الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(وَإِنْ طَرَأَ) غَرِيمٌ (عَلَى وَارِثٍ قَسَمَ) التَّرِكَةَ، (رَجَعَ عَلَيْهِ، وَأَخَذَ مَلِيٌّ عَنْ مُعْدَمٍ) وَمَيِّتٌ عَنْ حَيٍّ وَحَاضِرٌ عَنْ غَائِبٍ (مَا لَمْ يُجَاوِزْ) دَيْنُ الطَّارِئِ (مَا قَبَضَ) مِنْ التَّرِكَةِ لِنَفْسِهِ. فَإِنْ جَاوَزَ - كَمَا لَوْ كَانَ الدَّيْنُ عَشَرَةً وَهُوَ قَبَضَ ثَمَانِيَةً لَمْ يُؤْخَذْ مِنْهُ إلَّا مَا قَبَضَهُ.
(تُرِكَ لَهُ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ: " وَبِيعَ مَالُهُ "، أَيْ: وَتُرِكَ لِلْمُفْلِسِ (قُوتُهُ وَالنَّفَقَةُ الْوَاجِبَةُ عَلَيْهِ لِكَزَوْجَةٍ) : أَدْخَلَتْ الْكَافُ: الْوَلَدَ وَالْوَالِدَيْنِ الْفَقِيرَيْنِ وَرَقِيقَهُ الَّذِي لَا يُبَاعُ كَأُمِّ وَلَدٍ وَمُدَبَّرٍ (إلَى ظَنِّ يُسْرِهِ) : أَيْ إلَى وَقْتٍ يُظَنُّ حُصُولُ الْيُسْرِ لَهُ عَادَةً. (وَ) تُرِكَ لَهُ (كِسْوَتُهُمْ) : أَيْ كِسْوَتُهُ وَكِسْوَةُ مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ (كُلٌّ دَسْتًا مُعْتَادًا) لَهُ مِنْ قَمِيصٍ وَعِمَامَةٍ وَقَلَنْسُوَةٍ أَوْ خِمَارٍ لِلْمَرْأَةِ. وَالدَّسْتُ - بِفَتْحِ الدَّالِ وَبِالسِّينِ الْمُهْمَلَتَيْنِ: مَا قَابَلَ ثِيَابَ الزِّينَةِ.
ــ
[حاشية الصاوي]
قَوْلُهُ: [وَمَيِّتٌ عَنْ حَيٍّ] : صَوَابُهُ قَلْبُ الْعِبَارَةِ.
قَوْلُهُ: [مَا لَمْ يُجَاوِزْ دَيْنَ الطَّارِئِ] إلَخْ: هَذَا الرُّجُوعُ عَلَى الْوَارِثِ ثَابِتٌ مَتَى قَسَّمَ التَّرِكَةَ لِنَفْسِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَالِمًا بِالْغَرِيمِ. فَقَيْدُ الْعِلْمِ إنَّمَا هُوَ إذَا فَرَّقَهَا عَلَى الْغُرَمَاءِ. فَقَوْلُهُ: وَإِنْ طَرَأَ غَرِيمٌ عَلَى وَارِثٍ قَسَّمَ التَّرِكَةَ، لَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ الْغَرِيمِ مَعْلُومًا لَهُ أَوْ لَا، اُشْتُهِرَ الْمَيِّتُ بِالدَّيْنِ أَوْ لَا.
قَوْلُهُ: [لَمْ يُؤْخَذْ مِنْهُ إلَّا مَا قَبَضَهُ] : أَيْ بِخِلَافِ الْغُصَّابِ وَاللُّصُوصِ، فَإِنَّ الْمَقْدُورَ عَلَيْهِ يُؤْخَذُ مِنْهُ جَمِيعُ الْحَقِّ، وَبِخِلَافِ مَا إذَا قَبَضَ الْغُرَمَاءُ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِجَمِيعِ مَا أَقَبْضَهُ.
