الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأم جحدر هي بنت حسان المرية، كان يشبب بها ابن ميادة، فحلف أبوها ليخرجنها من عشيرته، ولا يزوجها بنجد، فقدم عليه رجل بالشام، فزوجه إياها، فاشتد ذلك على ابن ميادة، فلما خرج بها زوجها نحو بلاده قال هذه القصيدة، وتقدمت ترجمة ابن ميادة في الإنشاد الثامن والستين.
وأنشد بعده، وهو الإنشاد الواحد والأربعون بعد السبعمائة:
(741)
وإنسان عيني يحسر الماء تارة
…
فيبدو وتارات يجم فيغرق
على أن جملة "يحسر الماء" من الفعل والفاعل خبر على قوله: "وإنسان عيني". ليس فيها ضمير يربطها بالمبتدأ، وصح هذا لما في الجملة المعطوفة بالفاء من ضمير المبتدأ، فإن فاعل "يبدو" ضمير إنسان، وتقدم من المصنف في الباب الثاني في "الجمل التي لها محل" أن الفاء نزلت الجملتين منزلة جملة واحدة، فاكتفي في الرابط بضمير إحدى الجملتين، فالخبر مجموع الجملتين، كجملتي الشرط والجزاء إذا وقعتا خبراً. نحو:"زيد إن تقم يكرمك" وبه خرج، فقيل: هو على تقدير أداة الشرط، وقدره شارح ديوان ذي الرمة ابن حبيب "إذا"، وقدره غيره "إن"، وهو الصحيح، لأنها أم الباب، فلما حذفت، ارتفع الفعل والجملة الشرطية
إذا وقعت خبراً، لم يشترط بكون الرابط في الشرط، بل في أيهما من الشرط والجزاء وجد كفى، وحسر: بمهملات، يجيء لازماً ومتعدياً لواحد، تقول: حسرت كمي عن ذراعي أحسره، بالضم، وأحسره، بالكسر، حسراً: كشفت وحسر حسوراً: انكشف، ويحسر في البيت لاوم، ولا يجوز أن يكون متعدياً، لأن إنسان العين لا يكشف ماء الدمع، وإنما هو مكشوف عنه بجريانه. قال ابن جني في "إعراب الحماسة": فالعائد على الإنسان إنما هو من يبدو، لا من يحسر، ويكفيك من هذا أن العطف نظير التثنية، وحسبك بها اتصالاً وامتزاجاً. انتهى. والرابط عند الكوفيين "أل"، فإنه عوض عن المضاف إليه، والأصل يحسر ماؤه، ويبدو: يظفر، ويجم، بكسر الجيم: يكثر، يقال: جم الشيء جماً من باب ضرب، أي: كثر، فهو جم بوزن المصدر، وغرق الشيء في الماء غرقاً، فهو غرق من باب: تعب، وجاء غارق أيضاً، وفاعل يجم: ضمير الماء، وفاعل يغرق: ضمير الإنسان، ويجم: معطوف على يحسر، ويغرق معطوف على يجم، وجملتا "يجم فيغرق" خبر عن الإنسان أيضاً، والجملة الأولى خاليه عن ضميره، وإنما جاز للفاء كما في يحسر الماء، فيبدو، وأشار بتارة وتارات إلى أن انكشاف إنسان عينه من الدمع قليل نادر، وأن كثرة الدمع أغلبي.
والبيت من قصيدة لذي الرمة، عدتها سبعة وخمسون بيتاً كلها غزل ونسيب، ومطلعها:
أداراً بحزوى هجت للعين عبرة
…
فماء الهوى يرفض أو يترقرق
وقد شرحناه في الشاهد الثالث عشر بعد المائة من شواهد الرضي، والبيت الشاهد ألم به أبو حية النميري فقال:
نظرت كأني من وراء زجاجة
…
إلى الدار من ماء الصبابة أنظر
فعيناي طوراً تغرقان من البكا
…
فإغشى وطوراً يحسران فأبصر
وليس الذي يهمي من العين ماؤها
…
ولكنه نفس تذوب فتقطر
وأخذ معنى البيت الثالث ابن دريد، فقال:
قلب تقطع فاستحال نجيعا
…
فجرى فصار مع الدموع دموعا
وقال أيضاً:
لا تحسبي دمعي تحدر إنما
…
نفسي جرت في دمعي المتحدر
وقبل البيت الشاهد:
قد احتملت مي فهاتيك دارها
…
بها السحم تردي والحمام المطوق
أربت عليها كل هوجاء رأدة
…
زجول بجولان الحصى حين تسحق
لعمرك إني يوم جرعاء مالك
…
لذو عبرة كل يفيض ويخنق
وإنسان عيني
…
البيت.
قوله: "قد احتملت مي
…
الخ" استشهد به الفارسي في أواخر "الإيضاح" على أنه أدخل الكاف في آخر "هاتيك" كما أدخل "ها" التنبيه في أولها، ولا يقال "تي" بغير "ها"، ولا كاف، إنما يقال: هاتي، أوتيك، كما يقال: تلك، ولا يقال: ذيك، والسحم: جمع أسحم: وهو الآسود يعني الغراب، ويردي: يحجل، واحمام المطوق: القماري، وأربت: أقامت، والهوجاء: الريح المنحرفة الشديدة، ورأدة: تذهب وتجيء، وزجول: ذات زجل، وهو الصوت الشديد.
وقوله: لذو عبرة كل يفيض، ويروى "كلا" منصوباً على الحال من ضمير تفيض، أي: تفيض جميعاً لا يتماسك منها شيء، جعل كلا نكرة، ومن رفعها