الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الرابع
392 -
عَنِ البَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رضي الله عنه، قَالَ: أَمَرَناَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِسَبعٍ، وَنهانَا عَنْ سَبْعٍ: أَمَرَناَ بِعِيَادَةِ المَرِيضِ، وَاتِّبَاعِ الجَنَائِزِ، وَتَشْمِيتِ العَاطِسِ، وَإِبْرَارِ القَسَمِ أَوْ (1) المُقْسِمِ، وَنَصْرِ المَظْلُومِ، وَإِجَابَةِ الدَّاعِي، وَإِفْشَاءِ السَّلَامِ، وَنهانَا عَنْ خَوَاتِيمَ، أَوْ تَخَتُّم بالذَّهَبِ، وَعَنْ شُرْبٍ (2) بِالفِضَّةِ، وَعَنِ المَيَاثِرِ، وَعَنِ القَسِّيِّ، وَلُبْسِ الحَرِيرِ وَالإِسْتَبْرَقِ وَالدِّيبَاجِ (3).
(1) في "ت": "و".
(2)
في "ت": "الشرب".
(3)
* تَخْرِيج الحَدِيث:
رواه البخاري (1182)، كتاب: الجنائز، باب: الأمر باتباع الجنائز، و (2313)، كتاب: المظالم، باب: نصر المظلوم، و (4880)، كتاب: النكاح، باب: حق إجابة الوليمة والدعوة، و (5312)، كتاب: الأشربة، باب: آنية الفضة، و (5326)، كتاب: المرضى، باب: وجوب عيادة المريض، و (5511)، كتاب: اللباس، باب: الميثر الحمراء، و (5525)، باب: خواتيم الذهب، و (5868)، كتاب: الأدب، باب: تشميت العاطس إذا حمد اللَّه، و (5881)، كتاب: الاستئذان، باب: =
* الكلام على الحديث من وجوه:
الأول: العيادة: أصلُها العِوَادَة؛ لأنه من عادَهُ يَعُودُهُ، فقلبت الواو ياءً؛ لانكسار ما قبلها، وهي من مادة العَوْدَ (1)؛ كما تقدم، وهو الرجوعُ إلى الشيء بعدَ انصرافه، إما انصرافًا بالذات، أو بالقول والعزيمة.
قال الجوهري: والعَوْدُ: الطريقُ القديم (2). زاد غيره: يعود إليه السَّفْرُ، فإن أُخذ من الأول، فقد (3) يُشعر بتكرار العيادة، وإن أُخذ من
= إفشاء السلام، و (6278)، كتاب: الأيمان والنذور، باب: قول اللَّه تعالى: {وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ} [الأنعام: 109]، ومسلم (2066)، كتاب: اللباس والزينة، باب: تحريم استعمال أواني الذهب والفضة في الشرب وغيره، واللفظ له، والنسائي (1939)، كتاب: الجنائز، باب: الأمر باتباع الجنائز، و (3778)، كتاب: الأيمان والنذور، باب: إبرار القسم، والترمذي (2809)، كتاب: الأدب، باب: ما جاء في كراهية لبس المعصفر للرجل، والقسي.
* مصَادر شرح الحَدِيث:
"إكمال المعلم" للقاضي عياض (6/ 565)، و"المفهم" للقرطبي (5/ 389)، و"شرح مسلم" للنووي (14/ 31)، و"شرح الإلمام"(2/ 7)، و"شرح عمدة الأحكام" كلاهما لابن دقيق (4/ 218)، و"العدة في شرح العمدة" لابن العطار (3/ 1657)، و"النكت على العمدة" للزركشي (ع: 350)، و"فتح الباري" لابن حجر (10/ 315)، و"عمدة القاري" للعيني (6/ 8)، و"كشف اللثام" للسفاريني (7/ 105)، و"نيل الأوطار" للشوكاني (9/ 129).
(1)
في "خ": "العودة".
(2)
انظر: "الصحاح" للجوهري (2/ 514)، (مادة: عود).
(3)
في "ت": "فهو".
الثاني بعدَ نقله نقلًا عرفيًا (1) إلى الطريق، لم يدل على ذلك (2).
وهي مستحبةٌ عند الجمهور، وقد تجب حيث يحتاج المريضُ إلى مَنْ يتعاهده، وإن لم يُعَدْ، ضاع، وأوجبها الظاهريةُ من غير هذا القيد لظاهرِ (3) الأمر، قاله ق (4).
الثاني: قال أبو القاسم الحسينُ بنُ محمدِ بنِ المفضلِ (5) الراغِب الأصفهاني: المرض: الخروج عن الاعتدال الخاص بالإنسان، وذلك ضربان:
مرض جسمي، وهو المذكور في قوله تعالى:{وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ} [النور: 61]، وقال تعالى:{وَلَا عَلَى الْمَرْضَى} (6)[التوبة: 91].
والثاني: عبارة عن الرذائل الخلقية؛ كالجهل، والجبن، والبخل، والنفاق، ونحوها (7) من الرذائل، وشُبه الكفرُ والنفاقُ ونحوُهما (8) من
(1) في "ت": "عرفها".
(2)
انظر: "شرح الإلمام" لابن دقيق (2/ 14).
(3)
في "خ": "بظاهر".
(4)
انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (4/ 218).
(5)
في "ت": "الفضل".
(6)
قوله: "وقال تعالى: {وَلَا عَلَى الْمَرْضَى} "، ليس في "ت".
(7)
في "ت": "ونحوهما".
(8)
في "ت": "وغيرهما".
الرذائل بالمرض، إما لكونها (1) مانعةً من (2) إدراك الفضائل؛ كالمرض المانعِ للبدن عن التصرف الكامل، وإما لكونها مانعةً عن (3) تحصيل الحياة الأُخروية المذكورة في قوله تعالى:{وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} [العنكبوت: 64]، وإما لميل النفس إلى الاعتقادات الرديئة ميلَ (4) البدنِ المريض إلى الأشياء المضرَّة به؛ لكون هذه الأشياء متصوَّرة بصورة المريض، يقال: دَوِيَ صدرُ فلان، ونَغِلَ قلبُه؛ أي: طعن (5)، قال عليه الصلاة والسلام:"وَأَيُّ دَاءٍ أَدْوَى مِنَ البُخْلِ؟! "(6)، ويقال: شمسٌ مريضة: إذا لم تكن مضيئة لعارِضٍ يعرِضُ لها (7).
الثالث: قوله: "واتِّباعِ الجنائزِ": قد تقدم ضبطُ تَبِعَ واتَّبَعَ في باب (8): الحوالة، ويراد هنا: أن الاتباعَ تارة يكون بالجسم، وتارة
(1) في "ت": "لكونهما".
(2)
في "ت": "عن".
(3)
في "ت": "من".
(4)
في "ت": "بميل".
(5)
في "ت": "ضعف" مكان "أي: طعن".
(6)
رواه البخاري في "الأدب المفرد"(296)، من حديث جابر بن عبد اللَّه رضي الله عنه. وانظر:"الفتح" للحافظ ابن حجر (5/ 178).
(7)
انظر: "مفردات القرآن" للراغب (ص: 765)، و"شرح الإلمام" لابن دقيق (2/ 15)، وعنه نقل المؤلف رحمه الله كلام الراغب.
(8)
في "ت": "بكتاب" مكان "في باب".
يكون بالارتسام والائتمار، وعلى ذلك قوله تعالى:{فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ} [البقرة: 38] الآيةَ، {يَاقَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ (20) اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا} [يس: 20، 21] الآيةَ، وإن كان حقيقةً: الاتباعُ بالجسم. والمجازُ كثيرٌ شائع.
