الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأنشد بعده، وهو الانشاد الثالث والثمانون بعد السبعمائة:
(783)
لسنا كمن حلت إياد دارها
…
تكريت تمنع حبها أن يحصدا
أورده أبن جني في بابين من "الخصائص" الأول باب شجاعة العربية قال: أنشده أبو الحسن، ومعناه: لسنا كمن حلت دارها، ثم أبدل "إياد" من "من" فإن حملته على هذا، كان لحنا لفصله بالبدل بين بعض الصلة وبعض، فجري ذلك في فساده مجرى قولك: مررت بالضارب زيد جعفرا، وذلك أن البدل إذا جرى على المبدل منه آذن بتمامه وانقضاء أجزائه، فكيف يسوغ لك أن تبدل منه وقد بقيت منه بقية هذا خطأ في الصناعة، وإذا كان كذلك، والمعنى عليه، أضمرت ما يدل عليه "حلت" فتنصب به الدار، فصار تقديره: لسنا كمن حلت إياد، أي: كإياد التي حلت، ثم قلت من بعد: حلت دارها، فدل "حلت" في الصلة على "حلت" وهذه التي نصبت دارها.
وذاكرت المتنبي شاعرنا نحوا من هذا، وطالبته به في شيء من شعره، فقال: لا أدري ما هو إلا أن الشاعر قال: "لسنا كمن حلت .. البيت". فعجبت من ذكائه، وحضوره مع قوة المطالبة له حتى أورد ما هو في معنى البيت الذي تعقبته عليه من شعره، واستكثرت ذلك منه، والبيت قوله:
وفاؤكما كالربع أشجاه طاسمه
…
أنتهى.
والثاني: باب تجاذب المعاني والإعراب، قال: ومن ذلك ما انشده أبو الحسن:
لسنا كمن حلت. .
…
. . . . . البيت.
فإياد يدل من "من"، وإن كان كذلك. لم يمكنك أن تنصب دارها بحلت هذه
الظاهرة لما فيه من الفصل، فيحسن ما تضمر لها فعلا بتناوله، فكأنه قال فيما بعد: حلت دارها، وإذا جازت دلالة المصدر على فعله، والفعل على مصدره، كانت دلالة الفعل على الفعل الذي هو مثله أدنى إلى الجواز وأقرب مأخذا في الاستعمال. أنتهى.
وحلت: نزلت، وفي نسخ هذا الكتاب جعلت وهو تحريف من النساخ. وإياد: قبيلة من معد، تكريت، بفتح أوله: بلد بشاطئ الفرات، سميت بتكريت بنت وائل، وهي عطف بيان لدارها، وتنظر معناه: تنظر، و"تمنع" من تحريف النساخ. وروي "ترقب" بمعنى: تنظر المذكورة، وحبه، أي: حب تكريت باعتبار البلد، ويروى حبها، والضمير لإياد، والمراد به الزرع مثل البر والشعير والذرة والدخن وما أشبه ذلك، مما يؤكل ويحصد بالبناء للمفعول من حصد الزرع: إذا أخذه من منبته بمنجل وغيره بعد استوائه، يريد أن قبيلة إياد أهل زرع وفلاحة معيشتهم بزرعهم، فهم ينتظرون إدراكه، وليسوا بأصحاب إبل ولا بداوة.
والبيت من قصيدة للأعشى ميمون البكري كتبها عن قومه، وأرسلها إلى كسرى أنوشروان لما طلب منهم الدخول في حكمه، فأبوا. قال بعد أبيات كثيرة من أولها:
من مبلغ كسرى إذا ما جاءه
…
عنا وأبلغ من سعى وتجردا
التجرد: التخفف للسير. تجرد للسفر: إذا اكتفى بأخف ثيابه.
آليت لا أعطيه من ابنائنا
…
رهنا فيفسدهم كمن قد أفسدا
كلا وبيت الله حتى تنزلوا
…
من رأس شاهقة إلينا الاسودا
لنقاتلنكم على ما خيلت
…
ولتحفلن لمن بغى وتمردا
ما بين عانة والفرات كأنما
…
جس الغواة به ضراما موقدا