الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كِتْابُ الجهاد
الحديث الأول
395 -
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى رضي الله عنه: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كانَ (1) فِي بَعْضِ أَيَّامِهِ الَّتِي لَقِيَ فِيهَا الْعَدُوَّ، انْتَظَرَ حَتَّى إذَا مَالَتِ الشَّمْسُ، قَامَ فِيهِمْ، فَقَالَ (2):"أَيُّهَا النَّاسُ! لا تَتَمَنَّوْا (3) لِقَاءَ الْعَدُوِّ، وَاسْأَلُوا اللَّهَ الْعَافِيَةَ، فَإِذَا لَقِيتُمُوهُمْ، فَاصْبِرُوا (4) ، وَاعْلَمُوا أَنَّ الْجَنَّةَ تَحْتَ ظِلالِ السُّيُوفِ"، ثُمَّ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"اللَّهُمَّ مُنْزِلَ الْكِتَابِ، وَمُجْرِيَ السَّحَابِ، وَهَازِمَ الأَحْزَابِ! اهْزِمْهُمْ، وَانْصُرْنَا عَلَيْهِمْ"(5).
(1)"كان" ليس في "ت".
(2)
في "ت": "قال".
(3)
في "ت": "تمنوا".
(4)
"فاصبروا" ليس في "ت".
(5)
* تَخْرِيج الحَدِيث:
رواه البخاري (2804)، كتاب: الجهاد والسير، باب: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا لم يقاتل أول النهار أخر القتال حتى تزول الشمس، و (2861)، باب: لا تمنوا لقاء العدو، ومسلم (1742/ 20)، كتاب: =
* الكلام على الحديث من وجوه:
الأول: الجهادُ: مأخوذٌ من الجَهْد -بفتح الجيم-، وهو التعبُ والمشقَّة، و-بضم الجيم-: الطاقة، بلغ جُهْدَه (1)، أي: طاقته، فمعنى المجاهد في سبيل اللَّه: المبالغ في إتعاب نفسه في ذات اللَّه عز وجل، وإعلاءِ كلمته التي جعلها طريقًا إلى الجنة وسبيلًا إليها.
والجهادُ يكون بأربعة أشياء: بالقلب، واللسان، واليد، والسيف.
فجهادُ القلب: جهاد الشيطان، ومجاهدةُ النفس عن الشهوات و (2) المحرمات، قال اللَّه تعالى:{وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى} [النازعات: 40].
= الجهاد والسير، باب: كراهة تمني لقاء العدو، والأمر بالصبر عند اللقاء، وأبو داود (2631)، كتاب: الجهاد، باب: في كراهية تمني لقاء العدو، ورواه الترمذي (1678)، كتاب: الجهاد، باب: ما جاء في الدعاء عند القتال، وابن ماجه (2796)، كتاب: الجهاد، باب: القتال في سبيل اللَّه، مختصرًا.
* مصَادر شرح الحَدِيث:
"معالم السنن" للخطابي (2/ 267)، و"إكمال المعلم" للقاضي عياض (6/ 44)، و"المفهم" للقرطبي (3/ 524)، و"شرح مسلم" للنووي (12/ 45)، و"شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (4/ 223)، و"العدة في شرح العمدة" لابن العطار (3/ 1673)، و"التوضيح" لابن الملقن (18/ 218)، و"فتح الباري" لابن حجر (6/ 156)، و"عمدة القاري" للعيني (14/ 227)، و"إرشاد الساري" للقسطلاني (5/ 122) و"كشف اللثام" للسفاريني (7/ 145).
(1)
انظر: "الصحاح" للجوهري (2/ 460)، (مادة: جهد).
(2)
الواو ليست في (ت).
وجهاد اللسان: الأمرُ بالمعروف، والنهيُ عن المنكر.
وجهاد اليد: زجْرُ ذوي الأمور أهلَ المناكر عن مناكرهم، وأخذُهم على يد الظلمة، وإقامتُهم الحدود على القَذَفَة والزناة وشَرَبَة الخمر، وغير ذلك مما أوجب اللَّه -تعالى- عليهم.
