الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هجوم النَّصَارَى على العرائش وتيشمس من ثغور الْمغرب
لما كَانَ الْمحرم من سنة ثَمَان وَسِتِّينَ وسِتمِائَة هجم النَّصَارَى على مَدِينَة العرائش وتيشمس من ثغور العدوة المغربية فَقتلُوا رجالها وَسبوا نساءها وانتهبوا أموالها وأضرموها نَارا وَرَجَعُوا عودهم على بدءهم فَرَكبُوا أجفانهم وَلَحِقُوا ببلادهم وَلم تنلهم شَوْكَة السُّلْطَان يَعْقُوب لِأَنَّهُ كَانَ مَشْغُولًا بِفَتْح مراكش فِي التَّارِيخ الْمَذْكُور وَلم يبين فِي القرطاس هَؤُلَاءِ النَّصَارَى من هم
وقْعَة إيسلي بَين السُّلْطَان يَعْقُوب ابْن عبد الْحق ويغمراسن بن زيان
لما أنعم الله على السُّلْطَان يَعْقُوب بامتداد ظلّ ملكه فِي أقطار الْمغرب ونواحيه ونفوذ كَلمته فِي حواضره وبواديه وتمم لَهُ الصنع بِفَتْح مراكش ووراثة كرْسِي بني عبد الْمُؤمن بهَا وَعَاد إِلَى فاس كَمَا قُلْنَا تحرّك مَا كَانَ فِي نَفسه من ضغائن يغمراسن بن زيان وَمَا آسفه بِهِ من تخذيل عَزَائِمه ومجاذبته عَن قَصده وَرَأى أَن وقْعَة تلاغ لم تشف صَدره وَلَا أطفأت نَار موجدته فأجمع أمره لغزوة ونشطه لذَلِك مَا صَار إِلَيْهِ من الْملك وسعة السُّلْطَان فحشد جَمِيع أهل الْمغرب وعزم على استئصاله وَقطع دابره فَعَسْكَرَ بفاس وَبعث وَلَده أَبَا مَالك إِلَى مراكش فِي جمَاعَة من خواصة حاشرين فِي مدائنها وضواحيها فَاجْتمع عَلَيْهِ من قبائل الْعَرَب والمصامدة وصنهاجة وبقايا عَسَاكِر الْمُوَحِّدين بالحضرة وحامية الْأَمْصَار من جند الفرنج وناشبة الْغَزْو استكثر من ذَلِك كُله واحتفل السُّلْطَان يَعْقُوب بفاس كَذَلِك ثمَّ نَهَضَ مِنْهَا غرَّة صفر سنة سبعين وسِتمِائَة فَسَار حَتَّى نزل وَادي ملوية فَأَقَامَ عَلَيْهِ أَيَّامًا حَتَّى لحقه ابْنه أَبُو مَالك فِي جموعه وتوافت لَدَيْهِ أَمْدَاد الْعَرَب من قبائل جشم أهل تامسنا الَّذين هم سُفْيَان والخلط والعاصم وَبَنُو جَابر وَمن مَعَهم من الأثبج وقبائل ذَوي حسان والشبانات من معقل أهل السوس الْأَقْصَى وقبائل ريَاح أهل أزغار وبلاد الهبط فَعرض هُنَالك عساكره وميزها ورتبها فَيُقَال إِنَّهَا بلغت ثَلَاثِينَ ألفا
وارتحل يُرِيد تلمسان
