الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابٌ فِي الْوَكَالَةِ وَأَحْكَامِهَا
(الْوَكَالَةُ) : بِفَتْحِ الْوَاوِ وَكَسْرِهَا: وَهِيَ لُغَةً الْحِفْظُ وَالْكَفَالَةُ وَالضَّمَانُ وَالتَّفْوِيضُ. يُقَالُ: وَكَّلَتْ أَمْرِي لِفُلَانٍ فَوَّضْته إلَيْهِ. وَشَرْعًا: مَا أَشَارَ لَهُ بِقَوْلِهِ: " نِيَابَةً " إلَخْ.
أَرْكَانُهَا أَرْبَعَةٌ: مُوَكَّلٌ، وَوَكِيلٌ، وَمُوَكَّلٌ فِيهِ، وَصِيغَةٌ؛ تُعْلَمُ مِنْ قَوْلِهِ:
(نِيَابَةٌ) : وَهِيَ تَسْتَلْزِمُ مُنِيبًا وَمُنَابًا.
(فِي حَقٍّ) مِنْ الْحُقُوقِ الْمَالِيَّةِ أَوْ غَيْرِهَا كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى؛ كَأَنَّهُ قَالَ: نِيَابَةُ شَخْصٍ لِغَيْرِهِ فِي حَقٍّ؛ وَهَذَا إشَارَةٌ إلَى الْمُوَكَّلِ فِيهِ، وَسَتَأْتِي الصِّيغَةُ فِي
ــ
[حاشية الصاوي]
[بَابٌ فِي الْوَكَالَةِ وَأَحْكَامِهَا]
[تَعْرِيف الْوَكَالَة]
بَابٌ لَمَّا كَانَ بَيْنَ الْوَكَالَةِ وَالشَّرِكَةِ مُنَاسَبَةٌ مِنْ جِهَةِ أَنَّ فِيهَا وَكَالَةً أُتْبِعُهَا بِهَا.
قَوْلُهُ: [مُوَكِّلٌ] : أَيْ وَهُوَ صَاحِبُ الْحَقِّ.
وَقَوْلُهُ: [وَوَكِيلٌ] فِعْلٌ بِمَعْنَى فَاعِلٌ أَيْ مُتَوَكِّلٌ، أَوْ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ.
وَقَوْلُهُ: [وَمُوَكَّلٌ فِيهِ] : أَيْ وَهُوَ الْحَقُّ الَّذِي يَقْبَلُ النِّيَابَةَ.
قَوْلُهُ: [تُعْلَمُ] : أَيْ تِلْكَ الْأَرْكَانُ.
قَوْلُهُ: [مُنِيبًا وَمَنَابًا] أَيْ مُوَكِّلًا وَوَكِيلًا.
قَوْلُهُ: [مِنْ الْحُقُوقِ الْمَالِيَّةِ أَوْ غَيْرِهَا] : أَيْ كَالتَّعَازِيرِ فَالْمَدَارُ عَلَى كَوْنِهِ يَقْبَلُ النِّيَابَةَ.
قَوْلُهُ: [كَأَنَّهُ قَالَ نِيَابَةُ شَخْصٍ] إلَخْ: أَيْ فَنِيَابَةٌ مَصْدَرٌ مُنَوَّنٌ حُذِفَ فَاعِلُهُ عَلَى حَدِّ: {أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ - يَتِيمًا} [البلد: 14 - 15] وَحَذْفُهُ قِيَاسِيٌّ لِقَوْلِ بَعْضِهِمْ:
قَوْلُهُ: " بِمَا يَدُلُّ ".
(غَيْرُ مَشْرُوطَةٍ) تِلْكَ النِّيَابَةُ (بِمَوْتِهِ) : أَيْ النَّائِبُ: خَرَجَ بِهِ الْوَصِيَّةُ (وَلَا إمَارَةَ) : عَطْفٌ عَلَى " غَيْرُ " كَأَنَّهُ قَالَ: وَغَيْرُ إمَارَةٍ، خَرَجَ بِهِ نِيَابَةُ السُّلْطَانِ أَمِيرًا أَوْ قَاضِيًا أَوْ نِيَابَةُ الْقَاضِي قَاضِيًا فِي بَعْضِ عَمَلِهِ؛ فَلَا تُسَمَّى وَكَالَةً عُرْفًا.
