الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأنشد بعده، وهو الانشاد التاسع بعد الثمانمائة:
(809)
لقلت لبيه لمن يدعوني
قبله
إنك لو دعوتني ودونسي
…
زوراء ذات منزع بيون
ولو قال بعد هذا
لقلت لبيك أمن يدعوني
لسلم من الشذوذ وقوله: ودوني، أي: أمامي وقدامي، والزوراء: بإعجام الأول وسكون الواو بعدها راء مهملة فألف ممدودة: البئر البعيدة والقعر، والأرض البعيدة أيضا، والمنزع بالنون والزاي المعجمة: مصدر نزع الرجل، إذا استقى، أي: نزع الدلو وهو جذبها وسحبها، والبيون بفتح الموحدة وضم المثناة التحتية: البئر البعيدة القعر الواسعة، ولم أقف على قائل هذا الشعر والله أعلم به.
وأنشد بعده، وهو الانشاد العاشر بعد الثمانمائة:
(810)
فلبى، فلبى يدي مسور
صدره:
دعوت لما نابني مسورا
على أنه أضاف "لبى" إلى اسم ظاهر، وهو شاذ، ونابني: أصابني من النائبة وهي المصيبة، واللام للتعليل، ومسورا بكسر الميم: مفعول دعوت، وقوله: فلبى الفاء عاطفة على دعوت، أي: فأجاب وهو فعل ماض من التلبية، والفاء
الثانية سببية، ولبى باء التثنية، أضيف إلى يدي مسور، وخص يديه، لأنهما الدافعتان ضره، والمعنى: دعوت مسورا لينصرني، ويدفع عن ما نابني من الشدائد، فأجابني، ولباني، فاجاب الله دعاءه، وأعانه كما أعانني، والبيت من شواهد سيبويه، قال الأعلم: الشاهد فيه قوله: فلبي يدي باثبات الياء لأنها ياء التثنية، وإنما احتج به على يونس لزعمه أن لبيك اسم مفرد، وأن ياءه كياء عليك، ولو كان بمنزلة عليك، لقال: فلبى يدي مسور كما تقول على يديه ونحوه، يقول: دعوت مسورا لرفع نائبه نابتني، فاجابني بالعطاء فيها وكفاني مؤونتها، وكأنه سأل في دية وإنما لي يديه، لأنهما الدافعتان إليه ما سأله، فخصهما بالتلبية لذلك. انتهى.
قال بعضهم: إن لي الأولى تكتب بالألف، والثانية بالياء ليعرف أن الأولى فعل، والثانية مصدر منصوب بالياء، قال الفارسي: لا حجة له في البيت على ما ذكر، لأنه يجوز في نحو هذه الألف التي تطرفت أن تقلب ياء في الوقوف، فيقال في أفعى في أفعى بقلب الألف ياء، ومنهم من يجري الوصول مجرى الوقوف، فيمكن أ، يكون "فلي يدي مسور" من ذلك، قال ابو حيان: وهذا الذي قاله الفارسي يمكن إن سمع من كلامهم "لبا زيد" انتهى.
والتلبية مأخوذة من لبيك، قال أبن جني في "سر الصناعة" وهذا كلامه فيه قال: قال بعضهم في لبيت بالحج، إنما هو لبيت، فقلبت من قولهم: ألب بالمكان: أقام به، قرأت على أبي علي للمضرب بن كعب:
فقلت لها فيثي إليك فإنني
…
حرام وإني بعد ذاك لبيب
أي ملب بالحج، قال ابن السكيت: وقوله بعد ذاك، أي: مع ذاك، فأما حقيقة لبيك عند أهل الصنعة فليس أصل يائه باء، وإنما الياء في لبيت هي الياء في قولهم: لبيك وسعديك، اشتقوا من الصوت فعلا، فجمعوه من حروفه، كما قالوا من سبحان الله: سبحت، أي قلت سبحان الله، ومن لا إله إلا الله، هللت، ومن لاحول ولا قوة إلا بالله: حوقلت، ومن بسم الله: بسملت، ومن هلم وهو مركب من ها ولم عندنا، ومن هل وأم عند البغداديين، فقالوا: هلممت.
