الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كِتْابُ الأيمان والنذور
الحديث الأول
352 -
عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ! (1) لَا تَسْأَلِ الإِمَارَةَ؛ فَإِنَّكَ إِنْ أُعْطِيتَهَا عَنْ مَسْأَلَةٍ، وُكِلْتَ إِلَيْها، وَإِنْ أُعْطِيتَهَا عَنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ، أُعِنْتَ عَلَيْهَا، وَإِذَا حَلَفْتَ عَلَى يَمِينٍ، فَرَأَيْتَ غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا، فَكَفِّرْ عَنْ يَمِينِكَ، وَائْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ"(2).
(1) في "ت" زيادة: "بن سمرة".
(2)
* تَخْرِيج الحَدِيث:
رواه البخاري (6248)، كتاب: الأيمان والنذور، (6343)،
باب:
الكفارة قبل الحنث وبعده، و (6727)، كتاب: الأحكام، باب: من لم يسأل الإمارة، أعانه اللَّه عليها، و (6728)، باب: من سأل الإمارة، وكل إليها، ومسلم (1652)، كتاب: الأيمان، باب: ندب من حلف يمينًا، فرأى غيرها خيرًا منها، وأبو داود (3277، 3278)، كتاب: الأيمان والنذور، باب: الرجل يكفر قبل أن يحنث، والنسائي (3782 - 3784)، كتاب: الأيمان والنذور، باب: الكفارة قبل الحنث، و (3789، 3790)، باب: الكفارة بعد الحنث، والترمذي (1529)، =
* التعريف:
عبدُ الرحمن بنُ سَمُرَةَ: -بفتح السين المهملة وضم الميم- ابنِ حبيبِ بنِ عبدِ شمسِ بنِ قصيِّ بنِ كلاب.
ويقال: حبيب بن ربيعةَ بنِ عبدِ شمسِ بنِ عبدِ منافٍ -يلتقي مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في عبدِ مناف- القرشيُّ، العبسيُّ.
يكنى: أبا سعيد، وأمه أروى بنتُ الفارعة -بالفاء والراء المهملة- من بني فراس.
أسلمَ يَومَ فتح مكّة، وصحِبَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم، وسمع منه، وغزا خراسانَ في زمن عثمانَ بنِ عفانَ، وهو الذي افتتحَ سجستان، وكابل.
روي له عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أربعةَ عشرَ حديثًا؛ اتفقا منها على
= كتاب: النذور والأيمان، باب: ما جاء فيمن حلف على يمين، فرأى غيرها خيرًا منها.
* مصَادر شرح الحَدِيث:
"معالم السنن" للخطابي (4/ 55)، و"عارضة الأحوذي" لابن العربي (7/ 10)، و"شرح مسلم" للنووي (11/ 116)، و"شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (4/ 141)، و"العدة في شرح العمدة" لابن العطار (3/ 1499)، و"النكت على العمدة" للزركشي (ص: 325)، و"التوضيح" لابن الملقن (35/ 188)، و"فتح الباري" لابن حجر (11/ 609)، و"عمدة القاري" للعيني (23/ 164)، و"إرشاد الساري" للقسطلاني (9/ 363)، و"كشف اللثام" للسفاريني (6/ 343)، و"نيل الأوطار" للشوكاني (9/ 158).
حديث واحد، وانفرد مسلم بحديثين.
روى عنه: عبد اللَّه بنُ عباس، ومحمدُ بنُ سيرينَ، وسعيدُ بنُ المسيبِ، وغيرُهم.
مات بالبصرة سنة أربع وأربعين، وقيل: سنة خمس، وقيل: إحدى وخمسين رضي الله عنه (1).
* ثم الكلام على الحديث من وجوه:
الأول: الإمارة: -بكسر الهمزة -: الولاية، وبفتحها: العلامة، وفي الأولى لغة أخرى: إِمْرَة -بكسر الهمزة وسكون الميم-، وأما الأَمْرة -بالفتح-، فهي المرةُ الواحدة من الأَمْر، يقال: لك علي أَمْرَة مطاعة؛ أي: لك علي أمرة أطيعك فيها، وأَمِر فلان، وأَمُرِ (2) -بكسر الميم وضمها-: صار أميرًا (3).
الثاني: قوله عليه الصلاة والسلام: "وُكِلْتَ إليها"، ويروى:
(1) وانظر ترجمته في: "التاريخ الكبير" للبخاري (5/ 242)، و"الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم (5/ 238)، و"الاستيعاب" لابن عبد البر (2/ 835)، و"تاريخ دمشق" لابن عساكر (34/ 414)، و"أسد الغابة" لابن الأثير (3/ 450)، و"تهذيب الأسماء واللغات" للنووي (1/ 276)، و"تهذيب الكمال" للمزي (17/ 157)، و"سير أعلام النبلاء" للذهبي (2/ 571)، و"الإصابة في تمييز الصحابة" لابن حجر (4/ 310)، و"تهذيب التهذيب" له أيضًا (6/ 173).
