الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والبيت من قصيدة للأقيشر الأسدي، ومنها:
لا تشربن أبدا راحا مسارقة
…
إلا مع الغر أبناء البطاريق
عليك كل فتى سمح خلائقه
…
محض العروق كريم غير ممذوق
ولا تصاحب لئيما فيه مقرفة
…
ولا تزرون أصحاب الدوانيق
قال صاحب (الأغاني): الأقيشر لقب لقب به، لأنه كان أحمر الوجه أقشر، واسمه المغيرة بن عبد الله الأسدي، وعمر عمرا طويلا، ولد في الجاهلية، وكان كوفيا خليعا ماجنا فاسقا فاجرا، مدمن الخمر، قبيح المنظر، وله حكايات في شرب الخمر، والافتراء على الخمارين، ولم يسلم من هجوه أحد، وأطنب صاحب (الأغاني) في حكايته وأموره نعوذ بالله منها.
وأنشد بعده، وهو الإنشاد الثمانون بعد السبعمائة:
(780)
أظلوم إن مصابكم رجلا
…
أهدى السلام تحية ظلم
نسبه المصنف تبعا للحريري إلى العرجي، وهو عبد الله بن عمرو، وهو ابن عم عثمان بن عفان، نسب إلى العرج، بفتح العين وسكون الراء المهملتين وثالثه جيم، وهو منزل بطريق مكة سكنه، فنسب إليه، والصحيح أن الشعر للحارث بن خالد المخزومي، كما يأتي عن جماعة، والحكاية لخصها المصنف من (درة الغواص)
والهمزة في أظلوم للنداء، والرواية الصحيحة:(أظليم) بالتصغير، روى الأصفهاني في كتاب (الأغاني) عن جماعة قالوا: حدثنا أبو عثمان المازني قال: كان سبب طلب الواثق إياي أن مخارقا غنى في مجلسه:
أظليم إن مصابكم رجلا
…
البيت
فغناه مخارق: رجل، فتابعه بعض القوم، وخالفه آخرون، فسأل الواثق عمن بقي من رؤسائ النحويين، فذكرت له، فأمر بحملي وإزاحة علتي، فلما وصلنا إليه، وسلمت عليه، قال لي: ممن الرجل؟ قلت: من بني مازن، قال: أمن مازن تميم، أم مازن قيس، أن مازن ربيعة، أم مازن اليمن؟ قلت: من مازن ربيعة، قال لي: با اسمك يريد: ما اسمك؟ وهي لغة كثيرة في قومنا، فقلت على القياس: اسمي مكر، أي: بكر يا أمير المؤمنين، فضحك، وقال: اجلس واطبن يريد اطمن، فجلست، فسألني عن البيت، فقلت:
إن مصابكم رجلا
فقال: أين خبر (إن) قلت: ظلم، وقال الأخفش في خبره: فقلت: إن معنى (مصابكم) إصابتكم مثل ما تقول: إن قتلكم رجلا حياكم ظلم، ثم قلت: يا أمير المؤمنين إن البيت كله معلق لا معنى له حتى يتم بقوله (ظلم) ألا ترى أنه لو قال:
أظليم إن مصابكم رجلا
…
أهدى السلام تحية
…
فكأنه لم يفد شيئا حتى يقول (ظلم) ولو قال: أظليم إن مصابكم رجل أهدى السلام تحية لما احتاج إلى ظلم، ولا كان له معنى إلا أن يجعل التحية بالسلام ظلما، وذلك محال ويجب حينئذ أن يقول:
أظليم إن مصابكم رجل
…
أهدى السلام تحية ظلما
ولا معنى لذلك ولا هو له، لو كان وجه معنى الشاعر في شعره. فقال:
صدقت. ألك ولد؟ قلت: بنية لا غير. قال فما قالت حين ودعتها؟ قلت: أنشدت قول الأعشى:
