الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الخامس
369 -
عَنْ أَبِي بَكْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم "أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِأَكبَرِ الكَبَائِرِ؟ " ثَلَاثًا، قُلْنَا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ! قَالَ: "الإشْرَاكُ بِاللَّهِ، وَعُقُوقُ الوَالِدَيْنِ"، وَكَانَ مُتَّكِئًا فَجَلَسَ، فَقَالَ:"أَلَا وَقَوْلُ الزُّورِ، وَشَهَادَةُ الزُّورِ"، فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا؛ حَتَّى قُلْنَا: لَيْتَهُ سَكَتَ (1).
(1) * تَخْرِيج الحَدِيث:
رواه البخاري (2511)، كتاب: الشهادات، باب: ما قيل في شهادة الزور، و (5631)، كتاب: الأدب، باب: عقوق الوالدين من الكبائر، و (5918)، كتاب: الاستئذان، باب: من اتكأ بين يدي أصحابه، و (6521)، كتاب: استتابة المرتدين، باب: إثم من أشرك باللَّه، وعقوبته في الدنيا والآخرة، ومسلم (87)، كتاب: الإيمان، باب: بيان الكبائر وأكبرها، والترمذي (1901)، كتاب: البر والصلة، باب: ما جاء في عقوق الوالدين، و (2301)، كتاب: الشهادات، باب: ما جاء في شهادة الزور، و (3019)، كتاب: التفسير، باب: ومن سورة النساء.
* مصَادر شرح الحَدِيث:
"عارضة الأحوذي" لابن العربي (11/ 149)، و"إكمال المعلم" للقاضي عياض (1/ 353)، و"المفهم" للقرطبي (1/ 282)، و"شرح مسلم" للنووي (2/ 81)، و"شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (4/ 170)، و"العدة في شرح العمدة" لابن العطار (3/ 1567)، و"فتح الباري" لابن حجر (5/ 262)، و"عمدة القاري" للعيني =
* الكلام على الحديث من وجوه:
الأول: ظاهرُ الحديث: تفاوتُ الذنوب، وانقسامُها (1) إلى كبيرة، وأكبرَ منها، وعليه يدلُّ قوله تعالى:{إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ} [النساء: 31] الآيةَ، وهذا حجة على مَنْ قال من السلف: إن كلَّ ما نهى (2) اللَّه عنه كبيرةٌ.
قال ابنُ عطية: واختلف أهلُ العلم في الكبائر، فقال عليُّ بنُ أبي طالب رضي الله عنه: هي سبع: الإشراكُ باللَّه، وقتلُ النفس، وقذفُ المحصنات (3)، وأكلُ مال اليتيم، وأكلُ الربا، والفرارُ من الزحف، والتغرُّبُ بعدَ الهجرة.
وقال عبيدُ بنُ عمير (4): الكبائر سبعٌ (5)، في كل منها آيةٌ من كتاب اللَّه تعالى، وذكر يقول (6) علي رضي الله عنه، وجعل الآيةَ في التغرب قولَه تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ
= (13/ 217)، و"كشف اللثام" للسفاريني (6/ 447)، و"سبل السلام" للصنعاني (4/ 129)، و"نيل الأوطار" للشوكاني (9/ 211).
(1)
في "ت": "وَآثامها".
(2)
في "ت": "وقضى".
(3)
في "خ": "المحصنة".
(4)
في "ز": "عبد اللَّه بن عمير". وفي "ت": "عبد اللَّه بن عمر".
(5)
"سبع" ليس في "ت".
(6)
في "ت": "مثل قول".
الْهُدَى} الآية [محمد: 25].
ووقع في "البخاري" في كتاب: الحدود، في باب: رمي (1) المحصنات: "اتَّقُوا السَّبع المُوْبِقَاتِ: الإِشْرَاكُ بِاللَّهِ، وَالسِّحْرُ، وَقَتْلُ النَّفْسِ، وَأَكْلُ الرِّبَا، وَأَكْلُ مَالِ اليَتِيمِ، وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ، [وقَذْفُ المُحْصَنَاتِ المُؤْمِنَاتِ الغَافِلَاتِ] (2) ".