(2)
في "ت" زيادة: "بفلان".
(3)
انظر: "الصحاح" للجوهري (2/ 580).
"أُكِلْت" -بالهمزة-، معناه: لم تُعَنْ عليها؛ أي: لا يكون فيك كفايةٌ (1) لها، يقال: وَكَلَه إلى نفسه وَكْلًا ووُكولًا، قال الشاعر:
كِلِينِي لِهَمٍّ يَا أُمَيْمَةَ نَاصِبِ
…
وليلٍ أُقَاسِيْهِ بَطِيءِ الكَوَاكِبِ (2)
ومعناه: دعيني، فعلى هذا ينبغي أن لا يولَّى مَنْ سألها، وقد قال عليه الصلاة والسلام:"إِنَّا لَا نُوَلِّي عَلَى عَمَلِنَا مَنْ طَلَبَهُ، أَوْ حَرَصَ عَلَيْهِ"(3)(4).
ق: لما كان خطرُ الولاية عظيمًا؛ بسبب أمورٍ تكون في الوالي، وبسبب أمور خارجة عنه، كان (5) طلبُها تكلُّفا ودخولًا في (6) غَرَرٍ عظيم، فهو جدير بعدم العَوْن، ولما كانت إذا أتت من غير مسألة، لم يكن فيها هذا التكلف (7)، كانت جديرةً بالعون على أعبائها (8) وأثقالها.
(1) في "ت": "لا يكون لك فيها كفاية".
(2)
قوله: "وليلٍ أقاسيه بطيء الكواكب" ليس في "خ".
(3)
في "ت": "إنا لا نولي من طلب هذا الأمر وحرص عليه".
(4)
رواه البخاري (6730)، كتاب: الأحكام، باب: ما يكره من الحرص على الإمارة، ومسلم (1733)، كتاب: الإمارة، باب: النهي عن طلب الإمارة والحرص عليها، من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه.
(5)
في"ت": "فإن".
(6)
في "خ": "على".
(7)
في "ت": "التكليف".
(8)
في "ت": "أهلها".
و [في] الحديث: إشارة إلى إِلطاف اللَّه -تعالى- بالعبد؛ بالإعانة على إصابة الصواب في فعله وقوله تفضلًا زائدًا على مجرد التكليف والهداية إلى النجدين، وهي مسألة أصولية أكثر فيها الكلام، والذي يحتاج إليه في الحديث أشرنا إليه الآن (1).
الثالث: ظاهرُ الحديث: كراهةُ سؤال الولاية؛ من إمارةٍ، وقضاءٍ، وحِسْبَةٍ، وغيرِ ذلك، وقد تكلم الفقهاء في هذه المسألة بالقواعد الكلية، وقسموها على أقسام أحكام الشريعة الخمسة، فقالوا:
من استجمعت فيه شروط الولاية، تعين عليه قبولُها إن عُرضت عليه، وطلبُها إن لم تُعرض؛ لأنه فرضُ كفاية لا يتأدَّى إِلَّا به، فتعينَ (2) عليه القيامُ به، وكذا إذا لم يتعينْ عليه، وكان أفضلَ من غيره.
ومنعْنا ولايةَ المفضول مع وجود الأفضل، وإن كان غيرُه أفضلَ منه، ولم نمنعْ توليةَ المفضولِ مع وجود الفاضل، فهاهنا يكره له أن يدخل في الولاية، وأن يسألها.
وحرم بعضُهم الطلبَ، وكره للإمام أن يوليه، وقال: إن ولاه، انعقدت ولايتُه، وقد استخطىء فيما قال.
(1) انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (4/ 141).
(2)
قوله: "قبولها إن عرضت عليه، وطلبها إن تُعرض؛ لأنه فرض كفاية لا يتأدى إِلَّا به فتعين عليه" ليس في "ت".
ومن الفقهاء مَنْ أطلق القولَ بكراهة القضاء؛ لأحاديث وردت فيه (1).
الرابع: قوله عليه الصلاة والسلام: "وإذا حلفْتَ على يمين" إلى آخرها: اختلفت الروايات في هذا الحديث: ففي بعضها ما ذكره المصنِّف، وفي أخرى:"إِنِّي واللَّهِ! إِنْ شَاءَ اللَّهُ، لَا أَحْلِفُ عَلَى يَمِينٍ، "فَأَرَى (2) غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا، إِلَّا أتيْتُ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ"، وفي الحديث الآخر: "وَ (3) مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ، فَرَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْها، فَلْيُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهِ، وَلْيَفْعَلِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ"، وفي الرواية الأخرى: "فَلْيَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْر، وَلْيُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهِ"، على ما سيأتي.
