الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الثالث
362 -
عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رضي الله عنه، قَالَ: نَذَرَتْ أُخْتِي أَنْ تَمْشِيَ إِلَى بَيْتِ اللَّهِ الحَرَامِ حَافِيَةً، فَأَمَرَتْنِي أَنْ أَسْتَفْتِيَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَاسْتَفْتَيْتُهُ، فَقَالَ:"لِتَمْشِ، وَلْتَرْكَبْ"(1).
(1) * تَخْرِيج الحَدِيث:
رواه البخاري (1767)، كتاب: الإحصار وجزاء الصيد، باب: من نذر المشي إلى الكعبة، ومسلم (1644)، كتاب: النذور، باب: من نذر أن يمشي إلى الكعبة، وأبو داود (3299)، كتاب: الأيمان والنذور، باب: من رأى عليه كفارة إذا كان في معصية، والنسائي (3814)، كتاب: الأيمان والنذور، باب: من نذر أن يمشي إلى بيت اللَّه تعالى، والترمذي (1544)، كتاب: النذور والأيمان، باب:(16)، وابن ماجه (2134)، كتاب: الكفارات، باب: من نذر أن يحج ماشيًا.
* مصَادر شرح الحَدِيث:
"معالم السنن" للخطابي (4/ 55)، و"إكمال المعلم" للقاضي عياض (5/ 397)، و"المفهم" للقرطبي (4/ 618)، و"شرح مسلم" للنووي (11/ 102)، و"شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (4/ 158)، و"العدة في شرح العمدة" لابن العطار (3/ 1540)، و"فتح الباري" لابن حجر (4/ 79)، و"عمدة القاري" للعيني (10/ 225)، و"إرشاد الساري" للقسطلاني (3/ 328)، و"كشف اللثام" للسفاريني (6/ 426)، و"سبل السلام" للصنعاني (4/ 113)، و"نيل الأوطار" للشوكاني (9/ 145).
* الشرح:
ع: فيه: حجةٌ على أبي حنيفة في إسقاطه المشيَ جملةً.
وفيه: حجةٌ لمن ألزم النذر بقوله: إلى بيت اللَّه، أو إلى مكة، أو إلى (1) المسجد الحرام، وإن لم يذكر حجًا ولا عمرةً، وكذلك متى ذكر جزءًا من الكعبة، أو البيت، فله حكمُه، وهذا قول مالك وأصحابه.
واختلف أصحابه إذا قال: إلى الحرم، أو مكانًا منه، أو مكانًا من مدينة مكة، أو المسجد، هل له حكمُ ذكرِ البيت، أم لا؟
ع: وقال الشافعي: متى (2) قالَ: عليَّ المشيُ إلى شيء مما يشتمل عليه الحرمُ، لزمَهُ، وإن ذكر ما خرج عنه، لم يلزمه، وهو قول أبي يوسف، ومحمد بن الحسن.
وابنُ حبيب من أصحابنا (3) زاد: إلا في (4) ذكر عرفة، فيلزمه (5)، وإن لم يكن من الحرم.
وقال أبو حنيفة: لا يلزمُه في هذا مشيٌ (6)، ولا مسير في القياس، لكن الاستحباب في قوله: إلى بيت اللَّه، أو (7) الكعبة، أو مكة فقط
(1)"إلى" ليس في "ت".
(2)
في "خ": "من".
(3)
"من أصحابنا" ليس في "ت".
(4)
"في" ليست في "خ".
(5)
في "ت": "فليلزمه".
(6)
في "ت": "لا يلزمه في ذلك كله شيئًا".
(7)
في "خ": "و".
[أن يسير، ولا يلزمه ركوب على أصله](1).
وقوله: "حافيةٍ"، فقال عليه الصلاة والسلام:"لتمش"(2): ظاهره عندي: إقرارُها على الحفاء، وإن كان المستحبُّ عندنا لناذره الانتعالُ؛ لأن الحفاءَ ليس بطاعة، فإن أَهْدَى، فحسن، وإن لم يُهْدِ، فلا شيءَ عليه في انتعاله.
و (3) قوله عليه الصلاة والسلام: "ولتركب": ينبغي أن يُحمل على حال العجز عن المشي؛ إذ الركوبُ عندنا لا يجوز مع القدرة على المشي.
وتحصيل مذهبنا في المسألة وتلخيصُه: أن من أتى بالمشي في جميع الطريق دفعةً واحدة غيرَ مفرِّقٍ بين أجزائه بمقامٍ خارجٍ عن المعتادِ، أجزأه، وإن (4) طول المقامَ في أثنائه؛ فإن كان لضرورة، أجزأه، وإلا، ففي إجزاء ذلك المشي قولان، فإن ركب في بعض الطريق لعجزٍ، وكان يسيرًا جدًا، اغْتُفِر، وعليه دمٌ، وإن كان للركوب مقدارٌ، فإن كان مشيه يسيرًا، وكان قادرًا فيما (5) بعد، ألغى (6) المشيَ
(1) ما بين معكوفتين من "إكمال المعلم" للقاضي عياض (5/ 397).
(2)
في "ت" زيادة: "ولتركب".
(3)
الواو ليست في "ت".
(4)
في "ت": "إلى" مكان "وإن".
(5)
في "ت": "فيها".
(6)
في "ت": "الغنى".
الأولَ، ووجب عليه مشيٌ ثانٍ، وإن كان عاجزًا عن المشي، اكتفى بالأول، واجتزأ بالهَدْي (1)، فإن تساوى ركوبُه ومشيُه، أو كان كلُّ واحد منهما كثيرًا، وجب الرجوعُ؛ لتلافي ما ركبَ، فيركبُ المواضعَ التي مشى فيها (2)، ويمشي (3) المواضعَ التي ركب.
و (4) قيل: إن كان موضعه بعيدًا جدًا، لم يلزم الرجوعُ لمشي ما (5) ركب، فإن عجز في الثاني، لم يكلَّفِ العودةَ دفعةً أخرى، وإن ركب مختارًا، ففي بطلان مشيه قولان، وإذا قلنا: لا يبطل، فإنه يرجع، ويمشي ما ركب، ويُهدي، ولو مشى في الثاني الطريقَ أجمعَ، فقال (6) ابنُ المواز: سقط (7) عنه الهدي، قال المتأخرون (8): كيف (9) يسقطُ الهدي (10) المتقررُ في ذمته بمشي غيرِ واجبٍ؟ (11)
(1) في "ت": "بهدي".
(2)
في "ت": "مشاها".
(3)
في "ت": "ومشى".
(4)
الواو ليست في "ت".
(5)
في "خ": "لشيء مما".
(6)
في "ت": "قال".
(7)
في "ت": "يسقط".
(8)
في "ت": "قال ابن الماجشون".
(9)
في "ت": "وكيف".
(10)
"الهدي" ليس في "خ".
(11)
انظر: "عقد الجواهر الثمينة" لابن شاس (2/ 367).
قلت: ومما يقوي حملَ الحديث على العجز: ما ذكر أبو داودَ في هذا الحديث: "أَنَّها نذرتْ أن تحجَّ ماشيةً، وأنها لا تُطيق ذلكَ"، فقال عليه الصلاة والسلام:"إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنْ مَشْيِ أُخْتِكَ، فَلْتَرْكَبْ، وَلْتُهْدِ بَدَنَةً"(1)، وهذا صريحٌ في العجز، واللَّه أعلم، فقد اتفق المذهب مع الحديث، والحمد للَّه.
* * *
(1) رواه أبو داود (3303)، كتاب: الأيمان والنذور، باب: من رأى عليه كفارة إذا كان في معصية، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.