ الْبَيَانِ فِي بَابِ الصُّلْحِ وَابْنُ زَرْقُونٍ فِي بَابِ الْقِرَاضِ فِيمَنْ أَنْكَرَ أَمَانَةً، ثُمَّ ادَّعَى ضَيَاعَهَا أَوْ رَدَّهَا لِمَا قَامَتْ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ:
الْأَوَّلُ لِمَالِكٍ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِيهِمَا.
وَالثَّانِي لِمَالِكٍ أَيْضًا لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِيهِمَا.
وَالثَّالِثُ لِابْنِ الْقَاسِمِ يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي الضَّيَاعِ دُونَ الرَّدِّ. قَالَ الْمَوَّاقُ عَقِبَهُ: الْمَشْهُورُ أَنَّهُ إذَا أَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى ضَيَاعِهَا أَوْ رَدِّهَا فَإِنَّ تِلْكَ الْبَيِّنَةَ تَنْفَعُهُ بَعْدَ إقْرَارِهِ (اهـ) وَعَلَى الْمَشْهُورِ الْآخَرِ جَرَى الْمُصَنِّفُ يَعْنِي خَلِيلًا فِي بَابِ الْوَكَالَةِ.