الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأنشد بعده، وهو الإنشاد الرابع والسبعون بعد السبعمائة:
(774)
تقي نقي لم يكثر غنيمة
…
بنهكة ذي قربى ولا بحلقد
على أن قوله بحلقد معطوف على شيء متهوهم: كأنه توهم أنه قال: ليس بمكثر غنيمة فعطف عليه قوله "بحلقد" بناء على توهم جر خبر ليس بالباء الزائدة. هذا البيت أورده أبو حيان في شرح "التسهيل" في بحث زيادة الباء في الخبر النفي بليس وما، وذكر أبياتاً منها:
أجدك لن ترى بثعيلبات
…
ولا بيدان ناجية ذمولا
ولا متدارك والليل طفل
…
ببعض مواضع الوادي حمولا
وقال الآخر:
تقي نقي لم يكثر
…
. .. البيت.
قال: توهم أنه قال مكان "لن ترى": ليست براء، ومكان "لم يكثر": ليس بمكثر، فعطف "ولا متدارك" على لست براء المتوهم، "ولا بحقلد" على ليس بمكثر. انتهى.
قال تلميذه نا ظر الجيش في "شرح التسهيل": وقبل الوقوف على كلام الشيخ كان في ظني أن الذي في هذه الأبيات من العطف على المعنى، وأن العهطف على المعنى غير العطف على التوهم، وذلك أن العطف على التزهم ليس فيه إلا أن تتوهم أن المعطوف عليه على حالة يصح اتصافه بها دون تأويل في الكلام؛ كما ترى في عطف:
"ولا ناعب""على مصلحين"، فإنه إنما جر لتوهم أن الشاعر قال:"بمصلحين" من حيث أن المحل صالح للباء، وأما العطف على المعنى، فلابد فيه من تأويل الكلام المعطوف على بعض بكلام آخر يصح معه العطف، كما رأيت من تاويل لن ترى: بلست براء، وتأويل لم يكثر لبيس بمكثر، هكذا كنت أظن، والشيخ قد جعل ما في الأبيات المذكورة من العطف على التوهم، ولا يمتنع أن يقال: قائل لن ترى أنه قال: لست براء، وقائل لم بكثر أنه قال: ليس بمكثر، لكن قد وقع في عبارات النحويين أن ما وقع في نحو هذه الأبيات عطفغ على المعنى، أي: على الكلام لا على لفظه، ولم يقولوا في نحو "ولا ناعب" بعد "ليسوا مصلحين" إنه عطف على المعنى، بل قالوا: عطف على الوتهم على أنه لا يتحقق فيه أنه عطف على المعنى إنما هو عطف على اللفظ باعتبار صفة سصح تلبسه بها، انتهى كلامه.
وهذا مبني على تفسير الحلقد بالسيء الخلق، وليس بمتعين، فإن هذه الكلمة لنم ترد في شعر العرب إلا في هذا البيت، وقد يختلف أهل اللغة في تفسيرها على عدة أقوال حكاها الصاغاني في "العباب" وهذا كلامه: أبو عبيد، الحلقد: الضيق الخلق البخيل، ويقال: الضعيف، ويقال الأثمن قال زهير بن أبي سلمى يمدح هرم ابن ستان المري:
تقي نقي لم سكثر غنيمة
…
. . . . . البيت.
وقال الأصمعي: الحلقد في قول زهير: الحقد والعداوة، وقال معمر: القول ما قال أبو عبيد إنه الآثم قال، وقول الأصمعي ضعيف، ورراه ابن الأعرابي بالفاء، وقال أبو هيثم: هو باطل، الرواة مجمعون على أنه بالقاف، وقال ابن فارس: اللام في الحلقد للبخيل زائدة وهو من أحقد القوم: إذا لم يصيبوا من المعدن شيئاً، وكذلك الآثم قال: وفيه قياس من الحقد. انتهى كلام صاحب العباب.
ولخصه صاحب "القاموس" بإخلال، فقال: الحلقد: الضيق البخيل والضعيف، وفي قول زهير: الآثم، أو الحقد والعداة. انتهى. وصوابه: أو الضعيف ب"أو" لا بالواو، وليس ما في بيت زهير مقصوراً على ذكره من أحد المعينين، بل يجري فيه الأقوال الأربعة، الأول: أنه الضيق الخلق البخيل، وهذا تفسير "الصحاح". واخل صاحب "القاموس" بحذف الخلق به، وفسره يعقوب بن السكيت بالسيء الخلق، نقله عنه القالي في ا"الأمالي" والضيق الخلق والسيء الخلق واحد، وظن الدماميني أن كلا منهما غير الآخر، فقال معترضاً على المصنف: الذي في "الصحاح": الحقد: الضيق الخلق البخيل، وفي "القاموس" هو الضيق البخيل والضعيف، وكزبرج: السيء الخلق الثقيل الروح. وزاد الحلبي في الطنبور نغمة، فقال: فلم يجعل السيء الخلق مدلول الحلقد، بفتحات وتشديد اللام، وإنما جعل مدلوله، كسر الحاء واللام وإسكان القاف بينهما.