وَمَثَّلَ لِلْحَقِّ بِقَوْلِهِ: (كَعَقْدٍ) لِنِكَاحٍ أَوْ بَيْعٍ أَوْ إجَارَةٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ فَيَجُوزُ تَوْكِيلُ الْغَيْرِ فِيهِ (وَفَسْخٍ) لِعَقْدٍ مِمَّا ذَكَرَ إذَا جَازَ كَعَقْدِ مُزَارَعَةٍ قَبْلَ الْبَذْرِ أَوْ وَلِيَ سَفِيهٌ أَوْ سَيِّدٌ النِّكَاحَ أَوْ بَيْعٍ وَشَمِلَ الطَّلَاقَ وَالْإِقَالَةَ وَالْخُلْعَ (وَأَدَاءٍ) لِدَيْنِ (أَوْ قَضَاءٍ) لَهُ
ــ
[حاشية الصاوي]
عِنْدَ النِّيَابَةِ مَصْدَرٌ وَتَعَجُّبٌ
…
وَمُفَرَّغٌ يَنْقَاسُ حَذْفُ الْفَاعِلِ
قَوْلُهُ: [أَيْ النَّائِبُ] : صَوَابُهُ أَيْ ذِي الْحَقِّ.
قَوْلُهُ: [خَرَجَ بِهِ الْوَصِيَّةُ] : أَيْ لِأَنَّهُ لَا يُقَالُ فِيهَا عُرْفًا وَكَالَةٌ وَلِذَا فَرَّقُوا بَيْنَ فُلَانٍ وَكِيلٌ وَوَصِيٌّ.
قَوْلُهُ: [خَرَجَ بِهِ نِيَابَةُ السُّلْطَانِ أَمِيرًا] : أَيْ وَهِيَ النِّيَابَةُ الْعَامِلَةُ.
وَقَوْلُهُ: [أَوْ نِيَابَةُ الْقَاضِي قَاضِيًا] : أَيْ وَهِيَ النِّيَابَةُ الْخَاصَّةُ.
قَوْلُهُ: [كَعَقْدٍ لِنِكَاحٍ] : لَكِنْ إنْ كَانَ الْمُوَكَّلُ الزَّوْجَ جَازَ وَلَوْ صَبِيًّا أَوْ امْرَأَةً، وَأَمَّا إنْ كَانَ الْمُوَكَّلُ الزَّوْجَةَ فَيُشْتَرَطُ فِيهِ شُرُوطُ الْوَلِيِّ كَمَا تَقَدَّمَ فِي النِّكَاحِ.
قَوْلُهُ: [لِنِكَاحٍ أَوْ بَيْعٍ] : رَاجِعٌ لِوَلِيِّ السَّفِيهِ أَوْ السَّيِّدِ.
قَوْلُهُ: [وَشَمِلَ الطَّلَاقَ] : أَيْ يَدْخُلُ الطَّلَاقُ فِي الْفَسْخِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْفَسْخِ مُطْلَقُ الْحِلِّ، وَفِي (شب) أَنَّهُ دَاخِلٌ فِي الْعَقْدِ فَعَلَى كُلِّ حَالٍ يَجُوزُ التَّوْكِيلُ عَلَى الطَّلَاقِ، وَإِنْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ وَقْتَ عَقْدِ التَّوْكِيلِ حَائِضًا فَإِنْ أَوْقَعَهُ الْوَكِيلُ حَالَةَ الْحَيْضِ جَرَى عَلَى حُكْمِ الْمُطْلَقِ فِيهِ.
قَوْلُهُ: [وَأَدَاءٍ لِدَيْنٍ] : أَيْ بِأَنْ يُوَكِّلَ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ شَخْصًا يُؤَدِّيه عَنْهُ لِأَرْبَابِهِ.
