الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الخامس
321 -
عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها: أَنَّهَا قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم (1) مَسْرُورًا تَبْرُقُ أَسَارِيرُ وَجْهِهِ، فَقَالَ:"أَلَم تَرَيْ أَنَّ مُجَزِّزًا"(2) نَظَرَ آنِفًا إِلَى زيدِ بْنِ حَارِثَةَ وَأُسَامَةَ بْنِ زيدٍ، فَقَالَ: إِنَّ بَعْضَ هَذِهِ الأَقْدَامِ (3) لَمِنْ بَعْضٍ؟! " (4).
(1) في "ت": "إن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم دخل عليَّ".
(2)
في "ت" زيادة: "المدلجي".
(3)
في "ت": "إن هذه الأقدام بعضها من بعض".
(4)
* تَخْرِيج الحَدِيث:
رواه البخاري (3362)، كتاب: المناقب، باب: صفة النبي صلى الله عليه وسلم، و (3525)، كتاب: فضائل الصحابة، باب: مناقب زيد بن حارثة مولى النبي صلى الله عليه وسلم، و (6388، 6389)، كتاب: الفرائض، باب: القائف، ومسلم (1459/ 38 - 40)، كتاب: الرضاع، باب: العمل بإلحاق القائف الولد، وأبو داود (2267، 2268)، كتاب: الطلاق، باب: في القافة، والنسائي (3493، 3494)، كتاب: الطلاق، باب: القافة، والترمذي (2129)، كتاب: الولاء والهبة، باب: ما جاء في القافة، وابن ماجه (2349)، كتاب: الأحكام، باب: القافة.
وَفي لَفْظٍ: "كَانَ مُجَزِّزٌ قَائِفًا"(1).
* * *
* الشرح:
السُّرورُ: خِلافُ الحزن، وأما قولُ الشاعر:
نَسُرُّهُمُ إِنْ هُمُ أَقْبَلُوْا
…
وَإِنْ أَدْبَرُوا فَهُمُ مَنْ نَسُبُّ
فليس من هذا المعنى، بل معناه: نطعنهم في سُرَّاتهم، يقال: سَرَّهُ: إذا طعَنه في سُرَّته، وقولُه: فهم [مَنْ] نَسُبُّ؛ أي: نطعنهم في سَبَّاتهم؛ جمع سَبَّة، وهي الإستُ (2).
والأسارير: جمع أسرار، وأَسْرار جمعُ سِرَر؛ مثل: عنب،
(1) رواه مسلم (1459/ 40)، كتاب: الرضاع، باب: العمل بإلحاق القائف الولد.
* مصَادر شرح الحَدِيث:
"معالم السنن" للخطابي (3/ 275)، و"عارضة الأحوذي" لابن العزبي (58/ 290)، و"إكمال المعلم" للقاضي عياض (4/ 655)، و"المفهم" للقرطبي (4/ 198)، و"شرح مسلم" للنووي (10/ 45)، و"شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (4/ 72)، و"العدة في شرح العمدة" لابن العطار (3/ 1371)، و"فتح الباري" لابن حجر (12/ 56)، و"عمدة القاري" للعيني (16/ 2320)، و"كشف اللثام" للسفاريني (5/ 580)، و"سبل السلام" للصنعاني (4/ 136)، و"نيل الأوطار" للشوكاني (7/ 80).
(2)
انظر: "لسان العرب" لابن منظور (4/ 360).
وهي الخطوط التي في الوجه والجبهة، ويقال فيها أيضًا (1): الأَسِرّة، والغُضون، وأما التي في الراحة، فواحدها سِرَّة، والجمعُ (2) سِرَر؛ مثل: سْدَرَة وسِدَر، ويقال -أيضًا- فيه (3): الأَسِرَّة على غير قياس، ويقال أيضًا: أَسْرار، وسُرَر، فأسرار على القياس، وسُرَر على غير قياس (4)؛ كالأسرة.
وقال الجوهري: السَّرَرُ واحدُ أَسرار الكَفِّ والجبهة، وهي: خطوطهما (5)، وأنشد قول (6) الأعشى:
فانْظُرْ إِلَى كَفٍّ وَأَسْرَارِها
…
هَلْ أَنْتَ إِنْ أَوْعَدْتَني ضائِرِي (7)
قال الإمامُ في صفته عليه الصلاة والسلام: ورونقُ (8) الجلال يَطَّرِدُ في أسارير جبينه صلى الله عليه وسلم (9).
