الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب النذور
الحديث الأول
360 -
عَنْ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ رضي الله عنه، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنِّي كُنْتُ نَذَرْتُ فِي الجَاهِلِيَّةِ (1) أَنْ أَعْتكِفَ لَيْلَةً -وَفِي رِوَايةٍ: يَوْمًا- فِي المَسْجِدِ الحَرَامِ، قَالَ:"فَأَوْفِ بِنَذْرِكَ"(2).
(1) في "ت": "في الجاهلية نذرت".
(2)
* تَخْرِيج الحَدِيث:
رواه البخاري (1927)، كتاب: الاعتكاف، باب: الاعتكاف ليلًا، و (1938)، باب: إذا نذر في الجاهلية أن يعكتف، ثم أسلم، و (6319)، كتاب: الأيمان والنذور، باب: إذا نذر أو حلف أن لا يكلم إنسانًا في الجاهلية، ثم أسلم، ومسلم (1656)، كتاب: الأيمان، باب: نذر الكافر وما يفعل فيه إذا أسلم، وأبو داود (3325)، كتاب: الأيمان والنذور، باب: من نذر في الجاهلية، ثم أدرك الإسلام، والنسائي (3820 - 3822)، كتاب: الأيمان والنذور، باب: إذا نذر، ثم أسلم قبل أن يفي، والترمذي (1539)، كتاب: النذور والأيمان، باب: ما جاء في وفاء النذر، وابن ماجه (2129)، كتاب: الكفارات، باب: الوفاء بالنذر. وقد تقدم الحديث وتخريجه في باب: الاعتكاف، فلينظر في موضعه لاستتمام فوائده. =
* الشرح:
النذر: إيجابُ المكلَّف على نفسه ما لم يجبْ عليه في أصل الشرع؛ من فعلٍ، أو تركٍ، يُقال منه: نذرتُ أَنْذُرُ وأَنْذِرُ (1)، بضم الذال وكسرها (2).
وقد أباح اللَّه -تعالى- النذرَ في كتابه العزيز في (3) غير ما آية، فقال (4) تعالى:{فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا} [مريم: 26] الآيةَ، {قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا} [آل عمران: 35].
وأوجبَ الوفاء به، فقال:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1]، قيل: يريد: عقدَ النذر، وعقدَ اليمين، وسائرَ العقود اللازمة في الشرع، وقال تعالى:{يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا} [الإنسان: 7]، وقال تعالى:{وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ} [الحج: 29].
= * مصَادر شرح الحَدِيث:
"إكمال المعلم" للقاضي عياض (5/ 424)، و"المفهم" للقرطبي (4/ 644)، و"شرح مسلم" للنووي (11/ 124)، و"شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (4/ 154)، و"العدة في شرح العمدة" لابن العطار (3/ 1535)، و"التوضيح" لابن الملقن (30/ 380)، و"فتح الباري" لابن ججر (11/ 582)، و"عمدة القاري" للعيني (11/ 146)، و"كشف اللثام" للسفاريني (6/ 416)، و"سبل السلام" للصنعاني (4/ 115)، و"نيل الأوطار" للشوكاني (4/ 359).
(1)
"وأَنْذِرُ" ليس في "ت".
(2)
انظر: "الصحاح" للجوهري (2/ 825)، (مادة: نذر).
(3)
"في" ليس في "ت".
(4)
في "ت": "قال".
وقال تعالى: {وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ} [التوبة: 75] الآيةَ، فأمر تعالى بالوفاء بالنذر عمومًا، وبيَّنَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم أن ذلك ليس على عمومه، فقال:"مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ (1) اللَّه، فَلْيُطِعْهُ، وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصيَ اللَّه، فَلَا يَعْصِهِ"(2)، فنذرُ الطاعة -على تفصيلٍ يأتي- يلزمُ الوفاءُ به عندنا، وإن كان مكروهًا (3)، ونذرُ المعصية يحرُمُ الوفاء به (4)، ونذرُ المكروه يُكره الوفاءُ به، ونذر المباح يُباح الوفاءُ به، وتركُ الوفاءِ به.
ثم إِنَّ نذرَ الطاعة قسمان:
مستحبٌّ: وهو المطلَقُ الذي أوجبه الإنسان على نفسه؛ شكرًا للَّه -تعالى- على ما أنعم به عليه فيما مضى، أو لغير (5) سبب.
ونذر مباحٌ: وهو المقيد بشرط يأتي:
فالأول: كقوله: عليَّ نذر كذا (6)، أو نذرٌ أن أفعل كذا، أو نذرٌ لا أفعل كذا، أو لا يلفظ بذكر النذر، فيقول: للَّه عليَّ كذا (7)، أو أن
(1) في "ت": "يطع".
(2)
رواه البخاري (6318)، كتاب: الأيمان والنذور، باب: النذر في الطاعة، حديث عائشة رضي الله عنها.
(3)
في "ت": "فنذر المكروه، وإن كان مكروهًا عندنا يلزم، على تفصيل فيه".
(4)
"به" ليس في "ت".
(5)
في "ت": "بغير".
(6)
في "ت": "يتلفظ".
(7)
في "ت" زيادة: "وكذا".
لا أفعلَ كذا، أو: إن لم أفعل كذا (1) شكرًا للَّه تعالى، الحكمُ في ذلك كلِّه سواءٌ عندنا.
