الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب حد الخمر
الحديث الأول
350 -
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه: أَنَّ رَسُولَ اللَّهُ صلى الله عليه وسلم أُتِيَ بِرَجُلٍ قَدْ شَرِبَ الخَمْرَ، فَجَلَدَهُ بِجَرِيْدٍ (1) نَحْوَ أَرْبَعِينَ.
قَالَ: وَفَعَلَهُ أَبُو بَكْرٍ، فَلَمَّا كَانَ عُمَرُ، اسْتَشَارَ النَّاسَ، فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: أَخَفُّ الحُدُودِ ثَمَانُونَ، فَأَمَرَ بِهِ عُمَرُ (2).
(1) في "خ": "بجريدة".
(2)
* تَخْرِيج الحَدِيث:
رواه البخاري (6391)، كتاب: الحدود، باب: ما جاء في ضرب شارب الخمر، و (6394)، باب: الضرب بالجريد والنعال، ومسلم (1706/ 35)، واللفظ له، إلا أنه قال:"بجريدتين"، و (1706/ 36، 37)، كتاب: الحدود، باب: حد الخمر، وأبو داود (4479)، كتاب: الحدود، باب: الحد في الخمر، والترمذي (1443)، كتاب: الحدود، باب: ما جاء في حد السكران، وابن ماجه (2575)، كتاب: الحدود، باب: حد السكران.
* مصَادر شرح الحَدِيث:
"معالم السنن" للخطابي (3/ 338)، و"عارضة الأحوذي" لابن العربي (6/ 221)، و"إكمال المعلم" للقاضي عياض =
* الشرح:
يقال: خَمْرٌ، وخَمْرَةٌ، ولا خلاف يُعتد به في أنها مؤنثة.
وذكر ح: أنها مذكرةٌ على ضعف (1)، ولم أدرِ من أين نقله (2).
والجمعُ: خُمور، مثل تَمْر وتَمْرَة (3) وتُمور.
قيل (4): سُميت خمرًا؛ لأنها تُركت فاختمرت (5)، واختمارُها تغيرُ (6) ريحها.
= (5/ 545)، و"المفهم" للقرطبي (5/ 127)، و"شرح مسلم" للنووي (11/ 215)، و"شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (4/ 135)، و"العدة في شرح العمدة" لابن العطار (3/ 1487)، و"النكت على العمدة" للزركشي (ص: 322)، و"فتح الباري" لابن حجر (12/ 63)، و"عمدة القاري" للعيني (23/ 268)، و"إرشاد الساري" للقسطلاني (9/ 448)، و"كشف اللثام" للسفاريني (6/ 328)، و"سبل السلام" للصنعاني (4/ 28)، و"نيل الأوطار" للشوكاني (7/ 314).
(1)
انظر: "تحرير ألفاظ التنبيه" للنووي (ص: 46).
(2)
تعقب ابن الملقن رحمه الله في "الإعلام"(9/ 223) إنكار المؤلف رحمه الله على الإمام النووي في هذا بما أورده عن أبي حاتم السجستاني وابن قتيبة في أن التذكير هو اللغة الفصيحة، كما قاله النووي رحمه الله.
(3)
"وتمرة" ليس في "ت".
(4)
في "ت" زيادة: "إنما".
(5)
في "ت": "فتخمرت".
(6)
في "ت": "بتغير".
وقيل: سميت بذلك؛ لمخامرتها العقلَ؛ أي: مخالطتِه وتغطيتِه، ومنه خِمَار المرأة: ما يُغطي رأسَها (1).
ولا خلافَ في حدِّ شاربها على الجملة، وإنما الخلافُ في مقداره.
فقال الشافعي: إنه (2) أربعون.