فمن الحقيقة: {فَأَسْرِ بِعِبَادِي لَيْلًا إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ} [الدخان: 23]، {فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ} [الشعراء: 60] ، {ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا (89)} [الكهف: 89] ، {فَأَتْبَعْنَا بَعْضَهُمْ بَعْضًا} [المؤمنون: 44] ، وهو كثير.
وأما قوله تعالى: {هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا} [الكهف: 66]، فقالوا: يحتملَ الحقيقة والمجاز، والمجازُ هنا أقربُ، ومن المحتمل -أيضًا- ما (1) في هذا الحديث وما يقاربه من اتباع الجنازة، وينبني عليه: هل الأفضلُ المشيُ أمامَها، أو خلفَها؟ ويمكن أن يجعل حقيقة في القدر المشترك؛ دفعًا للاشتراك والمجاز على طريقة المتأخرين.
واختار بعضُهم إذا كَثُر الاستعمالُ في إحدى الخاصتين (2)، وتبادرَ (3) الذهنُ إليه عند الإطلاق، أن يجعل حقيقة اللفظ، وتقديمه (4) على عدم الاشتراك والمجاز؛ لأن الأصل يُترك بالدليل القابل على خلافه،
(1)"ما" ليس في "ت".
(2)
في "ت": "الخاصيتين".
(3)
في "ت": "ويتبادر".
(4)
في "ت": "ونقدمه".
ومبادرةُ الذهن، وكثرةُ الاستعمال دليلٌ على الحقيقة، وأما حيث يقرب الحالُ أو يُشكل (1)، فلا بأس باستعمال الأصل (2).
وإذا قلنا، إنه محمول على الاتباع بالجسم، فيحتمل أن يكون مُعَبَّرًا به عن الصلاة، وذلك من فروض الكفاية عندَ الجمهور، ويكون التعبير بالاتباع عن الصلاة (3) من باب مجاز الملازمة في الغالب؛ لأنه ليس من الغالب أن يصلَّى على الميت ويدفَن في محل موته، ويحتمل أن يريد (4) بالاتباع: الرواحَ إلى محل الدفن لمواراته، والمواراةُ -أيضًا- من فروض الكفاية، لا تسقط (5) إلا بمن تتأدى به، واللَّه أعلم (6).
وقد تقدم (7) -أيضًا- ضبطُ الجنازة، ويزاد هنا: أنه لا يقال لها، جنازة إلا وعليها (8) ميتٌ، وإلا، فهي سريرٌ أو نعشٌ (9).
الرابع: قوله: "وتشميتِ العاطسِ"، هو أن يقول له: يرحمك اللَّه،
(1) في "خ": "حيث يقرر الحال له"، وفي "ت":"حيث يقدر"، والمثبت من "شرح الإلمام" لابن دقيق، وعنه ينقل المؤلف رحمه الله.
(2)
انظر: "شرح الإلمام" لابن دقيق (2/ 16 - 18).
(3)
في "ت" زيادة: "وذلك".
(4)
في "ت": "يراد".
(5)
في "خ": "يسقط".
(6)
انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (4/ 218).
(7)
في "ت": "وتقدم".
(8)
في "ت": "وفيها".
(9)
انظر: "الصحاح" للجوهري (3/ 870)، (مادة: جنز).
والتشميتُ -بالشين والسين جميعًا (1) -، واختار ثعلبٌ المهملةَ؛ لأنه مأخوذ من السَّمْت، وهو القصدُ والمَحَجَّة.
وقال أبو عبيد: الشينُ أعلى في كلامهم وأكثر، يعني: المعجمة (2).
وحكى ع عن ابن الأنباري: أنه قال: شَمَّتُّ فلانًا، وَسَمَّتُّ (3) عليه، وكل داع بالخير مشمِّتٌ ومسمِّتٌ (4)(5).
وقال الزبيدي (6) في "مختصر العين": شَمَّتُّ العاطسَ: إذا دعوت له -يريد: بالمعجمة-، ويُقال بالسين، يريد: بالمهملة.
وقال الخطابي: شَمَّتَ وسَمَّتَ بمعنى، وهو أن يدعو للعاطس بالرحمة (7).
وقال التميمي في "جامع اللغة (8) ": وقيل: التشميتُ: الرجاءُ والتبريك (9)، والعربُ تقول: سَمَّتَهُ: إذا دعا له بالبركة (10).
(1) في "ت": "بالشين المعجمة وبالسين المهملة جميعًا".
(2)
المرجع السابق، (1/ 254)، (مادة: سمت).
(3)
في "ت": "وشمت".
(4)
في "ت": "ومشمت".
(5)
انظر: "الزاهر في معاني كلمات الناس" لابن الأنباري (2/ 180). وانظر: "إكمال المعلم" للقاضي عياض (6/ 565).
(6)
في "ت": "الأزهري" وهو خطأ.
(7)
انظر: "معالم السنن" للخطابي (4/ 141).
(8)
"اللغة" ليس في "ت".
(9)
في "ت": "والشريك".
(10)
انظر: "شرح الإلمام" لابن دقيق (2/ 20 - 21)، وعنه نقل المؤلف كلام =
ق: والحديثُ المرفوع: "شَمَّتَ (1) عَلَيْهِمَا"(2)؛ يعني: عليا وفاطمة رضي الله عنهما؛ أي: دعا لهما، وبَرَّكَ عليهما، قيل: وهو مأخوذ من الشماتة التي هي فرحُ الرجلِ ببلاء عدوه، وسوءٍ ينزل به، يقال: شَمَتُّ بعدوِّي شماتةً، وشماتًا، وأشمته اللَّهُ به.
وفي توجيه هذا المعنى وجهان:
أحدهما: أنه دُعاء له أن لا يكون في حال (3) يشمت به فيها.
والثاني: أنك إذا قلت: يرحمك اللَّهُ، فقد أدخلتَ على الشيطان ما يَسُوءُه، فيُسر العاطسُ بذلك.
وقيل: إنه مأخوذ من التسميت؛ الذي هو اجتماعُ الإبلِ في المرعى.
قال صاحب "الجامع"(4): والتسميتُ: اجتماع الإبل في المرعى، قيل: ومنه تشميتُ العاطس: إذا قيل له: يرحمك اللَّه، فيكون معنى شمتَّه: سألتَ اللَّهَ -تعالى- أن يجمع شمله وأمره.
ونقل بعضُ شيوخنا عن القاضي أبي بكر بن العربي فيما وجده (5) عنه: أنه قال: فإن كان بالشين المعجمة، فهو مأخوذ من الشوامِت،
= الزبيدي والخطابي والتميمي.
(1)
في "ت": "سمت".
(2)
ذكره أبو عبيد في "غريب الحديث"(2/ 183).
(3)
في "ت": "بحال".
(4)
يعني: "جامع اللغة" لأبي عبد اللَّه محمد بن جعفر القزاز التميمي.
(5)
في "ت": "وجد".
وهي القوائم، وإن كان بالسين المهملة، فهو مأخوذ من السَّمْت، وهو قصدُ الشيء وناحيتُه؛ كأن العطاسَ يَحُلُّ (1) معاقدَ البدن، ويفصل (2) معاقده، فيدعو له بأن يردّ اللَّه شوامِتَه على حالها، وسَمْتَهُ (3) على صفته.
قال ق: وهذا يقتضي أن الشوامت (4) تنطلق على قوائم الإنسان؛ لأن العاطسَ المشمَّتَ إنسان (5) لا غير.
