الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأنشد بعده ، وهو الإنشاد الثامن والعشرون بعد الثمانمائة:
(828)
وتسخن ليلة لا يستطيع
…
نباحا بها الكلب إلا هريرا
على أن رجوع الضمير الرابط من الجملة المضاف إليها إلى المضاف نادر ، فإن ضمير بها راجع إلى ليلى ، وكونه نادرا غير مسلم، فإن المضاف يجوز أن يعود عليه الضمير ، سواء كان مضافا إلى مفرد ، أم إلى جملة ، وليس بلازم ، فقد يخلو من رجوع ضمير عليه.
والبيت من قصيدة للأعشى ميمون البكري مدح بها هوذة بن علي الحنفي من بكر ابن وائل ، ومطلعها:
غشيت لليلى بليل خدورا
…
وطالبتها ونذرت النذورا
فبانت وقد أسأرت في الفؤا
…
د صدعا على نايها مستطيرا
كصدع الزجاجة ما تستطيع
…
كف الصناع لها أن تحيرا
مليكية جاورت بالحجا
…
ز قوما عداة وأرضا شطيرا
وتفتر عن بارق مشرق
…
كشوك السيال أسف النؤورا
كأن جنيا من الزنجبيل
…
بفيها وراحا وأريا مشورا
إذا هي تانى تريد القيام
…
تهادى كما قد رأيت البهيرا
لها مالك كان يخشى القراف
…
إذا خالط الحب منه الضميرا
فبان بحسناء براقة
…
على أن في الطرف منها فتورا
مبتلة الحلق مثل المها
…
ة لم تر شمسا ولا زمهريرا
ترى الحز تلبسه ظاهرا
…
وتبطن من تحت ذاك الحريرا
وتبرد برد رداء العرو
…
س بالصيف رقرقت فيه العبيرا
وتسخن ليلة لا يستطيع
…
نباحا بها الكلب غلا هريرا
الحدور: الستور التي تخدر فيها النساء ، وبانت: فارقت ، واسارت: أبقت ، والمستطير: المنتشر ، والصناع بالفتح: الحاذقة الماهرة بعمل اليدين ، أن تحير: أن ترجع ، وأن ترد من قولهم: ما أحار شيئا ، ومليكية: منسوبة إلى مليك مصغر مالك ، والشطير: البعيد ، والغريب أيضا ، والعداة: الأعداء ، وتفتر: تكشف وتبسم عن ثغر بارد ، والسيال بالفتح: شجر له شوك صغار يشبه بحدتها الاشر، واسف، بالبناء للمفعول: ذر ، والنؤور: دخان يتصعد في إناء ، ثم يؤخذ للوشم يذر على الأسنان فتخضر ، والجنى: كل ما يجنى من الشجر ، والراح: الخمر ، والاري: العسل ، وشاره: إذا اجتناه ، وتانى ، أي: تتهيأ ، تهادى: تتمايل في مشيها ، واصله تتهادى ، والبهير: المتتابع النفس ، فبان ، أي: فبعد ، والبراقة: من البريق واللمعان ، وروى رقراقة ، قال الجواليقي في شرح "أدب الكاتب ": أي: بيضاء ناعمة ، ويقال:
هي التي يبرق وجهها كأن الماء يجري فيه، والطرف: اسم جامع للبصر ، وهي هنا تحريك الجفون ، والفتور: الاسترخاء ، وإنما يستحسن الفتور في الجفون ولا في نفس البصر ، والمبتلة: التامة الخلق ، ولا يوصف به الرجل ، ويقال: المبتلة التي يركب لحمها بعضه بعضا ، وقيل: هي المنقطعة عن النساء لها عليهن فضل ، والمها: بقر الوحش الواحدة مهاة ، والمها: البلورة أيضا ، وقوله: لم تر شمسا ، اي: هي في كن لم تجد حرا ولا بردا.
وقوله: وتبرد برد رداء .. إلى اّخره وقال شارح ديوانه: هذا مدح في النساء كما قال طرفة:
تطرد القر بحر ساخن
…
وعكيك القيظ إن جاء بقر
ورقرقت، أي: تلألأ لما طلته به، أو علق به، والعبير هنا: الزعفران وحده، وعند بعضهم: أخلاط من الطيب. انتهى.
وقال الجواليقي، أي: تبرد هذه المرأة في الصيف برداً مثل برد رداء العروس إذا رقرقت فيه العبير، أي: صبغته [بالزعفران] وصقلته، أي: قد جمعت في الصيف البرد، وطيب الرائحة، والعبير: الزعفران وحده، ثم قال: وتسخن إلى آخره، يقول: هي حارة في الليلة الشديدة البرد التي لا يقدر الكلب فيها على النباح من شدة البرد إلا أن يهر هريراً، وهو دون النباح، وهذا كما قال الآخر:
سخنة في الشتاء باردة الصيف سراج في الليلة الظلماء
انتهى.
والهرير: أن ينبح وخيشومه في بطنه من شدة البرد.
قال المرزباني في "الموشح": حدثني عبد الله بن أحمد عن أبي العباس المبرد قال: قال الأعشى:
وتبرد برد رداء العروس
…
إلى آخر البيتين.
هذا الكلام تقبل واستحسن، ثم قال في عيبه: إنه أتى به في بيتين، وطول به الخطاب، وأجود منه قول طرفة:
تطرد البرد بحر ساخن
…
وعكيك القيظ إن جاء بقر
وقيل: هذا أجمع وأخصر. انتهى.
وقال ابن السيد في شرح "أدب الكاتب": وصف المرأة بصحة الجسم، واعتدال المزاج، فيقول: إذا ضاجعتها في الصيف، وجدتها باردة الجسم كبرد
رداء العروس إذا رقرق فيه العبير، أي: جعل رقيقاً، وذلك حتى يصير أملس، وإذا ضاجعتها في البرد الشديد الذي لا يقدر فيه الكلب على النباح، وجدت جسمها سخناً، والباء في قوله: بالصيف بمعنى في، وجملة "رقرقت فيه العبير" حال من الرداء جارية على غير من هي له، ولو جعلت مكان الفعل الحال المحضة لقلت: مرقرقاً فيه العبير أنت، فأبرزت الضمير، ولوقلت: رقرق فيه العبير، ثم أظهرت الحال، لقلت مرقرقاً فيه العبير، ولم تظهر الضمير، وفيه: متعلق برقرقت، وفي البيت تقديم وتأأخيرك وتقديره: وتبرد بالصيف برد رداء العروس [فالباء متعلقة بتبرد، وبرد رداء العروس] منصوب على المصدر المشبه به، والتقدير: وتبرد برداً مثل [برد] رداء العروس. انتهى.
وفي "أمالي الزجاجي الصغرى والوسطى": أخبرنا أبو بكر بن دريد، قال: أخبرنا أبو حاتم عن أبي عبيدة قال: قال ابن دأب: "إنما سمى الناس الطيب: الغالية والساهرية والعبير ببنات عبد بن عبد الله بن صخر بن نافع بن سلف بن يقظان من أهل اليمن من العرب العاربة، وكان له ثلاث بنات يقال لهن: الغالية والساهرية والعبير، اجتمعن فسحقن مسكاً وعنبراً وعوداً فخلطته الغالية بالبان، فقيل: هذا طيب الغالية، وخلطته الساهرية بالزنبق، فقيل: هذا طيب الساهرية، وخلطته العبير بماء الورد، فقيل: هذا طيب العبير، قال أبو القاسم: هكذا روي