ق: و (3) اتفق أصحابُه (4) أنه لا يزيد على الثمانين، وفي الزيادة على الأربعين إلى الثمانين خلاف، والأظهرُ الجواز، ولو رأى الإمامُ أن يحدَّه بالنعال، وأطرافِ الثياب؛ كما فعله النبيُّ صلى الله عليه وسلم، جاز، ومنهم من منعَ ذلك؛ تعليلًا بعسر الضبط (5).
ومذهب الجمهور من السلف؛ مالك وأبي حنيفة والثوري والأوزاعي وأحمد وإسحاق وغيرهم (6): أن حده ثمانون جلدة، وهو أحد قولي الشافعي، وحجتُهم ما استقرَّ عليه إجماعُ الصحابةِ رضي الله عنهم، وأنه (7) لم يكن بعد النبي صلى الله عليه وسلم حدٌّ معين، ألا تراه قال: نحو أربعين (8)؟
(1) انظر: "الصحاح" للجوهري (2/ 649).
(2)
"إنه" ليس في "ت".
(3)
الواو ليست في "ت".
(4)
في "ت" زيادة: "على".
(5)
انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (4/ 135).
(6)
قوله: "من السلف ومالك وأبي حنيفة والثوري والأزواعي وأحمد وإسحاق وغيرهم" ليس في "خ".
(7)
في "ت": "ولم".
(8)
انظر: "إكمال المعلم" للقاضي عياض (5/ 541).
قال الإمام: لو فهمتِ الصحابةُ عن النبي صلى الله عليه وسلم حدًا محدودًا في الخمر، لما عملت فيه برأيها، ولا خالفته، كما لم تفعل ذلك في سائر الحدود، ولعلهم فهموا أنه عليه الصلاة والسلام فعل ذلك على موجب اجتهاده فيمن فعل ذلك فيه (1).
قلت: وقد نقلوا الإجماعَ على أنه لا يُقتل إذا تكرر منه الشربُ، إِلَّا أن (2) طائفة شذت، فقالت: يُقتل بعد حده أربعَ مرات؛ للحديث الوارد في ذلك (3).
وأجيب عن هذا: بأن الحديث منسوخ عند العامة بقوله عليه الصلاة والسلام: "لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِىءٍ مُسْلِمٍ إِلَّا بِإِحْدَى ثَلَاثٍ" الحديث (4)(5)، وبحديث النُّعَيْمان، وأن النبي صلى الله عليه وسلم حدَّه ثلاثَ مرات،
(1) انظر: "المعلم" للمازري (2/ 397)، و"إكمال المعلم" للقاضي عياض (5/ 540).
(2)
"أن" ليس في "ت".
(3)
روى أبو داود (4484)، كتاب: الحدود، باب: إذا تتابع في شرب الخمر، والنسائي (5662)، كتاب: الأشربة، باب: ذكر الروايات المغلظات في شرب الخمر، وابن ماجة (2572)، كتاب: الحدود، باب: من شرب الخمر مرارًا، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا بلفظ:"إذا سكر فاجلدوه، ثم إن سكر فاجلوده، ثم إن سكر فاجلوده، فان عاد الرابعة فاقتلوه". وقد جاء عند داود قتله في الخامسة من حديث ابن عمر رضي الله عنهما. وذكر ابن حزم في "المحلى"(11/ 366): أنه لا يصح، وإنما الصحيح في الرابعة. وانظر:"علل الترمذي"(2/ 608).
(4)
"الحديث" ليس في "ت".
(5)
تقدم تخريجه.
ولم يقتلْه، ونهى عن لعنه (1).
قالوا: ودل على نسخه إجماعُ الصحابة على تركِ العملِ بهِ (2).
ثم اتفقوا على إقامةِ الحدِّ على شاربِ القليلِ من خمر العنب: وكثيرِه، سكرَ أو لم يسكرْ (3)، وعلى حدِّ مَنْ سكر من كلِّ مسكرٍ.
واختلفوا في حدِّ مَنْ شرب ما لا يُسكر منه من غير خمر العنب:
فجمهورُ السلف والعلماء على تسوية ذلك كله، والحدِّ من قليله وكثيره.
