الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يريد: فوجدت العيش من حبيب، وقيل: لإنه في موضوع الوصف لأحد، كأنه قال: ليس يفني عيشه أحد من الأولياء والأعداء لا يلاقي فيه ما يكرهه. وقوله: رمت الخطوب، أي: رمت معرفة الخطوب، وهي الأحوال المختلفة، يعني: أنه طلب معرفة الأشياء، وبحث عنها وهو حدث، والأطوار: الأحوال المختلفة، يقول: وجدت عيش الإنسان في طول عمره يختلف، فتارة يستغني، وتارة يفتقر، وتارة يصح، وتارة يمرض، وتارة يصيب، وتارة يخطئ، وقوله: ليس يفني عيشه، يريد: أزمان عيشه، والإمعار: الافتقار وتغير الحال. وقوله: "أو أخي ثقة "أي: من صديق حميم يوثق به في الشدة. هذا آخر كلامه.
والجيد أن تكون للبيان، فتكون مع مجرورها في موضع الحال من أحد، ورمت مصدره الروم: وهو الطلب، وفتى، أي شاباً، حال من التاء في "رمت" ويفني: مضارع أفناه، وعيشه: مفعوله مضاف إلى الضمير، وأحد: فاعله، والعيش: مصدر عاش، أي: صار ذا حياة، وجملة "لا يلاقي" إلى آخره، صفة لأحد، والإمعار، بالكسر مصدر أمعر، بالعين المهملة. وهذه الأبيات من قصيدة لعدي بن زيد العبادي، تقدم أبيات من أولها في الإنشاد الخامس بعد الثلاثمائة، ومطلعها:
يا لبينى أوقدي نارا
…
إن من تهوين قد حارا
وعدي هذا جاهلي تقدمت ترجمته في الإنشاد الواحد والسبعين بعد المائتين. وقال السيوطي وتبعه ابن الملا في شرحه: هو عدي بن زيد بن حارث التيمي، وهذا خلاف الواقع، فإن عدياً هذا عبادي لا تيمي.
وأنشد بعده، وهو الإنشاد التاسع والتسعون بعد الستمائة:
(699)
فظل طهاة اللحم من بين منضج
…
صفيف شواء أو قدير معجل
على أن البغداديين أجازوا إتباع المنصوب بمجرور، قال الفراء في "تفسيره": قوله تعالى: (وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ)[الأنعام: 96] الليل في موضع نصب في المعنى، فرد الشمس والقمر على معناه لما فرق بينهما، بقوله:"سكناً"، فإذا لم يفرق بينهما آثروا الخفض، وقد يجوز أن ينصب وإن لم يحل بينهما بشيء، أنشد بعضهم:
بينا نحن ننظره أتانا
…
معلق وفضة وزناد راعي
وتقول: "أنت آخذ حقك وحق غيرك"، فتضيف في الثاني، وقد نونت في الأول، لأن المعنى في قولك:"أنت ضارب زيداً وضارب زيد سواء"، وأحسن ذلك أن تحول بينهما بشيءٍ كما قال امرؤ القيس:
فظل طهاة اللحم من بين منضج
…
. . . . . البيت
فنصب الصفيف، وخفض القدير على ما قلت لك. انتهى.
وأبو جعفر النحاس لم يشرط المحرز، فإنه قال في شرح معلقة امرئ القيس: وقد أجاز سيبويه مثله، إنه كان يجوز أن يقال:"من بين منضج صفيف شواء"، فحمل قديراً على صفيف لو كان مخفوضاً، وشرح هذا: أنك إذا عطفت الثاني عليه، جاز لك أن تعربه بإعراب الأول، وجاز لك أن تعربه بما كان يجوز في الأول، فيقال: هذا ضارب زيد وعمرو، وإن شئت قلت: هذا ضارب زيد وعمراً، لأنه قد كان يجوز لك أن تقول: هذا ضارب زيداً وعمراً، وإن شئت قلت: هذا ضارب زيداً وعمرو، لأنه قد كان يجوز لك أن تقول: هذا ضارب زيد وعمرو، فهذا يجيء على مذهب سيبويه. وأنشد:
مشائيم ليسوا مصلحين عشيرة
…
ولا ناعب إلا ببين غرابها
وأبو عثمان المازني، وأبو العباس المبرد، لا يجيزان هذه الرواية، والرواية عندهما:"ولا ناعباً"، لأنه لا يجوز أن يضمر الخافض، لأنه لا يتصرف وهو
من تمام الاسم، وأما القول في البيت: فإن قديراً: معطوف على "منضج" بلا ضرورة والتقدير: ومن بين منضج قدير، ثم حذف منضج وأقام قديراً مقامه في الإعراب كما قال تعالى:(وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ)[يوسف: 82] انتهى كلامه.
وهذا هو التخريج الجيد، وقد اعتمده أبو علي في كتاب "إيضاح الشعر" قال: القول فيه: إنه على حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه، كأنه: من بين منضج، أو متخذ قدير، ألا ترى أن "بين" ههنا تقتضي الإضافة إلى اثنين متجانسين من حيث كان تبييناً للطهاة، فإذا كان كذلك علمت أنه مثل قوله: سل القرية، وعلمت أيضاً أنه لا حجة فيه لمن أجاز: هذا ضارب زيداً وعمرو، إذا "القدير" ليس بمعطوف على "الصفيف"، إنما هو معطوف على الاسم المشارك في "بين"، وإنام حذف اسم الفاعل، وأقام المضاف إليه مقامه، لأن "بين" تقتضيه، وفي الكلام دلالة على حذفه من حيث ذكرنا. انتهى كلامه.
وقال أبو حيان في تذكرته: أجاز الكوفيون: "هذا ضارب زيداً وعمرو" بالخفض محمولاً على زيد، لأنه يكون مخفوضاً، وعلى ذلك حملوا:
"فظل طهاة اللحم
…
البيت" ولا حجة فيه، ولا في الجواز، لأنه يمكن أن يقدر: أو منضج قدير، فحذفه، وجعله بمنزلة المثبت لتقدم ذكره، ولا يبعد عطفه على شواء، وأو بمعنى الواو، وبين تقتضي ذلك. انتهى.
والبيت من معلقة امرئ القيس، وصف كثرة ما صاد بفرسه، فكثر عنده لحم الصيد، والطهاة جمع طاه من الطهو والطهي وهما إنضاج اللحم، والإنضاج يشتمل على طبخ اللحم وشيه، والصفيف: المصفوف على الحجارة لينضج، يقول: ظل المنضجون اللحم وهم صنفان: صنف ينضجون شواء مصفوفاً على الحجارة في النار، وهو المسمى بالكباب، وصنف يطبخون اللحم في القدور، ووصف القدير بمعجل، لأنهم كانوا يستحسنون تعجيل ما كان من الصيد ويستظرفونه. ومن في قوله "من بين" للتفصيل والتفسير نحو: هم من بين عالم وزاهد، أي إنهم لا يعدون هذين الصنفين. وترجمة امرئ القيس تقدمت في الإنشاد الرابع.