الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سكن. انتهى. والباء متعلقة بـ "نادى" أيضاً، وقوله: سأبدأهم: السين للتوكيد، ومشمعة، بالشين المعجمة والعين المهملة مصدر ميمي، وبساط: جمع بسطة، كجعاب جمع جعبة. وتقدمت ترجمة المتنخل الهذلي في الإنشاد الواحد والسبعين بعد الخمسمائة. وقال السيوطي: تمام المصراع الشاهد:
طوال الدهر ما دعي الهديل
أي: لا يطمعون في مشاركتي، ولا في تحويل الضيف عني، والبيت من مقطوعة لأبي أسامة الجشمي، أولها:
وهادية قعدت لها سبيلاً
…
فجاءت وهي نافرة تجول
هذا ما أورده، وليس في البيت الشاهد ذكر الضيف، فكان ينبغي أن ينبه أولاً بقوله: صوابه: "فلا والله نادى الحي ضيفي".
وأنشد بعده، وهو الإنشاد الواحد والسبعون بعد الثمانمائة:
(871)
وقولي إذا ما أطلقوا عن بعيرهم
…
تلاقونه حتى يؤوب المنخل
قال ابن عصفور في كتاب "الضرائر": ومنه إضمار "لا" النافية في غير الداخلة على الفعل المستقبل في جواب القسم نحو قول النمر:
وقولي إذا ما أطلقوا
…
.. البيت
يريد: لا تلاقونه، وقو لأبي ذؤيب:
وأنسى نشيبة والجاهل المغمر يحسبه قد نسي
يريد: ولا أنسى نشيبة، وهو ابن عمه، وقول الآخر:
تنفك تسمع ما حييت بهالك حتى تكونه
ومما حذف منه أيضاً ضرورة في غير الفعل قول أوس:
حتى إذا الكلاب قال لها
…
كاليوم مطلباً ولا طلباً
يريد: لا كاليوم، وقول الآخر:
رأيتك يا ابن الحارثية كالتي
…
صناعتها أبقت ولا الوهي ترقع
يريد: لا صناعتها أبقت. انتهى.
وقدره بعضهم في بيت الكلاب كذا: لم أر كاليوم مطلوباً مطلباً ولا طلبا
وقال أبو حيان في تذكرته: قد حذفت "لا" في بعض أشعارهم، وأجاز يونس: كاليوم رجلاً أفضل، فحذف لا، وأنشد أبيات ابن عصفور، وزاد قول أبي النجم:
أوصيك أن يحمدك الأقارب
…
ويرجع المسكين وهو خائب
كأنه قال: وأن لا يرجع، وقول خداش بن زهير:
وأبرح ما أدام الله قومي
…
بحمد الله منتطقاً مجيداً
كأنه قال: ولا أربح، وجميع هذا عند ابن مالك مما حذف منه القسم و "لا".
قال أبو حيان في "شرح التسهيل" ومثال حذف لا والقسم محذوف قوله: وقولي إذا ما أطلقوا .. البيت، أراد: والله لا تلاقونه. إلا أنه لا يجوز حذفها والقسم محذوف إلا إذا كان المعنى لا يصح إلا بتقدير النفي، كالذي أنشدناه، وقال بعض أصحابنا: لا يجوز حذفها منه، أي: حذف "لا" من المضارع في غير القسم إلا في ضرورة، لأنه لا يوجد فيه من كثرة الاستعمال والتفرقة اللازمة بين الإيجاب والنفي ما يوجد في القسم، ومما جاء من ذلك قول النمر بن تولب:
وقولي إذا ما أطلقوا
…
.. البيت
يريد: لا تلاقونه، وقول الآخر:
تنفك تسمع ما حييت .. .. البيت
يريد: لا تنفك. انتهى. فلم تجعل تلاقونه، ولا تنفك جواب قسم محذوف.
انتهى كلام أبي حيان.