وقد قال ابن سِيْده: والشوامِتُ: قوائم الدابّة (6)، وهذا أخصُّ مما ذكر عن القاضي أبي بكر.
قلت: وهكذا ذكره الجوهري أنّ الشوامت (7) قوائمُ الدابة، ثم (8) قال: وهو اسم، قال أبو عمرو: يقال: لا تركَ (9) اللَّه له شامتةً (10)؛ أي: قائمةً (11).
(1) في "ت": "من عمل" مكان "يحل".
(2)
في "ت": "ويقصد".
(3)
في "خ": "وشمته".
(4)
في "ت": "السوامت".
(5)
في "ت": "الإنسان".
(6)
انظر: "المحكم" لابن سيده (8/ 33).
(7)
في "ت": "والسوامت".
(8)
"ثم" ليس في "ت".
(9)
في "ت": "لا بارك".
(10)
في "ت": "سامته".
(11)
انظر: "الصحاح" للجوهري (1/ 255)، (مادة: شمت).
وقيل: معنى شمته وسمته: دعوت له بالهُدى والاستقامة على سمت الطريق.
قال التميمي: والعربُ تجعل السينَ والشينَ (1) في لفظٍ بمعنى؛ كقولهم: جاحَسْتُه وجاحَشْتُه.
قلت: هو (2) بتقديم الجيم على الحاء المهملة، ومعناه: زاحمتُه وزاولته على (3) الأمر.
هذا ما يتعلق بالشين المعجمة.
وأما المهملةُ: فقد تقدم أنه مأخوذٌ من السمت الذي هو قصدُ الشيء وناحيتُهُ.
واختار بعضُ شيوخنا أن يكون مأخوذًا من السمت الذي هو الهيئةُ الموصوفةُ بالحسن والوقار، قال: ومنه ما جاء في الحديث: "أَنَّ الهَدْيَ الصَّالِحَ وَالسَّمْتَ وَالاقْتِصَادَ جُزْءٌ مِنْ خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ"(4). انتهى ما يتعلق بتفسير اللفظ اللغوي.
وأمّا حُكْمُهُ شَرْعًا: فهو مستحبٌّ، وكذلك جوابُه، وهو قوله:"يَهْدِيكُمُ اللَّهُ ويُصْلِحُ بَالَكُمْ"، أو:"يَغْفِرُ اللَّهُ لَنَا وَلَكُمْ"، وإن جمع
(1) في "ت": "الشين والسين".
(2)
"هو" ليس في "ت".
(3)
في "ت": "عن".
(4)
رواه أبو داود (4776)، كتاب: الأدب، باب: في الوقار، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما. وإسناده حسن. وانظر:"شرح الإلمام" لابن دقيق (2/ 20 - 23).
بينهما، فهو أحسن.
وقال القاضي أبو الوليد بن رشد رحمه الله: ظاهر المذهب وجوبُه على الكفاية؛ كردِّ السلام (1).
وقال ابن مُزَين من أصحابنا -أيضًا (2) -: هو فرضٌ على كل واحد ممن سمعه، ولا يجزىء أحدٌ (3) عن غيره.
قلت: وما أظنه يقول ذلك في ردّ السلام، ولعل الفرق على قوله: إن المقصود من السلام التأمين، وذلك حاصل بردِّ الواحد، والتشميتُ دعاء، وليس دعاءُ الواحد بمفرده كدعاء الجماعة، واللَّه أعلم.
فإن لم يحمَدِ العاطسُ، لم يُشَمَّتْ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم في "صحيح مُسلم":"مَنْ عَطَسَ، فَحَمِدَ اللَّهَ، فَشَمِّتُوهُ، فَإِنْ لَمْ يَحْمَدِ اللَّهَ، فَلَا تُشَمِّتُوهُ"(4)، وما يقارب ذلك من الأحاديث الصحيحة.
وينبغي له أن يرفع صوتَه بالحمدِ (5) ليُسمع، فيُشَمَّتَ، ومن لم يُسمعْ منه الحمدُ (6)، لكن سمع ممن هو أقربُ إلى سماعه منه يشمته (7)، فليشمته.
(1) انظر: "المقدمات الممهدات" لابن رشد (3/ 444).
(2)
"من أصحابنا -أيضًا" ليس في "ت".
(3)
في "ت" زيادة: "أحدًا".
(4)
رواه مسلم (2992)، كتاب: الزهد والرقائق، باب: تشميت العاطس، وكراهة التثاؤب، من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه.
(5)
في "ت" زيادة: "له".
(6)
في "ت" زيادة: "له".
(7)
في "ت": "تشميته".
وأما من عطس في الصلاة، فلا يحمَدُ اللَّهَ إلا في نفسه.
قال سحنون: ولا في نفسه.
وهو ظاهر "الكتاب"؛ لقوله: ولا يحمدُ اللَّهَ المصلِّي إنْ عطس، فإن فعل، ففي نفسه، وتركُه خيرٌ له (1)، وإنما يبقى النظر هل ترك ذلك عند سحنون على طريق الندب أو الوجوب؟ هو (2) محتمل، واللَّه أعلم (3).
ومن توالى عُطاسه، شُمِّتَ إلى الثالثة، ولم يُشمت فيما (4) بعدها، ولكن يقال له: عافاك اللَّهُ، أو "إنَّكَ مَضْنُوكٌ"؛ كما في الحديث (5).
الخامس: قوله: "وإبرار القَسَم، أو المُقْسِم": لم أرَ فيما وقفتُ عليه من دواوين اللغة أَبَرَّ رُباعيًا، حتى يكون مصدرُه إبرارًا، وإنما المنقولُ في ذلك بَرِرْت، ثلاثيًا -بكسر الراء- يقال: برّ في يمينه يَبُرُّ؛ أي: صدق، وكذا بَرِرْتُ والدي، أَبُرُّه بِرًّا فيهما، فأنا بَرٌّ وبَارٌّ، وكذا بَرَّ حَجُّه، وَبرَّ اللَّه حَجَّه بِرًّا في الجميع (6)، إلا ابنَ طريف؛ فإنه ذكر في
(1) انظر: "المدونة"(1/ 100).
(2)
في "ت": "فهو".
(3)
وانظر: "مواهب الجليل" للحطاب (2/ 33).
(4)
في "ت": "ما".
(5)
رواه الإمام مالك في "الموطأ"(2/ 965)، من حديث عبد اللَّه بن أبي بكر، عن أبيه، مرسلًا. قال الحافظ في "الفتح" (10/ 604): وهذا مرسل جيد.
(6)
انظر: "الصحاح" للجوهري (2/ 588).
"أفعاله"(1) بَرَّ الرجلُ يمينَه بِرًّا، أو (2) بُرورًا، وأَبَرَّها رباعيًا، ولم أره لغيره، كما تقدم.
وقوله: "أو المقْسِم": الظاهرُ أن (أَوْ) هنا للشَّكِّ من هذا الراوي؛ لأنّ في رواية النسائي عند البخاري: "إبرارِ القْسمِ (3) "(4) بلا شَكٍّ (5).
والقَسَم: هو الحَلِفُ، وهو مصدرٌ محذوفُ الزوائد، والأصل: أَقْسَم إقسامًا، وقد حَدّه النحاة: بأنه جملة يؤكَّد بها جملةٌ أخرى، كلتاهما خبريّة (6)، يرتبطان ارتباط الشرط والجزاء؛ أي: لا يُستغنى بأحدهما عن الأخرى؛ نحو: أحلفُ باللَّه، أو أُقسم باللَّه لأفعلنَّ كذا، أو لا أفعلُ.