تقول ابنتي حين جد الرحيل
…
أرانا سواء ومن قد يتم
أبانا فلا رمت من عندنا
…
فإنا بخير إذا لم ترم
فإنا إذا أضمرتك البلا
…
دنجفى ويقطع منا الرحم
قال: فما قلت لها؟ قال: قلت لها ما قال جرير:
ثقي بالله ليس له شريك
…
ومن عند الخليفة بالنجاح
فقال: ثق بالنجاح، إن شاء الله، إن ها هنا قوما يختلفون إلى أولادنا، فامتحنهم، فمن كان منهم عالما ينتفع به ألزمناهم إياه، ومن كان بغير هذه الصورة، قطعناهم عنه فأمر فجمعوا إلى فامتحنتهم، فما وجدت فيهم طائلا، وحذروا ناحيتي، فقلت: لا بأس على أحد، فلما رجعت إليه، قال: كيف رأيتهم؟ قلت: يفضل بعضهم بعضا في علوم، ويفضل الباقون في غيرها، فكل يحتاج إليه، فقال الواثق: إني خاطبت منهم واحدا، فكان في نهاية الجهل في خطابه ونظره، فقلت: يا أمير المؤمنين أكثر من تقدم منهم بهذه الصفة، ولقد أنشدت فيهم:
إن المعلم لا يزال مضعفا
…
ولو ابنتي فوق السماء سماء
من علم الصبيان صبوا عقله
…
مما يلاقي غدوة ومساء
هذا آخر ما رواه الأصفهاني.
وذكر العسكري هذه الحكاية مجملة في كتاب (التصحيف) وقال في آخرها: ثم أحضر التوزي وكان في دار الواثق، وكان ممن يقول: إن مصابكم رجل،
يظن أن مصابكم: اسم مفعول ورجل خبر، فقال له المازني: كيف تقول: إن ضربك زيدا ظلم؟ فقال التوزي: حسبي، وفهم. انتهى.
وأورد صاحب (الأغاني) قبل ما تقلناه بوريقات الأبيات:
أقوى من ال ظليمة الحرم
…
فالعيرتان فأوحش الخطم
فجنوب أثبرة فملحدها
…
فالسدرتان فما حوى دسم
وبما أرى شخصا به حسنا
…
في القوم إذ تحتله نعم
إذ ودها صاف ورؤيتها
…
أمنية وكلاهما غنم
لفاء ممكور مخلخلها
…
عجزاء ليس لعظمها حجم
خمصانة قلق موشحها
…
رؤد الشباب علا بها عظم
وكأن غالية تباشرها
…
تحت الثياب إذا صغا النجم
أظليم إن مصابكم رجلا
…
البيت
أقصيته وأراد سلمكم
…
فليهنه إذ جاءك السلم
هذا نسب الحارث: وهو الحارث بن خالد بن العاصي بن هشام بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم. الخطم، بفتح الخاء المعجمة، قال الزبير بن بكار في (أنساب قريش) بعد إنشاد هذا الشعر للحارث بن خالد: موضع دون سدرة آل أسد، والخرم، بفتح الخاء المعجمة وسكون الراء المهملة، قال الزبير: موضع أمام الخطم بيسار عن طريق نخلة، والعيرة، بفتح المهملة وسكون المثناة التحتية، قال الزبير: العيرة: الجبل عند الميل على يمين الذاهب إلى منى، والعيرة: الجبل الذي يقابله، فهما العيرتان اللتان عنى الحارث بن خالد، قال الزبير وصاحب (الأغاني): كان الحارث خطب أم عبد الملك بنت عبد الله بن خالد بن أسد، وخطبها عبد الله بن مطيع،
فتزوجها عبد الله، ثم طلقها أو مات عنها، فتزوجها الحارث بن خالد بعد ذلك، وقال فيها قبل أن يتزوج:
أقوى من ال ظليمة الخرم
…
الأبيات.