وَقَوْلُهُ: [أَوْ قَضَاءٍ لَهُ] : الْمُنَاسِبُ أَوْ اقْتِضَاءٍ لَهُ بِأَنْ يُوَكِّلَ شَخْصًا يَقْبِضُهُ
(وَعُقُوبَةٍ) لِمَنْ لَهُ ذَلِكَ مِنْ أَمِيرٍ أَوْ سَيِّدٍ أَوْ زَوْجٍ، وَشَمِلَتْ التَّعَازِيرَ وَالْحُدُودَ فَيَجُوزُ التَّوْكِيلُ فِيهَا (وَحَوَالَةٍ) فَيَجُوزُ أَنْ يُوَكِّلَ مَنْ يُحِيلُ غَرِيمُهُ عَلَى مَدِينٍ لَهُ (وَإِبْرَاءٍ) مِنْ حَقٍّ (وَإِنْ جَهِلَهُ) : أَيْ الْحَقَّ (الثَّلَاثُ) : الْمُوَكِّلُ وَالْوَكِيلُ وَمَنْ عَلَيْهِ الْحَقُّ؛ كَأَنْ يُوَكِّلَ إنْسَانًا فِي إبْرَائِهِ ذِمَّةَ مَنْ عَلَيْهِ حَقٌّ مِنْ مَالٍ أَوْ غَيْرِهِ وَالْإِبْرَاءُ هِبَةٌ وَهِيَ تَجُوزُ بِالْمَجْهُولِ (وَحَجٍّ) : بِأَنْ يُوَكِّلَ مَنْ يَحُجُّ عَنْهُ غَيْرَ الْفَرِيضَةِ أَوْ مَنْ يَسْتَنِيبُ لَهُ مَنْ يَحُجُّ عَنْهُ. وَكَذَا الْهِبَةُ وَالصَّدَقَةُ وَالْوَقْفُ وَقَبْضُ حَقٍّ وَكُلُّ مَا يَقْبَلُ النِّيَابَةَ.
(لَا فِي) مَا لَا يَقْبَلُهَا مِنْ الْأَعْمَالِ الْبَدَنِيَّةِ نَحْوَ (يَمِينٍ) فَلَا يَصِحُّ تَوْكِيلُ مَنْ يَحْلِفُ عَنْهُ (وَصَلَاةٍ) فَلَا يَصِحُّ تَوْكِيلُ مَنْ يُصَلِّي عَنْهُ فَرْضًا أَوْ نَفْلًا،
ــ
[حاشية الصاوي]
مِمَّنْ هُوَ عَلَيْهِ وَبَقَاءُ الْقَضَاءِ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ يَكُونُ عَيْنَ الْأَدَاءِ فَيَكُونُ غَيْرَ مُفِيدٍ شَيْئًا.
قَوْلُهُ: [وَشَمِلَتْ التَّعَازِيرَ] : أَيْ فَلِلْإِمَامِ أَنْ يُوَكِّلَ مَنْ يُبَاشِرَ ذَلِكَ نِيَابَةً عَنْهُ.
قَوْلُهُ: [وَحَوَالَةٍ] : زَادَ ابْنُ شَاسٍ وَابْنُ الْحَاجِبِ التَّوْكِيلُ فِي الْحَمَّالَةِ، وَفَسَّرَ ذَلِكَ ابْنُ هَارُونَ بِأَنْ يُوَكِّلَهُ عَلَى أَنْ يَتَكَفَّلَ لِفُلَانٍ بِمَا عَلَى فُلَانٍ، وَقَدْ كَانَ الْتَزَمَ لِرَبِّ الدَّيْنِ الَّذِي عَلَى فُلَانٍ أَنْ يَأْتِيَهُ بِكَفِيلٍ عَنْهُ.
قَوْلُهُ: [وَهِيَ تَجُوزُ بِالْمَجْهُولِ] : أَيْ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلسَّادَةِ الشَّافِعِيَّةِ.
قَوْلُهُ: [وَحَجٍّ] : أَيْ فَتَصِحُّ النِّيَابَةُ فِيهِ وَإِنْ كَانَ مَكْرُوهًا لِقَوْلِ خَلِيلٍ فِي بَابِ الْحَجِّ، وَمَنْعُ اسْتِنَابَةِ صَحِيحٍ فِي فَرْضٍ وَإِلَّا كُرِهَ.