وجهاد السَّيف: قتالُ المشركين على الدّين.
فكلُّ من أتعبَ نفسه في ذات اللَّه عز وجل، فقد جاهد في سبيله، إلا أن الجهاد في سبيل اللَّه إذا أُطلق، لم يقع عُرفًا إلا على مجاهدة الكفار بالسّيف.
وَالجهادُ (1) منْ أفضل الأعمال وأزكاها عند اللَّه تعالى، قال اللَّه تعالى:{إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا} [الصف: 4] الآية، ومن أحبَّ (2) اللَّه لا يسأل عن حاله، وقال تعالى:{إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ} إلى قوله: {الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التوبة: 111]، ومَنْ باع سلعته بالجنّة أتراه رابحًا (3)؟ إلى غير ذلك من الآيات الدالة على فضل الجهاد.
وقد سئل عليه الصلاة والسلام عن أفضل أعمال البر، فقال:
(1) قوله: "إذا أطلق، لم يقع عرفًا إلَّا على مجاهدة الكفار بالسيف والجهاد" ليس في "ت".
(2)
في "ت": "أحبه".
(3)
في "ت": "راجيًا".
"إِيمَانٌ بِاللَّهِ، وَجِهَادٌ في سَبِيلِهِ"(1)، وإنه قال لرجل له ستة آلاف دينارٍ:"لَوْ أَنْفَقْتَهَا في طَاعَةِ اللَّهِ (2)، مَا بَلَغَتْ غُبَارَ شِرَاكِ نَعْلِ المُجَاهِدِ"(3)، وقال صلى الله عليه وسلم:"لَغَدْوَةٌ (4) أَوْ رَوْحَةٌ في سَبِيلِ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيا وَمَا فِيهَا".
وإنما كان الجهادُ من أفضلِ الأعمالِ؛ لما فيه من بذلِ النفس في ذات اللَّه -تعالى-، ومَنْ بذلَ نفسه (5) في ذات اللَّه تعالى، فقد بلغَ الغايةَ التي لا يقدر على أكثرَ منها، ولذلك جازى اللَّه الشهداءَ الذين قُتلوا في سبيله بحياةِ الأبدِ، فقال تعالى:{وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169) فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (170)} [آل عمران: 169 - 170]، وفي الحديث من رواية أبي سعيد الخدري:"الشُّهَدَاءُ يَغْدُونَ وَيَرُوحُونَ إِلَى الجَنَّةِ، ثُمَّ يَكُونُ مَأْوَاهُمْ إِلَى قَنَادِيلَ مُعَلَّقَةٍ (6) تَحْتَ العَرْشِ"(7)، ولو أخذْنا نذكر فَضْلَ
(1) تقدم تخريجه.
(2)
"لو أنفقتها في طاعة اللَّه" ليس في "ت".
(3)
رواه سعيد بن منصور في "سننه"(2/ 150)، عن الحسن البصري مرسلًا.
(4)
"لغدوة" ليس في "ت".
(5)
"نفسه" ليس في "خ".
(6)
"معلقة" ليس في "ت".
(7)
رواه ابن عبد البر في "التمهيد"(11/ 60)، والخطيب في "موضح أوهام الجمع والتفريق"(1/ 539)، وإسناده ضعيف. =
الجهاد، لخرجنا عن مقصود الكتاب.
الثاني: فيه: استحبابُ المُصَافَّة بعدَ الزوال.
وفيه: استحبابُ ترغيبِ الإمام المقاتلةَ قبل اللقاء، والدعاء على (1) العدو بالانهزام، وللمسلمين بالنصر والغلبة، ونحو ذلك.
وفيه: أنه يُستحب الدعاءُ بصفات (2) اللَّه -تعالى- التي تناسب (3) طِلْبةَ الداعي؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: "وهازمَ الأَحزابِ اهْزِمْهُم"(4).
