الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَمَا نَهَى عَنْهُ فَفَاسِدٌ.
(إلَّا لِدَلِيلٍ) يَدُلُّ عَلَى صِحَّتِهِ: كَالنَّجْشِ وَبَيْعِ الْمُصْرَاةِ وَتَلَقِّي الرُّكْبَانِ. وَمَا فَسَدَ تَعَيَّنَ رَدُّ مَا لَمْ يَفُتْ كَمَا يَأْتِي.
ثُمَّ أَخَذَ فِي بَيَانِ مَا نَهَى عَنْهُ بِقَوْلِهِ: (كَالْغِشِّ) قَالَ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا» ، وَقَالَ عليه الصلاة والسلام:«الدِّينُ النَّصِيحَةُ» .
ــ
[حاشية الصاوي]
قُلْت: إنَّ كُلَّ فِعْلٍ لَهُ وَجْهَانِ، فَلَا مَعْنَى لِقَوْلِهِمْ ذِي الْوَجْهَيْنِ؟ وَأُجِيبُ: بِأَنَّ هُنَاكَ أُمُورًا مَا لَهَا إلَّا وَجْهٌ وَاحِدٌ كَاعْتِقَادِ وَحْدَانِيَّةِ اللَّهِ فَلَيْسَ لَهَا إلَّا وَجْهٌ وَاحِدٌ وَهُوَ مُوَافَقَةُ الشَّرْعِ، وَكَالْأُمُورِ الْمُجْمَعِ عَلَى حُرْمَتِهَا فَلَيْسَ لَهَا إلَّا وَجْهٌ وَاحِدٌ وَهُوَ مُخَالَفَةُ الشَّرْعِ. وَاعْلَمْ أَنَّ لَهُمْ قَاعِدَةً أُخْرَى وَهِيَ: إذَا كَانَ النَّهْيُ ذَاتِيًّا لِلشَّيْءِ؛ كَالدَّمِ وَالْخِنْزِيرِ. أَوْ وَصْفًا لَهُ كَالْخَمْرِ لِلْإِسْكَارِ، أَوْ خَارِجًا لَازِمًا لَهُ كَصَوْمِ يَوْمِ الْعِيدِ - لِأَنَّ صَوْمَهُ يَسْتَلْزِمُ الْإِعْرَاضَ عَنْ ضِيَافَةِ اللَّهِ تَعَالَى - فَإِنَّهُ يَكُونُ مُقْتَضِيًا لِلْفَسَادِ. وَيُؤْخَذُ مِنْ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ فَسَادُ الصَّلَاةِ وَقْتَ طُلُوعِ شَمْسٍ أَوْ غُرُوبِهَا وَلَا دَلَالَةَ لِقَوْلِ خَلِيلٍ. وَقَطْعُ مُحَرَّمٍ بِوَقْتٍ نَهْيٌ عَلَى الصِّحَّةِ إذَا كَانَ النَّهْيُ الْخَارِجُ عَنْهُ غَيْرَ لَازِمٍ كَالصَّلَاةِ فِي الْأَرْضِ الْمَغْصُوبَةِ وَالتَّنَفُّلِ وَقْتَ خُطْبَةِ الْجُمُعَةِ وَلُبْسِ الثَّوْبِ الْحَرِيرِ فِي الصَّلَاةِ، فَلَا يَقْتَضِي الْفَسَادَ. أَلَا تَرَى أَنَّ إشْغَالَ بُقْعَةِ الْغَيْرِ بِلَا إذْنِهِ أَوْ إتْلَافَ مَالِهِ أَوْ الْإِعْرَاضَ عَنْ سَمَاعِ الْخُطْبَةِ أَوْ لُبْسَ الْحَرِيرِ حَرَامٌ كُلٌّ مِنْهَا؟ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي صَلَاةٍ.
قَوْلُهُ: [إلَّا لِدَلِيلٍ] : أَيْ شَرْعِيٍّ.
قَوْلُهُ: [يَدُلُّ عَلَى صِحَّتِهِ] : أَيْ صِحَّةِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ وَسَوَاءٌ كَانَ الدَّلِيلُ مُتَّصِلًا بِالنَّهْيِ أَوْ مُنْفَصِلًا عَنْهُ فَالْمُتَّصِلُ كَأَنْ يَكُونَ النَّهْيُ وَالصِّحَّةُ فِي حَيِّزٍ وَاحِدٍ، وَالْمُنْفَصِلُ يَكُونُ النَّهْيُ فِي حَيِّزٍ وَالصِّحَّةُ فِي حَيِّزٍ آخَرَ.