وَلما انْتهى إِلَى أنكاد قدمت عَلَيْهِ رسل ابْن الْأَحْمَر ووفد أهل الأندلس يستصرخونه على الْعَدو ويسألونه الْإِعَانَة والنصر ويخبرونه بِأَنَّهُ قد كلب عَلَيْهِم وشره لالتهام بِلَادهمْ فتحركت همته رحمه الله للْجِهَاد وَنصر الْمُسلمين وإغاثة الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنْهُم وَنظر فِي صرف الشواغل عَن ذَلِك وجنح للسلم مَعَ يغمراسن وعزم عَلَيْهَا وَاسْتَشَارَ الْمَلأ من أَشْيَاخ الْعَرَب وَبني مرين فِي ذَلِك فصوبوا رَأْيه لما كَانُوا عَلَيْهِ أَيْضا من إِيثَار الْجِهَاد ومحبته فَبعث السُّلْطَان يَعْقُوب جمَاعَة من أَشْيَاخ الْقَبَائِل إِلَى يغمراسن يَدعُونَهُ إِلَى الصُّلْح واجتماع الْكَلِمَة وَقَالَ لَهُم فِي جملَة قَوْله إِن الصُّلْح خير كُله فَإِن جنح يغمراسن إِلَيْهِ وأناب فَذَاك وَإِلَّا فَأَسْرعُوا إِلَيّ بالْخبر فَسَار الْأَشْيَاخ إِلَى يغمراسن فوافوه بِظَاهِر تلمسان وَقد أَخذ أهبته واستعد للقاء وحشد قبائل زناتة المجاورين لَهُ فِي تِلْكَ الْبِلَاد من بني عبد الواد وَبني رَاشد وأحلافهم ومغراوة من عرب بني زغبة فبلغوه الرسَالَة وعرضوا عَلَيْهِ مقَالَة السُّلْطَان يَعْقُوب فَأبى واستكبر وصم عَن سَماع قَوْلهم وموعظتهم وَقَالَ أبعد مقتل وَلَدي أصالحه وَالله لَا كَانَ ذَلِك أبدا حَتَّى أثأر بِهِ وأذيق أهل الْمغرب النكال من أَجله فَرَجَعت الرُّسُل إِلَى السُّلْطَان يَعْقُوب بالْخبر وتزاحف الْفَرِيقَانِ فَكَانَ اللِّقَاء على وَادي ايسلي من بسيط وَجدّة وعبأ السُّلْطَان يَعْقُوب كتائبه ورتب مصافه وَجعل ابْنه عبد الْوَاحِد فِي الميمنة وَابْنه يُوسُف فِي الميسرة ووقف هُوَ فِي الْقلب ودارت بَينهم رحى الْحَرْب وركدت مَلِيًّا وَهلك فِي الحومة أَبُو عنان فَارس بن يغمراسن بن زيان فِي جمَاعَة من بني عبد الواد وَهلك عَامَّة عَسْكَر الفرنج الَّذين كَانُوا مَعَهم لثباتهم بثبات يغمراسن فطحنتهم رحى الْحَرْب وتقبض على قائدهم برنيس وَانْهَزَمَ الْبَاقُونَ وَنَجَا يغمراسن فِي فَلهُ حاميا لَهُم ومدافعا عَنْهُم من خَلفهم وَمر فِي هزيمته بفساطيطه فأضرمها نَارا تفاديا من حصرة اسْتِيلَاء الْعَدو عَلَيْهَا وانتهبت بَنو مرين بَاقِي مُعَسْكَره واستبيحت حرمه وارتحل السُّلْطَان يَعْقُوب من الْغَد فِي أَثَره حَتَّى إِذا انْتهى إِلَى وَجدّة وقف عَلَيْهَا فَأمر بهدمها فتسارعت أَيدي الْجند إِلَيْهَا وَجعلُوا عاليها
سافلها وألصقوا بالرغام جدرانها وتركوها قاعا صفصفا وَكَانَت هَذِه الْوَقْعَة منتصف رَجَب من سنة سبعين وسِتمِائَة