وفيه: كراهةُ تمني لقاء العدو، و (5) خشية اضطراب النفوس وتغيرها عما عزمت عليه، لصعوبة فَقْدِ الحياة عند الملاقاة، أو لغير (6) ذلك مما استبدَّ بعلمه عليه الصلاة والسلام، وقد نهى عن تمني الموت مطلقًا لضررٍ (7) نزلَ، وفي حديث آخر: "لَا تتمَنَّوُا المَوْتَ، فَإِنَّ
= وقد روى مسلم (1887) عن ابن مسعود رضي الله عنه موقوفًا عليه نحو حديث أبي سعيد رضي الله عنه.
(1)
"خ": "إلى".
(2)
في "ت": "بصفة".
(3)
في "ت": "تناهت".
(4)
سيأتي تخريجه قريبًا.
(5)
الواو ليست في "ت".
(6)
في "ت": "غير".
(7)
في "ت": "لضر".
هَوْلَ المُطَّلَعِ شَدِيدٌ" (1).
وقد اختلف الناسُ (2) في قول يوسف عليه الصلاة والسلام: {تَوَفَّنِي مُسْلِمًا} [يوسف: 101]، هل ذلك من تمني الموت، أو لا؟ فقال ابن عباس: لم يتمنَّ الموتَ نبيٌّ غير يوسفَ عليه الصلاة والسلام، وذكر المهدوي تأويلًا آخر، وهو الأقوى: أنه ليس في الآية تمني موتٍ، وإنما عَدَّدَ يوسفُ عليه الصلاة والسلام (3) نعمَ اللَّه -تعالى- عليه (4)، ثم دعا أن يُتم عليه النعمَ في آخر أمره، أي: إذا توفيتني إذا حين (5) أجلي، فتوفَّني على الإسلام، واجعلْ لحاقي بالصالحين، فتمنى الموافاةَ (6) على الإسلام، لا الموتَ.
وقد ورد عنه عليه الصلاة والسلام في بعض دعائه: "وَإِذَا أَرَدْتَ بِالنَّاسِ فِتْنَة، فَاقْبِضْنِي إِلَيْكَ غَيْرَ مَفْتونٍ"(7).
(1) رواه الإمام أحمد في "المسند"(3/ 332)، وعبد بن حميد في "مسنده"(1155)، والبيهقي في "شعب الإيمان"(10589)، من حديث جابر بن عبد اللَّه رضي الله عنهما. قال الهيثمي في "مجمع الزوائد"(10/ 203). إسناده حسن.
(2)
في "ت": "المفسرون".
(3)
من قوله: "عليه الصلاة والسلام، وذكر الهدوي. . ." إلى هنا ليس في "ت".
(4)
"تعالى- عليه" ليس في "ت".
(5)
في "ت": "كان".
(6)
في "ت": "الوفاة".
(7)
رواه الترمذي (3233) كتاب: التفسير، باب: ومن سورة ص، والإمام أحمد في "المسند"(1/ 368)، وغيرهما من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.
وروي عن عمر رضي الله عنه: أنه قال: اللهمَّ قد رَقَّ عظمي، وانتشرت رعيتي، فتوفَّني غيرَ مقصّرٍ، ولا عاجِزٍ (1).
قال الإمام: وقد يُشكل في هذا الموضع أن يقال (2): إذا كان الجهاد طاعةً، فتمنِّي الطاعةِ كيف يُنهى عنه؟! قيل: قد يكون المرادُ بهذا: أن التمني رُبما أثار فتنة (3)، وأدخل حسرة إذا تُسِّهل (4) في ذلك، واستخفَّ (5) به، ومن استخفَّ بعدوه، فقد أضاعَ الحزمَ، فيكون المراد بهذا؛ أي: لا تستهينوا (6) بالعدوّ، فتتركوا الحذرَ والتحفُّظَ على أنفسكم، وعلى المسلمين، أو يكون المراد: لا تتمنوا لقاءه على حالة شك في غلبته لكم، أو يخاف منه أن يستبيح الحريم، ويذهب الأنفس والأموال، أو يدرك (7) منه ضرر (8)، ثم أمر عليه الصلاة والسلام بالصبر عند وقوع الحقيقة، فإن مَنْ صَبَر، كان اللَّهُ
(1) رواه الإمام مالك في "الموطأ"(2/ 824)، وابن سعد في "الطبقات الكبرى"(3/ 334)، والحاكم في "المستدرك"(4513).