وذهب الكوفيون: إلى أنه لا يُحد حتى يسكر، وإن شربه ما لم يبلغ السكر.
وعنهم -أيضًا-: في مطبوخ العنب المسكر، وخمر التمر عند بعضهم؛ كخمر العنب.
وقال أبو ثور: يُجلد مَنْ يرى تحريمَه، ولا يُجلد مَنْ يرى تحليلَه، ويتأوَّلُ في ذلك.
ع: وقد مال إلى هذا التفريق بعضُ شيوخنا المتأخرين.
قال: وإجماعُ المسلمين ينعقد على تحريم خمر العنب النيء
(1) رواه البخاري (6398)، كتاب: الحدود، باب: ما يكره من لعن شارب الخمر، وأنه ليس بخارج من الملة.
(2)
انظر: "إكمال المعلم" للقاضي عياض (5/ 540).
(3)
في "ت": "أم لا" مكان "أو لم يسكر".
قليلِه (1) وكثيرِه (2).
قلت: وسمعتُ بعض شيوخنا -رحمهم اللَّه تعالى- يقول: حتى لو أخذ منه برأس إبرة على لسانه، لَحُدَّ.
ع (3): وضربُه بالجريد والنعال يدل على تخفيف حدِّ الخمر، وإلى هذا ذهب الشافعي: أنه لا يكون الحدُّ إِلَّا بمثل هذا، لا بالسوط (4).
وعند مالك وغيره: الضربُ فيه بسوطٍ بينَ سوطين، وضربٍ بين ضربين، والحدودُ كلُّها سواءٌ عنده (5).
وفيه: استشارةُ الإمام في الأحكام، كما تقدم.
وقوله: "قال عبد الرحمن: أخفُّ الحدود ثمانون"، ويروى بالنصب:"أخفُّ الحدودِ ثمانين"(6).
ق: أي: اجعلْه ثمانين، أو ما يقاربُ ذلك.
قلت: وهذا بعيدٌ، أو باطل، وكأنه صدرَ من الشيخ من غير تأمل القواعد العربية، ولا لمراد المتكلم بذلك؛ إذ لا يجيز أحدٌ: أجودُ
(1) في "ت": "اليسير منه".
(2)
في "ت" زيادة: "سواء".
(3)
"ع": بياض في "ت".
(4)
في "ت": "بسوط".
(5)
انظر: "إكمال المعلم" للقاضي عياض (5/ 542).
(6)
كما في رواية مسلم المتقدم تخريجها برقم (1706).
النَّاس الزيدين، على تقدير: اجعلهم، وأيضًا: فإن مراد عبد الرحمن: الإخبارُ بأخف الحدود، لا أمرُه بأن يجعل أخف الحدود (1) ثمانين، فاحتمالُ توهيم الراوي لهذه الرواية القليلة أولى من ارتكاب ما لا يجوز، لا من حيثُ اللفظ، ولا من حيثُ المعنى (2).
وقيل: أن القائل لذلك علي بن أبي طالب رضي الله عنه (3).
* * *
(1)"لا أمره بأن يجعل أخف الحدود": ساقط من "ت".
(2)
قال الحافظ في "الفتح"(12/ 64) -بعد أن أورد تعقب الفاكهي على الإمام ابن دقيق العيد-: وردَّ عليه تلميذُه ابن مرزوق بأن عبد الرحمن مستشار، والمستشار مسؤول، والمستشير سائل، ولا يبعد أن يكون المشتشار آمرًا. قال: والمثال الذي مثل به غير مطابق. قلت -يعني ابن حجر-: بل هو مطابق لما ادعاه: أن عبد الرحمن قصد الإخبار فقط. والحق أنه أخبر برأيه مستندًا إلى القياس، وأقرب التقادير: أخف الحدود أجدُه ثمانين، أو أجد أخف الحدود ثمانين، فنصبهما.
(3)
انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (4/ 136).