ثمَّ تقدم إِلَى تلمسان فَنزل عَلَيْهَا وحاصرها أَيَّامًا وَأطلق الْأَيْدِي فِي ساحتها بالنهب والعيث ثمَّ شن الغارات على البسائط فاكتسحها سَببا ونسفها نسفا وَهلك فِي طَرِيقه إِلَى تلمسان وزيره عِيسَى بن ماساي وَكَانَ من عَلَيْهِ وزرائه وحماة ميدانه وَله فِي ذَلِك أَخْبَار مَذْكُورَة وَكَانَ مهلكه فِي شَوَّال من السّنة الْمَذْكُورَة وَقدم عَلَيْهِ وَهُوَ محاصر لتلمسان الْأَمِير أَبُو زيان مُحَمَّد بن عبد الْقوي بن الْعَبَّاس بن عَطِيَّة كَبِير بني توجين من زناتة فِي جَيش كثيف من قومه مباهيا ببنوده وطبوله وَآلَة حربه وَكَانَ قدومه هَذَا بِقصد مُظَاهرَة السُّلْطَان يَعْقُوب على يغمراسن وتلمسان لعداوة كَانَت بَينهمَا فَأكْرم السُّلْطَان يَعْقُوب وفادته واستركب النَّاس للقائه وَاتخذ رُتْبَة السِّلَاح لمباهاته وَاسْتمرّ الْحصار على تلمسان وعظمت نكاية بني توجين فِيهَا بتخريب الرباع وانتساف الجنات وَقطع الثِّمَار وإفساد الزَّرْع وتحريق الْقرى والضياع لما كَانَ يغمراسن يعاملهم فِي بِلَادهمْ بِمثل ذَلِك أَو أَكثر وَلما امْتنعت تلمسان على السُّلْطَان يَعْقُوب وأيس من فتحهَا لحصانتها واشتداد شَوْكَة حاميتها عزم على الإفراج عَنْهَا وَأَشَارَ على الْأَمِير مُحَمَّد بن عبد الْقوي بالقفول إِلَى مأمنه قبل أَن ينْهض هُوَ عَن تلمسان وَوَصله وَقَومه وملأ حقائبهم من التحف وجنب لَهُم مائَة من الْخَيل المقربات الْجِيَاد بمراكبها وأراح عَلَيْهِم ألف نَاقَة حَلُوب وعمهم بِالْخلْعِ الفاخرة والصلات الوافرة واستكثر لَهُم من السِّلَاح والفازات والفساطيط وَحَملهمْ على الظّهْر وَارْتَحَلُوا إِلَى منجاتهم ومقرهم من جبل وانشريس وتلوم السُّلْطَان يَعْقُوب عَلَيْهِم أَيَّامًا ريثما وصلوا حذرا عَلَيْهِم من يغمراسن أَن ينتهز الفرصة فِي اتباعهم ثمَّ أقلع السُّلْطَان عَن تلمسان وثنى عنانه إِلَى الْمغرب فوصل إِلَى رِبَاط تازا فِي أول يَوْم من ذِي الْحجَّة من السّنة الْمَذْكُورَة فعيد بهَا عيد النَّحْر ثمَّ ارتحل إِلَى فاس فَدَخلَهَا فاتح سنة إِحْدَى وَسبعين وسِتمِائَة فَأَقَامَ بهَا إِلَى الْيَوْم الْحَادِي عشر من صفر فَتوفي وَلَده وَولي عَهده الْأَمِير أَبُو مَالك عبد الْوَاحِد بن يَعْقُوب فأسف لفقده ثمَّ
المطبق وَأمر بهدم قصره وَحمل أنقاضه إِلَى العرائش وَنهب مَاله وماشيته وَلما طرح الباشا حبيب بالمطبق منع نَفسه من الطَّعَام وَالشرَاب إِلَى أَن مَاتَ ميتَة جَاهِلِيَّة عياذا بِاللَّه فَهَؤُلَاءِ أَنْيَاب الْقَبَائِل وَأهل العصبية مِنْهُم تتبعهم السُّلْطَان وَاحِدًا بعد وَاحِد إِلَى أَن أراح الدولة من ضررهم وَالله أعلم