قال القاضي أبو الوليد بن رشد رحمه الله: ومن أهل العلم مَنْ ذهب إلى أنه إذا قال: للَّه عليَّ كذا وكذا، ولم يقل: نذرًا: أن ذلك لا يلزمُه؛ لأنه إخبار بكذب.
وعند الشافعية قول: إن من نذر نذرًا، ولم يعلقه على شيء: أنه لا يصحُّ، وإن كان المذهبُ عندَهم الصحةَ.
وأما النذرُ المباحُ المقيد (2) بشرط، فمثل أن يقول: للَّه عليَّ كذا إن شفى اللَّه مريضي، أو قدمَ غائبي، وما أشبهَ ذلك مما لا يكون الشرطُ فيه من فعله، إلا أن يكون شيئًا يوقته أبدًا؛ فإن مالكًا يكرهه، وأما إن قَيَّدَ ما أوجبه على نفسه من ذلك بشرطٍ من فعله يقدر على فعله و (3) تركِه؛ مثل أن يقول: إن فعلتُ كذا، أو إن لم أفعلْ كذا، فعليَّ كذا، فليس بنذر، وإنما هو يمينٌ مكروهة، لقوله عليه الصلاة والسلام:"مَنْ كَانَ حَالِفًا، فَلْيَحْلِفْ بِاللَّهِ أَوْ لِيَصْمُتْ"(4)، إلا أنها لازمةٌ عند مالك رحمه الله فيما يلزم فيه النذرُ من الطاعات، وفي الطلاق، وإن لم يكن للَّه -تعالى- فيه طاعةٌ؛ لأن الحالف بالطلاق مطلقٌ على
(1)"أو: إن لم أفعل كذا" ليس في "ت".
(2)
"المقيد" ليس في "ت".
(3)
في "ت": "أو".
(4)
سيأتي تخريجه قريبًا.
صفة، ويُقضى به عليه، وبالعتقِ المعيَّنِ، بخلاف ما سوى ذلك من الشيء، والصدقة لمُعينين، أو لغير مُعينين، والعتق (1) الذي ليس بمعين، إلا أن يخرج ذلك من تقييده مخرجَ النذر؛ مثل أن يقول: إن فعلتُ كذا أو كذا، وإن لم أفعله، للَّه (2) عليَّ كذا وكذا (3)، فلا يلزمه في الطلاق؛ إذ ليس للَّه فيه طاعةٌ، ويلزمه فيما عدا ذلك من الطاعة، دون أن يُقضى عليه في شيء من ذلك، وإن كان عِتْقًا بعينه؛ قاله ابن رشد رحمه الله.
وقد اختلف العلماء فيما نذرَه الكافرُ في حال كفره مما يوجبه (4) المسلمون، ثم أسلم (5)، فقال (6) بعض الشافعية، وأبو ثور: يجب الوفاءُ به، وهو قولُ الطبري، والمغيرة، و (7) المخزومي، والبخاري، وحملوا قولَه عليه الصلاة والسلام:"أَوْفِ بنذرِكَ" على الوجوب (8)، وقاسوا اليمينَ على النذر، فإن كان النذر واليمين مما لا ينبغي الوفاء به، فعليه الكفارةُ فيه؛ على أصلِهم في نذر المعصية.
(1) في "خ": "والتحقق".
(2)
في "ت": "فلله".
(3)
"وكذا" ليس في "ت".
(4)
في "خ": "أوجبه".
(5)
في "خ": "على أنفسهم" بدل "ثم أسلم".
(6)
في "ت": "قال".
(7)
الواو ليست في "ت".
(8)
في "خ": "على الأدب".
وذهب مالك، والكوفيون، والشافعية (1)، إلى (2) أنه لا شيء عليه فيما نذر؛ إذ الأعمالُ بالنيات، ولا نية له حينئذ، ويحمل قولُ النبي صلى الله عليه وسلم:"أوفِ بنذركَ" على طريق الندب والاستحباب، لا على طريق الوجوب (3).
أو يقال: إنه عليه الصلاة والسلام أمره أن يأتي بعبادة مماثلةٍ لما التزم في الصورة، وهو اعتكافُ يوم، فأطلق عليها وفاء بالنذر (4)؛ لمشابهتها إياه، ولأن المقصود قد حصل، وهو الإتيان بهذه العبادة.
واحتج الشافعي ومَنْ يُجيز الاعتكافَ بالليل، وبغير صوم، بهذا الحديث، ولا حجةَ لهم فيه؛ لأن العرب تعبر بالليلة عن اليوم، لاسيما وفي الرواية الأخرى:(يومًا) مكان (ليلةً) فتعينَ حملُ الحديث على ذلك.
وأما قوله تعالى: {سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا} [الحاقة: 7]، فجاء على الأصل، ولابدَّ أن يجيء الشيءُ على أصله في بعض الصور، وهذا كله إذا قلنا (5): إن الاعتكاف هنا على بابه، وإلا، فإن كان المرادُ: الاعتكاف الذي هو بمعنى الجوار -وهو
(1) في "ت": "وأكثر الشافعية".
(2)
"إلى" ليس في "ت".
(3)
انظر: "إكمال المعلم" للقاضي عياض (5/ 424).
(4)
في "ت": "النذر".
(5)
"إذا قلنا" ليس في "خ".
محتمل-، فهذا (1) عندنا (2) بغير صوم، ويصح ليلًا ونهارًا.
* * *
(1) في "ت": "بهذا".
(2)
في "ت" زيادة: "يكون".