[ترك النَّفَقَة الْوَاجِبَة لِلْمُفْلِسِ]
[تَنْبِيه ورث الْمُفْلِس أَبَاهُ أَوْ مِنْ يُعْتَقُ عَلَيْهِ]
قَوْلُهُ: [عُطِفَ عَلَى قَوْلِهِ وَبِيعَ مَالُهُ] : صَوَابُهُ وَبَاعَ مَالَهُ بِالْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي تَقَدَّمَ فِي الْمَتْنِ قَوْلُهُ: [قُوتُهُ] : أَيْ مِنْ خَشِنِ الطَّعَامِ.
قَوْلُهُ: [الْوَاجِبَةُ عَلَيْهِ] : أَيْ بِطَرِيقِ الْأَصَالَةِ لَا بِالِالْتِزَامِ لِسُقُوطِهَا بِالْفَلَسِ.
قَوْلُهُ: [إلَى ظَنِّ يُسْرِهِ] : مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ: " قُوتُهُ " لِأَنَّهُ، وَإِنْ كَانَ جَامِدًا فَهُوَ فِي مَعْنَى الْمُشْتَقِّ أَيْ مَا يُقْتَاتُ بِهِ لِظَنِّ يُسْرِهِ وَلَيْسَ مُتَعَلِّقًا بِتَرْكِ لِأَنَّهُ يَصِيرُ الْمَعْنَى تَرَكَ لَهُ تَرْكًا مُسْتَمِرًّا لِظَنِّ يُسْرِهِ وَهَذَا غَيْرُ صَحِيحٍ لِأَنَّ التَّرْكَ فِي لَحْظَةٍ فَلَا يَسْتَمِرُّ.
قَوْلُهُ: [وَبِالسِّينِ الْمُهْمَلَتَيْنِ] : أَيْ وَأَمَّا بِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ فَهُوَ اسْمٌ لِلصَّحْرَاءِ
(بِخِلَافِ مُسْتَغْرِقِ الذِّمَّةِ بِالظُّلْمِ) : كَالْمَكَّاسِ وَقَاطِعِ الطَّرِيقِ وَبَعْضِ الْأُمَرَاءِ (فَمَا) : أَيْ فَيُتْرَكُ لَهُ مَا (يَسُدُّ الرَّمَقَ) : أَيْ مَا يَحْفَظُ الْحَيَاةَ فَقَطْ (وَ) مَا (يَسْتُرُ الْعَوْرَةَ) فَقَطْ، لِأَنَّ النَّاسَ لَمْ يُعَامِلُوهُ عَلَى مِثْلِ الْمُفْلِسِ.
ــ
[حاشية الصاوي]
لَا غَيْرُ، وَبِالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ يُطْلَقُ عَلَى الصَّحْرَاءِ وَعَلَى مَا يَلْبَسُهُ الشَّخْصُ وَيَكْفِيه فِي حَوَائِجِهِ. وَالْحَاصِلُ: أَنَّهُ لَا يَتْرُكُ لَهُ وَلَا لِمَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ إلَّا مَا يُوَارِي الْعَوْرَةَ وَيَقِي الْحَرَّ وَالْبَرْدَ وَتَجُوزُ بِهِ الصَّلَاةُ.