وَفِي هَذِه السّنة أَعنِي سنة ثَمَانِينَ وَمِائَة وَألف انْعَقَدت الشُّرُوط بَين السُّلْطَان سَيِّدي مُحَمَّد بن عبد الله وَبَين جنس الفرنسيس وَهِي عشرُون شرطا مضمنها ومرجعها إِلَى المهادنة وَالصُّلْح والمخالطة بِالْبيعِ وَالشِّرَاء مَعَ التوقير والاحترام من الْجَانِبَيْنِ وَإِذا سَافَرت مراكبهم من مراسيهم إِلَى إيالتنا فتصحب مَعهَا الورقة الْمُسَمَّاة بالباصبورط من عِنْد أَمِير الْبَحْر الْمُرَتّب بِكُل مرسى من مراسيهم فِيهَا اسْم الْمركب ورئيسه وَبَيَان مَا اشْتَمَل عَلَيْهِ من الوسق وَمن أَيْن جَاءَ وَإِلَى أَيْن يذهب وَعَلِيهِ طَابع أَمِير الْبَحْر وَهُوَ طَابع الْجِنْس وَإِذا سَافَرت مراكبنا من مراسينا إِلَى إيالتهم فتصحب كَذَلِك خطّ يَد القنصل الْمُرَتّب بمرسانا من ذَلِك الْجِنْس باسم الْمركب ورئيسه وَمَا اشْتَمَل عَلَيْهِ مَخْتُومًا عَلَيْهِ بِطَابع الْجِنْس أَيْضا وَكَانَ الْقيَاس أَن مراكبهم تحمل طابعنا وخطنا ليحصل لَهَا التوقير كَمَا نحمل نَحن طابعهم وخطهم ليحصل لنا التوقير مِنْهُم وَلَكِن لما لم تجر الْعَادة بترتب متأصلنا بمراسيهم اكْتفي بطابعهم من الْجَانِبَيْنِ إِذْ الْمَقْصُود حَاصِل بذلك وَلَا يلتبس على رُؤَسَاء الْبَحْر طَابع جنس بآخر فَإِذا التقى مركب بمركب وَأخرج كل ورقته عرف من أَي جنس هُوَ وعومل على مُقْتَضى ذَلِك
وُرُود هَدِيَّة السُّلْطَان مصطفى العثماني على السُّلْطَان سَيِّدي مُحَمَّد بن عبد الله رحمهمَا الله
وَفِي هَذِه السّنة أَعنِي سنة ثَمَانِينَ وَمِائَة وَألف بعث السُّلْطَان سَيِّدي مُحَمَّد بن عبد الله رحمه الله خديمه الرئيس عبد الْكَرِيم راغون التطاوني
باشدورا إِلَى السُّلْطَان مصطفى العثماني وأصحبه هَدِيَّة نفيسة مُكَافَأَة لَهُ على هديته الَّتِي كَانَ أرسلها مَعَ السَّيِّد الطَّاهِر بن عبد السَّلَام السلاوي وَالسَّيِّد الطَّاهِر بناني الرباطي حَسْبَمَا مر
ثمَّ لما دخلت سنة إِحْدَى وَثَمَانِينَ وَمِائَة وَألف قدم الْحَاج عبد الْكَرِيم الْمَذْكُور من عِنْد السُّلْطَان الْمَذْكُور وَمَعَهُ هَدِيَّة عَظِيمَة أعظم من الأولى وَهِي مركب موسوق بالمدافع والمهاريس النحاسية وإقامتها وَإِقَامَة المراكب القرصانية من صوار ومخاطيف وقلوع وقمن وحبال وبراميل وَغير ذَلِك من آلَات الْبَحْر وفيهَا ثَلَاثُونَ من مهرَة المعلمين الَّذين لَهُم الْمعرفَة بأفراع المدافع والمهاريس والكور والبنب وبصناعة المراكب القرصاينة وَفِيهِمْ معلم مجيد فِي الرَّمْي بالمهراس إِلَى الْغَايَة فنزلوا بمرسى العرائش