والبيت من قصيدة للنمر بن تولب الصحابي، وتقدم أبيات من أولها في الإنشاد الرابع بعد الأربعمائة، وهذه أبيات من آخرها:
لعمري لقد أنكرت نفسي ووابني
…
مع الشيب أبدالي التي أتبدل
فضول أراها في أديمي بعدما
…
يكون كفاف اللحم أو هو أجمل
كأن محطاً في يدي حارثية .. صناع علت مني به الجلد من عل
دعاني العذارى عمهن وخلتني
…
لي اسم فلا أدعى به وهو أول
وقولي إذا ما أطلقوا عن بعيرهم .. البيت
فيحضي قريباً غير ذاهب غربة
…
وأرسل أيماني ولا أتحلل
وظلعي ولم أكسر وإن ظعينتي
…
تلف بنيها في الدثار وأعزل
وكنت صفي النفس لا أستزيدها
…
فقد كدت من إقصاء جنبي أذهل
ويطوي عن الداعي فلست بآخذ
…
إليه سلاحي مثل ما كانت أفعل
تدارك ما قبل الشباب وبعده
…
حوادث أيام تمر وأغفل
يود الفتى طول السلامة والبقا
…
فكيف ترى طول السلامة يفعل
يود الفتى بعد اعتدال وصحة
…
ينوء إذا رام القيام ويحمل
قال أبو حاتم في كتاب "المعمرين": عاش النمر بن تولب مائتي سنة حتى أنكر بعض عقلة، فقال في ذلك هذه الأبيات، والريب: الشك، يقال: رابني فلان: إذا رأيت ما يريبك وتكرهه، وأبداله: هي الشيب بعد الشباب، والضعف بعد القوة، والهزال بعد السمن، والقسم بعد الصحة.
وقوله: فضول أراها، أي: أبدال فضول، يقول: إن جلدي وأديمي
كان ممتلئاً لحماً، فذهب اللحم، وتقدد الجلد، والمفضل عليه محذوف، أي: أو هو أجمل من الكفاف، والكفاف بالكسر: ما يكف عن طلب الزيادة.
وقوله: كأن محطاً .. إلخ، وصف بدنه في أيام شبابه في الحسن واللين والنعومة، والمحط بكسر الميم وفتح الحاء المهملة: حديدة يصقل بها الجلد ليلين ويحسن، يقول: كان جلدي وأنا شاب كأنه مصقول لامتلائه باللحم والشحم، وكان النساء الحارثيات يجدن الصقل، ولذا خصها بالذكر. والصناع بفتح الصاد، يقال: امرأة صناع اليدين حاذقة، أي: ماهرة بعمل اليدين، ورجل صنيع اليدين وصنع اليدين، بكسر فسكون، وصنع اليدين، بفتحتين، أي: حاذق ماهر، ومن عل، أي: ومن فوق جلدي، فحذف المضاف إليه، وبني المضاف على الضم.
وقوله: دعاني العذارى .. إلخ، أي: الأبكار، ويروى:"الغواني" جمع غانية، وهي التي استغنت بحسنها عن الزينة، وهذا على منوال ما حكى سيبويه عن بعض العرب:"قال فلانة" بدون تأنيث الفعل، مع أنه مسند إلى حقيقي التأنيث، والدعاء هنا بمعنى التسمية، ولهذا تعدى إلى مفعولين، أحدهما الياء، والثاني عمهن، وهذا ما أنكره ثانياً، يعني: وأنكرت أيضاً دعاء العذارى إياي عمهن، وتركهن اسمي الذي كنت أدعى به وأنا شاب، وروى أبو حاتم في كتاب "المعمرين":
وتسميتي شيخاً وقد كان قبله
وروى أبو علي "دعاء العذارى" فيكون منصوباً بأنكرت مقدراً، أو بتقدير واو العطف بدليل ما بعده، ويكون المفعول الأول أيضاً محذوفاً كما قدرناه. وهذا البيت استشهد به في "شروح الألفية" على أن "خال" فيه بمعنى تيقن، والمعنى:
تيقنت في نفسي أن لي اسماً متقدماً على اسمهن فلا أدعى به، وجملة "لي اسم" هو المفعول الثاني لـ "خلت"، وأول بمعنى متقدم.
