الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الرابع
316 -
عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، قَالَتْ: جَاءَتِ امْرَأةٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَتْ: يا رسول اللَّه! (1) إِنَّ ابْنَتي توفّي عنها زوجُها، وقد (2) اشْتكَتْ عَيْنُهَا، أَفَتَكْحُلُهَا؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:"لَا"، مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا، كُلُّ ذَلِكَ يَقُولُ:"لَا"، ثُمَّ قَالَ:"إِنَّما هِيَ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرُ لَيَالٍ (3)، وَقَدْ كَانَتْ إحْدَاكُنَّ في الجَاهِلِيَّةِ تَرْمِي بِالبَعْرَةِ عَلَى رَأْسِ الحَوْلِ".
فَقَالَتْ زينَبُ (4): كَانَتِ المَرْأةُ إِذَا تُوُفِّيَ عَنْهَا زَوْجُهَا، دَخَلَتْ حِفْشًا، وَلَبِسَتْ شَرَّ ثِيَابِهَا، وَلَمْ تَمَسَّ طِيبًا، وَلَا شَيْئًا حَتَّى تَمُرَّ بِهَا (5) سَنَةٌ (6)، ثُمَّ تُؤْتَى بِدَابَّةٍ: حِمَارٍ أَوْ شَاةٍ أَوْ طَيْرٍ، فتَفْتَضُّ بِهِ، فَقَلَّمَا
(1)"يا رسول اللَّه" ليس في "خ" و"ز".
(2)
"توفي عنها زوجها وقد" ليس في "خ" و"ز".
(3)
في "ز": "وعشرًا"، وفي "ت":"وعشر" مكان "وعشر ليال".
(4)
في "ت" زيادة: "لها".
(5)
في "ز": "عليها".
(6)
في "ز" زيادة: "كاملة".
تَفْتَضُّ بِشَيءٍ إِلَّا مَاتَ، ثُمَّ تَخْرُجُ، فَتُعْطَى بَعْرَةً، فَتَرْمِي بِهَا، ثُمَّ تُرَاجِعُ بَعْدُمَا شَاءَتْ مِنْ طِيبٍ أَوْ غَيْرِهِ (1).
الحِفْشُ: البَيْتُ الصَّغِيرُ، وتَفْتَضُّ: تَدْلُكُ بِهِ جَسَدَهَا.
* * *
(1) * تَخْرِيج الحَدِيث:
رواه البخاري (5024)، كتاب: الطلاق، باب: تحد المتوفى عنها زوجها أربعة أشهر وعشرًا، ومسلم (1488)، كتاب: الطلاق، باب: وجوب الإحداد في عدة الوفاة، وتحريمه في غير ذلك، إلا ثلاثة أيام، وأبو داود (2299)، كتاب: الطلاق، باب: إحداد المتوفي عنها زوجها، والنسائي (3533)، كتاب: الطلاق، باب: ترك الزينة للحادة المسلمة دون اليهودية والنصرانية، و (3538)، باب: النهي عن الكحل للحادة، والترمذي (1197)، كتاب: الطلاق، باب: ما جاء في عدة المتوفى عنها زوجها، وابن ماجه (2084)، كتاب: الطلاق، باب: كراهية الزينة للمتوفى عنها زوجها.
* مصَادر شرح الحَدِيث:
"معالم السنن" للخطابي (3/ 286)، و"الاستذكار" لابن عبد البر (6/ 229)، و"عارضة الأحوذي" لابن العربي (5/ 173)، و"إكمال المعلم" للقاضي عياض (5/ 70)، و"المفهم" للقرطبي (4/ 282)، و"شرح مسلم" للنووي (10/ 113)، و"شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (4/ 63)، و"العدة في شرح العمدة" لابن العطار (3/ 1345)، و"النكت على العمدة" للزركشي (ص: 287)، و"التوضيح" لابن الملقن (25/ 548)، و"فتح الباري" لابن حجر (9/ 485)، و"عمدة القاري" للعيني (21/ 3)، و"إرشاد الساري" للقسطلاني (8/ 188)، و"كشف اللثام" للسفاريني (5/ 509)، و"نيل الأوطار" للشوكاني (7/ 92).
* الشرح:
فيه: ما تقدَّمَ من جواز استفتاء المرأة، وسماع المفتي كلامَها.
و (عينُها): -بالرفع- على أن العين (1) المشتكية، و-بالنصب- على أن المرأة هي المشتكيةُ، ورُجِّح هذا، وإن كان قد وقعَ في بعض الروايات:"عيناها"(2).
و (3)(أفتكحُلُها) -بضم الحاء-، وهو مما جاء مضمومًا، وإن كانت عينه حرفَ حَلْقِ.
وقوله عليه الصلاة والسلام لا يقتضي تحريمَ الكحلِ لها، وإطلاقُه يعمُّ حالَ الضرورةِ وغيرَها.
فإن قلت: ما وجهُ الجمع بين هذا الحديثِ، والحديثِ السالف الذي قال فيه عليه الصلاة والسلام:"اجْعَلِيهِ بِاللَّيْلِ (4)، وَامْسَحِيهِ بِالنَّهَارِ"(5)؟
قلت: فيه وجهان:
أحدهما: أن النهيَ (6) عنه بالليل لمن اضطرَّ إليه ليس على
(1) في "ت" زيادة: "وهي".
(2)
انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (4/ 63).
(3)
في "ز": "أو".
(4)
في "ز": "في الليل".
(5)
تقدم تخريجه.
(6)
في "ت": "المنهي".
الإيجاب؛ لكن على الندب لتركه، والكراهةِ لفعلِهِ، قاله (1) ع (2)(3).
وفيه عندي نظر.