(2)
في "ت": "قال".
(3)
في "أثار فتنة" ليس في "خ".
(4)
في "خ": "سهل".
(5)
في "خ": "والتحق".
(6)
في "ت": "لا تستخفوا".
(7)
في "خ": "ينزل".
(8)
انظر: "المعلم" للمازري (3/ 9)، و"إكمال المعلم" للقاضي عياض (6/ 43).
معَهُ، قال اللَّه تعالى:{إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [البقرة: 153]، وقال تعالى:{وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ} [النحل: 126]، وغير ذلك من الآيات (1) في هذا المعنى.
الثالث: قوله عليه الصلاة والسلام: "واعلموا أَنَّ الجنةَ تحت ظِلال السُّيوف": هذا من المجاز البليغ الحَسن جدًا؛ فإن ظلَّ الشيء لما كان ملازمًا له، جُعل ثوابُ الجنة واستحقاقُها بسبب الجهاد، وإعمال السيوف لازمًا لذلك، كما يلزم الظلُّ (2).
وهذا عندي كقوله عليه الصلاة والسلام: "الجَنَّةُ تَحْتَ ظِلَالِ السُّيوفِ (3) ".
وأمّا قولُه عليه الصلاة والسلام: "مَا بَيْنَ قَبْرِي وَمِنْبَرِي رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الجَنَّةِ"(4)، فيحتمل أمرين:
(1) في "ت": "وغيره من الآي".
(2)
انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (4/ 224).
(3)
في "خ": "الجنة تحت أقدام الأمهات".
(4)
رواه الإمام أحمد في "المسند"(3/ 64)، وأبو يعلي في "مسنده"(1341)، وغيرهما من حديث ابن عمر، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنهم.
ورواه البخاري (1138)، كتاب: التطوع، باب: فضل ما بين القبر والمنبر، ومسلم (1391)، كتاب: الحج، باب: ما بين القبر والمنبر روضة من رياض الجنة، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه بلفظ:"ما بين بيتي ومنبري. . ." الحديث.
أحدهما: أن يكون ذلك حقيقةً، كما قيل، وتُنقل هذه البقعة، فتكون روضة في الجنة، وفيه عندي بُعْدٌ ما.
والثاني: وهو أشبهُ: أن يكون مجازًا، ومعناه: أنه جعلَ نفسَ البقعة من الجنة؛ لصيرورة مَنْ حَلَّها (1) إلى الجنّة -إن شاء اللَّه تعالى- على طريق المبالغة والاستعارة.
وكان تخصيص السُّيوف دونَ آلاتِ الحرب، لكونها الغالبَ على ما (2) يُقاتَل به، واللَّه أعلم.
ق: وهذا الدعاء لعله إشارةٌ إلى ثلاثة أسباب يُطلب بها الإجابة.
أحدها: طلبُ النصر بالكتابِ المنزل عليه، يدلُّ عليه قوله عليه الصلاة والسلام:"منزلَ الكتاب"، كانه قال: كما أنزلته، فانصرْه وأَعْلِه (3)، وإشارة إلى القدرة بقوله:"ومجريَ السحاب".
وأشار إلى أمرين بقوله "وهازمَ الأحزاب":
أحدهما: التفرُّدُ بالفعل، وتجريدُ التوكُّل، واطِّراحُ الأسباب، واعتقادُ أن اللَّه -تعالى- هو الفاعل.
