الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأما الكوفيون، فيقولون: هذا اسم موصول، وجملة "تحملين" صلة، وحذف العائد، لكونه ضمير نصب، أي: والذي تحملينه طليق.
والبيت أول أبيات ثمانية ليزيد بن ربيعة بن مفرغ الحميري البصري، ذكره الجكحي في الطبقة السابعة من شعراء الإسلام، ولقب جده مفرغاً، لأنه راهن على شرب سقاء لبن، فشربه حتى فرغه، فسمي مفرغاً، وكان يزيد هجاءً، فهجا عباد بن زياد بن سمية، وهو والي خراسان، وشاع هجوه الكثير بين الناس، فظفر به، فسجنه، وأراد قتله، فشفع في هقومه عند معاوية، فشفعهم، وبعث بريداً يقال له خمخام إلى البصرة، فأخرجه من الحبس قبل أن يشعر به عباد، فلما قدمت إليه بغلة، نفرت، فخاطبها بقوله:
عدس ما لعباد عليك إمارة
…
. . . . . البيت
وعدس: فيه أقوال كثيرة، أشهرها: كونه كلمة زجر للبغل.
وعباد هذا: هو أخو عبيد الله بن زياد، الذي قاتل الحسين بن علي، رضي الله عنه، في كربلاء، والإمارة: الحكومة، وطليق: مطلق، وقد شرحنا هذه الأبيات، وذكرنا سبب هجوه إياه مع ترجمة يزيد، وبسطنا الكلام عليها في الشاهد الثامن والعشرين بعد الأربعمائة، وفي الشاهد الثالث بعد الثلاثمائة من شواهد الرضي.
وأنشد بعده، وهو الإنشاد الثالث بعد السبعمائة:
(703)
رددت بمثل السيد نهد مقلص
…
كميش إذا عطفاه ماء تحلبا
على أن ابن مالك استدل به على جواز تقدم التمييز على عامله المتصرف كالحال، فإن "ماء" تمييز، وعامله "تحلب"، وحكم عليه المصنف بالسهو، وقد بينه. وابن مالك في هذا التجويز تابع لابن الشجري، فإنه جوز أن يكون التمييز منصوباً ب "تحلب" مع كون عطفاه فاعلاً بفعل محذوف يفسره المذكور. وقد اورد هذا، البيت في المجلس الخامس من "أماليه" وقال: إن احتج محتج لمن أجاز "عرقاً تصبب" فالدافع له أن يقول: إن العامل في الماء هو الرافع للعطفين من حيث كان التقدير: إذا تحلب عطفاه ماء، فإن قيل: لم نجد اسمين معاً مرفوعاً ومنصوباً عمل فيهما فعل مضمر! قيل: بلى، قال سيبويه في "باب ما ينتصب على إضمار الفعل المتروك إظهاره": من ذلك قول العرب: أما أنت منطلقاً انطلقت معك، أي: لأن كنت منطلقاً انطلقت معك، وهذا الذي ذكره من مجيء اسمين مرفوع ومنصوب مضمر، وإن لم يكثر، فإنه قد ورد، ولو زعم زاعم أن "عطفاه" رفع بالفعل المضر، وأن "ماء" منتصب بقوله:"تحلباً" على قول من روى:
وما كان نفساً بالفرق تطيب
لم يبعد قوله. انتهى كلامه باختصار.
والبيت من قصيدة لربيعة بن مقروم الضبي، عدتها خمسة وعشرون بيتاً وهي مسطورة في "المفضليات" ومطلعها:
تذكرت والذكرى تهيجك زينبا
…
وأصبح باقي وصلها قد تقضبا
وحل بفلج فالأباتر أهلها
…
وشطت فحلت عمرة فمثقبا
فإما تريني قد تركت لجاجي
…
وأصبحت مبيض العذارين أشيبا
فيارب خصم قد كففت دفاعه
…
وقومت منه درأه فتنكبا
ومولى على ضنك المقام نصرته
…
إذا النكس أكبى زنده فتذبذبا
وأضياف ليل في شمال عرية
…
قريت من الكوم السديف المرعبا
وواردة كأنها عصب القطا
…
تثير عجاباً بالسنابك أصهبا
وزعمت بمثل السيد نهد مقلص
…
البيت
…
قوله: تذكرت: خطاب لنفسه، وهاجه الشيء: أثاره، يتعدى لمفعول واحد وهنا قد تعدى إلى مفعولين في الظاهر، وليس بمذكور في كتب اللغة، وفاعل تهيجك: ضمير الذكرى، والكاف مفعول تهيج على حذف مضاف، أي: تهيج شوقك لزينب، أو من أجل زينب، فزينب منصوب بنزع الخافض، وتقضب، بالقاف والضاد المعجمة، أي: تقطع، ولم يكتب ابن الأنباري لشرح هذا البيت شيئاً.