(4)
والثاني: أنه مؤول في حديث أم سلمة بأنه (5) لم يتحقق الخوفُ على عينها (6).
وقوله عليه الصلاة والسلام: "إنما هي أربعةُ أشهر وعشرٌ" إلى آخر الحديث، معناه: قد خفف اللَّه عنكنَّ الاعتدادَ بأنْ جعلَه أربعةَ أشهر وعشرًا، بعد أن كانت (7) سنةً، فلا تستكثرْنَ (8) ذلك، ولا تستعظِمْنَ (9) منعَ الكحل فيه.
قال العلماء: وفيه: نسخُ الحولِ في عدة الوفاة، ولا خلافَ في سقوطِ حكمِه (10)(11).
(1) في "ت": "قال".
(2)
"قاله ع" ليس في "ز".
(3)
انظر: "إكمال المعلم" للقاضي عياض (5/ 69).
(4)
في "ز" زيادة: "ع".
(5)
في "ت": "أنه".
(6)
انظر: "المعلم" للمازري (2/ 208)، و"إكمال المعلم" للقاضي عياض (5/ 69).
(7)
في "ز" و"ت": "كان".
(8)
في "ت": "تستكثرون".
(9)
في "ت": "ولا يستعظمن".
(10)
في "ت": "رميه".
(11)
انظر: "إكمال المعلم"(5/ 69).
وأما رميُها بالبعرة على رأس الحول، فقيل: معناه: الإشارةُ إلى رمي العِدَّةِ خلفَ ظهرها، وانفصالِها منها كما رمتْ بهذه البعرة وانفصلَتْ منها (1).
وقيل: بل هو إشارة إلى أن الذي (2) فعلَتْه (3) من دخولها الحفش، ولبسِها شرَّ ثيابها، وانقطاعِها عن ملذوذاتها (4)، وحزنها واعتدادِها (5) سنةَ صغيرٌ هينٌ بالنسبة إلى حقِّ الزوج، وما يجب عليها من مراعاته، كما يهون (6) الرمي بالبعرة (7).
قلت: وهذا الثاني هو اللائقُ (8) بالنسبة إلى مراعاة حقِّ الزوج، ألا ترى قولَه عليه الصلاة والسلام:"لَوْ أَمَرْتُ أَحَدًا أَنْ يَسْجُدَ لأحَدٍ" الحديث (9).
(1) في "ت": "عنها".
(2)
في "خ": "ذلك".
(3)
في "ت": "فعلت".
(4)
في "ت": "ملك لذاتها".
(5)
في "ت": "واستعدادها".
(6)
في "خ": "تهون".
(7)
انظر: "المعلم" للمازري (2/ 208)، و"إكمال المعلم" للقاضي عياض (5/ 70).
(8)
في "ت": "الأليق".
(9)
رواه الترمذي (1159)، كتاب.: الرضاع، باب: ما جاء في حق الزوج على المرأة، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. وقال: حسن.
والحِفْش: -بكسر الحاء المهملة وإسكان الفاء وبالشين المعجمة-: بيتٌ صغيرٌ حقيرٌ قريبُ السَّمْك، وقيل: هو الخُصُّ، وقيل: الحِفْشُ مثلُ القُفَّة من الخوص، تجمعُ فيه المرأةُ غَزْلَها وأسبابها (1)، قاله ع (2).
والتفسير الأول أليقُ بمعنى الحديث، ويليه الثاني، وأما الثالث، فبعيدٌ عن معنى الحديث جدًّا، واللَّه أعلم.
وقولها: فتفْتَضُّ: هو بالفاء والضاد المعجمة.
قال ابنُ قتيبة: سألتُ الحجازيين عن معنى الافتضاض، فذكروا: أن المعتدَّةَ كانت لا تغتسل، ولا تمسُّ ماءً ولا تقلِّم ظُفرًا، ثم تخرجُ بعد الحول بأقبحِ منظرٍ، ثم تفتضُّ، أي: تكسر ما هي عليه من العِدَّةِ بطائر، تمسحُ قُبُلَها به، وتنبذه، فلا يكاد يعيش ما تفتضُّ به.
وقال مالك: تمسحُ به جلدَها كالنشرة.
وقال ابن وهب: تمسحُ بيدها (3) عليه، أو على ظهره.
وقيل: معناه: تمسح به، ثم تفتضُّ، أي: تغتسل بالماء العذب، والافتضاض: الاغتسالُ بالماء العذب للإنقاء (4)، وإزالة الوسخ حتى تصير كالفِضَّة.
(1) في "ز": "وأشيائها".
(2)
انظر: "إكمال المعلم"(5/ 71).
(3)
في "ت": "يديها".
(4)
في "ز": "الإنقاء".
قال الأخفش: تفتضُّ (1) تتنظَّفُ وتنتقي (2)، مأخوذ من الفِضَّة؛ تشبيهًا (3) بنقائها وبياضها.
وقيل: تفتضُّ: تُفارق ما كانت عليه (4).
ع: وذكر الهروىُّ: أن الأزهريَّ قال: رواه (5) الشافعي: (فتَقْبِصُ) -بالقاف والموحدة والصاد المهملة-، مأخوذ من القَبْصِ، وهو الأخذُ بأطراف الأصابع (6).
قلت: وهو غريب، واللَّه أعلم.
* * *
(1)"تفتض" ليس في "خ" و"ز".
(2)
في "ت": "وتتنقى".
(3)
في "ت": "تشبهًا".
(4)
انظر: "إكمال المعلم"(5/ 71).
(5)
في "ز": "ورواه".
(6)
انظر: "الزاهر في غريب ألفاظ الشافعي" للأزهري (ص: 348). وانظر: "المعلم" للمازري (5/ 72)، و"إكمال المعلم" للقاضي عياض (5/ 71).