الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأنشد بعده، وهو الإنشاد الواحد والعشرون بعد السبعمائة:
(721)
ومن يك أمسى بالمدينة رحله
…
فإني وقيار بها لغريب
على أن قوله: لغريب: خبر إن، وخبر "قيار" محذوف، والتقدير: فإني لغريب بها وقيار كذلك، وقد بسطنا الكلام على هذا، في الشاهد الرابع والخمسين بعد السبعمائة من شواهد الرضي، وهو أول أبيات أربعة أوردها المبرد في "الكامل" لضابئ بن الحارث البرمجي، قالها وهو محبوس بالمدينة في زمن عثمان ابن عفان، رضيي الله تعالى عنه، وبعده:
وما عاجلات الطير تدني من الفتي
…
نجاحاً ولا عن ريثهن يخيب
ورب أمور لا تضيرك ضيرة
…
وللقلب من مخشاتهن وجيب
ولا خير فيمن لا يوطن نفسه
…
على نائبات الدهر حين تنوب
وزارد ابن قتيبة بعدها بيتاُ في ترجمته من كتاب الشعراء وهو:
وفي الشك تفريط وفي الحزم قوة
…
ويخطي الفتى في حدسه ويصيب
وزاد بعده بيتأ أبو تمام في مختار أشعار القبائل، وهو:
ولست بمستبق خليلاً ولا أخاً
…
إذا لم تعد الشيء وهو يريب
وقال الدماميني قبل البيت الشاهد:
دعاك الهوى والشوق لما ترنمت
…
هتوف الضحى بين الغصون طروب
يجاوبها ورق الحمام لصوتها
…
فكل لكل مسعد ومجيب
وقوله: ومن يك أمسى إلى آخره. رحله: اسم أمسى، وبالمدينة: خبرها، وجملة أمسى: خبر يك، والرحل: المنزل وما يحتاج إليه المسافر من الأثاث. وقوله: فإني وقيار .. إلى آخره. هذا في الحقيقة ليس بجواب اسم الشرط، وإنما هو علته، وقامت مقامه، والأصل: فلست مثله، لأنني فيها غريب. وقال ابن خلف: يقول من كان بالمدينة بيته ومنزله، فلست من أهلها ولا لي بها منزل. انتهى.
وفيه انه ليس في هذا التقدير ولا في علته ضمير اسم الشرط الرابط بينهما وما قدرناه متكفل به، ثم قال: وزعم الخيل: أن قياراً اسم فرس له غبراء، ويقال: قيار اسم جملة، وقيل: اسم رجل، وقوله: وما عاجلات الطير إلى آخره: يريد الطير التي تقدم الطيران، وإذا خرج الإنسان من منزله، فإراد أن يزجر الطير، فما مر به في أول ما يبصر، فهو عاجلات الطير وإن أبطأت عنه، وانتظرها، فقد راثت، أي: أبطأت، والأول عندهم محمود، والثاني مذموم. يقول: النجح ليس بأن يعجل الطائر الطيران كما يقول الذين يزجرون الطير، ولا الخيبة في إبطائها، وهذا رد لمذهب الأعراب.
وقوله: ورب أمور .. إلى آخره. الضير: الضر والمخشاة، بفتح الميم مصدر ميمي بمعنى الخشية، والوجيب: الاضطراب. وقوله: إذا لم تعد الشيء
…
إلى آخره. يقول: إن لم تتعد الشيء المريب وتتجاوزه لأجل الصديق.
وضابئ؛ بالضاد المعجمة وبعد الموحدة همزة تكتب بصورة الباء، وهو ضبابئ
ابن الحارث التميمي البرمجي، بضم الموحدة وسكون الراء وضم الجيم، نسبة إلى البراجم، وهم ست بطون من أولاد حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم، لقبوا بالبراجم، لأن رجلاً منهم اسمه حارثة بن عامر، قال لهم: تعالوا نجتمع مثل براجم يدي هذه، ففعلوا؛ فسموا البراجم، وهي عقد الأصابع، وفي كل أصبع ثلاث براجم، وضابئ أدرك النبي، صلى الله عليه وسلم، وكان يقتنص الوحش، فاستعار من بعض نبي جرول بن نهشل كلباً اسمه قرحان، بضم القاف، وقيل: من بني عبد الله بن هوذة وكان يصيد به البقر والظباء والضباع، فطال مكثه عنده، فطلبوه، فامتنع، فركبوا يطلبون كلبهم، فقال لامرأته: اخلطي لهم في قدرك من لحوم البقر والظباء والضباع، فإن عافوا بعضاً وأكلوا بعضاً تركوا الكلب لك، وإن هم لم يعرفوا، فلا كلب لك، فلما أطعمهم أكلوا، ثم أخذوا كلبهم، فغضب ضبابئ، ورمى أمهم بالكلب في أبيات نقلناها في الشاهد التاسع والأربعين بعد السبعمائة من شواهد الرضي، فلما بلغهم الشعر، وأنه رمى أمهم بالكلب، استعدوا عليه عثمان بن عفان، رضي الله عنه، وكان يحبس على الهجاء، فأرسل إليه ونشده الشعر وقال له: ما أعرف في العرب أفحش ولا ألأم منك؛ فإني ما رأيت أحداً رمى أحداً بكلب غيرك، وإني لأظنك [لو كنت] في زمن النبي، صلى الله عليه وسلم، لنزل فيك وحي! فحسبه، فقال في الحبس هذه الأبيات، فلما سمعها، أخرجه من الحبس، فأخذ سكيناً [فجعلها] في أسفل نعله ليفتك بعثمان، فأعلم بذلك، فضربه، ورده إلى الحبس إلى أن مات فيه، وفي ذلك قال من أبيات أوردناها في الشاهد التاسع والأربعين بعد السبعمائة، من شواهد الرضي:
هممت ولم أفعل وكدت وليتي
…
تركت على عثمان تبكي حلائله