الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وهما لقيس العامري الشهير بمجنون ليلى، والكلام كالكلام فيما قبله، وترجمة مجنون ليلى تقدمت في الإنشاء السابع عشر من أوائل الكتاب.
وأنشد بعده، وهو الإنشاد الثالث والخمسون بعد السبعمائة:
(753)
وتشرق بالقول الذي قد أذعته
…
كما شرقت صدر القناة من الدم
على أن "صدر" اكتسب التأنيث من القناة بالإضافة، ولذلك أنث الفعل المسند إليه وهو "شرقت" وأورده سيبويه في كتابه، قال ابن خلف: الشاهد فيه أنه أنث "شرقت"، والفعل "للصدر"، لأنه مضاف إلى القناة، وهو بعضها، فالخبر عنه كالخبر عما أضيف إليه، لأن المعنى في شرقت القناة، وشرق صدر القناة واحد: لأن الضاف يكتسب من المضاف إليه عشرة أشياء، وهي: التعريف، والتنكير، والاستفهام، والشرط، والتأنيث، والتذكر، والبناء، ومعنى الظرف من الزمان والمكان، ومعنى المصدر، وقال المبرد في هذا: مجاظه الضرورات عند النحويين، وليس عندي كذلك، بل هو جائز في غير الشعر، وإن منه قراءة الحسن:(يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ)[يوسف: 10] قال: وصدر القناة من القناة، وذكر قول الله عز وجل:(فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِين)[الشعراء: 4]
[الشعراء/4]، ويجوز أن يقحم الصدر، ويعتمد على القناة. قال شيخنا أبو محمد عبد الله بن بري: صواب إنشاد البيت "وتشرق" بالنصب عطفاً على "تهره" في بيت قبله، وهو:
لئن كنت في جبٍ ثمانين قامة
…
ورقيت أسباب السماء بسلم
ليستد رجنك القول حتى تهره
…
وتلعم أني لست عنك بمحرم
وتشرق بالقول
…
البيت
يخاطب الأعشى بهذا الشعر عمير بن عبد الله لبن المنذر. من بني ثعلبة يقول: أنت لا تعتصم من هجائي بشيء، ولا يمكنك دفعه، فلئن جعلت في قرار الأرض، أو أصدعت إلى السماء، ليلحقنك من هجائي ما لا تطيقه، والجب: البئر القديمة، ووصفها بأن طولها ثمانون قامة، وأسباب السماء: المواضع التي يتوصل إليها منها، أراد: ورقيت إلى أسباب السماء، فحذف حرف الجر، ولم يرد لئن كنت في جب في حال، ورقيت أسباب السماء في حال أخرى، ولم يمكنه أن يقول: أو رقيت لآجل الشعر، والاستدراج: إيقاع الإنسان في بلية ما كان ثيشعر بها، وتهره: تكرهه، والقول الذي قد أذاعه: هو الذي نشره، وحدث به من يحمله إلى الآفاق، يعني: ما نشره من سب الأعشى وشتمه، والمحرم: الذي قد دخل في الشهر الحرام، والداخل في البلد الحرام، وهو المحرم بالحج، وهو الذي له حرمة وذمام، يقول: لست أمتنع من هجائك في حال من الأحوال، كما يمتنع الذي يدخل في الشهر الحرام، والبد الحرام من أن يقاتل أحداً، أو يؤذيه.
ومعنى تشرق: ينقطع كلامك في حقك، يرد: أنه ينقطع كلامك حتى
لا تقدر على أن تتكلم لما تسمعه من هجائي لك، كما شرقت صدر القناة، يريد: أن الدم إذا وقع على صدر القناة، وكثر عليها، لم يتجاوز الصدر إلى غيره لأنه يجمد عليه، فأراد أن كلامه يقف في حلقه، ولا يمكنه إخراجه كما يقف الدم على صدر القناة، فلا يذهب، وقال سليمان بن يوسف بن عيسى النحوي: يخاطب بالبيت يزيد بن مسهر الشيباني، وكانت بينهما مباينة ومهاجاة. إلى هنا كلام ابن خلف، وهذا كلام المبرد في "الكامل" عند قوله جرير:
إذا بعض السنين تعرقتنا
…
كفى الأيتام فقد أبي اليتيم
قال قوله: "إذا بعض السنين تعرقتنا" يفسر على وجهين، أحدهما: أن يكون ذهب إلى أن بعض السنين، لأنه سنة وسنون، كما قال الأعشى:
وتشرق بالقول الذي قد أذعته
…
. . . . . البيت
لأن صدر القناة قناة، ومن كلام بعض العرب: ذهبت بعض أصابعه، لأن بعض الأصابع أصبع، فهذا قول، والأجود: أن يكون الخبر في المعنى عن المضاف إليه، وأقحم المضاف توكيداً، لأنه غير خارج من المعنى، وفيكتاب الله عز وجل (فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِين) [الشعراء: 4] إنما المعنى: فظلوا لها خاضعين، والخضوع بين في الأعناق، فأخبر عنهم، فأقحم الأعناق توكيداً، وكان أبو زيد الأنصاري يقول: أعناقهم: جماعتهم، ويقول: أتاني عنق من الناس، والأول قول عامة النحويين. انتهى.
وأورده الفراء في "تفسيره" عند قراءة الحسن: (يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ [يوسف: 10] وقال: العرب إذا أضافت المذكر إلى المؤنث وهو فعل له، أو هو
بعض له، قالوا فيه بالتأنيث والتذكير، وأنشد أبياتاً وقال: وإنما جاز هذا كله، لأن الثاني يكفي عن الأول، ألا ترى أنه لو قال: تلتقطه السيارة، لجاز، ولا يجوز: ضربتني غلام جاريتك، لأنك لو ألقيت الغلام، لم تدخل الجارية على معناه.
وكذلك قال في سورة لقمان عند قوله تعالى: (يَابُنَيَّ إِنَّهَا إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ)[لقمان: 16] برفع مثقال لو قرئ به، قال: وجاز تانيث "تك" زالمثقال ذكر، لأنه مضاف إلى الحبة، والمعنى للحبة، فذهب التأنيث إليها كما قال:
وتشرق بالقول الذي قد أذعته
…
. . . . . البيت
وأنشد صاحب "الكشاف" عند قوله تعالى: (وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا)[آل عمران: 103] بإرجاع ضمير "منها" إلى "شفا" وهو مذكر لإضافته إلى مؤنث.
وشرق يشرق من باب "فرح" بمعنى غص، يقال: شرق بالماء وبريقه: إذا لم يطق بلعه، وغص باللقمة، يريد: وتشرق بكلامك بسبب القول الذي قلته في، وهجوتي به، فاستعمال الشرق في الموضعين استعارة عن عدم القدرة على الكلام في الأول، وعن جمود الدم على صدر القناة من غير تجاوزت عنه في الثاني، و "ما" في "كما" مصدرية، والمعنى: تشرق بسبب القول الذي أفشيته للناس من هجائي كشرق صدر القناة بالدم، ولا تشربه، والمراد: أنه إذا هجاه لا يبرح عنه هجوه