الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أو أعانه، والرفد بالكسر الاسم منه، وأرفد مثله، واسترفدته: طلبت رفده، والمعنى: إني لست ممن يستتر في الأماكن المنخفضة مخافة الضيف أو غدر عدو إياي، ولكني أظهر، وأعين القوم إذا استعانوا بي إما في قري، وإما في دفع عدو.
والبيت من معلقة طرفة بن العبد، وقد بسطنا الكلام بأكثر من هذا في الشاهد السادس والتسعين بعد الستمائة من شواهد الرضي، وترجمة طرفة تقدمت في الإنشاد الرابع والستين بعد المائة.
وأنشد بعده، وهو الإنشاد الثامن والثلاثون بعد الثمانمائة:
(838)
لن تراها ولو تأملت إلا
…
ولها في مفارق الرأس طيبا
قال سيبيه في "باب ما يحذف منه الفعل لكثرته في كلامهم": ومن ذلك قول القطامي:
فكرت تبتغيه فوافقته
…
على دمه ومصرعه السباعا
وقال الآخر:
لن تراها ولو تأملت
…
.. البيت
وإنما نصبت هذا، لأنك حين قال: وافقته، وقال: لن تراها، فقد علم أن الطيب والسباع قد دخلا في الرؤية والموافقة، وأنهما قد اشتملا على ما بعدهما في المعنى. انتهى كلامه.
قال الأعلم: الشاهد فيه نصب السباع على إضمار الموافقة لما جرى من ذكرها في صدر البيت، والتقدير: فكرت تبتغيه، فوافقته، ووافقت السباع على دمه ومصرعه. هذا تقدير سيبويه، وقد أنكر المبرد ما ذهب إليه سيبويه في هذا البيت، وفي أبيات هي مثله، فقال: الحمل على المعنى لا يكون إلا بعد تمام الكلام والجملة في قوله: فكرت تبتغيه فوافقته لا تتم، لأنه يريد فوافقته على حال ما، فكيف يضمر فعلاً ينصب السباع، والكلام الأول لم يتم، وقال أبو إسحاق: الأول قد تم، لأن قوله: فوافقته، الضمير للولد وهي كانت تلتمس ولدها، ولم ترد أنها وافقته على حال من الأحوال، فلما كان المعنى يدل على هذا، واحتاج الشاعر إلى إيقاع الموافقة على الولد، أضمر للسباع الفعل الذي دل عليه أول الكلام، ودليله أن الوحشة لما وافقت ولدها متمزقاً يخور في دمه كانت كأنها وافقت السباع تقطعه بمصادفة آثار السباع فيه، والحمل على المعنى يختلف منه لم يأتي بعد تمام الكلام، كقولك: إن زيداً قائم وعمرو، عمرو محمول على موضع إن، ومنه ما يأتي بعد تمام الجملة، وله نظائر، ومنه ما يأتي قبل الكلام مثل قوله عز وجل:(ومِنْهُم مَّن يَسْتَمِعُونَ إلَيْكَ)[يونس/ 42] فحمل الصلة على معنى "من" والكلام لم يتم، والشاهد في قوله: "لن تراها
…
البيت" أنه أضمر فعلاً نصب طيباً، ودل على هذا الفعل المحذوف قوله: لن تراها في أول البيت، والفعل المحذوف: إلا ورأيت لها. يصف هذه المرأة بإدامة استعمال الطيب، والمعنى واضح. انتهى كلام الأعلم وابن خلف، وليس فيه أن الرؤية المقدرة فعل قلبي، وإنما قاله ابن جني في "الخصائص"، قال بعد إنشاد قوله: "لن تراها ولو تأملت
…
".
ولعمري إن الرؤية إذا لحقتها، فقد لحقت ما هو متصل بها، وفي ذلك شيئان، أحدهما: أن الرؤية وإن كانت مشتملة عليها، فليس لها طريق إلى الطيب في مفارقها، اللهم إلا أن تكون حاسرة غير مقنعة، وهذه مبتذلة لا توصف به الخفرات، ألا ترى إلى قول كثير:
وإني لأسمو بالوصال إلى التي
…
يكون سناء وصلها وازديارها
ومن كانت من النساء هذه حالها، فليست رذلة، ولا مبتذلة، وبه وردت الأشعار القيمة، والمولدة، وهي طريق مهيع، وإذا كان كذلك، وكان الرؤية لها ليس مما يلزم معه معه رؤية طيب مفارقها، وجب أن يكون الفعل المقدر لنصب الطيب مما يصحب الرؤية لا الرؤية نفسها، فكأنه قال: لن تراها إلا وتعلم لها، أو تتحقق لها في مفارق الرأس طيباً، غير أن سيبويه حمله على الرؤية، وينبغي أن يكون على ما تدل عليه الرؤية من الفعل الذي قدرناه.
والآخر: أن هذه الواو في قوله: ولها كذا هي واو الحال، وصارفة للكلام إلى معنى الابتداء، فقد وجب أن يكون تقديره: لن تراها إلا وأنت تعلم، أو تتحقق، أو تشم، فتأتي بالمبتدأ، وتجعل ذلك الفعل المقدر خبراً عنه، فاعرف ذلك. انتهى كلام ابن جني، ولم يأت المصنف بذكر المبتدأ وبناء الفعل المقدر عليه.
والبيت نسبه شراح شواهد سيبويه لعبد الله بن قيس الرقيات من قصيدة، وتقدمت ترجمته في الإنشاد الثامن والأربعين.