الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وتقدم الكلام عليه في الإنشاد الثاني والعشرين بعد الأربعمائة.
وأنشد بعده، وهو الإنشاد الثامن والعشرون بعد السبعمائة:
(728)
غير أنا لم تأتنا بيقين
…
فنرجي ونكثر التأميلا
على أن الفا للاستئناف، ونرجي مبني على مبتدأ محذوف، أي: فنحن نرجي. قال سيبويه: في باب الفاء من "الكتاب" في بيان أوجه "ما تأتينا فتحدثتا": وإن شئت، رفعت على وجه آخر، كأنك قلت: فأنت نحدثنا، ومثل ذلك قول بعض الحارثيين:
غير أنا لم تأتنا بيقين
…
البيت
كأنه قال: فنحن نرجي، فهذا في موضع مبني على المبتدأ. انتهى. وقد تكلمنا عليه بأكثر مما هنا في الشاهد الخامس والستين بعد الستمائة من شواهد الرضي.
وأنشد بعده، وهو الإنشاد التاسع والعشرون بعد السبعمائة:
(729)
ولقد تركت صبية مرحومة
…
لم تدر ما جزع عليك فتجزع
وروى:
"ولقد تركت صغيرة مرحومة "
على أن معناه: لم تجزع لكونها لم تعرف الجزع لصغرها، وهذا هو الذي يتادر إليه الذهن، وذهب ابن جني في "إعراب أبيات الحماسة" إلى خلاف هذا،
فإثبت لها الجزع مع كونها لم تعرفه، ومنشؤه أنه لم يجعل الفاء للسببية المحضة، كما جعل المصنف، بل جوز أن تكون عاطفة وزائدة واستئنافية، قال: هذا البيت طريف غريب الحديث، وذلك أنه ليس بجواب، لأنه مرفوع، ولو كان منصوباً جواباً، لكان أوفق معنى، وأسلب طريقاً، ولا قبله أيضاً فعل مرفوع، فيعطف عليه، ولهذا كان غريباً، غير أن هذا وجهه عندي أن يكون قوله:"فتجزع" صفة لقوله: "مرحومة أو صغيرة"، ويكون معطوفاً على جملة قوله:"لم تدر ما جزع عليك"، لأن هذه الجملة صفة لقوله:"صغيرة أو مرحومة"، فكأنه قال: لقد تركت صغيرة جاهلة بالجزع، فجازعة مع ذلك، فلما وقع "تجزع" موقع الاسم، ارتفع، فجرى مجرى قولك: مررت برجل من أهل العلم، ويقرئ الناس فتعطف "يقرئ" على من أهل العلم، حتى كأنك قلت: عالم مقرئ. وإن شئت جعلت الفاء زائدة، كأنك قلت: لم تدر ما جزع عليك جازعة، أي: تركت صبية جازعة وإن لم تعرف الجزع، أي: صورتها صورة الجازعة، وقد يجوز أن يكون قوله: فتجزع مستأنفاً، أي: فهي تجزع، أي: مع انها لا تعرف الجزع جازعة، أي: حالها حال الفاقدة الجدازعة. هذا كلامه باختصار.
والبيت من أبيات أوردها أبو تمام في باب المراثي من "الحماسة" لمويلك المزموم، يرثي زوجته أم العلاء وهي:
امرر على الجدث الذي حلت به
…
أم العلاء فنادها لو تسمع
أنى حللت وكنت جد فروقة
…
بلداً يمر به الشجاع فيفزع
صلى عليك الله من مقبورة
…
إذ لا يلائمك المكان البلقع
فلقد تركت صغيرة مرحومة
…
البيت
…
فقدت شمائل من لزامك حلوة
…
فتبيت تسهر ليلها وتفجع
فإذا سمعت أنينها في ليلها
…
طفقت عليك جفون عيني تدمع
وزاد الأعلم النتمري في "حماسته" بعد هذا ستة أبيات. والجدث، بفتح الجيم: القبر، وروي:"فحيها" بدل "فنادها" يقول: امرر على القبر الذي دفنت فيه، وسلم عليها إن كانت تسمع، وهذا توجع وتلهف، والفروقة: الشديدة الخوف يطلق على المذكر والمؤنث، والصلاة من الله: الرحمة، والملائمة: الموافقة، والبلقع: الخالي، ومن مقبورة: تمييز.
وقوله: "لم تدر ما جزع إلى آخره
…
" اختار الإمام المرزوقي الفاء للاستئناف وقال: أراد أنها من صغرها لا تعرف المصيبة، ولا الجزع لها، فهي على حالها تجزع، لأن ما تأتيه من البكاء والضجر وترك النوم والقرار فعا الجازعين. وقوله: "فقدت شمائل" جمع شمال، بالكسر: الطبيعة، يقول: كانت قد اعتادت منك أخلاقاً جميلة فقدتها، فبقيت لا تنام ولا تنيم، بل تفج وتوجع، فإذا سمعت بكائها، بكيت، والشؤون: جمع شأن: وهو مجرى الجمع من الرأس إلى العين.
ومويلك: مصغر مالك، والمزموم: من زممت الناقة: إذا وضعت عليها الزمام، وهو شاعر إسلامي.
وقد شرحنا هذا بأكثر مما هنا في الشاهد الرابع والستين بعد الستمائة من شواهد الرضي.