(1)"أيضًا" ليس في "ت".
(2)
في "ت": "وفي الجمع".
(3)
في "ت": "فيه أيضًا".
(4)
في "ت": "القياس".
(5)
"وهي خطوطهما" ليس في "ت".
(6)
"قول" ليس في "خ".
(7)
انظر: "الصحاح" للجوهري (2/ 683)، (مادة: سرر).
(8)
في "ت": "ذو رونق".
(9)
انظر: "المعلم" للمازري (2/ 178)، و"إكمال المعلم" للقاضي عياض (4/ 655).
ومُجَزِّز: -بضم الميم (1) وفتح (2) الجيم وكسر الزاي المعجمة المشددة بعدها زاي ثانية (3) -، ونقل ع في الزاي: الفتحَ أيضًا (4)، ومُحْرِز -بحاء مهملة ساكنة وراء مكسورة- (5)، وهو من بني مدلج، وكانت (6) القِيافَة فيهم، وفي بني أسد، يعترف (7) العربُ لهم بذلك.
قال الزبير بن بكار: قيل له: مجزز؛ لأنه كان إذا أخذ أسيرًا، حلقَ لحيتَه.
وقال غيره: جَزَّ (8) ناصيتَه.
ومعنى آنفًا: قبل، وقيل: أول وقت نحن فيه قريب (9)، وقد قرىء (10)(أَنِفًا) على فَعِل؛ مثل كَتِف.
(1)"بضم الميم" ليس في "ت".
(2)
في "ت": "بفتح".
(3)
في "ت": "أخرى".
(4)
انظر: "إكمال المعلم"(4/ 655).
(5)
كذا قاله ابن عبد البر في "الاستيعاب"(4/ 1461)، وغلطوه في ذلك، انظر:"تهذيب الأسماء واللغات" للنووي (2/ 390)، و"الإصابة في تمييز الصحابة" لابن حجر (5/ 775).
(6)
في "ت": "وكان".
(7)
في "ت": "تعترف".
(8)
"جز" ليس في "ت".
(9)
انظر: "إكمال المعلم" للقاضي عياض (4/ 655).
(10)
في "ت": "يجري".
فيه: دليلٌ على ثبوت أمرِ القافة، وصحةِ الحكم بقولهم من حيث الجملة، وإن كان قد اختُلف في ذلك.
فنفاه أبو حنيفة مطلقًا، وأثبته الشافعي مطلقًا، وأثبته مالك في الإماء، ونفاه في الحرائر، في المشهور عنه.
ع: وقد روى الأبهريُّ عن الرازيِّ (1)، عن ابن وهب، عن مالكٍ: أنه أثبته في الحرائر والإماء جميعًا.
فدليلُ المثبتين هذا الحديثُ؛ لأنه عليه الصلاة والسلام قد سُرَّ بقولِ مجززٍ.
قالوا: ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم لِيُسَرَّ بأمر لا يُعتبر شرعًا؛ لأنه باطل، ولا يُقِرُّ عليه الصلاة والسلام على باطل، فضلًا عن أن يُسَرَّ به، وما تقدم أيضًا في حديث زمعةَ؛ من أنه عليه الصلاة والسلام رأى شبهًا بينًا بعتبةَ، فأمر سودةَ بالاحتجاب منه، ولأن الفراش إنما قُضي به من
جهة الظاهر، ولا يُقطع فيه بأن الولد لصاحب الفراش، فإذا فقدنا الفراشَ المؤديَ (2) لغلبة الظن تطليبًا للظن (3) من وجه آخر؛ وهو الشبه. قال الإمام: واحتجَّ مَنْ نفاه بأنه صلى الله عليه وسلم (4) لاعَنَ في قصة (5) العجلانيِّ،
(1) في "ت": "الدارمي".
(2)
في "ت": "كان الحكم" مكان "المؤدي".
(3)
في "ت": "فطلبنا الظن".
(4)
في "ت": "من أنه عليه الصلاة والسلام".
(5)
في "ت": "قضية".
ولم يؤخِّرْ حتى تضعَ، ويرى الشبهَ.