والثاني: التوسُّل بالنعمة السابقة إلى النعمة اللاحقة.
وقد ضمَّن الشعراءُ هذا المعنى أشعارَهم بعدما أشارَ إليه كتابُ اللَّه
(1) في "ت": "لصرورة مدخلها".
(2)
في "ت": "فيما" مكان "على ما".
(3)
في "ت": "وعلِّه".
حكايةً عن زكريا (1) عليه الصلاة والسلام في قوله: {وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا} [مريم: 4]، وعن إبراهيم عليه الصلاة والسلام في قوله:{سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا} [مريم: 47]. وقال الشاعر:
كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ فِيمَا مَضَى
…
كَذَلِكَ يُحْسِنُ فِيمَا بَقِي
وقال آخر (2):
لَا وَالَّذِي مَنَّ بِالإِسلَامِ يُثْلِجُ في فُؤَادِي
مَا كَانَ يَخْتِمُ بِالإِسَاءَةِ وَهُوَ بِالإِحْسَانِ بَادِي (3)
قلت: وعلى هذا الشاعر عندي (4) مؤاخذة في قوله: ما كان يختمُ بالإساءة، فإنه لا يقال فيمن خُتم له بالكفر -والعياذ باللَّه-: إن اللَّه -تعالى- أساء إليه، إجماعًا؛ لأنه تعالى يفعل ما يشاء، ويحكم
(1) في "خ" و"ت": "عن يحيى عليه الصلاة والسلام في قوله: {وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا}، والصواب ما أثبث، كما في "شرح العمدة" لابن دقيق.
(2)
في "ت": "الآخر".
(3)
لأبي الفضل أحمد بن عبد اللَّه بن مسكور الخطيب الأديب، كما ذكر ابن ناصر الدين في "توضيح المشتبه" (8/ 180). وانظر:"شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (4/ 224).
(4)
"عندي" ليس في "ت".
ما يريد في خَلْقه؛ لأنهم ملكُه ومحلُّ تصرفه، فلا يتصور منه الظلم ولا الإساءة أبدًا؛ لكونه تعالى لم يصادف لغيره ملكًا (1)، فيتصرف (2) بغير إذنه.
وقد سمعت شيخنا الإمام أبا علي البجائي (3) -قدّس اللَّه روحَهُ- يقول: وقفَ (4) بعضُ المعتزلة على الحسنِ بنِ عليٍّ رضي الله عنهما، فقال: تعالى رَبُّنا (5) عن الفحشاء.
فقال الحسن: تعالى أن يكون في داره ما لا يشاء.
فقال المعتزلي: أرأيتَ إن جَنَّبَني الهدى، وسَبَّبَ إليَّ الردى، أَحْسَنَ إليَّ أَمْ أَساء؟
فقال الحسنُ: إن كان تصرُّفه فيما لا يملكه، فقد أساء، وإن كان تصرفه فيما يملكه، فرحمَتُهُ يختصُّ بها من يشاء.
فولَّى المعتزلي وهو يقول: {اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ} [الأنعام: 124].
وإن أراد هذا الشاعر: ما كان يختم بما يسوْءُني بعد إحسانه
(1) قوله: "ومحل تصرفه فلا يتصور منه الظلم ولا الإساءة أبدًا، لكونه تعالى لم يصادف لغيره ملكًا" ليس في "خ".
(2)
في "ت": "فتصرف فيه".
(3)
في "ت": "التجرابي".
(4)
"يقول وقف" ليس في "ت".
(5)
في "ت" زيادة: "نهى".
إليّ (1)، فعبارتُه لا تعطيه (2) على التحرير، وإن كان الظاهرُ أن هذا مقصودُه، ولكن اللفظ ينبو عنه؛ لكونه أتى بالإساءة في مقابلة الإحسان، فأخطأ في اللفظ دون المعنى، واللَّه أعلم.
* * *
(1)"بعد إحسانه إلي" ليس في "ت".
(2)
في "ت": "يعطيه".