قيل (7): وأصله من القَسامة، وهي أيمانٌ يقسم بها (8) على أولياء المقتول -كما تقدم-، ثم صار اسْمًا لكل حلف.
(1)"فإنه ذكر في "أفعاله"" ليس في "ت".
(2)
في "ت": "و".
(3)
في "خ": "المقسم".
(4)
تقدم تخريجه عند البخاري برقم (1182)، وعند النسائي برقم (1939)، وهكذا عند مسلم برقم (2066).
(5)
انظر: "شرح الإلمام" لابن دقيق (2/ 25).
(6)
في "خ": "جبرية".
(7)
"قيل" ليست في "ت".
(8)
"بها" ليس في "ت".
قلت: والعكسُ أولى أن تكون القسامةُ مأخوذة من القَسم؛ لأنها أحدُ أنواعه، ومَا أبعدَ قولَ مَنْ جوّز من معاصرينا أن يكون مأخوذًا من القَسامة التي بمعنى الحُسْن، من قولهم: وجهٌ قَسيم؛ أي: حَسَنٌ، وعَلَّله بأن الحالفَ كأنه حَسَّنَ ما حكم به بتأكيده باسم اللَّه تعالى (1).
وأما المقسِم: فهو الحَالف نفسه، ولابدّ من تقدير مضاف محذوف، أي: وإبرارِ يمينِ المقْسِمِ.
وفيه معنيان:
أحدهما: أن الحالفَ إذا حلفَ على شيء مأمورٌ أن يَبَرَّ في يمينه، وهو الوفاءُ بمقتضى ما حلَفَ عَلَيْه (2)، وهذا لا خلافَ في وجوبه؛ لأنه مقابِلٌ للحنث لا غيرُ، أو ما يقومُ مقامَ الوفاء بذلك، وهو الكفارة.
والثاني: أن يكون المراد (3): أن يبرّ يمينَ مَنْ حلف عليك، وهذا على قسْمين: تارة يشوبه معنى السُّؤال، وتارةً لا يشوبه.
فالأولُ (4) كقوله: باللَّه إلا ما فعلتَ كذا، ونحو ذلك.
(1) انظر: "شرح الإلمام" لابن دقيق (2/ 24). وعبارته: ولو قيل أيضًا: إنه مأخوذ من القِسامة التي هي بمعنى الحسن، يقال: وجه قسيم؛ أي: حسن، لكان له وجه، وكأن الحالف حسَّن ما حكم به بتأكيده باسم اللَّه تعالى.
(2)
من قوله: "باسم اللَّه تعالى. . . " إلى هنا ليس في "ت".
(3)
في "ت": "معناه".
(4)
في "ت": "والأول".
والثاني: أن يقول (1): واللَّه لتفعلنَّ كذا، ونحو ذلك (2)، سواء في هذا الإثباتُ والنفي، وهو مندوبٌ في الوجهين أن يبرّ قَسَمه، لكنه (3) يتأكد في الثاني؛ لوجوب الكفارة عليه دون الأول، وذلك إضرار به، هذا كلُّه مع عدم (4) المعارِض الشرعي، فإن وُجد معارضٌ، عمل بمقتضاه؛ كما ثبت أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه لما عبّر الرؤيا بحضرة النبيِّ صلى الله عليه وسلم فقال:"أَصَبْتَ بَعْضًا، وَأَخْطَأْتَ بَعْضًا"، فقال: أقسْمتُ عليك يا رسول اللَّه! لتخبرني (5)، فقال:"لا تُقْسِمْ"(6)، ولم يخبرْه.
السادس: قوله: "ونصْرِ المظلوم": والنصرةُ: العونُ، والظُلْمُ: وضْعُ الشيء في غير موضعه المختصِّ به؛ إما بنقصان، أو زيادة، أو بعدولٍ عن وقته ومكانِه (7)، ولهذا يقال: ظلمتُ البعيرَ: إذا نحرتُه من غير داءٍ، والمظلومُ: اللبنُ المشروب قبل أن يبلغَ الرّوْب (8).
(1) في "ت": "تقول".
(2)
"ونحو ذلك" ليس في "ت".
(3)
في "ت": "لكن".
(4)
"عدم" ليس في "ت".
(5)
في "ت": "إلَّا ما بينت" مكان "لتخبرني".
(6)
رواه البخاري (6639)، كتاب: التعبير، باب: من لم ير الرؤيا لأول عابر إذا لم يصب، ومسلم (2269)، كتاب: الرؤيا، باب: في تأويل الرؤيا، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.
(7)
انظر: "مفردات القرآن" للراغب (ص: 537). وانظر: "شرح الإلمام" لابن دقيق (2/ 26).
(8)
انظر: "الصحاح" للجوهري (5/ 1978)، (مادة: ظلم).
ولا خلاف أعلمُه أن نَصْر المظلوم واجبٌ على مَنْ علم بظلمه، وقدر على نصره ورفع الضرر عنه (1)، وهو من فروض الكفايات؛ لما فيه من دفع الضرر عن المسلم بإنقاذه من يد الظالمُ، بل علينا أن نمنع التظالم بين أهل الذمة، ولا نمكِّنَ بعضَهم من ظلم بعض؛ كما يكون ذلك بين (2) المسلمين، ويكفي في التحريم من الظلم قوله تعالى (3):{أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ} [هود: 18]، وقال صلى الله عليه وسلم:"إِنَّ اللَّهَ يُمْلِي لِلظَّالِمِ، حَتَّى إِذَا أَخَذَهُ، لَمْ يُفْلِتْهُ"(4)، وتلا قولَه تعالى:{وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ} [هود: 102]، فسبحانَ الذي يُمهل ولا يهمل، وكلُّ شيء عنده بمقدار، إن ربَّك لبالمرصاد (5).
فائدة: ومما مرّ بي في بعض الكتب القديمة: أنه لما مات كِسْرى أنو شروان، وُجد على تاجه مكتوبًا بالسّرْيانيّة خمسة أسطُر.
الأول (6): العَدْلُ لا يدوم، وإن (7) دام عَمَّر.
(1)"ورفع الضرر عنه" ليس في "خ".
(2)
في "ت": "في".
(3)
"ويكفي في التحريم من الظلم قوله تعالى" ليس في "ت".
(4)
رواه البخاري (4409)، كتاب: التفسير، باب: قوله: {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ} [هود: 102]، ومسلم (2583)، كتاب: البر والصلة والآداب، باب: تحريم الظلم، من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه.
(5)
"إن ربك لبالمرصاد" ليس في "ت".
(6)
"الأول" ليس في "ت".
(7)
في "ت": "ولو".
والثاني: الظلمُ لا يدوم، وإن (1) دام دَمَّرَ.
والثالث: الفقْرُ هو الموتُ الأحمرُ.
والرابع: الأعمى ميّتٌ وإذ لم يُقْبر.
والخامِس: من لم يُخَلِّفْ ولدًا ذكرًا، لم يُذْكَرْ.
السّابع: قوله: "وإجابةِ الداعي": ظاهرُه العمومُ، فيتناولُ وليمةَ النكاح وغيرَها من كل أَمْر مشروع.
وقد اختُلف (2) عندنا في وجوب الإجابة لوليمة النكاح، وهي مَأْدُبَة العُرس بعدَ البناء، لا قبله، وقد نصّ مالكٌ وأكثرُ العلماء على وجوب إتيان طعام الوليمة لمن دُعي إليها بشروطٍ لابدّ من بيانها.