وقد ذكر -أيضًا (1) - في قصة (2) المتلاعنين: "إِنْ جَاءَتْ بِهِ كَذَا، فَهُوَ لِفُلَانٍ"، ثم لم ينقض حكمَه لما جاءت به على الصفة المكروهة، ولا حَدَّها، فدلَّ ذلك على أن الشبه غيرُ معتبر، وانفصل عن هذا؛ بأن هاهنا فراشًا يرجع إليه، وهو مقدم (3) على الشبه، فلم ينقض الحكم المبني عليه بظهور (4) ما يخالفه بما ينحطُّ عن درجته؛ كما لم ينقض الحكم بالنص إذا ظهر فيما بعد أن القياس يخالفه.
وحجةُ التفرقة: أن الحرائر لهنَّ فراشٌ ثابت يُرجع إليه، ويُعول في إثبات النسب عليه، فلم يلتفت إلى تطلُّب معنى آخرَ سواه (5) أخفضَ منه رتبةً، والأمة لا فراشَ لها، فافتقر فيها إلى مراعاة الشبه (6).
وإذا قلنا بثبوت القِيافة، فهل يكفي في ذلك واحدٌ، أو لا بدَّ من اثنين كالشهادة؟ وهو قول مالك، والشافعي، والأولُ قولُ ابن القاسم.
(1)"أيضًا" ليس في "ت".
(2)
في "ت": "قضية".
(3)
في "خ": "دليل" بدل "مقدم".
(4)
في "ت": "لظهور".
(5)
في "ت": "سواه آخر".
(6)
انظر: "المعلم" للمازري (2/ 177)، و"إكمال المعلم" للقاضي عياض (4/ 657).
ع (1): ولا خلافَ بين القائلين بذلك فيما قالوه، إنه إنما يكون ذلك فيما أشكلَ من (2) الفراشَيْن الثابتين؛ كالمشتري والبائع يطآنِ الأمةَ في طُهر واحد قبلَ الاستبراء من الأول، فتحمِلُ، فتأتي بولد لأكثرَ من ستةِ أشهرٍ من وطء الثاني، وأقلَّ من أقصى أمدِ الحملِ من وطء الأول، وإن كان هذا الوطء الآخر ممنوعًا منه صاحبُه، فله شبهةُ الملك، وصحةُ عقده، ولهذا فرق مالكٌ في مشهور قوله بين النكاحِ والملكِ في هذا؛ إذ لا يصحُّ عقدُ النكاح في العدة؛ بخلاف عقد الشراء (3) في الاستبراء، ولم يعذره بالجهل والغفلة لوجوب البحث والتقصي، وتفريطه في ذلك، فرجح العقدَ الصحيحَ والوطءَ الصحيحَ دون غيره، ورأى في القول الآخر: أن الجهلَ بحكم النكاح في العدَّة، أو النسيان، عذرٌ، والعقد على ذلك شبهةٌ توجب للفراش (4) حكمًا؛ كما لو لم يكن فراش متقدِّم، مع فساد العقد، وتحريمِ الوطءِ في لحوق الولد؛ لشبهة العقد.
واختلفوا إذا ألحقته القافةُ بمدَّعِيَيْهِ (5) معًا، هل يكون ابنًا لهما؟ وهو قول سحنون، وأبي ثور.
(1)"ع" ليس في "ت".
(2)
في "ت": "بين".
(3)
في "ت": "المشتري".
(4)
في "خ": "القولين" بدل "للفراش".
(5)
في "ت": "بهما عليهما" مكان "بمدعييه".
وقيل: يُترك حتى يكبر، فيوالي مَنْ شاء منهما، وهو قولُ عمرَ ابنِ الخطاب، وقاله مالكٌ، والشافعي.
وقال عبدُ الملك بنُ الماجشون، ومحمدُ بنُ مسلمةَ: يلحق بأكثرهما له شَبَهًا.
قال ابنُ مسلمةَ: إلا إن علم الأول، فيلحق به.
وكذلك اختلف الآبون (1) من القول بالقافة في حكم ما أشكلَ، وتُنوزع (2) فيه:
فقال أبو حنيفة: يُلحق الولدُ بالرجلين إذا تنازعا فيه، وكذلك بامرأتين.
وقال (3) أبو يوسف: يلحق برجلين (4)، ولا يلحق بامرأتين.