وقوله: وقولي إذا ما أطلقوا .. إلخ، هو معطوف على بدالي، أي: ورابني قولي .. إلخ، ومقوله هو: تلاقونه على تقدير "لا" النافية المحذوفة، أي: لا تلاقون البعير بعد إطلاقكم إياه حتى يعود المنخل، وهذا القول في نفس الأمر مما يريب، فإنه يدل على ذهول عقل وخرف، فإن البعير إذا أطلق ليس في إمساكه جهد عظيم. والمنخل على صيغة اسم المفعول، قال ابن الأعرابي: هو ابن الحارث بن قبيس بن عمرو بن ثعلبة بن عدي بن جشم بن حبيب بن كعب [بن يشكر]: شاعر مقل من شعراء الجاهلية كان النعمان بن المنذر قد اتهمه بامرأته المتجردة، وقيل: وجده معها، وقيل: بل سعى إليه في أمرها، فقتله، وقيل: حبسه، ثم غمض خبره فلم تعلم له حقيقة إلى اليوم، فيقال: إنه دفنه حياً، وقيل: غرقه، والعرب تضرب به المثل كما تضرب بالقارظ العنزي وأشباهه ممن هلك ولم يعلم له خبر. وقال ابن الجصاص: عمرو بن هند هو الذي قتل المنخل، فإنه كان يتهم بامرأته، والله أعلم.
وقوله: فيضحي قريباً .. إلخ، الفاء للتفريع والسببية، وفاعله ضمير البعير، والغربة: بفتح الغين المعجمة وسكون الراء المهملة بعدها باء موحدة، بمعنى البعد، أي: البعير الذي أطلقوه يصير قرياً منهم، ولا يذهب ذهاب بعد، ومع ذلك فأنا أذهل وأقول لهم ذلك القول، وقوله: وأرسل أيماني .. ألخ، معطوف على يضحي،
أي: أطلق أيماني ولا أقيدها باستثناء، ولا أتحلل، معناه: لا أستثني بأن أقول: إلا أن يشاء الله.
وقوله: وظلعي .. إليخ، هو معطوف أيضاً على أبدالي، أي: ورابني أيضاً ظلعي، وهو العرج الخفيف، والحال أنني لم أقع من موضع فأنكسر، وإنما عرجي من الكبر. وقوله: وإن ظعينتي، هو معطوف على أبدالي أيضاً، والظعينة: الزوجة، والدثار: ما كان من الثياب فوق الشعار، والشعار: ما لاصق الجلد منه، وأراد به الغطاء كاللحاف والبردة، أي: ومما رابني أن زوجتي تستخف بي فتغطي أولادها دوني.
وقوله: وكنت صفي النفس .. إلخ، الصفي: العزيز المختار، أي: كنت عندها عزيزاً لا أطلب منها زيادة لما كانت تجاملني وتخدمني، والآن صرت أذهل عنها لكثرة ما تبعدني عن ناحيتها.
وقوله: ويطوي عن الداعي: هو معطوف على أبدالي، والداعي: المستغيث.