[الغش فِي الْبَيْع وَبَيْع أَرْض الزِّرَاعَة بِالطَّعَامِ]
قَوْلُهُ: [كَالْغِشِّ] : مِثَالٌ لِلْمَنْهِيِّ عَنْهُ وَلَمْ يَدُلَّ دَلِيلٌ عَلَى صِحَّتِهِ، وَيَكُونُ الدَّلِيلُ مُخَصَّصًا لِتِلْكَ الْقَاعِدَةِ.
(وَهُوَ) : أَيْ الْغِشُّ قِسْمَانِ: الْأَوَّلُ: (إظْهَارُ جَوْدَةِ مَا لَيْسَ بِجَيِّدٍ) : كَنَفْخِ اللَّحْمِ بَعْدَ السَّلْخِ وَدَقِّ الثِّيَابِ. وَالثَّانِي أَشَارَ لَهُ بِقَوْلِهِ: (أَوْ خَلْطُ شَيْءٍ بِغَيْرِهِ) : كَخَلْطِ اللَّبَنِ بِالْمَاءِ وَالسَّمْنِ بِدُهْنٍ (أَوْ بِرَدِيءٍ) مِنْ جِنْسِهِ كَقَمْحٍ جَيِّدٍ بِرَدِيءٍ.
(وَكَحَيَوَانٍ) : أَيْ بَيْعُهُ (مُطْلَقًا) : مَا فِيهِ مَنْفَعَةٌ كَثِيرَةٌ وَيُرَاد لِلْقِنْيَةِ، أَوْ مَا لَا تَطُول حَيَاتُهُ، أَوْ مَا لَا مَنْفَعَةَ فِيهِ إلَّا اللَّحْمُ، أَوْ قَلَّتْ مَنْفَعَتُهُ (بِلَحْمِ جِنْسِهِ) : كَبَيْعِ شَاةٍ بِعَشَرَةِ أَرْطَالِ لَحْمٍ مِنْ ضَأْنٍ أَوْ بَقَرٍ أَوْ إبِلٍ لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّ ذَوَاتَ الْأَرْبَعِ جِنْسٌ وَاحِدٌ (إنْ لَمْ يُطْبَخْ) اللَّحْمُ. وَلَوْ بِغَيْرِ أَبْزَارٍ لِبُعْدِهِ بِالطَّبْخِ عَنْ الْحَيَوَانِ، فَإِنْ طُبِخَ جَازَ كَمَا يَجُوزُ بِغَيْرِ جِنْسِهِ لَكِنْ مُنَاجَزَةً فِي غَيْرِ الْأُولَى لِأَنَّ مَا لَا تَطُولُ حَيَاتُهُ وَمَا بَعْدَهُ طَعَامٌ حُكْمًا. وَأَمَّا الْأَوْلَى - وَهُوَ مَا مَنْفَعَتُهُ كَثِيرَةٌ وَيُرَادُ لِلْقِنْيَةِ - فَيَجُوزُ وَلَوْ لِأَجَلٍ. (أَوْ) حَيَوَانٌ مُطْلَقًا بِأَقْسَامِهِ الْأَرْبَعَةِ (بِمَا) أَيْ بِحَيَوَانٍ مِنْ جِنْسِهِ (لَا تَطُولُ حَيَاتُهُ) كَطَيْرِ الْمَاءِ (أَوْ) بِحَيَوَانٍ مِنْ جِنْسِهِ (لَا مَنْفَعَةَ فِيهِ إلَّا اللَّحْمُ) : كَخَصِيِّ مَعْزٍ (أَوْ قَلَّتْ مَنْفَعَتُهُ؛ كَخَصِيِّ ضَأْنٍ لِتَقْدِيرِهَا) : أَيْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ (لَحْمًا) فَفِيهِ بَيْعُ مَجْهُولٍ بِمَعْلُومٍ أَوْ مَجْهُولٍ بِمَجْهُولٍ مِنْ جِنْسِهِ وَهُوَ مُزَابَنَةٌ، وَصُوَرُ هَذِهِ تِسْعَةٌ؛ لِأَنَّك إذَا أَخَذَتْ الْأَوَّلَ مِنْ الْأَرْبَعَةِ مَعَ كُلٍّ مِنْ الثَّلَاثَةِ بِثَلَاثَةٍ
ــ
[حاشية الصاوي]
قَوْلُهُ: [كَنَفْخِ اللَّحْمِ بَعْدَ السَّلْخِ] : أَيْ وَأَمَّا قَبْلَهُ فَلَا نَهْيَ فِيهِ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَيْهِ وَفِيهِ إصْلَاحٌ وَمَنْفَعَةٌ. قَوْلُهُ. [كَخَلْطِ اللَّبَنِ بِالْمَاءِ] . مَحَلُّ النَّهْيِ مَا لَمْ يُخْلَطْ بِالْمَاءِ لِاسْتِخْرَاجِ زُبْدِهِ وَكَخَلْطِ الْعَصِيرِ بِالْمَاءِ لِتَعْجِيلِ تَخْلِيلِهِ.