وقال محمدُ بنُ الحسن: نحوه، يلحق بالآباء (5)، وإن كثروا، ولا يلحق إلا بأم واحدة.
وقال سحنون: يُقرع بينهم، وقاله (6) الشافعي في القديم، واللَّه أعلم (7).
(1) في "ت": "القائلون".
(2)
في "خ": "ويتورع".
(3)
في "ت": "وقالو".
(4)
"برجلين" ليس في "ت".
(5)
في "خ": "لا يلحق بالإماء".
(6)
في "ت": "وقال".
(7)
انظر: "إكمال المعلم" للقاضي عياض (4/ 658).
قلت: وسببُ سرور النبيِّ صلى الله عليه وسلم بذلك: هو (1) أن العرب كانت تقدَحُ في نسب أسامةَ حِبِّ رسولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم، وكان ذلك يسوْءُه منهم (2)؛ لكونه أسودَ شديدَ السواد، وكان زيدٌ (3) أبوه أبيضَ من القطن، فلما قضى هذا القائفُ بإلحاق هذا النسب، مع اختلاف اللون، وكانت الجاهلية تُصغي إلى قول القافة (4)، سُرَّ بذلك النبيُّ صلى الله عليه وسلم (5)؛ لكونه كافًّا لهم (6) عن الطعن فيه (7).
ق: ولم يذكر في هذه الرواية تغطيةُ أسامةَ وزيدٍ رؤوسَهما، وظهورُ أقدامهما (8)، وهي زيادة مفيدة جدًا؛ لما فيها (9) من الدلالة على صدق القيافة.
قال: وكان يُقال: إن من علوم العرب ثلاثًا: السيافة، والعيافة، والقيافة.
(1)"هو" ليس في "ت".
(2)
في "ت": "وكان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يسوءُه ذلك".
(3)
"زيد" ليس في "ت".
(4)
في "ت": "القائف".
(5)
"النبي صلى الله عليه وسلم" ليس في "ت".
(6)
"لهم" ليس في "ت".
(7)
المرجع السابق، (4/ 656).
(8)
تقدم تخريجها عند البخاري برقم (6389)، وعند مسلم برقم (1459/ 39)، وأبي داود برقم (2267)، والنسائي برقم (3494).
(9)
في "ت": "فيه".
فأما السِّيافَةُ: فهي شَمُّ (1) ترابِ الأرض ليعلم الاستقامة على الطريق، والخروج منها، قال المعري:
أَوْدَى فَلَيْتَ الحَادِثَاتِ كَفَافي
…
مَالُ المُسِيفِ وَعَنْبَرُ المُسْتَافِ
والمستافُ: هو هذا (2) القاصُّ.
وأما العِيافة: فهي زجرُ الطير، والطيرةُ، والتفاؤلُ بها، وما قاربَ ذلك.
وأما السانِحُ والبارِحُ ففي الوحش (3).
قلت: يريد: أن العرب كانت تتطير بالبارح، وتتفاءل بالسانح، يقال: بَرَحَ (4) الظبيُ -بفتح الراء (5) - بروحًا: إِذا ولَّاكَ (6) مَياسرَهُ يمرُّ من ميامِنِكَ إِلى مياسرك، [والعرب تتطير بالبارح] وتتفاءل بالسانح.
قال الجوهري: لا يمكنك أن ترميه حتى تنحرف (7).
قال: وفي الحديث: "العِيَافَةُ وَالطَّرْقُ مِنْ الجِبْتِ"(8)، والطرق:
(1) في "ت": "فيشم" مكان "فهي شم".
(2)
في "خ": "ضد" بدل "هذا".
(3)
انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (4/ 73).
(4)
في "ت": "بزح".
(5)
في "ت": "الزاي".
(6)
في "ت": "ولى".
(7)
انظر: "الصحاح" للجوهري (1/ 356)، (مادة: برح).
(8)
رواه أبو داود (3907)، كتاب: الطب، باب: في الخط وزجر الطير، من =
هو الرميُ بالحَصَى.
وأما القِيافة: فهي ما نحنُ فيه، وهي اعتبارُ الأشباه لإلحاق الأنساب (1)، واللَّه أعلم.
* * *
= حديث قبيصة بن المخارق رضي الله عنه. وإسناده حسن.
(1)
انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (4/ 73).