وقال عبد اللَّه بنُ عمرَ: هي تسعٌ: الإشراكُ باللَّه، والقتلُ، والفرارُ، والقذفُ، وأكلُ الربا، وأكلُ مال اليتيم، وإلحادٌ (3) في المسجد الحرام، والذي يستسحِرُ (4)، وبكاءُ الوالدينِ من العقوق (5).
وقال عبد اللَّه بنُ مسعود، وإبراهيمُ النخعيُّ: هي جميعُ ما نهى اللَّه عنه من أول سورة النساء إلى ثلاثين آيةً منها، وهي (6):{إِنْ تَجْتَنِبُوا} [النساء: 31].
(1)"رمي" ليس في "ت".
(2)
رواه البخاري (6465)، كتاب: المحاربين، باب: رمي المحصنات، ومسلم (89)، كتاب: الإيمان، باب: بيان الكبائر وأكبرها، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(3)
في "ز" و"ت": "والإلحاد".
(4)
في "ز" زيادة: "بالناس".
(5)
رواه البخاري في "الأدب المفرد"(8).
(6)
في "ت": "وهو قوله".
و (1) قال عبد اللَّه بنُ مسعود -أيضًا- هي أربع: الإشراكُ باللَّه، والقنوطُ من رحمة اللَّه، واليأسُ من روح اللَّه، والأمنُ من مكر اللَّه (2).
ويروى (3) عن ابن مسعود -أيضًا (4) -: هي ثلاثٌ: القنوطُ، واليأسُ (5)(6)، والأمنُ المتقدمةُ (7).
وقال ابن عباس -أيضًا-، وغيره: الكبائر: كلُّ ما وردَ عليه وعيدٌ بنارٍ، و (8) عذاب، أو لعنةٍ، وما أشبهَ ذلك.
وقالت فرقةٌ من الأصوليين: هي في هذا الموضع (9): أنواعُ الشركِ (10) التي لا تصح (11) معها الأعمال.
(1) الواو ليست في "ز".
(2)
رواه عبد الرزاق في "المصنف "(19701)، والطبراني في "المعجم الكبير"(8783) وغيرهما.
(3)
في "ت": "وروي".
(4)
في "ز" زيادة: "وغيره".
(5)
في "ت": "والإياس".
(6)
في "ز" زيادة: "من روح اللَّه".
(7)
في "ز": "من مكر اللَّه" مكان "المتقدمة".
(8)
في "ت": "أو".
(9)
في "ت": "هذه المواضع".
(10)
في "ز": "أكثرها".
(11)
في "ت": "الذي لا يصح".
وقال رجلٌ لابن عباس: أخبرني عن الكبائر السبع، فقال: هي إلى (1) السبعينَ أقربُ (2).
وقال ابنُ عباس: كلُّ ما نهى اللَّه عنه فهو كبيرةٌ (3).
يدخل فيها الربا، وشربُ الخمر، والزورُ، والغيبةُ، وغيرُ ذلك مما قد نُصَّ عليه في أحاديث، لم يقصدْ حصرُ (4) الكبائر بها، بل (5) ذُكر بعضُها مثالًا، وعلى هذا القول (6) أئمةُ الكلام: القاضي، وأبو المعالي، وغيرهما.
قالوا: وإنما قيل: صغيرة بالإضافة إلى أكبرَ منها، وهي في نفسها كبيرة من حيثُ إن المعصيَّ (7) بالجميع (8) واحدٌ.
قال: وهذه الآية -يعني: قوله تعالى-: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ} [النساء: 31] يتعاضد معها حديثُ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في كتاب:
(1)"إلى" ليس في "ت".
(2)
رواه عبد الرزاق في "المصنف"(19702)، والبيهقي في "شعب الإيمان"(294)، وغيرهما.
(3)
رواه الطبري في "تفسيره"(5/ 40).
(4)
في "ت": "تحصر لحصر". وفي "ز": "يقصد لحصر".
(5)
"بها، بل" ليس في "ت".
(6)
في "ت" ذيادة: "قول".
(7)
في "ت": "المفضي".
(8)
في "ز": "بالجمع".
