الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأنشد بعده، وهو الإنشاد التاسع والثلاثون بعد الثمانمائة:
(839)
يا أيها المائح دلوي دونكا
على أن دلوي لا يجوز أن تكون معمولة لدوك محذوفة، ولا بدونك المذكورة، لأن اسم الفعل لا يحذف، ويبقى معموله، ولا يتأخر عن معموله، وكلاهما جائز عند الكوفيين، والأول جائز عند الفراء، والثاني سائغ عند غيره منهم، قال في تفسيره عند قوله تعالى:(كتاب الله عليكم)[النساء/ 24]: هذا كقولك كتابا من الله عليكم، وقد قال بعض أهل النحو: معناه: عليكم كتاب الله، والاولاشبه بالصواب، وقلما تقول العرب: زيدا عليك، وزيدا دونك، وهو جائز، كأنه منصوب بشيء مضمر قبله، وقال الشاعر:
يآ أيها المائح دلوي دونكا
الدلو رفع، كقولك: زيد فاضربوه، هذا زيد فاضربوه، وتنصب الدلو بمضمر، كأنك قلت: دونك دلوي دونك. انتهى.
ورد عليه الزجاج في تفسيره، قال: كتاب الله منصوب على التوكيد، محمول على المعنى، لأن المعنى: حرمت عليكم أمهاتكم، كتب الله كتابا عليكم وقد يجوز أن يكون منصوبا على جهة الأمر، ويكون عليكم مفسرا له، فيكون المعنى: الزموا كتاب الله عليكم، ولا يجوز أن يكون منصوبا ب " عليكم"، لأن قولك:
عليك زيدا، ليس له ناصب في اللفظ متصرف، فيجوز تقديم منصوبه، وقول الشاعر
يا أيها المائح دلوي دونكا
يجوز أن يكون دلوي في موضع نصب بإضمار: خذ دلوي، ولا يجوز أن يكون على: دونك دلوي، لما شرحنا، ويجوز أن يكون دلوي في موضع رفع، المعنى:
هذه دلوي دونك. انتهى.
وفي جعله دلوي خبر مبتدأ، يكون دونك ظرفا في موضع الحال، قال الشيخ خالد في " التصريح": وفيه نظر، لأن المعنى ليس على الخبر المحض حتى يخبر عن الدلو بكونها دونه. ورد عليه الدووشري: وما المانع من أن يكون خبرا محضا قصد به التنبيه على أن الدلو أمامه، ويكون الدال على الأمر بأخذ الدول مقدرا، والتقدير: قتناوله. انتهى.
قال أبو محمد الأسود الأعرابي: أملى علينا أبو الندى قال: كان وائل بن صريم الغبري ذا منزلة من الملوك ومكان عندهم، وكان مفتوق اللسان حلوه، وكان جميلا، فبعثه عمرو بن هند اللخمي ساعيا على بني تميم، فأخذ الإتاوة منهم حتى استوفي ما عندهم غير بني أسيد بن عمرو بن تميم، وكانوا على طويلع، فأتاهم، فنزل بهم، وجمع النعم والشاء، فأمر بإحصائه، فبينا هو قاعد على بئر، أتاه شيخ منهم، فحدثه فغفل وائل، فدفعه الشيخ، فوقع في البئر، فاجتمعوا، فرموه بالحجارة حتى قتلوه وهم يرتجزون ويقولون:
يا أيها المائح دلوى دونكا إني رأيت الناس يحمد ونكا
وإنما هذا هزء به، فبلغ الخبر أخاه باعث بن صريم، فعقد لواء، ونادى
في غبر، فساروا، وآلى أن يقتلهم على دم وائل حتى يلقي الدلو، فيمتلئ دما، فقتل باعث منهم ثمانين رجلا، وأسر عدة، وقدم رجلا منهم يقال له قمامة، فذبحه حتى ألقى دلوه، فخرجت ملأى دما، ولم يزل يغير عليهم زمانا، وقتل منهم فأكثر حتى إن المرأة من بني أسيد كانت تعثر فتقول: تعست غبر، ولالقيت الظفر، ولا سقيت المطر، وعدت النفر. وقال باعث في ذلك:
سائل أسيد هل ثأرت بوائل أم هل أتيتهم بأمر مبرم
إذ أرسلوني مائحا لدمائهم فملأتها حتى العراقي بالدم
انتهى كلامه.
وغبر، بضم الغين المعجمة وفتح الموحدة: قبيلة، وأسيد، بضم الهمزة وتشديد الياء المكسورة، قال الجوهري: المائح: الذي ينزل البئر فيملأ الدلو، وذلك إذا قل ماؤها، والجمع ماحة، وقد ماح يميح، وأنشد البيت، وأما المائح بالمثناة الفوقية، فهو الذي يستقي الماء، يقال: متح الماء يمتحه متحا: إذا نزعه بالدلو، وبئر متوح للتي يمد منها باليدين على البكرة، وقد بسطنا الكلام على هذا في الشاهد الرابع والخمسين بعد الأربعمائة من شواهد الرضي.