قال القاضي أبو الوليد: وصفةُ الدَّعوة التي تجب لها الإجابةُ: أن يَلْقى (3) صاحبُ العُرْس الرجلَ (4)، فيدعوه، أو يقولَ لغيره: ادعُ لي فلانًا، فيعينّه، فإن (5) قال له: ادعُ لي (6) مَنْ لقيت، فلا بأس على من دُعي لمثل هذا أن يتخلف.
(1) في "ت": "ولو".
(2)
في "ت" زيادة: "العلماء".
(3)
في "ت": "يلتقي".
(4)
"الرجل" ليس في "ت":
(5)
في "ت": "فأما إن" مكان "فإن".
(6)
في "ت" زيادة: "كل".
قال (1): وهل يلزم الأكلُ مَنْ لزمته (2) الإجابة؟ لم أرَ لأصحابنا فيه نصًّا (3) جليًّا، وفي المذهب مسائل تقتضي القولين.
وقال القاضي أبو الحسن من أصحابنا: مذهبُنا: أن الوليمة غير واجبة، والإجابةُ إليها غيرُ واجبة، ولكن تُستحب.
ثم إنما (4) يؤمر بالإجابة -على القولين جميعًا (5) - إذا لم يكن في الدَّعوة منكرٌ، ولا فَرشُ حرير، ولا في الجمع مَنْ يتأذَّى بحضوره ومجالسته (6) من السفلة والأراذل الذين يزدري بمجالستهم، ولا زحامٌ، ولا إغلاقُ بابٍ دونه؛ فقد روى ابنُ القاسم: هو في سَعَةٍ إذا تخلَّفَ لأجل ذلك، وكذلك إن كان على جدار الدور صور، أو ساتر، ولا بأس بصور الأشجار، فإن كان هناك لعبٌ ولهو، وكان خفيفًا (7) مباحًا غير مكروه، لم يرجع، وحضر.
وروى ابن وهب: لا ينبغي لذي الهيئة أن يحضر موضعًا فيه لهوٌ.
قال القاضي أبو بكر: والحق هو الأول (8).
(1)"قال" ليس في "ت".
(2)
في "خ": "لزمه".
(3)
في "ت": "نقلًا".
(4)
في "ت": "لم".
(5)
في "ت": "إجابة" مكان "جميعًا".
(6)
في "ت": "بمجالسته".
(7)
في "ت": "حفيظًا".
(8)
"قال القاضي أبو بكر: والحق هو الأول" ليس في "ت".
قلت: إذا علمَ أو ظنَّ المدعُوُّ أنه يترتَّب على تخلفه عن حضور الوليمة ما هو أشدُّ من حضور (1) المكروه من اللهوِ وغيره؛ كخشية العداوة، أو (2) الغيبة بينه وبين الداعي، أو تخاصمٍ غيرِ جائز، فلا ينبغي أن يُختلف في جواز الحضور والحالةُ هذه، وعندي (3) في الوجوب نظرٌ، ولا أَستبعده (4)، واللَّه أعلم.
قال أصحابنا (5): فاما لهوٌ غيرُ مباح، كالعود، والطنبور، والمزهَرِ المربَّعِ، فلا تُجاب الدعوة معه، ومن أتاها، ووجد اللهوَ المحظورَ، فليرجعْ.
ولا يترك إجابة الدعوة بعذر الصوم، بل يحضر، ويمسك.
قالوا (6): ويُكره نثرُ السُكَّر واللَّوز (7) وشبهِ ذلك.
قال القاضي أبو محمد: ويُكره لأهل الفضل التسرعُ إلى إجابة الطعام، والتسامح بذلك، إلا في وليمة العُرس، فقد رخّص فيه، فجعل هذا القدر من التبذُّل بالإجابة في حقِّ أهل الفضل مخصِّصًا لهذا العموم (8).
(1)"حضور" ليس في "ت".
(2)
في "ت": "و".
(3)
في "ت": "وعند".
(4)
"أستبعده" ليس في "ت".
(5)
"قال أصحابنا" ليس في "ت".
(6)
في "ت": "قال".
(7)
في "ت": "ويكره لأهل الفضل والدور" مكان "ويكره نثر السكر واللوز".
(8)
وانظر: "شرح الألمام" لابن دقيق (2/ 264) وما بعدها.
الثامنُ: قوله: "وإفشاءِ السلام": الإفشاء: الإظهارُ (1) والانتشار والإعلان، فَشَتِ (2) المقالَةُ: إذا ظهرَتْ، وانتشرت، وذاعَتْ، وأفشى السرَّ: أظهرَه ونشرَه، والمراد هنا: أن تحيا سنّةُ السلام، ولا تُمات بالترك (3).
وأمّا السلام، فهو اسمٌ للمصدر، مثل: كلام (4)، والمصدرُ: التسليم؛ وهو من الألفاظ المشتركة تطلق بإزاء أربعة معان:
اسْمٌ من أسماء اللَّه تعالى، لقوله:{السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ} [الحشر: 23].
وبمعنى السلامة (5)، كقوله تعالى:{لَهُمْ دَارُ السَّلَامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ} [الأنعام: 127]، أي: دار السلامة، ومنه قول الشاعر:
تُحَيِّي بِالسَّلامَةِ أُمُّ عَمْروٍ (6)
…
وَهَلْ لَكِ بَعْدَ قَوْمِكِ مِنْ سَلَامِ (7)
أي: من سلامة، ومحتملٌ عندي أن يكون كالأول، والإضافةُ إضافةُ ملكٍ وتشريف.
(1)"الإظهار و" ليس في "ت".
(2)
في "ت": "فشيت".
(3)
المرجع السابق، (2/ 28).
(4)
في "ت": "كالكلام".
(5)
في "ت": "ومعنى السلام".
(6)
في "ت": "أم عمر".
(7)
البيت لشداد بن الأسود، كما ذكر ابن هشام في "السيرة"(2/ 29).
والثالث: أن يكون بمعنى: التسليم والتحية، كقوله تعالى:{وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ (23) سَلَامٌ عَلَيْكُمْ} [الرعد: 23، 24]، (1) أي: يقولون: سلام عليكم.
و (2) الرابع: شَجَرُ العِضَاة، ومنه قولُ الشاعر:
فرابيةُ السَّكْرَانِ قَفْرٌ فَمَا بِهَا (3)
…
يُرَى شَبَحٌ (4) إِلَّا سَلَامٌ وَحَرْمَلُ (5)
ويقال فيه سَلْم أيضًا.
وأما قوله تعالى: {وَلَهُمْ مَا يَدَّعُونَ (57) سَلَامٌ قَوْلًا} [يس: 57، 58]، السلامة، على أن يكون (سلام) بدل (مما يدعون)؛ كأنه قيل: لهم سلام، أي: سلامة (6)، فقيل: يحتمل (7) أن يراد به: التحيةُ، والمعنى: أن اللَّه -تعالى- يُسلِّم عليهم بواسطة الملائكة (8)، أو بغير واسطة، مبالغةً في تعظيمهم، وذلك مُتمنّاهم، قال ابن عباس: والملائكةُ يدخلون عليهم
(1) في "ت" زيادة: "أي من سلامة".
(2)
الواو ليست في "ت".
(3)
في "ت": "تعرفها بما".
(4)
في "ت": "شيخ".
(5)
البيت للأخطل، انظر:"الزاهر في معاني كلمات الناس" لابن الأنباري (1/ 65).
(6)
قوله: "السلامة، على أن يكون (سلام) بدل (مما يدعون)؛ كأنه قيل لهم سلام، أي: سلامة" ليس في "خ".