الوضوء من "مسلم" عن عثمان رضي الله عنه، قال: سمعتُ رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول (1): "مَا مِنْ مُسْلِم تَحْضُرُهُ صَلَاةٌ مَكْتُوبَة، فَيُحْسِنُ وُضُوْءَهَا وَخُشُوعَهَا وَرُكُوعَهَا؛ إِلَّا كَانَتْ كَفَّارَةً لِمَا قَبْلَهَا مِنَ الذُّنُوبِ، مَا لَمْ يَأْتِ كَبِيرَة، وَذَلِكَ الدَّهْرَ كُلَّهُ "(2).
واختلف العلماءُ في هذه المسألة.
فجماعة من الفقهاء وأهلِ الحديث يرون أن الرجل إذا اجتنبَ الكبائرَ، وامتثلَ الفرائضَ، كُفِّرَتْ صغائرُه؛ كالنظرِ وشبهِه، قطعًا بظاهرِ هذه الآية، وظاهرِ الحديث.
وأما الأصوليون، فقالوا: لا يجبُ (3) على القطع تكفيرُ الصغائرِ باجتناب الكبائر، وإنما محملُ (4) ذلك على غلبة الظن، وقوةِ الرجاء، والمشيئة ثابتة، ودلَّ على ذلك؛ أنا لو قطعنا لمجتنب الكبائر وممتثلِ الفرائضِ بتكفير (5) صغائره (6) قطعًا، لكانت له في حكم المباح الذي يقطع بأنْ لا تباعَةَ فيه، وذلك نقض لعُرى الشريعة، ومحملُ ذلك عند الأصوليين في هذه الآية أجناس الكفر، والآيةُ (7) التي قيدت الحكمَ،
(1)"يقول" ليس في "ت".
(2)
رواه مسلم (228)، كتاب: الطهارة، باب: فضل الوضوء والصلاة عقبه.
(3)
في "ت": "لا تجب".
(4)
في "ز": "يحمل".
(5)
في "خ": "بتكفيره"، وفي "ت":" تكفير".
(6)
في "ز": "الصغائر".
(7)
في "ت": "فالآية".
ورُدَّ إليها هذه المطلَقاتُ كلَّها: قولُه تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: 48]، انتهى كلام ابن عطية رحمه اللَّه تعالى (1).
قلت: وهذه الكبائرُ الثلاثُ المذكورة في الحديث متقاربةٌ (2) -أيضًا (3) - في أنفسِها، و (4) أعظمها، بل أعظمُ الكبائر مطلقًا الإشراكُ باللَّه، مع أنه يحتمل أن يراد به هنا: مطلَقُ الكفر، وإنما خُصَّ بالذكر؛ لغلبتِهِ في الوجود (5)، لاسيما في بلاد العرب، فذكر تنبيهًا على غيره من أنواع الكفر، ويبعدُ أن يُراد به خصوصُه؛ لأن ثَمَّ من الكفر (6) ما هو أشدُّ قبحًا منه، وهو كفرُ التعطيل؛ وكأنه -واللَّه أعلم- إنما سُمِّيَ كبيرة؛ تغليبًا لما ذكر معه عليه، وإلا، فكلُّ الصيدِ في جوف الفَرا.
الثاني: قوله عليه الصلاة والسلام: "وعقوق الوالدين": لا شك أن عقوق الوالدين من أكبر الكبائر؛ لما لهما من الحق على الولد، وقد صرح الكتابُ العزيز بالوصية بهما (7)، والشكر لهما، حتى قرن
(1) انظر: "المحرر الوجيز" لابن عطية (2/ 43).
(2)
في "ز" و"ت": "متفاوتة".
(3)
"أيضًا" ليس في "ت".
(4)
في "خ": "أو".
(5)
في "خ": " الوجوب".
(6)
"ويبعد أن يراد به خصوصه، لأن ثَمَّ من الكفر" ليس في "ت".
(7)
في "خ": "لهما".
-تعالى- شكرَهما بشكره (1)، فقال:{أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ} [لقمان: 14]، وقال تعالى:{وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا} [العنكبوت: 8]، وقال تعالى:{إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ} [الإسراء: 23]، الآياتِ، هذا من حيث الجملة.
وأما من حيث التفصيلُ، فإنه يعسُر (2) ما يجب من حقهما على التعيين (3).