قَالَ صَاحب الْبُسْتَان وَكنت يَوْمئِذٍ واليا بهَا فورد أَمر السُّلْطَان بتوجيه المعلمين إِلَى فاس يُقِيمُونَ بهَا حَتَّى يقدم السُّلْطَان من مراكش إِلَى مكناسة فيجتمعون بِهِ هُنَالك وَلما وصل السُّلْطَان إِلَى مكناسة وحضروا عِنْده فاوضهم فِي الْخدمَة وَأَرَادَ أَن يحيي آثَار دَار الصَّنْعَة الَّتِي كَانَت بسلا تصنع بهَا المراكب الجهادية على عهد الْمُوَحِّدين وَبني مرين فَقَالُوا نحتاج أَن تبني لنا دَارا على هَيْئَة كَذَا وَمن نعتها كَذَا وَكَذَا ورسموا لَهُ شكلها فِي قرطاس فَرَأى أَن أمرهَا لَا يتم فِي عشر سِنِين وَلَا أَكثر وَلَا يَكْفِي فِي بنائها مَال فَأَعْرض عَن ذَلِك وَبعث معلمي البنب إِلَى تطاوين فَكَانَ أحدهم يفرغ البنبة من قنطارين وَبعث معلمي المراكب إِلَى سلا فأنشؤوا فِيهَا ثَلَاث شكظريات وَبعث معلم الرَّمْي إِلَى رِبَاط الْفَتْح فَكَانَ يعلم بهَا الطبجية من أهل سلا والرباط وَتخرج على يَدَيْهِ نجباء وَمن ثمَّ توارث أهل العدوتين هَذِه الصِّنَاعَة مُدَّة إِلَى أَن لم يبْق بهَا الْيَوْم إِلَّا الِاسْم ورد أَصْحَاب المدافع والمهاريس إِلَى فاس فأقاموا بهَا إِلَى أَن توفوا هُنَالك رَحِمهم الله
وَفِي هَذِه السّنة انْعَقَدت الشُّرُوط بَين السُّلْطَان سَيِّدي مُحَمَّد بن عبد الله وَبَين جنس الدينمرك وَهِي عشرُون شرطا ترجع إِلَى تَمام الصُّلْح والأمن من الْجَانِبَيْنِ أَيْضا وَالْأول مِنْهَا مضمنة خُرُوج أَمر المراسي المغربية من يَد تجار الدينمرك فَلَا يتصرفون فِيهَا بِشَيْء لكَون الكمبانية الَّتِي كَانَت تدفع من المراسي قد تَفَرَّقت بعد الْتِزَام قنصلهم بأَدَاء اثْنَي عشر ألف ريال وَخَمْسمِائة ريال الَّتِي بقيت بِذِمَّة تجارهم من ذَلِك وَلَا تعود المراسي لأيديهم بِحَال وَالْآخر مِنْهَا مضمنة أَن يدْفع طاغية الدينمرك للسُّلْطَان كل سنة خَمْسَة وَعشْرين مدفعا من مدافع الْمَعْدن وزر كورتها من ثَمَانِيَة عشر رطلا إِلَى أَرْبَعَة وَعشْرين وَيدْفَع مَعهَا ثَلَاثِينَ قمنة وَمن اللَّوْح الروبلي ألفي لوحة مختلطة وَمن الريال سِتَّة آلَاف وَخَمْسمِائة وَالْكل وَاصل إِلَى الْمحل الَّذِي يُريدهُ السُّلْطَان وَإِن أَرَادَ الطاغية أَن يدْفع بَدَلا عَن جَمِيع ذَلِك خَمْسَة وَعشْرين ألف ريال فَلهُ ذَلِك وَمثل هَذَا انْعَقَد مَعَ جنس السويد أَيْضا إِلَّا أَن قدر الْمَدْفُوع من جَانِبه عشرُون ألف ريال فَقَط فِي كل سنة وَمَعَ أَجنَاس أخر وظائف أخر واستمرت هَذِه السّنة إِلَى أَن انْقَطَعت سنة إِحْدَى وَسِتِّينَ وَمِائَتَيْنِ وَألف فِي دولة السُّلْطَان الْمولى عبد الرَّحْمَن بن هِشَام رحمه الله حَسْبَمَا نذْكر ذَلِك فِي مَحَله
