الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كِتْابُ الأشربة
الحديث الأول
386 -
عَنْ عَبْدِ اللَّه بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ رضي الله عنه قَالَ عَلَى مِنْبَرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أَمَّا بَعْدُ: أَيُّهَا النَّاسُ! إِنَّهُ نَزَلَ تَحْرِيمُ الخَمْرِ، وَهِيَ مِنْ خَمْسَةٍ؛ مِنَ العِنَبِ، وَالتَّمْرِ، وَالعَسَلِ، وَالحِنْطَةِ، وَالشَّعِيرِ، وَالخَمْرُ مَا خَامَرَ العَقْلَ.
ثَلَاثٌ وَدِدْتُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كان (1) عَهِدَ إِلَيْنَا فِيهِنَّ عَهْدًا نَنْتَهِي إِلَيْهِ: الْجَدُّ، وَالكَلَالَةُ، وَأَبْوَابٌ مِنَ أَبْوَابِ (2) الرِّبَا (3).
(1)"كان" ليست في "خ".
(2)
"أبواب" ليست في "خ".
(3)
* تَخْرِيج الحَدِيث:
رواه البخاري (4343)، كتاب: التفسير، باب: قوله: {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ} [المائدة: 90]، و (5259)، كتاب: الأشربة، باب: الخمر من العنب، و (5266، 5267)، باب: ما جاء أن الخمر ما خامر العقل من الشراب، ومسلم (3032/ 32، 33)، كتاب: التفسير، باب: في نزول تحريم الخمر، وأبو داود (3669)، كتاب: الأشربة، باب: في تحريم الخمر، والنسائي (5578، 5579)، كتاب: الأشربة، ذكر أنواع الأشياء التي كانت منها الخمر حين نزل تحريمها. =
* الشرح:
قد تَقَدَّمَ الكلامُ على تفسير لفظ: (أما)(1) ومعناها أولَ الكتاب بما يُغني عن الإعادة.
وقوله: "أَيُّها الناسُ"، الأصل: يا أيها الناسُ، فحذف حرفُ النداء، وهذا أحدُ المواضع الأربعة التي (2) يجوز فيها حذفُ حرف النداء، على ما هو مقرر في كتب النحو، والناسُ هنا: نعتٌ لا يُستغنى عنه، وهو -أيضًا- أحدُ المواضع الثلاثة التي (3) يلزم فيها النعتُ وجوبًا.
وقوله: "نزلَ تحريمُ الخمر" يريد -واللَّه أعلم-: قولَه تعالى في سورة المائدة: {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90)} [المائدة: 90]، وفي آية أخرى: {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ
= * مصَادر شرح الحَدِيث:
"معالم السنن" للخطابي (4/ 262)، و"المفهم" للقرطبي (7/ 340)، و"شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (4/ 210)، و"العدة في شرح العمدة" لابن العطار (3/ 1641)، و"التوضيح" لابن الملقن (27/ 87)، و"فتح الباري" لابن حجر (10/ 46)، و"عمدة القاري" للعيني (18/ 211)، و"كشف اللثام" للسفاريني (7/ 52)، و"نيل الأوطار" للشوكاني (9/ 57).
(1)
في "ت" زيادة: "بعد".
(2)
في "ت": "الذي".
(3)
في "ت": "الذي".
الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} [المائدة: 91].
وقد تقدَّمَ أن الإجماع منعقدٌ على تحريم الخمر العنبي النِّيءِ (1)، ولكنهم اختلفوا هل هي محرمة في كتاب اللَّه بنصٍّ، أو بدليل؟ والصحيحُ: محرَّمَةٌ فيه بالنص؛ لأن المحرَّمَ هو المنهيُّ عنه الذي توعَّدَ اللَّه عبادَه على استباحته، وقد نهى اللَّه عز وجل عن الخمر في كتابه، وأمر باجتنابها، وتوعَّدَ على استباحتها، وقرنهَا بالميسر والأنصاب والأزلام في آية المائدة المتقدمة آنفًا، وهذا بلاع (2) في الوعيد، ونهايةٌ في التهديد، وهاتان الآيتان ناسختان لآية البقرة؛ قوله تعالى:{يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ} [البقرة: 219]، الآيةَ (3)، ولآية النساء؛ قوله تعالى (4):{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى} [النساء: 43] الآيةَ (5)؛ لأن آية البقرة إنما تقتضي الذمَّ دونَ التحريم، فكانوا (6) يشربونها؛ لما فيها من المنافع على أحد التفسيرَين، وقيل: المرادُ بالمنافع: الربحُ فيها؛ إذ (7) كانوا يَتَّجِرون فيها إلى الشام، وأما آيةُ النساء، فقيل: إنها تقتضي الإباحةَ؛ لأنهم أُمروا فيها بتأخير الصلاة
(1)"النيء" ليس في "ت".
(2)
في "ت": "إبلاغ".
(3)
"الآية" ليس في "ت".
(4)
"قوله تعالى" ليس في "ت".
(5)
"الآية" ليس في "ت".
(6)
في "ت": "وكانوا".
(7)
في "ت": "أو".
حتى يذهبَ السكرُ قبل أن تُحرم الخمرُ، فكان منادي رسولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم إذا أُقيمت الصلاة ينادي: لا يقرب الصلاةَ سكران، ثم نُسخ ذلك، فحرِّمت الخمر (1)، وأمروا بالصلاة على كل حال.