قَوْلُهُ: [وَكَحَيَوَانٍ] ، أَيْ حَيٍّ مُبَاحِ الْأَكْلِ وَإِنَّمَا قَيَّدْنَا بِذَلِكَ لِأَنَّ بَيْعَ الْخَيْلِ وَنَحْوِهَا بِاللَّحْمِ الْمُبَاحِ جَائِزٌ لِعَدَمِ الْمُزَابَنَةِ وَسَوَاءٌ كَانَ الْبَيْعُ نَقْدًا أَوْ لِأَجَلٍ.
قَوْلُهُ: [وَلَوْ بِغَيْرِ أَبْزَارٍ] : أَيْ كَمَا أَفَادَهُ الْأَقْفَهْسِيُّ وَهُوَ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ لِأَنَّ نَقْلَ اللَّحْمِ عَنْ الْحَيَوَانِ يَكُونُ بِأَدْنَى نَاقِلٍ بِخِلَافِ اللَّحْمِ عَنْ اللَّحْمِ؛ فَإِنَّهُ لَا يَكْفِي فِيهِ مُجَرَّدُ الطَّبْخِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ طَبْخِهِ بِأَبْزَارٍ.
وَالثَّانِي مِنْ الْأَرْبَعَةِ مَعَ كُلٍّ مِنْ الثَّلَاثَةِ بِثَلَاثَةٍ وَالثَّالِثُ مَعَ مِثْلِهِ وَمَا بَعْدَهُ بِاثْنَيْنِ وَالرَّابِعُ مَعَ مِثْلِهِ بِوَاحِدٍ، فَهَذِهِ تِسْعَةٌ مَعَ الْأَرْبَعَةِ الْأُوَلِ بِثَلَاثَةَ عَشْرَ. وَتَقَدَّمَ تَفْصِيلُ بَيْعِ اللَّحْمِ بِلَحْمٍ.
وَإِذَا قَدَّرْت هَذِهِ الثَّلَاثَةَ لَحْمًا: (فَلَا تَجُوزُ بِطَعَامٍ لِأَجَلٍ) لِأَنَّهُ طَعَامٌ بِطَعَامٍ نَسِيئَةً. (كَحَيَوَانٍ) : أَيْ كَمَا لَا يَجُوزُ بَيْعُ أَحَدِ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ بِحَيَوَانٍ مِثْلِهَا (مِنْ غَيْرِ جِنْسِهَا) لِأَجَلٍ كَمَا تَقَدَّمَ. وَأَمَّا يَدًا بِيَدٍ فَيَجُوزُ لِاخْتِلَافِ الْجِنْسِ. (وَجَازَ مَا يُرَادُ لِلْقِنْيَةِ) لِكَثْرَةِ مَنْفَعَتِهِ (بِمِثْلِهِ) لِأَنَّهُمَا لَا يُقَدَّرَانِ طَعَامًا بَلْ هُمَا مِنْ الْعُرُوضِ (وَبِطَعَامٍ مُطْلَقًا) أَيْ وَلَوْ لِأَجَلٍ؛ رَاجِعٌ لِلْمَسْأَلَتَيْنِ (كَبَقَرَةٍ بِبَعِيرٍ) أَوْ بَقَرَةٍ بِمِثْلِهَا أَوْ بَعِيرٍ بِبَعِيرٍ أَوْ كَبَقَرَةٍ أَوْ بَعِيرٍ بِإِرْدَبِّ قَمْحٍ. -
ــ
[حاشية الصاوي]
