الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الثالث
367 -
عَنْ أُمِّ سَلَمَة رضي الله عنها: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سَمِعَ جَلَبَةَ خَصْمٍ بِبَابِ حُجْرَتِهِ، فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ، فَقَالَ:"أَلَا إِنَّمَا أَنا بَشَرٌ، وَإِنَّما يَأْتِيني الخَصْمُ، فَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أبلغ (1) (2) مِنْ بَعْضٍ، فَأَحْسِبُ أَنَّهُ صَادِقٌ، فَأَقْضِي لَهُ، فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ بِحَقِّ مُسْلِمٍ، فَإِنَّما هِيَ قِطْعَةٌ مِنْ النَّارِ، فَلْيَحْمِلَهَا، أَوْ يَذَرْهَا (3) "(4).
(1) في "خ": "ألحن".
(2)
في "ز" زيادة: "بحجته".
(3)
في "ز" و"ت": "ليذرها".
(4)
* تَخْرِيج الحَدِيث:
رواه البخاري (2326)، كتاب: المظالم، باب: إثم من خاصم في باطل وهو يعلمه، و (2534)، كتاب: الشهادات، باب: من أقام البينة بعد اليمين، و (6566)، كتاب: الحيل، باب: إذا غصب جارية، فزعم أنها ماتت، و (6748)، كتاب: الأحكام، باب: موعظة الإمام للخصوم، و (6759)، باب: من قضي له بحق أخيه، فلا يأخذه، و (6762)، باب: القضاء في كثير المال وقليله، ومسلم (1713/ 5)، واللفظ له، و (1713/ 4 - 6)، كتاب: الأقضية، باب: الحكم بالظاهر، واللحن بالحجة، وأبو داود (3583)، كتاب: الأقضية، باب: في قضاء =
* الشرح:
الجَلَبُ والجَلَبَة: -بفتح اللام (1) -: رفع الأصوات، يقال منه: جَلَّبوا، بالتشديد.
والخَصْمُ: معروف، يستوي فيه الواحدُ والجمع (2)، والمذكر والمؤنث؛ لأنه في الأصل مصدر.
قال الجوهري: ومن العربِ من يُثنيه ويجمعه، فيقول: خَصْمان، وخُصوم (3).
= القاضي إذا أخطأ، والنسائي (5401)، كتاب: آداب القضاة، باب: الحكم بالظاهر، و (5422)، باب: ما يقطع القضاء، والترمذي (1339)، كتاب: الأحكام، باب: ما جاء في التشديد على من يُقضى له بشيء ليس له أن يأخذه، وابن ماجه (2317)، كتاب: الأحكام، باب: قضية الحاكم لا تُحل حرامًا، ولا تُحرم حلالًا.
* مصَادر شرح الحَدِيث:
"معالم السنن" للخطابي (4/ 163)، و"الاستذكار" لابن عبد البر (7/ 91)، و"عارضة الأحوذي" لابن العربي (6/ 83)، و"إكمال المعلم" للقاضي عياض (5/ 560)، و"المفهم" للقرطبي (5/ 153)، و"شرح مسلم" للنووي (12/ 4)، وشرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (4/ 166)، و"العدة في شرح العمدة" لابن العطار (3/ 1558)، و"فتح الباري" لابن حجر (12/ 341)، و"عمدة القاري" للعيني (13/ 5)، و"إرشاد الساري" للقسطلاني (10/ 248)، و"كشف اللثام" للسفاريني (6/ 458)، و"نيل الأوطار" للشوكاني (5/ 376).
(1)
"اللام" ليس في "ز".
(2)
في "ت": "والجميع".
(3)
انظر: "الصحاح" للجوهري (5/ 1912)، (مادة: خصم).
قلت: ومثلُه عَدُوٌّ، وصَديقٌ، وضيفٌ (1).