قَوْلُهُ: [وَقَبْضِ حَقٍّ] : أَيْ دَيْنًا أَوْ أَمَانَةً فَهُوَ أَعَمُّ مِنْ قَوْلِهِ فِيمَا تَقَدَّمَ، أَوْ قَضَاءً لَهُ.
قَوْلُهُ: [وَكُلُّ مَا يَقْبَلُ النِّيَابَةَ] : أَيْ بِنَاءً عَلَى تَسَاوِي النِّيَابَةِ وَالْوَكَالَةِ.
قَوْلُهُ: [فَلَا يَصِحُّ تَوْكِيلُ مَنْ يَحْلِفُ عَنْهُ] : اعْلَمْ أَنَّ الْفِعْلَ الَّذِي طَلَبَهُ الشَّارِعُ فِي الشَّخْصِ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ: الْأَوَّلُ: مَا كَانَ مُشْتَمِلًا عَلَى مَصْلَحَةٍ مَنْظُورٍ فِيهَا لِخُصُوصِ الْفَاعِلِ، وَهَذَا لَا تَحْصُلُ مَصْلَحَتُهُ إلَّا بِالْمُبَاشَرَةِ، وَتُمْنَعُ النِّيَابَةُ قَطْعًا؛ وَذَلِكَ كَالْيَمِينِ وَالدُّخُولِ فِي الْإِسْلَامِ وَالصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ وَوَطْءِ الزَّوْجَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ؛ فَإِنَّ مَصْلَحَةَ الْيَمِينِ لِلدَّلَالَةِ عَلَى صِدْقِ الْمُدَّعِي وَذَلِكَ غَيْرُ حَاصِلٍ بِحَلِفِ غَيْرِهِ، وَلِذَلِكَ يُقَالُ:
بِخِلَافِ تَوْكِيلِ غَيْرِهِ فِي الْإِمَامَةِ بِمَحَلٍّ يَؤُمُّ فِيهِ النَّاسَ أَوْ يَخْطُبُ عَنْهُ فَيَجُوزُ.
(وَ) لَا فِي (مَعْصِيَةٍ؛ كَظِهَارٍ) : فَلَا يُوَكِّلُ مَنْ يَظَاهَرُ عَنْهُ زَوْجَتَهُ وَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ. وَكَذَا سَائِرُ الْمَعَاصِي: فَمَنْ أَمَرَ غَيْرَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ خَمْرًا أَوْ يَقْتُلَ نَفْسًا بِغَيْرِ حَقٍّ أَوْ يَغْصِبَ أَوْ يَسْرِقَ وَنَحْوَ ذَلِكَ فَلَا يُقَالُ لَهُ نِيَابَةٌ، وَيُقَالُ لَهُ أَمْرٌ. وَمَنْ قَالَ لِغَيْرِهِ: افْعَلْ لِي مَا يَجُوزُ، كَ: اسْرِقْ لِي مَالِي الَّذِي بِيَدِ فُلَانٍ
ــ
[حاشية الصاوي]
وَلَيْسَ فِي السُّنَّةِ أَنْ يَحْلِفَ أَحَدٌ وَيَسْتَحِقُّ غَيْرُهُ، وَمَصْلَحَةُ الدُّخُولِ فِي الْإِسْلَامِ إجْلَالُ اللَّهِ وَتَعْظِيمُهُ وَإِظْهَارُ الْعُبُودِيَّةِ لَهُ، وَإِنَّمَا تَحْصُلُ مِنْ جِهَةِ الْفَاعِلِ وَكَذَا الصَّلَاةُ وَالصِّيَامُ وَمَصْلَحَةُ الْوَطْءِ الْإِعْفَافُ، وَتَحْصِيلُ وَلَدٍ يُنْسَبُ إلَيْهِ وَذَلِكَ لَا يَحْصُلُ بِفِعْلِ غَيْرِهِ.