وبحسب اختلاف هذه الروايات اختلف العلماء في إجزاء الكفارة قبل الحِنْث، مع اتِّفاقهم على أنها لا تجبُ إِلَّا بعد الحنث، وأنه يجوز تأخيرُها بعدَ الحنث (4)، وجمهورُهم على إجزائها قبل الحنث.
ع: لكن مالكًا، والثوريَّ، والأوزاعيَّ، والشافعيَّ منهم: يستحبون كونها بعدَ الحنث، ويوافقون على إجزائها قبله (5)، وروي هذا عن أربعةَ عشرَ من الصحابة، وجماعةٍ من التابعين، وغيرِهم.
(1) المرجع السابق، والموضع نفسه.
(2)
في "ت": "وأرى".
(3)
الواو ليست في "ت".
(4)
"وأنه يجوز تأخيرها بعد الحنث" ليس في "ت".
(5)
من قوله: "ع: لكن مالكًا. . . " ليس في "ت".
وذهب أبو حنيفة وأصحابه: إلى أنها لا تجزىء، وهي روايةُ أشهبَ عن مالك.
وقال الشافعي -أيضًا-: تجزىء فيه الكفارةُ بالإطعام، والكسوة، والعتق قبل، ولا تجزىء بالصوم إِلَّا بعد الحنث (1).
قال الخطابي: واحتج أصحابه في ذلك: بأن الصوم مرتب على الإطعام، فلا يجزىء إِلَّا مع عدم الأصل؛ كالتيمُّم بالنسبة إلى الماء (2).
وقال ح (3): لأنه عبادة بدنية، فلا يجوز تقديمها قبل وقتها؛ كالصلاة، وصوم رمضان.
واستثنى بعضُ الشافعية -أيضًا- حنثَ المعصية، فقال: لا يجوز [تقديم] كفارتُه؛ لأن فيه إعانة على المعصية (4).
ع (5): والخلافُ في هذا مبني على: هل الكفارة لحلِّ اليمين، أو لتكفير مأثمها بالحنث؟ فعند الجمهور: أنَّها (6) رخصة شرعها اللَّه -تعالى- لحل ما عقد (7) الحالف من يمينه، فتُجزىء قبلُ وبعدُ، وليس
(1) انظر: "إكمال المعلم" للقاضي عياض (5/ 408).
(2)
انظر: "معالم السنن" للخطابي (4/ 50).
(3)
"ع" ليس في "ت".
(4)
انظر: "شرح مسلم" للنووي (11/ 109).
(5)
"ع": بياض في "ت".
(6)
في "ع": "أيضًا".
(7)
في "ت": "عقده".
في الوجهين إثمٌ، لا في الحلف ابتداءً، ولا في تحنيث الإنسان نفسَه، لإباحة الشارع له ذلك (1).
قلت: وأما مَنْ تعلَّق في جواز تقديم الكفارة ببدايته عليه الصلاة والسلام بذكر التكفير قبل الإتيان بالخير، فضعيف جدًا؛ لأن الواو لا تقتضي ترتيبًا، بل المعطوف والمعطوف عليه كالجملة الواحدة، على ما تقرر في العربية.
ومعنى قوله عليه الصلاة والسلام: "فرأى غيرَها خيرًا منها"؛ أي: رأى ما حلف عليه من فعلٍ أو تركٍ خيرًا لدُنياه أو أُخراه، أو موافقًا لهواه وشهوته، ما لم يكن إثمًا، هكذا فسره العلماء، واللَّه أعلم (2).
وانظر ما المناسبةُ بين صَدْر الحديث، وهو النهيُ عن طلب الإمارة، وعَجُزِه، وهو (3) الأمرُ بتكفير يمينه عند رؤية (4) خير (5) مما حلفَ عليه (6)، والإتيان بما هو خير، فإني راجعتُ فيه (7) جماعةً من
(1) انظر: "إكمال المعلم" للقاضي عياض (5/ 408).
(2)
المرجع السابق، والموضع نفسه.
(3)
في "ت": "وهذا".
(4)
في "ت": "رؤيته".
(5)
في "ت" زيادة: "منها".
(6)
في "ت": "من فعل".
(7)
"فيه" ليس في "ت".
فضلاء العصر، فلم يأتوا فيه بمقنع، هذا بعد الفكرة فيه، ولعل اللَّه يفتح فيه بشيء، فيلحق، واللَّه الفتاحُ العليم، وما أسهلَ الجوابَ عن المشكلات عند الجاهل، وقد كان مالك رحمه الله يقف في المسألةُ أربعين يومًا، ونحو ذلك، وقد سمعتُ بعضَ شيوخنا يقول: أقام شيخُنا يفكر في مسألة اثنتي عشرة سنة حتى وُفِّق فيها للصواب.
* * *