الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب القضاء
الحديث الأول
365 -
عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، (1) قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا (2) مَا لَيْسَ مِنْهُ، فَهُوَ رَدٌّ"(3).
وَفِي لَفْظٍ: "وَمَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا، فَهُوَ رَدٌّ"(4).
(1) في "ز" زيادة: "أنها".
(2)
"هذا" ليس في "ت".
(3)
* تَخْرِيج الحَدِيث:
رواه البخاري (2550)، كتاب: الصلح، باب: إذا اصطلحوا على صلح جور، فالصلح مردود، ومسلم (1718/ 17)، كتاب: الأقضية، باب: نقض الأحكام الباطلة، ورد محدثات الأمور، وأبو داود (4606)، كتاب: السنة، باب: في لزوم السنة، وابن ماجه (14)، في مقدمة "سننه".
(4)
رواه مسلم (1718/ 18)، كتاب: الأقضية، باب: نقض الأحكام الباطلة، ورد محدثات الأمور، وقد ذكره البخاري في "صحيحه"(2/ 753)، و (6/ 2675) معلقًا بصيغة الجزم.
* مصَادر شرح الحَدِيث:
"إكمال المعلم" للقاضي عياض (5/ 576)، و"المفهم" للقرطبي (5/ 171)، و"شرح مسلم" للنووي (12/ 16)، =
* الشرح:
القضاء في اللغة: أصلُه الحكمُ، ومنه قولُه تعالى:{وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} [الإسراء: 23]؛ أي: حكم، وقد يكون بمعنى الفراغ من (1) الشيء، تقول: قد قُضِيَتْ حاجتي، وضَرَبَه فقضى عليه؛ أي: قتله، كأنه فرغَ منه، وقَضَى نَحْبَه؛ أي: ماتَ، وفرغَ من الدنيا (2).
قيل: إن هذا الحديث أحدُ الأحاديثِ الأركانِ من أركان (3) الشريعة؛ لكثرة ما يدخل تحته من الأحكام (4). وقد تقدم الكلام على ذلك في أول الكتاب.
ولتعلمْ: أن القضاء والإمامة من فروض الكفايات (5)؛ لما فيه من مصالح العباد؛ من فصل الخصومات، ورفع التهارجُ (6)، وإقامة الحدود،
= و"شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (4/ 162)، و"العدة في شرح العمدة" لابن العطار (3/ 1551)، و"النكت على العمدة" للزركشي (ص: 332)، و"فتح الباري" لابن حجر (5/ 301)، و"عمدة القاري" للعيني (13/ 274)، و"إرشاد الساري" للقسطلاني (4/ 421)، و"كشف اللثام" للسفاريني (6/ 442)، و"نيل الأوطار" للشوكاني (9/ 69).
(1)
في "ت": "عن".
(2)
انظر: "الصحاح" للجوهري (6/ 2463)، (مادة: ق ض ى).
(3)
"أركان" ليس في "ت".
(4)
انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (4/ 162).
(5)
في "ز": "الكفاية".
(6)
في "ت": "التهاجر".
وكفِّ المظالم، ونصر (1) المظلوم، والأمرِ بالمعروف، والنهي عن المنكر.
والحكمُ بالعدل من أفضل البر، وأعلى درجات الأجر، قال اللَّه تعالى:{فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [المائدة: 42]؛ أي: العادلين، وقال عليه الصلاة والسلام:"المُقْسِطُونَ عَلَى مَنَابِرَ مِنْ نُورٍ يَوْمَ القِيَامَةِ"(2)، ولكنَّ خطرَه (3) عظيم؛ لأن الجَوْرَ في الأحكام واتباعَ الهوى من أعظم الذنوب، وأكبرِ الكبائر، قال اللَّه تعالى:{وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا} [الجن: 15]؛ أي: الجائرون.
يقال: أَقْسَطَ: إذا عَدَلَ، وقَسَطَ: إذا جارَ.
وقال عليه الصلاة والسلام: "إنَّ أَعْتَى النَّاسِ عَلَى اللَّهِ وَأَبْغَضَ النَّاسِ إِلَى (4) اللَّهِ، وَأَبْعَدَ النَّاسِ مِنَ اللَّهِ: رَجُلٌ وَلَّاهُ اللَّهُ مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ شَيْئًا، فَلَمْ يَعْدِلْ فِيْهِمْ"(5).
(1) في "ت": "ونصره".
(2)
رواه مسلم (1827)، كتاب: الإمارة، باب: فضيلة الإمام العادل، من حديث عبد اللَّه بن عمرو رضي الله عنهما.
(3)
في "ت": "خطر".
(4)
في "ز": "على".
(5)
روى ابن أبي شيبة في "المصنف"(37722)، والطبراني في "المعجم الكبير"(20/ 221)، والحاكم في "المستدرك"(7014)، من حديث معقل بن يسار رضي الله عنه مرفوعًا:"ما من أحد يكون على شيء من أمور هذه الأمة قلَّت أم كثرت، فلا يعدل فيهم، إلا كبَّه اللَّه في النار".