الثَّانِي: مَا كَانَ مُشْتَمِلًا عَلَى مَصْلَحَةٍ مَنْظُورٍ فِيهَا لِذَاتِ الْفِعْلِ مِنْ حَيْثُ هُوَ، وَهَذَا لَا يَتَوَقَّفُ حُصُولُ مَصْلَحَتِهِ عَلَى الْمُبَاشَرَةِ وَحِينَئِذٍ فَتَصِحُّ فِيهِ النِّيَابَةُ قَطْعًا وَذَلِكَ كَرَدِّ الْعَوَارِيِّ وَالْوَدَائِعِ وَالْمَغْصُوبَاتِ وَقَضَاءِ الدُّيُونِ وَتَفْرِيقِ الزَّكَاةِ وَنَحْوِهَا. فَإِنَّ مَصْلَحَةَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ إيصَالُ الْحُقُوقِ لِأَهْلِهَا بِنَفْسِهِ أَوْ بِغَيْرِهِ، فَلِذَلِكَ يَبْرَأُ مَنْ كَانَتْ عَلَيْهِ بِالْوَفَاءِ وَإِنْ لَمْ يَشْعُرْ.
الثَّالِثُ: مَا كَانَ مُشْتَمِلًا عَلَى مَصْلَحَةٌ مَنْظُورٍ فِيهَا لِجِهَةِ الْفِعْلِ وَلِجِهَةِ الْفَاعِلِ وَهُوَ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَهُمَا.
وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي هَذَا بِأَيِّهِمَا يَلْحَقُ؟ وَذَلِكَ كَالْحَجِّ فَإِنَّهُ عِبَادَةٌ مَعَهَا إنْفَاقُ مَالٍ، فَمَالِكٌ وَمَنْ وَافَقَهُ رَأَوْا أَنَّ مَصْلَحَتَهُ تَأْدِيبُ النَّفْسِ وَتَهْذِيبُهَا بِعَظِيمِ شَعَائِرِ اللَّهِ فِي تِلْكَ الْبِقَاعِ وَإِظْهَارُ الِانْقِيَادِ إلَيْهِ، وَهَذَا أَمْرٌ مَطْلُوبٌ مِنْ كُلِّ قَادِرٍ فَإِذَا فَعَلَهُ إنْسَانٌ عَنْهُ فَاتَتْ الْمُصْلِحَةُ الَّتِي طَلَبَهَا الشَّارِعُ مِنْهُ، وَرَأَوْا أَنَّ إنْفَاقَ الْمَالِ فِيهِ أَمْرٌ عَارِضٌ بِدَلِيلِ أَنَّ الْمَكِّيَّ يَحُجُّ بِلَا مَالٍ فَقَدْ أَلْحَقُوهُ بِالْقِسْمِ الْأَوَّلِ لِأَنَّ هَذِهِ الْمَصَالِحَ لَا تَحْصُلُ بِفِعْلِ الْغَيْرِ عَنْهُ، وَلِذَا كَانَ لَا يَسْقُطُ الْفَرْضُ عَمَّنْ حَجَّ عَنْهُ، وَإِنَّمَا لَهُ أَجْرُ النَّفَقَةِ وَالدُّعَاءِ، وَالشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ رَأَوْا أَنَّ الْمَصْلَحَةَ فِيهِ الْقِرْبَةُ الْمَالِيَّةُ الَّتِي لَا يَنْفَكُّ عَنْهَا غَالِبًا فَأَلْحَقُوهُ بِالْقِسْمِ الثَّانِي (اهـ مُلَخَّصًا مِنْ بْن) .
قَوْلُهُ: [فِي الْإِمَامَةِ] : اعْلَمْ أَنَّ الْأَذَانَ وَالْإِمَامَةَ وَقِرَاءَةَ الْقُرْآنِ وَالْعِلْمَ بِمَكَانٍ مَخْصُوصٍ تَجُوزُ فِيهَا النِّيَابَةُ حَيْثُ لَمْ يَشْتَرِطْ الْوَاقِفُ عَدَمَ النِّيَابَةِ فِيهَا، فَإِنْ شَرَطَ الْوَاقِفُ عَدَمَهَا وَحَصَلَتْ نِيَابَةٌ لَمْ يَكُنْ الْمَعْلُومُ لِلْأَصْلِ لِتَرْكِهِ وَلَا لِلنَّائِبِ لِعَدَمِ تَقَرُّرِهِ فِي الْوَظِيفَةِ أَصَالَةً، وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ الْوَاقِفُ عَدَمَ النِّيَابَةِ فَالْمَعْلُومُ لِصَاحِبِ الْوَظِيفَةِ