الثاني: أنه بمعنى الضعيف، خلاف القوي. الثالث: أنه يمعنى الآثم، وهو اسم فاعل، وصحفه الحلبي، فضبطه بكسر الهمزة. الرابع: أنه بمعنى الحقد والعداوة. فإن كان بالمعنى الثاني، فالعطف على قوله "بنهكة" بتقدير مضاف، أي: ولا بنهكة حقلد، ويراد به الأجنبي، فإنه ضعيف بالنسبة لإلى ذوي القرابة، إذ ليس له منزلة، أي: لم يكثر غنيمة بالجور على الأقاربن ولا بالجور على الأجانب. وإن كان بالمعنى الرابع، فالعطف على بنهكة أيضاً، لكن من غير تقدير شيء، أي: لم يكثر غنيمة على أقاربه، ولا بحقد وعداوة، ولا بما يوجب حقداً أو عداوة بينه وبينهم، وإن كلن بالمعنى ا؟ لأول أو الثالث، فالعطف من باب العطف على التوهم، إذ المعنى في الثالث: ليس بمكثر غنيمة بظلم أقاربه، ولا بآثم، وهذا
مكن قبيل عطف المسبب على السبب، إذ تكثر الفنيمة بظلم الأقارب يتسبب منه الإثم، ويجوز أن يكون من عطف العام على الخاص، أي: ولم يأثم بظلم أحد، والمعنى على الأول: ليس بمكثر غنيمة بظلم أقاربه، ولا بخيل سيء الخلق عليهم، يعني: أنه لا يؤذيهم لا بفعل ولا بقول، بل يجود عليهم، ويعاشرهم بمكارم الأخلاق، قال الدماميني: ويحتمل أن يكون معطوفاً على بنهكة يتقدير مضاف، أي: ولا بنهكة حقلد. والمعنى: أن هذا الممدوح، لا يكثر غنيمة بنهكة قريب، ولا بنهكة شخص متصف بسوء الخلق، إذ هي صفة نقص في صاحبها، تقتصي أن لا يفخر بأسره لمكان نقصه.
أقول: فيه نظر من وجوه:
الأول: أنه حمل الحقد على شخص متصف بسوء الخلق، ولم يحتمل على الممدوح، وهذا لا يصح عطفه علهي بلاغة، إذ لا مناسبة بين ذلك الشخص والأقارب، وقد نصوا على شرط كون عطف المفرد بالواو مقبولاً أن يكون بينهما جهة جامعة نحو: زيد كاتب وشاعر بخلاف نحو: زيد كاتب ومعط.
الثاني: أن قوله: تقتضي أن لا فخر بأسره؛ فيه أن الجور على سيء الخلق لتأديبه مما يفخر به.
الثالث: أنه فهم النهكة بمعنى الأسر والسبي، وليس كذلك، وإنما المراد بها أخ أموالهم. والجور عليهم: أخذ أنفسهم، إذ يستعبد أن يسبي الرجل أقاربه، وبهذا يسقط توجيه ابن الملا الحلبي له بقوله: لأن تفسير النهكة بالأسر إنما هو من باب ما صدق عليه المعنى هو الغلبة، لما عرف من أنه يقال: نهكة، لأي: غلبه، وفي الأسر غلبة وأي غلبة! لأن من استقرأ استعمالات النهك، وجدها ترجع إلى معنى الغلبة والمبالغة، انتهى.
واد عاؤه أن جميع المعاني ترجع إلى أحد المذكورين، ففيه أن صاحب "العباب" قال: مادة النهك تدل على إبلاغ في عقوبة وأذى، وقال المرزباني في "الموشح" بعد إنشاد البيت: الحلقد: السيء الخلق، وقي: القصير الجبان، انتهى. وهذا تفسير آخر غير ما تقدم. وقال الأعلم في شرح ديوان زهير: النهكة: النقض والاضطرار، والحلقد: البخيل السيء الخلق، يقول: لم يكثر غنيمة بأن ينهك ذا قربة ولا هو بلئيم سيء الخلق. هذا كلامه. وهو من عطف الجمل.
وبعد هذا البيت:
سوى ربع لم يأت فيه مخانة
…
زولا رهقاً من عائذ متهود
قال الأعلم: أي: لم يكثر ماله بيأن يظلم غيره، وإنما يأخذ الربع من الغنيمة دون أن يخون فيه، أو يظلم من عاذ به، واطمأن إليه، والرهق: الظلم، والعائذ: من يعوذ به، والمتهود: المطمئن الساكن إليه. انتهى.
وقال صعوداء في شرحه: يقال: قد ربع فلان في الجاهلية وخمس في الإسلام، وربما كان الرئيس في منزله فيعطى ربع الغنيمة، وربما زادوه في حصته، قال عبد الله ابن عممة الصبي يرثي بسطام بن مسعود:
لك المرباع منها والصفايا
…
وحكمك والنشيطة والفضول
فالمرباع: ربع الغنيمة، والصفايا: ما اصكفاه الرئيس لنفسه، والنشيطة: أن يموا بثلاثة من الإبل أو أربعة فينشطوها، وبذهبوا بها، ويجعلون ذلك له، والفضول: ما بقي بعد ما يقتسمون ولم يتم سهماً، فذلك له. وقال أبو عمرو: متهود: متخشع، وقثيل: من يمت إليك بهوادة من قرابة أو مودة، ومنه قولهم: لا تاخذه فيها هوادة، والربع مثل ثلث وخمس سعني، بضمتين.