(7)
في "ت": "فيحتمل" مكان "فقيل يحتمل".
(8)
انظر: "شرح الإلمام" لابن دقيق (2/ 28).
بالتحية، من كل لون (1)(2).
وقد اختلف في قوله تعالى: {وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا} [النساء: 94].
إذا ثبت هذا (3)، فالابتداء بالسلام سُنّة مرغَّبٌ فيها، لهذا الحديث وما يقاربُه.
والمعروف من المذهب: أن الردِّ واجب.
وقد نقل ح الإجماعَ على فرضيته (4).
وقال القاضي أبو محمد: الابتداء بالسلام سنة، وردُّهُ آكَدُ من ابتدائه، فظاهر هذا عدمُ الفرضيّة، واللَّه أعلم.
و (5) قال ابنُ عطيّة: وأكثرُ أهل العلم على أن الابتداء بالسلام سُنّة مؤكَّدة، ورَدُّه فريضة (6)(7)، فهو -أيضًا- يخالف ما ذكر ح من الإجماع، فلا يغتر به (8).
(1) في "ت": "رب العالمين" مكان "كل لون".
(2)
انظر: "الكشاف" للزمخشري (4/ 25).
(3)
في "ت": "إذا عرف".
(4)
انظر: "شرح مسلم" للنووي (14/ 140).
(5)
الواو ليست في "ت".
(6)
في "خ": "فرض".
(7)
انظر: "المحرر الوجيز" لابن عطية (2/ 87).
(8)
قلت: الإمام النووي رحمه الله ناقل للإجماع، فقد ذكره قبله ابن عبد البر في "التمهيد"(5/ 288)، و"إكمال المعلم" للقاضي عياض (7/ 40). =
وينتهي في السلام (1) إلى (2) البركات عند جمهور أهل العلم (3).
فائدة نفيسة: اختُلف في تفسير قوله تعالى: {وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا} [النساء: 86]، فقالت فرقة: التحيةُ أن يقول الرجل: سلام عليك، فيجب على الآخر أن يقول: عليكَ السلامُ ورحمة اللَّه، فإن قال البادِىء: السلامُ عليكَ ورحمةُ اللَّه، قال الرادّ: السلام عليك ورحمة اللَّه وبركاته، فإن قال البادِىءُ: السلامُ عليكَ
= وقد نقل الإمام ابن دقيق رحمه الله في "شرح الإلمام"(2/ 274) عن المازري في "المعلم"(3/ 87): أن ابتداء السلام سنة، والرد واجب، هذا المشهور عند أصحابنا.
قال ابن دقيق: وهذا يشعر بالخلاف، وفي كلام القاضي -يعني: عياض- أيضًا ما يشعر به، فإنه حاول الجمع بين قول من قال: أجمعوا أنه سنة، وبين إطلاق فرض الكفاية عليه، بأن ذلك غير خلاف.
قال -يعني: عياض-: فإن إقامة السنن وإحياءها فرض على الكفاية.
قال ابن دقيق: وفيه إشكال للتنافي الحاصل من حد الواجب وحد السنة؛ لدخول الذم على الترك في حد الواجب، وخروجه في حد السنة، فلا بد من اختلاف المحل الذي يتعلق به الحكم المختلف، فتلخَّص من هذا -على ما ذكر القاضي- فرضية السلام من حيث الجملة، لا من حيث الإفراد، انتهى. وانظر:"فتح الباري" للحافظ ابن حجر (11/ 4) وإجابته أيضًا عن الإشكال الوارد هنا، وباللَّه التوفيق.
(1)
في "ت": "ومنتهى السلام".
(2)
في "ت": "من".
(3)
انظر: "شرح الإلمام" لابن دقيق (2/ 282).
ورحمةُ اللَّه وبركاته، فقد انتهى، ولم يمكن للرادِّ (1) أن يُحيى (2) بأحسنَ منها، فها هنا يقع الردُّ المذكور في الآية.
قالت (3) فرقة: إنما معنى الآية: تخييرُ الرادِّ، فإن قال البادىء: السلامُ عليك، فللرادِّ أن يقول: وعليك السلام، فقط، وهذا هو الردّ، وله أن يقول: وعليكم السلامُ ورحمةُ اللَّه، وهذا هو التحية بأحسنَ منها.
وقال ابن عباس وغيرُه: المراد بالآية: إذا حُييتم بتحية، فإن كان من مؤمن، فحيوا بأحسنَ منها، وإن كان من كافر، فردُّوا على (4) ما قال.
ويجوز عندنا أن يكون الردُّ بلفظ السلام، وتسليمُ الواحد يجزىء (5) عن الجماعة، وكذلك الردُّ، ويُسلِّمُ الراكبُ على الماشي، والقليلُ على الكثير، والصغيرُ على الكبير، فأما الداخلُ على شخص، والمارُّ عليه، فإنه يسلم (6) كان راكبًا أو راجلًا، صغيرًا أو كبيرًا، واحدًا أو أكثر (7)، كان الشخصُ مستقرًا أو مسافرًا، ولا يسلم على المرأة الشابة؛ بخلاف المتجالَّة.
(1) في "ت": "الراد".
(2)
في "ت": "يأتي".
(3)
في "ت": "وقالت".
(4)
في "ت": "عليه".
(5)
في "ت": "مجترىء".
(6)
في "ت" زيادة: "سواء إن".
(7)
في "ت": "كثيرًا".
والمصافحةُ حسنةٌ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "تَصَافَحُوا (1) يَذْهَبِ الغِلُّ"(2)، وكرهها في رواية أشهبُ، والصحيح المشهورُ: الأولُ.
وتُكره عندنا المعانقةُ، وتقبيلُ اليد في السلام، ولو من العبد، وينبغي لسيده (3) أن يزجُرَه عن ذلك، إلا أن يكون غيرَ مسلم.
ولا يُبْتَدأ (4) أهلُ الذمة بالسلام عندَ الجمهور، وشذ قومٌ في إباحةِ ابتدائهم، على ما نقله ابنُ عطية، ثم قال: والأولُ أصوبُ؛ لأنّ به يُتصور إذلالُهم، فإن سلَّمَ على أحدهم ساهيًا، أو جاهلًا، ففي "الجواهر" وغيرِها: لم يحتج إلى استقالةٍ (5).
وقال ابنُ عطية: ينبغي أن (6) يَستقيله سلامَه (7).
وإن بدؤونا، ردّ عليهم: عليكم، بغير واو، وقيل: بإثباتها.
وقال القاضي أبو محمد: فإن رد بكسر السين، ونوى موضوعه في اللغة، جاز.
(1) في "ت" زيادة "فإنه".
(2)
رواه الإمام مالك في "الموطأ"(2/ 908) عن عطاء الخراساني مرسلًا، قال الحافظ في "الفتح" (11/ 55): ولم نقف عليه موصولًا.
(3)
في "ت": "لعبده".
(4)
في "خ": "ولا نبدأ".
(5)
في "ت": "استقباله"، وانظر:"عقد الجواهر الثمينة"(3/ 1301).
(6)
في "ت" زيادة: "لا".
(7)
انظر: "المحرر الوجيز" لابن عطية (2/ 87).
وفي رواية أشهب: لا يسلِّم عليهم، ولا يردّ، وتُؤُوِّل (1) ذلك على (2) أن المراد به (3): لا يردّ عليهم كما يردّ على المسلمين.
ويُكرهُ السلام على أربعة: المؤذّن، والملبّي، والآكِلِ، والمتغوِّط.