وَفِي هَذِه السّنة أَعنِي سنة إِحْدَى وَثَمَانِينَ وَمِائَة وَألف كَانَت فتْنَة الدعي كلخ بمراكش وَهُوَ رجل صعلوك اسْمه عمر كَانَ ينتسب إِلَى الشَّيْخ أبي الْعَزْم سَيِّدي رحال وَكَانَ يظْهر للعامة الكرامات الكاذبة وَتَبعهُ السوَاد الْأَعْظَم من جهلة الْبَادِيَة لِأَنَّهُ وعدهم أَن يفتح لَهُم بَيت المَال ويهيلون مِنْهُ الذَّهَب وَالْفِضَّة هيلا من غير ممانع فأهرع النَّاس إِلَيْهِ وَتقدم إِلَى مراكش فَدَخلَهَا فِي عَالم من الأوباش شعارهم هَاتَانِ الكلمتان كلخ شلخ رافعين بهَا أَصْوَاتهم وهم كالسيل المنحدر من عل فَوَقع الْهَرج بِالْمَدِينَةِ وغلقت الْأَسْوَاق واتصل الْخَبَر بالسلطان وَهُوَ بداره فَأمر الوزعة وَالْعَبِيد
وَفِي أَوَائِل رَمَضَان من السّنة الْمَذْكُورَة خرج الْقَائِد إِدْرِيس من تلمسان فِي جمَاعَة من الْجَيْش الَّذين مَعَه بِقصد تدويخ الْقَبَائِل الَّذين هُنَالك وَأخذ الْبيعَة على من لم يكن بَايع مِنْهُم وَكَانَ الَّذين بَايعُوا هم أهل معسكر والحشم والمشاشيل مِنْهُم وَبَنُو شقران والمرابطون أهل غريس وورغية وتحليت وحميان وَغير هَؤُلَاءِ وَنَصّ بيعتهم الْحَمد لله الَّذِي أنار الْخلَافَة وَجه الزَّمَان وأطلع فِي صحيفَة غرته طوالع السعد واليمن والأمان وَهدى من ارْتَضَاهُ من الْأَنَام للدخول تَحت ظلّ راية مَوْلَانَا الإِمَام وَالصَّلَاة وَالسَّلَام على سيدنَا مُحَمَّد الْمَبْعُوث رَحْمَة للْعَالمين وعَلى آله وَصَحبه الطيبين وَبعد فَلَمَّا وَفد على حَضْرَة مَوْلَانَا الْخَلِيفَة أبي الْحسن عَليّ ابْن أَمِير الْمُؤمنِينَ مَوْلَانَا سُلَيْمَان أَعلَى الله ثراه فِي عليين جَمِيع الْقَبَائِل المسطرة يمنته وَقَرَأَ عَلَيْهِم كتاب مَوْلَانَا الْمَنْصُور ذِي اللِّوَاء المنشور وَالسيف الْمَشْهُور أَمِير الْمُؤمنِينَ مَوْلَانَا عبد الرَّحْمَن ابْن مَوْلَانَا هِشَام أدام الله رعيه وَجعل فِيمَا يرضيه سَعْيه بِمحضر خَلِيفَته الطَّالِب الأرشد الْمَاجِد الأسعد الْقَائِد السَّيِّد إِدْرِيس الْجَوَارِي وتلقوه بالإجلال والتعظيم والتبجيل والتكريم أشهدوا على أنفسهم أَنهم عقدوا الْبيعَة لمولانا الإِمَام أيده الله وأدام عزه وعلاه والتزموها بِالسَّمْعِ وَالطَّاعَة وَفِي جيدهم انتظموها بيعَة تَامَّة