وقوله: يود الفتى .. إلخ، قصر البقاء ضرورة، ويروى في نسخة قديمة: الغنى بدله، فلا ضرورة، أي: إن الإنسان بعد اعتدال قامته وصحته في زمن الشباب يكون غاية أمنيته في الشيخوخة أن يقدر على القيام بمشقة، ويحمل، أي: يمسك بيده حتى ينهض، يقال: ناء ينوء: إذا قام مثقلاً، وقوله: يود الفتى طول السلامة، هذا المعنى تداوله الناس قديماً وحديثاً، قال حميد بن ثور:
أرى بصري قد رابني بعد صحة
…
وحسبك داء أن تصح وتسلما
وقال بعض شعراء الجاهلية:
كانت قناتي لا تلين لغامز
…
فألانها الإصباح والإمساء
ودعوت ربي بالسلامة جاهداً
…
ليصحني فإذا السلامة داء
وفي معناه قول الخيمي من المتأخرين:
إذا كان موت المرء إفناء عمره
…
ففي موته من يوم يولد يشرع
وما أحسن قول أسامة بن منقذ الكناني:
لا تحسدن على البقاء معمراً
…
فالموت أيسر ما يؤول إليه
وإذا دعوت بطول عمر لامرئ
…
فاعلم بأنك قد دعوت عليه
وأحسن من الجميع قوله صلى الله عليه وسلم: "كفى بالسلامة داء" فإنه أوجز واسلس، وأرشق مما تقدم.
ومثل قوله: "حتى يؤوب المنخل" قولهم في الآمثال: "لا آتيك حتى يؤوب ابن مندله"، وقد شرحه ابن الأثير في "المرصع" فقال: ابن مندلة: هو أحد رؤساء العرب واسمه الحارث، وكان من ملوك الشام يضرب به المثل في التأبيد، قال مالك بن جوين الطائي:
فأقسمت لا أعطي مليكاً ظلامة
…
ولا سوقة حتى يؤوب ابن مندله
وذلك أنه أغار على حجر بن الحارث آكل المرار على عهد بهرام جور، فاستاق ماله وأهله وامرأته هند الهنود، فلما بلغه الخبر وكان غازياً، تتبع ابن مندلة بعد ثمان، فلحقه وقتله، واستعاد أهله وماله.
تتمة: أنشد المصنف بعد هذا البيت بيتين من ألفية ابن معطي لجواز حذف "لا" و"ما" من جواب القسم، قال شارحه أبو العباس أحمد بن الحسن بن أحمد ابن أبي المعالي الشهير بابن الخباز، وهو شرح مختصر: وما رأيت في كتب النحو إلا حذف "لا"، وقد ذكر يحيى، يعني ابن معطي ناظم الألفية حذف "ما"، وقال لي شيخنا: لا يجوز، لأن التصرف في "لا" أكثر من التصرف في "ما". انتهى. وحكى الجواز عن جماعة أبو عبدالله محمد بن أحمد بنم محمد الشهير بالشريشي في شرح ألفية ابن معطي قال: واعلم أن جمهور النحويين المتقدمين يقولون: لا يحذف من الجواب إلا "لا" دون "ما"، وذهب الجرجاني إلى جواز حذف "ما"، وتبعه على ذلك ابن الدهان، وقال: لا أرى للصروف عنه وجهاً إلا قلة الاستعمال أو احتراماً لـ "ما" الحجازية عن الحذف، وظاهر كلام أبي زكريا الناظم موافقتهما، لأنه ذكر حذف الحرف بعد ذكرهما ولم يفصل بينهما، وإن كان إنما مثل بـ "لا". قال الجرجاني: والذي سوغ حذف هذين الحرفين تصرفهم فيهما بالزيادة، فجعلوا حذفهما تقابلاً لزيادتهما: فكما ساغ زيادتهما، ساغ حذفهما، وقال الآخرون: إنما سوغ حذف "لا" في القسم أنها تحذف في غير القسم كثيراً، ومن ذلك قول الشاعر:
وقولي إذا ما أطلقوا عن بعيرهم
…
البيت
أي: لا تلاقونه، وقيل في قول الله عز وجل:(يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَن تَضِلُّوا)[النساء/ 176]، إن "لا" منه محذوفة تقديره: أن لا تضلوا، فلما ساغ حذفها في غير القسم وكثر، كان في القسم الذي هو موضع الحذف والاختصار أسوغ،