ولا يسلم على أهل الأهواء؛ كالقدريّة، والمعتزلة (4)، والروافض، والخوارج، والحشويّة، وما أعتقد حنبليًا يسلم من الحشو، غيرَ الإمام أحمد رحمه اللَّه تعالى (5).
(1) في "ت": "وتأول".
(2)
في "ت": "بأن".
(3)
"به" ليس في "ت".
(4)
من قوله: "عليهم كما يرد على المسلمين. . ." إلى هنا ليس في "ت".
(5)
قلت: هاهنا أمور مهمات لابدَّ من التنبيه عليها:
أولًا: لم أقف على كلام أحد من الأئمة قبل المؤلف رحمه الله أو بعده أطلق هذا الإطلاق، وجازف هذه المجازفة في رمي الحنابلة أجمعين بهذا الوصف، وما أظن العبارة إلا مقحمة من غير المؤلف، فإنه رحمه الله على درجة من العلم تحجزه -وغيرَه من أهل العلم- عن أمثال هذه الجهالات.
ثم إن يك قائلها فهي عثرة منه رحمه الله لا لَعا -إقالة- لها، قد طاش سهمه فيها، لا مساغ لقبولها أو تأويلها.
ثانيًا: قول القائل: "حشوية"، لفظ ليس له مسمى معروف لا في الشرع، ولا في اللغة، ولا في العرف العام، ولكن يُذكر أن أول من تكلم بهذا اللفظ عمرو بن عبيد وقال: كان عبد اللَّه بن عمر حشويًا. وأصل ذلك: أن كل طائفة قالت قولًا تخالف به الجمهور والعامة ينسب إلى أنه قول الحشوية، أي: الذين هم حشو في الناس، ليسوا من المتأهلين عندهم، =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= فالمعتزلة تسمي من أثبت القدر حشويًا، والجهمية يسمون مثبتة الصفات حشوية، والقرامطة يسمون من أوجب الصلاة والزكاة والصيام والحج حشويًا. فقول الجمهور وقول العامة من جنس واحد؛ فإن كان قائل ذلك يعتقد أن الخاصة لا تقوله وإنما تقوله العامة والجمهور، فإضافه إليهم وسماهم حشوية.
والطائفة تضاف تارة إلى الرجل الذي هو رأس مقالتها، كما يقال: الجهمية، والإباضية، والأزارقة، والكلابية، وغيرهم. ويقال في أئمة المذاهب: مالكية وحنفية وشافعية وحنبلية، وتارة تضاف إلى قولها وعملها، كما يقال: الخوارج والقدرية والمعتزلة ونحو ذلك.
ولفظة "الحشوية" لا تنبني لا على هذا ولا على هذا. انظر: "مجموع الفتاوى" لشيخ الإسلام (12/ 176).
ثالثًا: حدث اصطلاح كثير من الناس على أنهم يسمون كل من أثبت صفات الرب سبحانه وتعالى مما جاء به القرآن والسنة، كما قال السلف الصالح، ولم يتأولها كما تأولوها حشوية، اصطلاحًا اخترعوه، تشنيعًا عليهم، فاللَّه يحكم بينهم فيما كانوا فيه يختلفون. انظر:"التحبير شرح التحرير" للمرداوي (3/ 1403).
قال الإمام ابن القيم رحمه الله في "القصيدة النونية":
ومن العجائب قولهم لمن اقتدى
…
بالوحي من أثر ومن قرآن
حشوية يعنون حشوًا في الوجود
…
وفضله في أمة الإنسان
ويظن جاهلهم بأنهم حشَوْا
…
ربَّ العباد بداخل الأكوان
إذ قولهم فوق العباد وفي السما
…
ء الربُّ ذو الملكوت والسلطان
ظن الحميرُ بأن (في) للظرف
…
والرحمن محوي بِظَرْفِ مكان
واللَّهِ لم يُسمع بذا من فرقة
…
قالته في زمن من الأزمان
لا تبهتوا أهلَ الحديث به فما
…
ذا قولهم تبًا لذي البهتان =
ولا يُسلم على أهل اللهو والباطل حالَ تَلَبُّسِهم به، بل يُستحب هجرُ جميع أهل القَدَر ونحوهم، وأهلِ الباطل، زجرًا لهم، وردعًا عمّا هم فيه، وغضبًا للَّه سبحانه في مواصلة مَنْ هذه (1) سبيلُه.
وروي إباحةَ السلام على اللاعب بالشطرنج، وقال: هم مسلمون.
ومَنْ دخل منزلَه، فليسلِّمْ على أهله، وإن دخلَ منزلًا ليس فيه أحد، فليقل: السلامُ علينا وعلى عبادِ اللَّه الصالحين.
وسمعت شيخَنا الإمام أبا العباس المرسيَّ رحمه الله يقول: مَنْ وَاظب على قولِ: لا إله إلا اللَّه عندَ دخوله منزلَه، وجد الغنى حسًا (2)، هذا أو نحوه.
هذا كله -أعني: آداب السلام- نقلُ مذهب مالك رحمه اللَّه تعالى (3).
التاسع: قوله: "ونهانا عن خواتيمَ، أو تختُّم الذهبِ، وعن شربٍ (4) بالفضة": الخواتم: جمعُ خاتِمَ -بكسر التاء وفتحها-، وخَيْتام (5)،
= بل قولهم إن السماوات العلى
…
في كف خالق هذه الأكوان
حقًا كخردلة ترى في كف
…
ممسكها تعالى اللَّه ذو السلطان
أترونه المحصورَ بعدُ أم السما
…
ء يا قومنا ارتدعوا عن العدوان
(1)
في "ت": "هذا".
(2)
في "ت": "حقًا".
(3)
انظر: "المقدمات الممهدات" لابن رشد (3/ 439) وما بعدها.
(4)
في "ت": "الشرب".
(5)
في "ت": "خيتم".
وخَاتام، أربعُ لغات، تقدَّم ذكرُها، وسوَّى الجوهريُّ بينها (1) في الجمع (2) على فَواعيلَ (3)، وقد نُقِل عن الجرمي: أن كلَّ ما كان على فاعَل -بفتح العين-، نحو: نابل، فإن جَمْعَهُ على فواعيل، نحو: طوابيق، ونوابيل (4)، وخواتيم.
وفي اللفظ تردُّدٌ بين خواتيم، وتخُّتم:
فعلى الأول: لابدَّ من تقدير محذوف، أي: لبسِ خواتيمَ.
وعلى الثاني: لا يحتاج إلى حذف؛ لأن الإضافةَ في الأول إلى الذّات، فلابدَّ من صرفها إلى فعل يتعلق بها، وفي الثاني أُضيف إلى المصدر، فلا حاجةَ إلى غيره، فإن النهيَ يصحّ تعلُّقه به نفسه (5).
والذهب: لفظ مشترك، والمراد به ها هنا: ما (6) غلب استعمالُه فيه، وهو أحد النقدين، ويذَّكر (7) ويؤنَّث.
قال الجوهري: والقطعةُ منه ذَهَبَةٌ (8)، ويجمع على الأَذْهاب، والذُّهوب، والذهبُ -أيضًا-: مكيالُ أهل اليمنِ معروفٌ، الجمع:
(1) في "ت": "بينهما".
(2)
في "ت": "الجميع".
(3)
انظر: "الصحاح" للجوهري (5/ 1908)، (مادة: ختم).
(4)
في "ت": "وتوابيل".
(5)
انظر: "شرح الإلمام" لابن دقيق (2/ 29 - 30).