قَوْلُهُ: [بِخِلَافِ مُسْتَغْرِقِ الذِّمَّةِ] : اعْلَمْ أَنَّ مَنْ أَكْثَرُ مَالِهِ حَلَالٌ وَأَقَلُّهُ حَرَامٌ: الْمُعْتَمَدُ جَوَازُ مُعَامَلَتِهِ وَمُدَايَنَتِهِ وَالْأَكْلُ مِنْ مَالِهِ كَمَا قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ خِلَافًا لِأَصْبَغَ. وَأَمَّا مَنْ أَكْثَرُ مَالِهِ حَرَامٌ فَمَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ كَرَاهَةُ مُعَامَلَتِهِ وَمُدَايَنَتِهِ وَالْأَكْلِ مِنْ مَالِهِ، خِلَافًا لِأَصْبَغَ الْقَائِلِ بِحُرْمَةِ ذَلِكَ أَيْضًا. وَأَمَّا مَنْ كَانَ كُلُّ مَالِهِ حَرَامٌ - وَهُوَ الْمُسْتَغْرِقُ الذِّمَّةِ - فَتُمْنَعُ مُعَامَلَتُهُ وَمُدَايَنَتُهُ وَيُمْنَعُ مِنْ التَّصَرُّفِ الْمَالِيِّ وَغَيْرِهِ، خِلَافًا لِمَنْ قَالَ إنَّهُ مِثْلُ مَنْ أَحَاطَ الدَّيْنُ بِمَالِهِ فَيُمْنَعُ مِنْ التَّبَرُّعَاتِ فَقَطْ. وَمَالُهُ - إذَا لَمْ يُمْكِنْ رَدَّهُ لِأَرْبَابِهِ - يَجِبُ صَرْفُهُ فِي مَنَافِعِ الْمُسْلِمِينَ الْعَامَّةِ. وَاخْتُلِفَ إذَا نُزِعَ مِنْهُ لِيُصْرَفَ فِي مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ، هَلْ يُتْرَكُ لَهُ مِنْهُ شَيْءٌ أَوْ لَا؟ وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ يُتْرَكُ لَهُ مَا يَسُدُّ رَمَقَهُ وَيَسْتُرُ عَوْرَتَهُ (اهـ. مِنْ تَقْرِيرِ شَيْخِ مَشَايِخِنَا. الْعَدَوِيِّ) .
تَنْبِيهٌ لَوْ وَرِثَ الْمُفْلِسُ أَبَاهُ أَوْ مَنْ يُعْتَقُ عَلَيْهِ، بِيعَ فِي الدَّيْنِ، وَلَا يُعْتَقُ عَلَيْهِ بِنَفْسِ الْمِلْكِ إنَّ اسْتَغْرَقَهُ الدَّيْنُ، وَإِلَّا بِيعَ مِنْهُ بِقَدْرِهِ وَعَتَقَ الْبَاقِي إنْ وُجِدَ مِنْ يَشْتَرِي الْبَعْضَ، وَإِلَّا بِيعَ جَمِيعُهُ وَيُمَلَّكُ بَاقِي الثَّمَنِ، لَا إنْ وُهِبَ لَهُ فَلَا يُبَاعُ عَلَيْهِ بَلْ يُعْتَقُ عَلَيْهِ بِمُجَرَّدِ الْهِبَةِ إنْ عَلِمَ وَاهِبُهُ أَنَّهُ يُعْتَقُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا وَهَبَهُ لِأَجْلِ الْعِتْقِ. فَلَوْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ يُعْتَقُ عَلَيْهِ - وَلَوْ عَلِمَ بِالْقَرَابَةِ كَالْأُبُوَّةِ - فَإِنَّهُ يُبَاعُ فِي الدَّيْنِ وَلَا يُعْتَقُ (اهـ. مِنْ الْأَصْلِ) .
قَوْلُهُ: [عَلَى مِثْلِ الْمُفْلِسِ] : " عَلَى " زَائِدَةٌ فَالْمُنَاسِبُ حَذْفُهَا وَالْمَعْنَى: لِأَنَّ النَّاسَ لَمْ يُعَامِلُوا مُسْتَغْرِقَ الذِّمَمِ مِثْلَ مُعَامَلَةِ الْمُفْلِسِ. وَيَحْتَمِلُ أَنَّهَا لَيْسَتْ زَائِدَةً بَلْ مَجْرُورُهَا مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ عَلَى شَيْءٍ. وَقَوْلُهُ: " مِثْلُ الْمُفْلِسِ " أَيْ مِثْلُ الشَّيْءِ الَّذِي عَامَلُوا عَلَيْهِ الْمُفْلِسَ.