قال القاضي أبو الوليد بنُ رشد رحمه الله: وإنْ طَالَبَ متعسفٌ (2) جاهلٌ بوجود (3) لفظِ التحريمِ لها في القرآن، فإنه موجود في غيرِ ما موضعٍ، وذلك أن (4) اللَّه -تعالى- سماها رجسًا، فقال:{إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ} [المائدة: 90]، ثم نص على تحريم الرجس، فقال تعالى {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ} [الأنعام: 145]، وسماها (5) -أيضًا- في موضع آخر إثمًا، فقال تعالى:{يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ} [البقرة: 219]، ثم (6) نص على تحريم الإثم، ثم قال تعالى (7):{إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ} [الأعراف: 33]، ولو
(1)"ثم نسخ، فحرِّمت الخمر" ليس في "ت".
(2)
في "ت": "طلب مستضعف".
(3)
في "خ": "بوجوب".
(4)
في "ت": "فإن" مكان "وذلك أن".
(5)
في "ت": "وسمى".
(6)
في "ت": "و".
(7)
"ثم قال تعالى" ليس في "ت".
لم يَرِدْ في القرآن في الخمر إلا مجردُ النهي، لكانت السننُ الواردةُ عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بتحريم الخمر مبينة لمعنى ما نهى اللَّه عنها، وأن مراده التحريمُ لا الكراهة؛ لأنه إنما بعثه ليبيِّنَ للناس ما نُزِّلَ إليهم، وقال صلى الله عليه وسلم:"إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهَا"، وقد أجمعتِ الأمةُ على تحريمها، فتحريمُها معلومٌ من دين النبي صلى الله عليه وسلم (1) ضرورة، فمن قال: إِن الخمر ليست بحرام، فهو كافرٌ بإجماع، يُستتاب كما يُستتاب المرتدُّ، فإن تاب، وإلَّا قُتل، انتهى كلامه رحمه الله تعالي.
وفي الحديث: [دليلٌ] على أن اسمَ الخمر يقع على ما اعتُصر من العنب وغيرِه، وربما جاء ذلك صريحًا في غيرِ هذا الحديثِ من لفظ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وهذا مذهبُ أهل الحجاز، وخالفهم أهلُ الكوفة.
وقوله: "وهي من خمسةٍ":
قال الخطابي: فيه: البيانُ الواضح أن قولَ مَنْ زعمَ من أهل الكلام أن الخمرَ إنما هي (2) عصيرُ العنب النيء الشديد منه، وأن ما عدا ذلك ليس بخمر، باطلٌ.
قال (3): وفيه دليل على فساد قولِ مَنْ زعم أن لا خمرَ إلا من العنب، والزبيب، والتمر، فكانوا (4) يسمونها كلَّها خمرًا (5)، ثم ألحقَ
(1) في "ت": "الأمة" مكان "النبي صلى الله عليه وسلم".
(2)
في "ت": "هو".
(3)
"بخمر، باطل. قال" ليس في "ت".
(4)
في "ت": "كانوا".
(5)
"خمرًا" ليس في "ت".
عمومُها كلَّ ما خامر العقلَ من شراب، وجعلَه خمرًا، إذ كان (1) في معناها؛ لملابسته (2) العقلَ، ومخامرته إياه.
وفيه: إثباتُ القياس، وإلحاقُ حكمِ الشيء بنظيره.
وفيه: دليلٌ على جواز إحداثِ الاسم لشيء (3) من طريق الاشتقاق بعدَ أن لم يكن، انتهى (4).
قلت: والواو من قوله: "وهي من (5) خمسة" يحتمل أن تكون واو الحال، ويكون المعنى: نزل تحريمُ (6) الخمرِ في حالِ كونها تُعْمَلُ من خمسة أشياء، ويجوز أن تكون استئنافيةً، فلا يكون للجملة موضعٌ من الإعراب، ويجوز أن تكون عاطفة للجملة على التي قبلها، أو المعنى على أنه أخبر أن الخمر تكون من خمسة أشياء، لا أنه نزل تحريمُ الخمر، وهو (7) كذلك ولا بدَّ.
وقوله: "الجَدُّ (8) "؛ أي: و (9) ميراثُ الجد.
(1) في "خ": "فكان".
(2)
في "ت": "لملابستها".
(3)
"لشيء" ليس في "ت".
(4)
انظر: "معالم السنن" للخطابي (4/ 262).
(5)
"من" ليست في "خ".
(6)
"تحريم" ليس في "ت".
(7)
في "ت": "وهي".
(8)
في "ت": "والجد".
(9)
الواو ليست في "خ".
وقد اختلف الناس اختلافًا كثيرًا؛ من الصحابة فمَنْ بعدَهم، وقد قال عمر رضي الله عنه: قضيتُ في الجَدِّ بسبعينَ قضيةً، لا أَلْوِي في واحدة منها على (1) الحَقِّ، وفي لفظ آخر:"لا حَيَّاهُ اللَّهُ ولا بَيَّاه"، حتى اختلفوا هل هو أبٌ حقيقة، أو لا؟ على ما هو مذكور في كتب الفرائض.
وأما الكلالَةُ، فقيل: هي (2) كلُّ فريضةٍ لا وَلَدَ فيها.
وقيل: هي كلُّ فريضة لا والدَ فيها.
وقيل: كلُّ فريضةٍ (3) لا ولدَ فيها، ولا والدَ، وهذا هو الظاهر (4)، واللَّه أعلم.
وهل هي اسمٌ للميتِ، أو للورثةِ، أو للفريضةِ؟ خلاف أيضًا، واللَّه أعلم.
* * *
(1) في "ت": "عن".
(2)
في "ت": "هو".
(3)
"لا والد فيها. وقيل: كل فريضة" ليس في "ت".
(4)
وهو الذي استقر الكلام عليه. انظر: "النهاية في غريب الحديث" لابن الأثير (4/ 197).