قال الشيخ عز الدين رحمه الله: ولم أقف في عقوق الوالدين، ولا فيما يختصان به من الحقوق على ضابط أَعتمدُ عليه؛ فإنَّ ما يحرُم (4) في حق الأجانب، فهو حرامٌ في حقهما، وما يجبُ للأجانب، فهو واجبٌ لهما، ولا يجب على الولد طاعتُهما (5) في كلِّ ما يأمران به، ولا في كل ما ينهيان عنه، باتفاق العلماء، وقد حرم على الولد السفر إلى الجهاد إلا بإذنهما؛ لما يشق عليهما من توقُّع قتله، أو قطعِ عضوٍ من أعضائه، ولشدة تفجُّعهما على ذلك (6)، وقد أُلحق بذلك كلُّ سفر يخافان فيه على نفسه، أو على عضوٍ من أعضائه، وقد (7) ساوى
(1) في "ز": " قرن بشكره سبحانه وتعالى شكرهما".
(2)
في "ت": "يعبر".
(3)
في "ز": "التعين"، وفي "خ":"التعبير".
(4)
في "ز" زيادة: "عليه".
(5)
في "ت": "أن يطيعهما".
(6)
في "ت": "بذلك".
(7)
في "ت": "ولقد".
الوالدان (1) الرقيقَ (2) في النفقة، والكسوة، والسكنى (3).
وقال ابنُ عطية عند قوله تعالى: {أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ} [لقمان: 14]: وقد وطأت الآية الأولى -يعني: قوله تعالى- (4): {وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا} [العنكبوت: 8]: الأمر ببر الوالدين وتعظيمه، ثم حكمَ بأن ذلك لا يكون في الكفر والمعاصي.
وجملةُ هذا الباب: أن طاعة الوالدين لا تُراعى في ركوب (5) كبيرة، ولا في ترك (6) فريضة على الأعيان، ويلزم طاعتُهما في المباحات، ويُستحسن (7) في ترك الطاعاتِ الندبِ، ومنه أمرُ جهاد الكفاية، وإجابةُ الأم في الصلاة مع إمكان الإعادة، على أن هذا أقوى من الندب؛ لكن يُعلل (8) بخوف هلكها (9) عليه، (10) ونحوها مما (11) يبيح قطع الصلاة،
(1) في "ت": "بين الوالدين".
(2)
"الرقيق" ليس في "ت".
(3)
انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (4/ 172).
(4)
قوله: "وقد وطات الآية الأولى -يعني قوله تعالى" ليس في "خ".
(5)
"ركوب" ليس في "ت".
(6)
في "ت": "بترك".
(7)
في "ز": "وتستحسن".
(8)
في "ز": "تعلل".
(9)
في "ت": "هلكهما".
(10)
في "ت": "ونحوه".
(11)
"مما" ليس في "خ" و"ت".
فلا يكون غيره (1) أقوى من الندب.
وخالف الحسنُ في هذا التفصيل، فقال: إن منعته أُمه من شهود العِشاء الآخرةِ شفقةً (2)(3)، فلا يُطعها (4)(5).
وقد صنف الناس في بر الوالدين، وهذا ألخَصُ ما رأيت، واللَّه أعلم.
الثالث: قوله عليه الصلاة والسلام: "وشهادة الزور، وقولُ الزور"(6): إن قلت: ما الحكمةُ في اهتمامه عليه الصلاة والسلام بشهادة الزور، أو قول الزور (7)، وشدة التنفير عن ذلك، وقد ذكر معها ما هو أشدُّ مفسدةً منها، وهو الإشراك، ولم يؤكِّدْهُ ما أَكَّدَ شهادةَ الزور، ولا نفَرَ عنه تنفيرَه عنها (8)؟
قلت: فيه وجهان:
أحدهما: أن شهادة الزور لا تنفِرُ النفسُ عنها نفورَها عن الإشراك؛
(1)"غيره" ليس في "خ" و"ز".
(2)
في "ت" زيادة: "لشفقة".
(3)
في "ز" زيادة: "عليه".
(4)
في "ز" و"ت": "يطيعها".
(5)
انظر: "المحرر الوجيز" لابن عطية (4/ 349).
(6)
في "ز": "وقول الزور، وشهادة الزور".
(7)
"إن قلت: ما الحكمة في اهتمامه عليه الصلاة والسلام بشهادة الزور، أو قول الزور" ليس في "ت".
(8)
"عنها" ليس في "ز".