وكتب إلى أبو علي في حلب في شيء سألته عنه، فقال: قال لي بعضهم: سألتك حاجة، فلاليت فيها، أي: قلت لي: لا، وسألتك حاجة، فلو ليت لي، أي قلت لي: لولا، قال: وقالوا: بأبأ الصبي أباه، أي قال له: بابا، وحكي لنا عن الأصمعي أو أبي زيد انهم يقولون: رجل ويلمه، للداهية، اشتقوه وصفا من قولهم: وي لمه، وأصله: ويل لأمه، وهذا كثير، وكذلك أيضا اشتقوا: لبيت من لفظ لبيك، فجاؤوا في البيت بالياء التي هي للتثنية في لبيك، وعلى هذا قول سيبويه، فأما يونس، فزعم أن لبيك أسم مفرد، وأصله عنده: لبب، ووزنه فعلل، ولا يجوز أن يحمله على فعل لفلة فعل في الاسماء، وكثرة فعلل، فقلبت الباء التي هي اللام الثانية من لبب ياء هربا من التضعيف، فصار لبي، ثم أبدلت الياء ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها، فصارت لبا، ثم انها لما وصلت بالكاف في لبيك، وبالهاء في لبيه نحو ما انشدنا أبو علي:
إنك لو دعوتني ودوني
…
زوراء ذات منزع بيون
لقلت لبيه لمن يدعوني
قلبت الألف ياء، كما قلبت في وإلى وعلى إذا وصلتها بالضمير فقلت: إليك وعليك ولديك، ووجه التشبيه بينهما أن لبيك ليس له تصرف غيره من الاسماء لأنه لا يكون منصوبا، ولا يكون إلا مضافا، كما أن إليك وعليك ولديك
ولا تكون إلا منصوبة المواضع، ملازمة للإضافة، فقلبوا ألفه ياء، فقالوا لبيككما قالوا: عليك وإليك ولديك، ونظير هذا: كلا وكلتا في قلبهم الألف ياء متى أتصلت بضمير، فكانت في موضع نصب أو جر، ولم يقلبوا الألف في موضع الرفع باء، لأنهما بعدا برفعهما عن شبه اليك وعليك ولدي، إذ كن لاحظ لهن في الرفع، واحتج سيبويه على يونس، فقال لو كانت ياء لبيك بمنزلة ياء إليك وعليك ولديك، لوجب متى أضفتها إلى المظهر أن تقرها ألفا، كما أنك إذا أضفت عليك واختيها إلى المظهر أقررت ألفها بحالها ولكنت تقول: على هذا: لبي زيد، ولبي جعفر، كما تقول: إلى زيد وعلى زيد، ولدى سعد، وانشد قول الشاعر:
دعوت لما نابني مسورا
…
فلبى فلبى يدي مسور
قال: فقوله: فلبى بالياء مع إضافته إياه إلى المظهر دلالة على أنه اسم مثنى بمنزلة غلامي زيد، وصاحبي سعد، هذا شرح المذهبين وبسطهما، ومعاني قول سيبويه ويونس فيهما، وإن لم يكن لفظهما، فإنه غرضهما، ثم إن أبا على فيما بعد انتزع لنا شيئا يونس به قول يونس، ولم يقطع به، وإنما ذكره تعللا، وهو أنه قال ليونس أن يحتج فيقول: قوله فلبى يدي إنما جاء على قول من قال في الوصل: هذه أفعى عظيمة، وهذه عصى طويلة، أي: أفعى وعصا، وقد حكي سيبويه: أنهم يقولون ذلك في الوصل، كما يقولونه في الوقف، وهذا ليس عندنا مقنعا وإنما فيه بعض التأنيس والقول بعد قول سيبويه، فقول من قال: إن لبيت بالحج من قولنا: ألب بالمكان، إلى قول يونس أقرب منه إلى قول سيبويه، ألا ترى أن الياء في "لبيك" عن يونس إنما هي بدل من الألف المبدلة من الباء المبدلة في لبب على تقدير قول يونس، وهذا كله منتزع من قول سيبويه والخليل أن لبيك من قولهم: ألب بالمكان إلا أنهما لم يزعما أن الياء بدل من اللام الثانية، فأعرف هذه المسألة فإنها من لطيف ما في الكتاب، وإن أعان الله على شرحه وتفسيره، سقت جميعه من التقصي والتنظير