مستوفية الشُّرُوط وافية العهود وَثِيقَة الربوط قبلهَا الْكل وارتضاها وَأوجب الْعَمَل بمقتضاها فَمن سمع مَا ذكر مِمَّن ذكر قَيده فِي مهل جُمَادَى الثَّانِيَة عَام سِتَّة وَأَرْبَعين وَمِائَتَيْنِ وَألف وَبعده عَلامَة العدلين المتلقيين من رُؤَسَاء الْقَبَائِل الْمَذْكُورَة فهولاء الَّذين بَايعُوا وَمن لم يكن بَايع بعد فهم الَّذين خرج الْقَائِد إِدْرِيس الْمَذْكُور لأخذ الْبيعَة عَلَيْهِم كَمَا قُلْنَا
وَالْحَاصِل أَن السُّلْطَان رحمه الله كَانَ قد اعتنى بِأَمْر هَذِه النَّاحِيَة غَايَة الاعتناء وبذل المجهود فِي إمدادها بِالْعدَدِ وَالْعدَد وَالْمَال مرّة بعد أُخْرَى وَبعث الشريف الْبركَة سَيِّدي الْحَاج الْعَرَبِيّ بن عَليّ الوزاني إِلَى أهل تِلْكَ الْبِلَاد يَدعُوهُم إِلَى الطَّاعَة ويحضهم على الدُّخُول فِي أَمر الْجَمَاعَة لكَوْنهم كَانَ لَهُم فِيهِ وَفِي سلفه اعْتِقَاد كَبِير وَبعث الشريف الْأَخير أَبَا مُحَمَّد عبد
السَّلَام البوعناني فولاه خطة الْحِسْبَة بتلمسان وَبعث من الكسي والرايات والأعلام والمدافع والمهاريس والبارود والرصاص شَيْئا كثيرا لَكِن لم يكن إِلَّا مَا أَرَادَهُ الله تَعَالَى فافترقت كلمة الْعَرَب الَّذين هُنَالك لضعف إِيمَانهم وَقلة همتهم فجلهم مَال إِلَى الدُّخُول فِي حزب النَّصَارَى عِنْدَمَا استولوا على مَدِينَة وهران فِي هَذِه الْأَيَّام ثمَّ سرى ذَلِك الِاخْتِلَاف فِي قواد جَيش السُّلْطَان فتنافسوا وتحاسدوا وَكثر القيل والقال مِنْهُم على السُّلْطَان ثمَّ ختموا عَمَلهم بانتهاب أثاث الكرغلية وتقاعدهم عَلَيْهِ ثمَّ بانتهاب مَال الزمالة والدوائر وماشيتهم فِي جوَار الشريف سَيِّدي الْحَاج الْعَرَبِيّ بن عَليّ الوزاني وَفَسَد الْعَمَل وخاب الأمل فَحِينَئِذٍ رأى السُّلْطَان رحمه الله استرجاع تِلْكَ الجيوش الَّتِي لم يبْق طمع فِي صَلَاحهَا بعد أَن أَمر بِالْقَبْضِ على الْقَائِد إِدْرِيس لكَونه سعى بِهِ عِنْده وَأَنه شَارك فِي نهب الكرغلية والزمالة والدوائر وتقاعد على النفيس من أثاثهم فَرَجَعت الْحلَّة وَكَانَ رُجُوعهَا فِي آخر رَمَضَان من السّنة الْمَذْكُورَة وَفِي هَذِه السّنة منتصف جُمَادَى الثَّانِيَة مِنْهَا حدثت زَلْزَلَة بقرية من قرى تلمسان تسمى البليدة فَجعلت عاليها سافلها وَهلك أَهلهَا وَالْأَمر لله كَيفَ شَاءَ فعل
خُرُوج جَيش الودايا على السُّلْطَان الْمولى عبد الرَّحْمَن وَالسَّبَب فِي ذَلِك