إذ لا يقع في ذلك أذى (1) المسلمين اختيارًا وقصدًا، ففي الطباع وازعٌ (2) عنه؛ بخلاف شهادة الزور، فإنها أسهلُ (3) وقوعًا، والتهاونُ بها أكثرُ، والحواملُ عليها متعددة من العوامل (4)، والرشا، وغير ذلك، فاحتيج إلى توكيدها والاهتمام بها ما لم يُحتج إلى الإشراك، اكتفاءً بما في جِبِلَّة المسلمين من النفور عنه.
والثاني: أن شهادة الزور -وإن كانت مفسدتها أخفَّ من مفسدة الإشراك-، فهي متعدِّية الفساد إلى غيرِ الشاهد، وهو (5) المشهودُ له، والمشهودُ عليه، ومفسدةُ الإشراك قاصرة على صاحبها، فكان الاهتمام بها آكدَ لذلك، واللَّه أعلم.
وأما عقوقُ الوالدين فالطبعُ صارفٌ عنه، فاكتفى بذلك عن توكيده، واللَّه أعلم (6).
الرابع: قوله عليه الصلاة والسلام: "وقول الزور" فيه عندي أدنى إشكال، وذلك أنه لا يخلو أن يُراد يقول الزور: شهادةُ الزور خاصة، أو يراد: قولُ الزور مطلقًا؛ شهادةً كانت أو كذبًا، ونحو
(1) في "ز" و"ت": "أدنى".
(2)
في "ت": "فارغ".
(3)
في "ت": "أشد".
(4)
في "ت": "الفواضل"، وفي "ز":"العداوة".
(5)
"وهو" ليس في "ت".
(6)
من قوله: "فكان الاهتمام بها آكد. . . " إلى هنا ليس في "ز".
ذلك، فإن كان الأول، فلمَ أتى بعده بشهادة الزور، بل لِمَ لَمْ يكتفِ بقوله عليه الصلاة والسلام:"وشهادةُ الزو" عن قول الزور؛ لصراحتها بالمعنى المقصود من ذلك (1)، ونَصّيِّتِها عليه؛ لأن كلَّ شهادةِ زورٍ قولُ زور، وليس كلُّ قولِ زورٍ شهادةَ زور، وإن كان الثاني، لزم (2) أن تكون الكذبةُ الواحدة مطلقا كبيرةً، وليس كذلك، فإنه قد نص الفقهاءُ على أن (3) الكذبة الواحدة وما يقاربها لا تُسقط العدالةَ، ولو كانت كبيرةً، لأسقطت.
فإن قلت: لم لا يحمل (4) قولُ الزور على الكذب بخصوصه (5)، فيتعين ذكرُ شهادة الزور بعدُ، فيحصل فائدتان: النهيُ عن الكذب بخصوصه، والنهيُ عن شهادة الزور، أو يُحمل قولُ الزور على إطلاقه، وشهادةُ الزور على بابها، ويكون ذلك من باب ذكر الخاصِّ بعد العام؟
قلت: لو كان كما قلت في الوجهين، للزم أن يكون أكبرُ الكبائر أربعًا، وقد قال عليه الصلاة والسلام: ثلاثًا (6)، فيثبت وجودُ
(1) في "ت": "بذلك".
(2)
"لزم" ليس في "ت".
(3)
"أن "ليس في "ت".
(4)
في "ز": "تحمل".
(5)
من قوله: "وما يقاربها. . . " إلى هنا ليس في "ت".
(6)
قال ابن الملقن رحمه الله في "الإعلام بفوائد عمدة الأحكام"(10/ 37): قوله: "ألا أنبئكم بأكبر الكبائر ثلاثًا"، معناه: قال هذا الكلام ثلاث مرات، =
الإشكال، فعلى المتأمل طلبُ صوابه (1).
* * *
= وكرره للتأكيد وتنبيه السامع على إحضار قلبه وفهمه لما يخبرهم به. وفَهِم الفاكهي من قوله: "ثلاثًا": أن المراد به: عدد الكبائر، وهو عجيب، انتهى. وكذا وهَّمه الحافظ ابن حجر في "الفتح"(5/ 262).
(1)
من قوله: "أو يحمل قول الزور. . . " إلى هنا ليس في "ز".