قالوا: فالقضاءُ محنةٌ، ومن دخل فيه، فقد ابتُلي بعظيم؛ لأنه عرَّض نفسه للهلاك، إذ التخلصُ منه على من ابتُلي به عسيرٌ (1)، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم:"مَنْ وَلِيَ القَضَاءَ، فقد (2) ذُبِحَ بِغَيْرِ سِكِّينٍ"(3).
قال (4) الخطابي: معنى الكلام: التحذيرُ من طلبِ القضاء والحرصِ عليه بقول من تصدَّى للقضاء، فقد (5) تعرَّض للذبح، فليحذَرْه (6)، ولْيتوقَّهُ.
وقوله: "بغير سكين" يحتمل وجهين:
أحدهما: أن الذبحَ إنما يكون في ظاهر العرف وغالبِ العادة بالسكين، فعدل به صلى الله عليه وسلم عن ظاهر العرف، وصرَفَه عن سنن العادة إلى غيرها؛ ليعلمَ أن الذي أراده بهذا القول إنما هو ما يخاف عليه من هلاك دينه دونَ هلاك بدنه.
(1) في "ت": "عسر".
(2)
"فقد" ليس في "خ".
(3)
رواه أبو داود (3571، 3572)، كتاب: الأقضية، باب: في طلب القضاء، والترمذي (1325)، كتاب: الأحكام، باب: ما جاء عن رسول اللَّه في القاضي، وابن ماجه (2308)، كتاب: الأحكام، باب: ذكر القضاة، والحاكم في "المستدرك"(7018)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(4)
في "ز": "وقال".
(5)
في "ز" زيادة: "ذبح أو".
(6)
في "ز": "فليحذر".
والوجه الآخر: أن الذبحَ الوجِىء الذي يقع به إزهاقُ الروح، وإراحةُ الذبيحة وخلاصُها من طول الألم وشدة التعذيب؛ إنما يكون بالسكين؛ لأنه يمرُّ بالمذبوح، ويمضي في مذابحه، فيجهز عليه، وإذا ذُبح بغير سكين، كان ذبحه خنقًا وتعذيبًا، فضرب المثل بذلك؛ ليكون أبلغَ في الحذر من الوقوع فيه، واللَّه أعلم (1).
فلا ينبغي أن يقدُم عليه إلا مَنْ وثقَ بنفسه، أو تعين للقضاء دونَ غيره، أو أجبره الإمامُ العدلُ عليه.
وللإمام العدل إجبارُه إذا كان صالحًا، وله هو أن يمتنعَ ويهربَ بنفسه (2)، إلا أن يعلم تَعَيُّنَهُ (3) له (4)، فيجب عليه القبولُ (5)، وذلك أنه (6) إذا تحقق أنه ليس في تلك الناحية مَنْ يصلُح للقضاء سواه، فلا يجوز له الامتناعُ حينئذ، لتعيُّنِ الفرض عليه، ولا يأخذه بطلب؛ لما تقدَّم من النهي عن سؤال الإمارة، وأنه إذا سألها، لا يُعان عليها.
قال العلماء: فان سألها، لم ينبغ أن يُوَلَّى، وإن اجتمعت فيه شروطُ التولية؛ خشيةَ أن يوكَلَ إلى نفسه، فيعجز؛ لما تضمَّنَه الحديثُ
(1) انظر: "معالم السنن" للخطابي (4/ 159).
(2)
"بنفسه" ليس في "ز".
(3)
في "ت": "تعيينه".
(4)
"له" ليس في "ت".
(5)
"القبول" ليس في "ت".
(6)
"أنه" ليس في "ت".
من أن مَنْ طاب القضاء، وُكِلَ إلى نفسه، واللَّهُ المستعان.
وأما شرائطُ القاضي وصفاتُه التي يكون عليها، وما يمنعُ من (1) صحةِ التولية من فقدانِ بعضها، وما يقضي عدمُه فسخَها، وإن لم يشترط في الصحة، ولا يشترط في الانعقاد، ولا في (2) الإبقاء؛ لكن تُستحب (3) في القاضي، فموضعُها كتبُ الفقه المطوَّلَة، واللَّه أعلم.
وقوله عليه الصلاة والسلام: "فهو رَدٌّ"؛ أي: مردود، فهو (4) كما تقدَّمَ من وقوع المصدرِ موقعَ اسم المفعول.
قال الفقهاء: ويُستدل به على إبطالِ جميع العقود الممنوعةِ، وعدمِ وجود ثمراتِها المترتبةِ عليها على تقدير الصحة.
ق (5): واستُدِلَّ به في أصول الفقه: على أن النهي يقتضي الفسادَ، نعم، [قد] يقع الغلط في بعض المواضع لبعض الناس فيما يقتضيه الحديث من الردِّ، فإنه قد يتعارض أمران، فينتقل (6)
(1)"من" ليس في "ت".
(2)
"ولا في" ليس في "ت".
(3)
في "ز": "يستحب".
(4)
"فهو" ليس في "ت".
(5)
"ق": بياض في "ت".
(6)
في "خ": "فينقل".
من أحدهما إلى الآخر، فيكون العملُ بالحديث في أحدهما كافيًا، ويقع الحكم به في الآخر في محل النزاع، فللخصم (1) أن يمنع (2) دلالته عليه، فتنبهْ لذلك (3).
* * *
(1) في "خ": "وللخصم".
(2)
في "ت" زيادة: "من".
(3)
انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (4/ 163).