والحُجْرَةُ: -بضم (2) الحاء وسكون الجيم-، وأصلها حظيرة الإبل، ومنه حُجرة الدار، تقول (3): احْتَجَرْتُ حُجْرَةً؛ أي: اتخذتُها، والجمعُ حُجَرٌ، وحُجُرَاتٌ؛ مثل: غُرْفَة، وغُرَف، وغُرُفات (4)(5).
والبَشَر: الخلق، سمي (6) بذلك؛ لظهور بشرته، دون ما عداه من الحيوان.
ع: فيه: تنبيه على حالة البشرية، وأن البشر لا يعلمون من الغيب والبواطن (7) إلا ما أطلعهم اللَّه عليه، وأنه منهم، وأنه يجوز عليه في أمور الظاهر ما يجوز عليهم (8).
قلت: لا اختصاصَ (9) للبشر بعدم الاطلاع على المغيبات، بل (10) الملائكةُ والجنُّ وغيرُهم كذلك، {قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ
(1) في "ت": "وضعيف".
(2)
"بضم" ليس في "خ".
(3)
في "ت": "يقال".
(4)
"غرفات" ليس في "ز".
(5)
انظر: "الصحاح" للجوهري (2/ 623)، (مادة: حجر).
(6)
في "ز": "يسمى".
(7)
في "ز": "والباطن".
(8)
انظر: "إكمال المعلم" للقاضي عياض (5/ 561).
(9)
في "ت": "الاختصاص".
(10)
في "ت" زيادة: "و".
وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ} [النمل: 65]، وكلام ع يُشعر بالاختصاص ظاهرًا، واللَّه أعلم.
ومعنى أَلْحَنَ (1) هنا: أَفْطَنَ (2) لها، ويجوز عندي أن يكون معناه: أفصحَ تعبيرًا (3) عنها، وأظهرَ احتجاجًا لها، حتى يُخيل إليه أنه مُحِقٌّ، وهو في الحقيقة مُبْطِلٌ، واللَّه أعلم.
وقوله عليه الصلاة والسلام: "فَلْيَحْمِلْها، أو يَذَرْها (4) ": معناه -واللَّه أعلم-: فيختار أحدَ الأمرين: إما أن يستمرَّ على ما قُضي (5) له به من حقِّ أخيه المسلم، أو (6) يُعَذَّبَ بالنار على ذلك، أو يرجعَ إلى الحق، ويخرجَ عن (7) ذلك بإيصال (8) حقِّ غريمه إليه، فينجو من عذاب النار بسبب ذلك، ومعنى هذا التخيير في الظاهر: التحذيرُ من الوقوع (9) فيما لا يحلُّ له؛ إذ العاقلُ لا يختار الهلاكَ على النَّجاة، وكأن
(1) في "ت": "الحق".
(2)
في "ت": "الظن".
(3)
في "ت": "تفسيرًا".
(4)
في "ت": "ليذرها".
(5)
في "ز": "ما أقضي".
(6)
في "ز" و"ت": "و".
(7)
في "خ": "من".
(8)
في "ز": "باتصال".
(9)
في "ت": "الإصرار".
المعنى: لا (1) بدَّ من اختيارك أحدَ الأمرين، فاخترْ أيهما شئت، وهذا في نهاية (2) التحذير؛ كما تقدم.
ولعله يؤخذ من هذا الحديث: وعظُ الحاكم للخصم قبلَ التحاكم، لاسيما إذا قامت عنده قرينةٌ بإبطال أحدِ الخصمين، واللَّه أعلم.
فائدة تصريفية: اعلمْ: أن (يذرها) أُميتَ ماضيه استغناءً (3) عنه بَتَرْكٍ (4)، وكذلك يَدَعُ.