(6)
في "ت": "مما".
(7)
"ويذكر" ليس في "ت".
(8)
"ذهبة" ليس في "ت".
أَذْهاب (1)، وجمعُ الجمع أذاهِب، عن أبي عبيد (2).
فيه: دليلٌ على تحريم التختُّم بالذهب، وهو راجع إلى الرجال، ودليلٌ على تحريم الشرب في أواني الفضة، وذلك عند العلماء عامٌّ بالنسبة إلى الرجال والنساء، على ما تقدم استيعابه.
ق: والجمهورُ على ذلك، وفي مذهب الشافعي قولٌ ضعيف أنه مكروه فقط، ولا اعتدادَ به، لورود الوعيد عليه بالنار.
قال: والفقهاء القياسيون لم يقصروا هذا الحكم على الشرب، وعَدَّوْه إلى غيره، كالوضوء، والأكل، لعموم المعنى فيه (3).
العاشر: قوله: "والمياثِرِ"، وفي بعض الروايات:"وَعَنْ مَيَاثِرِ الأُرْجُوَانِ"(4): قال أهلُ اللغة: مِيثَرَةُ الفَرَس: لبدَتُه غير مهموز-، والجمعُ: مَياثِر، ومَواثِر.
قال أبو عُبيد: وأمّا المياثرُ الحمرُ التي جاء فيها النهيُ، فإنها كانت من مراكب (5) الأعاجم من ديباجٍ وحريرٍ (6)، وكأن الأصلَ:
(1) في "ت": "ذهاب".
(2)
انظر: "غريب الحديث" لأبي عبيد (4/ 425)، و"الصحاح" للجوهري (1/ 129)، (مادة: ذهب)، و"شرح الإلمام" لابن دقيق (2/ 30).
(3)
انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (4/ 219).
(4)
رواه أبو داود (4050)، كتاب: اللباس، باب: من كرهه، والنسائي (5184)، كتاب: الزينة، باب: حديث عبيدة، والإمام أحمد في "المسند"(1/ 121)، من حديث علي رضي الله عنه بإسناد صحيح.
(5)
في "ت": "ملابس".
(6)
انظر: "غريب الحديث" لأبي عبيد (1/ 228).
ونهانا عن افتراشِ المياثر، والأصلُ في الميثرة الواو، ولكن قُلبت ياء؛ لسكونها، وانكسار ما قبلها؛ كأنه من الوِثار، وهو الفِراشُ الوطيء، أو الوثر، يقال: ما تحته وثرٌ ووِثارٌ (1).
الحادي عشر: القَسِّيّ: بفتح القاف وكسر السين المهملة المشددة، وفي "شرح الإلمام": وذكر أبو عُبيد رحمه الله: أن أصحاب (2) الحديث يقولون: القِسِّيُّ -بالكسر-، وأهل مصر يفتحون القاف، تنسب (3) إلى بلادٍ يقال لها: القَسُّ (4).
وقال ابنُ وهب، وابن بُكير (5) فيما حكاه ع: هي ثياب مُضَلَّعة بالحرير، تُعمل بالقَسِّ من بلاد مصر مما يلي الفرماء (6).
وقال الجوهري: والقَسِّيُّ: ثوبٌ يحمل من مصر يخالطه الحرير (7).
وقد روى أبو داود عن أبي بردة، عن علي رضي الله عنه في حديث ذكره:"وَنَهاني عنِ القَسَّةِ وَالميثَرِ"، قال أبو بردة: فقلنا لعليٍّ: ما القَسَّة؟
(1) انظر: "إكمال المعلم" للقاضي عياض (6/ 567)، و"شرح الإلمام" لابن دقيق (2/ 31).
(2)
في "ت": "أهل".
(3)
في "خ": "نسبت".
(4)
انظر: "غريب الحديث" لأبي عبيد (1/ 226).
(5)
في "ت": "وابن كثير".
(6)
انظر: "إكمال المعلم" للقاضي عياض (6/ 567).
(7)
انظر: "الصحاح" للجوهري (3/ 963)، (مادة: قسس).
قال: ثيابٌ تأتينا من الشام أو من (1) مصر مضَلَّعة فيها أمثالُ الأترجِّ، قال: والميثرةُ: شيء كان يصنعه النساء لبعولتهنَّ (2).
قال بعض شيوخنا (3): ومنهم من جعل السينَ مبدلةً من الزاي، ويكون بمعنى: القَزِّيِّ المنسوبِ إلى القَزّ، واللَّه أعلم (4).
الثاني عشر: قوله: "ولبْسِ الحرير، والإستبرقِ، والديباجِ"، اللُّبْس -بضم اللام-: مصدرُ لبستُ الثوب ألبَسه -بكسر الباءِ في الماضي، وفتحها في المستقبل (5) -، قال الشّاعر:
وَلُبْسُ (6) عَبَاءَةٍ وَتَقِرَّ عَيْنِي
…
أَحَبُّ إِليَّ مِنْ لُبْسِ الشُّفُوفِ
واللباسُ واللبوسُ مثلُه، وأما اللِّبسُ -بكسر اللام-، فهو ما يُلبس،
(1)"من" ليست في "خ".
(2)
رواه أبو داود (4225)، كتاب: الخاتم، باب: ما جاء في خاتم الحديد، والنسائي (5376)، كتاب: الزينة، باب: النهي عن الجلوس على المياثر من الأرجوان.
(3)
قلت: هو الإمام ابن دقيق العيد رحمه الله، وعَجيب قولُ المؤلف: قال بعض شيوخنا، فإنه يوهم كثرة النقل عن غير واحد في هذا الموضع، مع أن الكلام في هذه الفائدة نَقَلَهُ بحروفه عن ابن دقيق العيد، واللَّه أعلم.
(4)
انظر: "شرح الإلمام" لابن دقيق (2/ 31 - 32).
(5)
في "ت": "المضارع".
(6)
في "ت": "للبس".
ولِبْسُ الكعبةِ: هو ما عليها من لباس، وأما اللَّبْس -بفتح اللام-، فمصدر لَبَسْتُ عليه الأمرَ أَلْبِسُه -بفتح الباء في الماضي، وكسرها في المستقبل (1) - قال اللَّه تعالى:{وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ} [الأنعام: 9](2).
والحريرُ: معروفٌ، والإستبرقُ: غليظُ الديباج، فارسيٌّ معرَّبٌ، قاله الجواليقي.
وقال ابن دريد: ويُصغر على أُبَيْرق، ويُكَسَّر على (3) أباريق -بحذف السين والتاء جميعًا-، وقد تقدم أن الأكثرَ في الديباج كسرُ الدال، وأنه فارسيٌّ معربٌ (4).
وظاهرُ الحديث يدلُّ على تحريم هذه المنهيَّات كلّها، وقد تقدم في صدر الكتاب الكلامُ على ما إذا قال الصحابي: أَمَرَنا عليه الصلاة والسلام بكذا، ونهانا عن كذا، ونحو ذلك، وأنه على سبعةِ أقسامٍ، بما يغني عن الإعادة، مع أنها مسألة مشهورة في أصول الفقه أيضًا.
* * *
(1) في "ت": "المضارع".
(2)
انظر: "الصحاح" للجوهري (3/ 973)، (مادة: لبس)، و"شرح الإلمام" لابن دقيق (2/ 32).
(3)
"على" ليس في "ت".
(4)
انظر: "المعرب" للجواليقي (ص: 15). وانظر: "شرح الإلمام" لابن دقيق (2/ 33)، وعنه نقل المؤلف رحمه الله كلام الجواليقي.