وقوله: "وحل بفلج .. إلى آخره" فلج، بفتح الفاء وسكون اللام بعدها جيم: موضع، والأباتر: بضم الهمزة بعدها موحدة، وبعد الألف مثناة فوقية: موضع أيضاً، وشطت: بعدت، وحلت: نزلت، وعمرة، بفتح العين المهملة وسكون الميم: موضع أيضاً، ومثقب: بضم الميم بعدها ثاء مثلثة، وفتح القاف المشددة، موضع أيضاً.
وقوله: "فإما تريني .. إلى آخره" أصله: "إن ما" وإن شرطية، وما زائدة، واللجاجة: اللج والعناد، وقوله:"فيارب خصم" الفاء في جواب إن، و "يا" للتنبيه، ورب: للتثكير، والدفاع: المافعة، وقومت: عدلت، والدرء: المخالفة والمدافعة، وتدار أالقوم في الأمر: تدافعوا واختلفوا، وتنكب عن الشيء: عدل عنه.
وقوله: "ومولى على ضنك .. إلى آخره" قال ابن الأنباري في شرحه: قال الضبي: المولى هنا الولي، والضنك: الضيق، أي: نصرته على ضيق من الأمر
وشدة حتى دفعت عن الظلم، والنكس، بكسر النون: الردئ من الرجال، وأكبى زنده: لم يأت بنارٍ، يريد: أنه لم يكن عنده نصرة، فتذبذب: لم يثبت على شيء.
وقوله: وأضياف ليل، بالجر، معطوف على مجرور رب، كالبيت قبله. قال ابن الأنباري: يريد أنه: قرى ضيفانه في ليلة باردة، والسديف: شطب السنام، والمرعب: بالراء والعين المهملتين: المقطع، والكوم: جمع كوماء: وهي العظيمة السنام.
وقوله: "وواردة كأنها .. إلى آخره"، وهذا أيضاً، معطوف على مجرور رب، وغفل السيوطي، فجعل الواو العاطفة واو رب. قال ابن الأنباري: الواردة: قطع من الخيل، وعصب القطا: جماعاتها، الواحدة عصبة، شبه الخيل في سرعتها بالقطا في سرعته، وقال غير الضبي: العصب: جمع عصبة، وهي العشرة عدداً من كل شيء، وأصهب: يعني الغبار في لونه.
وقوله: "وزعت بمثل السيد .. إلى آخره" هذا جواب رب، قال ابن الأنباري: وزعت: كففت، وفي الحديث:"لابد للناس من وزعة" أي: كففة يكفونهم، والسيد: الذئب، والنهد: الضخم، والمراكل: جمع مركل كجعفر: موضع عقبي الفارس من جنبي الفرس، يصف انتفاخ ذلك الموضع، والمقلص، بكسر اللام المشددة: الطويل القوائم، وكميش، بفتح الكاف وكسر الميم: الجاد في عدوه، منكمش: مسرع، ويروي: جهير، بفتح الجيم: الشديد الجري، وعطفاه: جانباه، شبه فرسه بالذئب في سرعته وتحلب عرقه من شدة الجري، فقطر عرقه كالماء القاطر.
قال ابن الأنباري: ربيعة بن مقروم: ينتهي نسبه إلى ضبة بن أد، وكان ممن أصفق عليه كسرى، ثم عاش في الإسلام، وهو مسلم، وشهد القادسية. انتهى. وتقدمت ترجمته في الإنشاد التاسع والستين بعد المائتين.