قَوْلُهُ: [بِثَلَاثَةَ عَشْرَ] : حَاصِلُ ذَلِكَ أَنَّ الْمُصَنِّفَ اشْتَمَلَ كَلَامُهُ عَلَى سِتَّ عَشْرَةَ صُورَةً كُلُّهَا مَمْنُوعَةٌ وَهِيَ: بَيْعُ الْحَيَوَانِ بِأَقْسَامِهِ الْأَرْبَعَةِ بِلَحْمِ جِنْسِهِ وَبَيْعُهُ بِأَقْسَامِهِ الْأَرْبَعَةِ بِمَا لَا تَطُولُ حَيَاتُهُ، وَبَيْعُهُ بِأَقْسَامِهِ الْأَرْبَعَةِ بِمَا لَا مَنْفَعَةَ فِيهِ إلَّا اللَّحْمُ، وَبَيْعُهُ بِأَقْسَامِهِ الْأَرْبَعَةِ بِمَا قَلَّتْ مَنْفَعَتُهُ؛ فَهَذِهِ سِتَّ عَشْرَةَ صُورَةً الْمُكَرَّرُ مِنْهَا ثَلَاثَةٌ يَبْقَى ثَلَاثَ عَشْرَةَ صُورَةً يُضَمُّ لَهَا بَيْعُ اللَّحْمِ بِاللَّحْمِ وَبَيْعُ حَيَوَانٍ يُرَادُ لِلْقِنْيَةِ بِمِثْلِهِ، وَهَاتَانِ الصُّورَتَانِ الْأُولَى مِنْهُمَا جَائِزَةٌ عَلَى التَّفْصِيلِ الْمُتَقَدِّمِ وَالثَّانِيَةُ جَائِزَةٌ بِلَا خِلَافٍ.
قَوْلُهُ: [فَلَا تَجُوزُ بِطَعَامٍ لِأَجَلٍ] : أَيْ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا كِرَاءُ أَرْضِ زِرَاعَةٍ وَلَا تُؤْخَذُ قَضَاءً عَنْ دَرَاهِمَ أُكْرِيَتْ بِهَا أَرْضُ زِرَاعَةٍ وَلَا يُؤْخَذُ قَضَاءً عَنْ ثَمَنِهَا طَعَامٌ لَحْمًا أَوْ غَيْرُهُ؛ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُ شَاةٍ لِلْجَزَّارِ بِدَرَاهِمَ، ثُمَّ يَأْخُذُ بَدَلَ الدَّرَاهِمِ لَحْمًا أَوْ طَعَامًا لِإِلْغَاءِ الدَّرَاهِمِ الْمُتَوَسِّطَةِ بَيْنَ الْعَقْدِ وَالْقَبْضِ؛ فَكَأَنَّهُ مِنْ أَوَّلِ الْأَمْرِ بَاعَ الشَّاةَ بِاللَّحْمِ وَالطَّعَامِ. وَهَذَا بِخِلَافِ الْحَيَوَانِ الَّذِي يُرَادُ لِلْقِنْيَةِ لِكَثْرَةِ مَنْفَعَتِهِ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُهُ بِطَعَامٍ وَلَوْ لِأَجَلٍ. وَيَجُوزُ كِرَاءُ الْأَرْضِ بِهِ وَأَخْذُهُ قَضَاءً عَمَّا أُكْرِيَتْ بِهِ الْأَرْضُ، وَأَخْذُ الطَّعَامِ قَضَاءً عَنْ ثَمَنِهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ طَعَامًا حَقِيقَةً وَلَا حُكْمًا. تَنْبِيهٌ:
يَجُوزُ بَيْعُ أَرْضِ الزِّرَاعَةِ بِالطَّعَامِ لَحْمًا أَوْ غَيْرَهُ لِأَنَّ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ إنَّمَا هُوَ كِرَاؤُهَا بِهِ. قَوْلُهُ: [رَاجِعٌ لِلْمَسْأَلَتَيْنِ] : أَيْ وَهُمَا بَيْعُهُ بِمِثْلِهِ أَوْ بِطَعَامٍ.