قال الجوهري: وأصله (5): وَذِرَهُ يَذَرُهُ، مثل وَسِعَهُ يَسَعُه (6)، وقد رأيتُ حاشية على هذا الموضع من "الصحاح" نصها (7): قال شيخنا أبو اليمن الكنديُّ رحمه الله: هذا وهمٌ من المصنف، حملَه على فتح الذال من المستقبل، وإنما فُتح حملًا على أخيه، وهو يَدَعُ؛ لمصاحبته إياه في الحذف (8) والاستقبال.
قلت: وهذا هو الحقُّ -إن شاء اللَّه-، وإلا، كان يلزم -على
(1) في "ت": "ولا".
(2)
في "ت": "غاية".
(3)
في "ز": "ثم استغني".
(4)
في "ز": "بتركه".
(5)
"وأصله" ليس في "ت".
(6)
انظر: "الصحاح" للجوهري (2/ 845)، (مادة: وذر).
(7)
"نصها" ليس في "ت".
(8)
في "ز": "الحديث".
ما قاله الجوهري- ثبوتُ الواو في المضارع إذا (1) لم يقع بين ياء وكسرة (2)؛ كَوَجِلَ يَوْجَلُ، واللَّه أعلم.
ق: وفي الحديث: دليل على أن الأحكام على ظاهرها، وإعلامُ الناس أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم في ذلك كغيره، وإن كان يفترق مع (3) الغير في اطلاعه على ما يُطلعه اللَّهُ عليه من الغيوب الباطنة، وذلك في أمور مخصوصة، لا في الأحكام العامة، والحصرُ هنا مخصوصٌ لا عامٌّ؛ على ما تقدم (4) أولَ الكتاب.
وفيه: دليلٌ على أن الحكم لا ينفُذُ ظاهراَّ وَباطنًا معًا مطلَقًا، وأن حكم القاضي لا يغير حكمًا شرعيًا في الباطن.
ق: واتفق أصحاب الشافعي: على أن الحنفيَّ (5) إذا قضى بشفعة الجار (6)، أخذها في الظاهر، واختلفوا في حلِّ (7) ذلك في الباطن على وجهين، والحديثُ عامٌّ بالنسبة إلى سائر الحقوق، والذي (8) يتفقون
(1) في "ت": "إذ".
(2)
"وكسرة" ليس في "ت". وفي "ز": "وكسرها".
(3)
في "ت": "من".
(4)
في "ت" زيادة: "في".
(5)
كذا في النسخ الثلاث: "الحنفي"، وفي المطبوع من "شرح عمدة الأحكام":"القاضي".
(6)
في "ز" زيادة: "للشافعي".
(7)
في "ت": "حال".
(8)
في "ت": "والذين".
عليه -أعني: أصحاب الشافعي-: أن الحججَ (1) إذا كانت باطلةً في نفس الأمر؛ بحيثُ لو اطلع عليها القاضي، لم يجز له الحكمُ بها: أن ذلك لا يؤثر، وإنما وقع التردُّدُ في الأمور الاجتهادية إذا خالف اعتقادُ القاضي اعتقادَ المحكوم عليه (2)؛ كما قلنا في شفعة الجار، واللَّه أعلم (3).
قلت: وأما مذهبنا، فلا أعلم فيه خلافًا (4): أن حكم القاضي لا يُغَيِّرُ حكما شرعيًا، فلو أقام (5) شهود زورٍ على نكاح امرأة، فحكم له بها، فهي حرامٌ عليه (6)، وكذا (7) لو حكم الحاكم الحنفيُّ (8) للمالكي (9) بشفعة الجوار، لم يحلَّ له الأخذُ بها عندنا، قولًا واحدًا.
* * *
(1) في "ز": "الحج". وفي "ت": "الحجيج".
(2)
في "خ" و"ت": "له".
(3)
انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (4/ 166).
(4)
في "ز" زيادة: "منصوصًا".
(5)
في "خ": "قام".
(6)
في "ت": "عليه حرام".
(7)
في "ت": "وكذلك".
(8)
في "ز" زيادة: "للحاكم".
(9)
"للمالكي" ليس في "ت".