وقد أورد ياقوت الحموي هذه الحكاية في ترجمة المازني، وصدرها برواية المبرد عن المازني في امتناعه من إقراء ذمي كتاب سيبويه في مقابلة [مائة] دينار، ثم ذكر الحكاية من طريق صاحب الأغاني حرفا بحرف، ثم قال: وأمر له بألف دينار، وفي رواية بخمسمائة دينار، وأجرى عليه في كل شهر مائة دينار.
وزاد الزبيدي: قال المازني: وكنت بحضرته يوما، فقلت لابن قادم وابن سعدان، وقد كابراني، كيف تقول: نفقتك دينارا أصلح من درهم؟ فقال؟ دينار بالرفع، قلت: فكيف تقول: ضربك زيدا خير لك؟ فنصب زيدا، وطالبه بالفرق بينها فانقطع، وكان ابن السكيت حاضرا، فقال الواثق: سله عن سألة، فقلت: ما وزن نكتل؟ فقال: نفعل، فقال الواثق: غلطت، ثم قال لي فسره، فقلت: أصله نكتل، قلبت الياء ألفا لفتح ما قبلها، فصار نكتال، فأسكنت اللاك للجزم، فحذفت الألف لالتقاء الساكنين، فلما خرجنا، قال لي يعقوب: ما حملك على هذا وبيني وبينك مودة خالصة، فقلت: والله ما قصدت تخطئتك، ولم أظن أنه يعزب عنك ذلك. هذا آخر ما ساقه ياقوت.
وساق حكاية المازني في هذا البيت بحضرة الواثق أبو عبد الله محمد بن الحسين اليمني في (طبقات النحويين) وتاريخ وفاته سنة أربعمائة. قال: إن جارية غنت بحضرة الواثق:
أظليم إن مصابكم رجلا
…
البيت
إلى قوله فتقدم الواثق بإحضاره يعني المازني. قال أبو العباس المبرد: حدثني المازني، قال: لما قدمت (سر من رأى)، ودخلت على الخليفة، فقال لي: يا مازني من خلفت وراءك؟ فقلت: يا أمير المؤمنين أخية أصغر مني أقيمها مقام الولد، قال فما قالت لك حين خرجت؟ قال: أطرقت حولي وهي تبكي أقول لك يا أخي كما قالت بنت الأعشى، وأنشد الأبيات. قال لي: فما قلت لها؟ قال: قلت لها يا أخية -كما ما قال جرير لابنته-:
ثقي بالله ليس له شريك
…
البيت
قال: لا جرم أنها ستنجح، وأمر لي بثلاثين ألف درهم. وفي غير هذه الرواية أنه لما دخل على الواثق قال لي: با اسمك يريد ما اسمك؟ قال المازني: كأنه أراد أن يعلمني معرفته بإبدال الباء مكان الميم في هذه اللغة، فقلت له: بكر المازني، قال: أمازن شيبان، أم مازن تميم؟ قلت: شيبان، فقال: حدثنا. قلت: يا أمير المؤمنين، هيبتك تمنعني من ذلك، وقد قال الراجز:
لا تقلواها وادلواها دلوا
…
إن مع اليوم أخاه غدوا
قال: فسره لنا، قلت: لا تقلواها: لا تعنفاها في السير، يقال: قلوته إذا سرت سيرا عنيفا، ودلوت: إذا سرت سيرا رقيقا، ثم أحضر التوزي، وكان في دار الواثق، وكان يقول: إن مصابكم رجل، يظن أن مصابكم اسم مفعول، ورجل: خبر، فقلت له: كيف تقول إن ضربك زيدا ظلم؟ قال التوزي: حسبي وفهم. وذكر أنه شجر بين محمد بن عبد الملك الزيات، وأحمد بن أبي دواد في هذا البيت الذي غلط فيه التوزي، فقال ابن الزيات: رجلا، وقال ابن أبي دواد: رجل، فسألا عنه يعقوب بن السكيت، فحكم لابن أبي دواد بالرفع عصبية لا جهلا، قال ثعلب: فلقيت يعقوب، فعاتبته في هذا عتابا ممضا، فقال لي: