الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَصْلٌ فِي الْمُزَارَعَةِ وَأَحْكَامِهَا
(الْمُزَارَعَةُ: الشَّرِكَةُ فِي الزَّرْعِ)، وَيُقَالُ: الشَّرِكَةُ فِي الْحَرْثِ وَبِهِ عَبَّرَ اللَّخْمِيُّ.
وَعَقْدُهَا غَيْرُ لَازِمٍ قَبْلَ الْبَذْرِ وَنَحْوِهِ.
(وَلَزِمَتْ بِالْبَذْرِ وَنَحْوِهِ) . وَالْبَذْرُ: إلْقَاءُ الْحَبِّ عَلَى الْأَرْضِ لِيَنْبُتَ: وَمِثْلُ الْبَذْرِ وَضْعُ الزَّرِيعَةِ بِالْأَرْضِ مِمَّا لَا بَذْرَ لِحَبِّهِ، كَالْبَصَلِ وَالْقَصَبِ وَهَذَا هُوَ الْمُرَادُ بِ " نَحْوِهِ "، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالنَّحْوِ قَلْبَ الْأَرْضِ وَحَرْثِهَا؛ فَإِنَّهُمْ صَرَّحُوا أَنَّ الرَّاجِحَ أَنَّهَا لَا تَلْزَمُ بِالْعَمَلِ قَبْلَ الْبَذْرِ وَلَوْ كَانَ لَهُ بَالٌ. وَالشَّيْخُ رحمه الله أَطْلَقَ الْبَذْرَ عَلَى مَا يَعُمُّ وَضْعَ الشَّتْلِ وَنَحْوِهِ بِالْأَرْضِ لَا خُصُوصَ الْحَبِّ.
ــ
[حاشية الصاوي]
[فَصْلٌ فِي الْمُزَارَعَةِ وَأَحْكَامِهَا]
[تَعْرِيف الْمُزَارَعَة]
لَمَّا كَانَتْ شَرِكَةُ الْمُزَارَعَةُ قِسْمًا مِنْ الشَّرِكَةِ نَاسَبَ أَنْ يُعْقِبَهَا لَهَا، وَإِنَّمَا أَفْرَدَهَا بِتَرْجَمَةٍ لِمَزِيدِ أَحْكَامٍ وَشُرُوطٍ تَخُصُّهَا وَإِلَّا فَحَقُّهَا أَنْ تُدْرَجَ فِي الشَّرِكَةِ.
قَوْلُهُ: [الْمُزَارَعَةُ] إلَخْ: مَأْخُوذَةٌ مِنْ الزَّرْعِ وَهُوَ مَا تُنْبِتُهُ الْأَرْضُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ} [الواقعة: 63]{أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ} [الواقعة: 64] وَصِيغَةُ الْمُفَاعَلَةِ شَأْنُهَا أَنْ تَكُونَ مِنْ اثْنَيْنِ يَفْعَلُ كُلٌّ مِنْهُمَا بِصَاحِبِهِ مِثْلَ مَا يَفْعَلُهُ الْآخَرُ بِهِ مِثْلَ الْمُضَارَبَةِ، وَيَتَصَوَّرُ هَذَا فِي بَعْضِ الصُّوَرِ، وَهُوَ إذَا كَانَ الْعَمَلُ مِنْ كُلٍّ وَالْبَذْرُ عَلَيْهِمَا وَاطَّرَدَتْ فِي الْبَاقِي.
قَوْلُهُ: [وَعَقْدُهَا غَيْرُ لَازِمٍ قَبْلَ الْبَذْرِ] : أَيْ بِخِلَافِ شَرِكَةِ الْأَمْوَالِ فَإِنَّهَا تَلْزَمُ بِالصِّيغَةِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ كَمَا مَرَّ، وَهَذَا مَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ.
قَوْلُهُ: [وَضْعُ الشَّتْلِ] : أَيْ كَشَتْلِ الْبَصَلِ وَالْخَسِّ وَالْأُرْزِ، وَقَوْلُهُ وَنَحْوُهُ أَيْ كَعَقْلِ الْقَصَبِ وَالشَّجَرِ.
وَقِيلَ: إنَّ قَلْبَ الْأَرْضِ يُوجِبُ اللُّزُومَ، وَقِيلَ: إنَّهَا تَلْزَمُ بِالْعَقْدِ كَشَرِكَةِ الْمَالِ. وَالرَّاجِحُ مَا ذَكَرْنَاهُ.
(فَلِكُلٍّ) مِنْ الشَّرِيكَيْنِ أَوْ الشُّرَكَاءِ (فَسْخُهَا قَبْلَهُ) : أَيْ الْبَذْرِ؛ فَلَوْ بَذَرَ الْبَعْضُ فَالنَّقْلُ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ إنْ بَذَرَ الْبَعْضُ لَزِمَ الْعَقْدُ فِيمَا بَذَرَ وَلِكُلٍّ الْفَسْخُ فِيمَا بَقِيَ. وَظَاهِرُهُ: قَلَّ مَا بَذَرَ أَوْ كَثُرَ، فَالتَّنْظِيرُ الْوَاقِعُ هُنَا قُصُورٌ لِوُجُودِ النَّصِّ فَقَوْلُهُ:" قَبْلَهُ ": أَيْ وَلَوْ حَصَلَ كَبِيرُ عَمَلٍ. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَكَذَلِكَ إنْ كَانَا قَدْ قَلَبَا الْأَرْضَ وَلَمْ يَزْرَعَاهَا بَعْدُ لَمْ يَلْزَمْ الْآبِي مِنْهُمَا أَنْ يَزْرَعَهَا مَعَهُ (اهـ) .
وَاعْلَمْ أَنَّهُمَا إنْ تُسَاوَيَا فِي الْأَرْضِ وَالْعَمَلِ وَالْآلَةِ وَالزَّرِيعَةِ جَازَتْ اتِّفَاقًا.
وَإِنْ اخْتَصَّ أَحَدُهُمَا بِالْبَذْرِ وَالْآخَرُ بِالْأَرْضِ فَسَدَتْ اتِّفَاقًا لِاشْتِمَالِهَا عَلَى كِرَاءِ الْأَرْضِ بِمَا يَخْرُجُ مِنْهَا. وَمَا عَدَا هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ مُخْتَلَفٌ فِيهِ وَسَيَأْتِي بَيَانُ الرَّاجِحِ.
هَذَا هُوَ النَّقْلُ؛ فَقَوْلُ مَنْ قَالَ: إنَّهُ قِيلَ بِالْمَنْعِ مُطْلَقًا أَيْ وَلَوْ وُجِدَتْ الشُّرُوطُ الْآتِيَةُ فِيهِ نَظَرٌ، إلَّا أَنْ يُحْمَلَ كَلَامُهُ عَلَى مَا عَدَا صُورَةِ التَّسَاوِي الْمُتَقَدِّمَةِ.
ــ
[حاشية الصاوي]
قَوْلُهُ: [وَقِيلَ إنَّهَا تَلْزَمُ بِالْعَقْدِ] : هَذَا قَوْلُ ابْنِ الْمَاجِشُونِ وَسَحْنُونٍ، وَإِنَّمَا وَقَعَ هَذَا الِاخْتِلَافُ فِي الْمُزَارَعَةِ لِأَنَّهَا شَرِكَةُ عَمَلٍ وَإِجَارَةٍ، فَمَنْ غَلَّبَ الْعَمَلَ قَالَ: غَيْرُ لَازِمَةٍ بِالْعَقْدِ وَشَرَطَ فِيهَا التَّكَافُؤَ وَالِاعْتِدَالَ إلَّا أَنْ يَتَطَوَّعَ أَحَدُهُمَا بِزِيَادَةٍ بَعْدَ الْعَقْدِ، وَمَنْ غَلَّبَ الْإِجَارَةَ قَالَ: هِيَ لَازِمَةٌ بِالْعَقْدِ وَأَجَازَ فِيهَا التَّفَاضُلَ وَعَدَمَ التَّكَافُؤِ، وَقِيلَ: إنَّهَا تَلْزَمُ بِالْعَقْدِ إذَا انْضَمَّ لَهُ، وَهُوَ الَّذِي أَفَادَهُ بِقَوْلِهِ: وَقِيلَ: إنَّ قَلْبَ الْأَرْضِ يُوجِبُ اللُّزُومَ فَجُمْلَةُ الْأَقْوَالِ ثَلَاثَةٌ.
قَوْلُهُ: [فَالتَّنْظِيرُ الْوَاقِعُ هُنَا] : أَيْ مِنْ الْأُجْهُورِيِّ.
قَوْلُهُ: [جَازَتْ اتِّفَاقًا] : أَيْ كَمَا فِي التَّوْضِيحِ وَمُرَادُهُ اتِّفَاقُ أَهْلِ الْمَذْهَبِ، فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ يَقُولُ بِمَنْعِهَا مُطْلَقًا وَإِنْ خَالَفَهُ صَاحِبَاهُ.
قَوْلُهُ: [لِاشْتِمَالِهَا عَلَى كِرَاءِ الْأَرْضِ بِمَا يَخْرُجُ مِنْهَا] : أَيْ إلَّا عَلَى قَوْلِ الدَّاوُدِيِّ وَالْأَصِيلِيِّ وَيَحْيَى بْنِ يَحْيَى بِجَوَازِ كِرَاءٍ بِمَا يَخْرُجُ مِنْهَا.
قَوْلُهُ: [فَقَوْلُ مَنْ قَالَ] إلَخْ: الْقَائِلُ بِالْمَنْعِ مُطْلَقًا (عب) .
قَوْلُهُ: [إلَّا أَنْ يُحْمَلَ كَلَامُهُ] إلَخْ: أَيْ أَوْ يُحْمَلَ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ كَمَا تَقَدَّمَ.