كَانَ خُرُوج جَيش الودايا على السُّلْطَان الْمولى عبد الرَّحْمَن رحمه الله فِي الْمحرم فاتح سنة سبع وَأَرْبَعين وَمِائَتَيْنِ وَألف وَكَانَ السَّبَب فِي ذَلِك أَن الطَّاهِر بن مَسْعُود المغفري الحساني والحاج مُحَمَّد بن الطَّاهِر الغفري الْعقيلِيّ والحاج مُحَمَّد بن فَرِحُونَ الجراري كَانُوا من كبار قواد هَذَا الْجَيْش وأعيانه وَكَانَ السُّلْطَان رحمه الله يَبْعَثهُم فِي الْمُهِمَّات ويستكفي بهم فِي الأقطار النائية والجهات وَكَانُوا هم يظهرون للسُّلْطَان الطَّاعَة وهم فِي الْبَاطِن منحرفون عَنهُ بِسَبَب أَن الدَّالَّة الَّتِي كَانُوا يدلون بهَا على السُّلْطَان الْمولى
سُلَيْمَان رحمه الله انْقَطَعت عَنْهُم مَعَ السُّلْطَان الْمولى عبد الرَّحْمَن وزالت من أَيْديهم فَكَانُوا يمرضون فِي الطَّاعَة بعض الأحيان وَالسُّلْطَان يطويهم على غرهم ويلبسهم على عرهم إِلَى أَن كَانَ الْبَعْث إِلَى تلمسان فوجههم إِلَيْهِ فِيمَن وَجه من أَعْيَان الْجَيْش ورؤسائه فَكَانَت قوارصهم لَا تَنْقَطِع عَن الدولة وشغبهم لَا يفتر من التطاول والصولة ثمَّ كَانَ نهب الزمالة والدوائر فأبدؤوا فِي ذَلِك وأعادوا وشايعهم على فعلهم الْقَائِد أَحْمد بن المحجوب البُخَارِيّ وأظهروا عدم المبالاة بالسلطان وخليفته وعامله وَكَانَت بَينهم وَبَين الْقَائِد إِدْرِيس الجراري مُنَافَسَة باطنية فخاف من الِاعْتِرَاض عَلَيْهِم فِيمَا ارتكبوه من النهب أَن يسدوا بِرَأْسِهِ هَذَا الْخرق فأسعفهم وانتهب مَعَهم وَكَانَ مَا قدمْنَاهُ من استرجاع السُّلْطَان لذَلِك الْجَيْش وَبعث من قبض على الْقَائِد إِدْرِيس بوجدة وَجِيء بِهِ إِلَى تازا فسجن بهَا وَلما وصل جَيش تلمسان إِلَى عنق الْجمل قرب فاس خرج إِلَيْهِم الْقَائِد الطّيب الوديني البُخَارِيّ وَكَانَ واليا على فاس فَقيل أَرَادَ أَن يقبض عَلَيْهِم بِإِذن من السُّلْطَان وَقيل أَرَادَ أَن يحوز مِنْهُم أرحلهم وحقائبهم الَّتِي ملؤوها من النهب وَكَانَ الودايا وَالْعَبِيد لما فعلوا فعلتهم تحالفوا وتعاهدوا على أَن يَكُونُوا يدا وَاحِدًا على من أَرَادَهُم بِسوء كَائِنا من كَانَ فَلَمَّا خرج إِلَيْهِم الطّيب الوديني تجهموه وهموا بِهِ فَرجع أدراجه وأنهى ذَلِك إِلَى السُّلْطَان فأغضى عَنْهُم ثمَّ بعد أَيَّام عزم السُّلْطَان على الْقَبْض على الْحَاج مُحَمَّد بن الطَّاهِر الْعقيلِيّ فأحس هُوَ بذلك فَذهب إِلَى الطَّاهِر بن مَسْعُود وتطارح عَلَيْهِ وَقَالَ لَهُ إِنِّي مَقْبُوض لَا محَالة فَإِن ولاك السُّلْطَان من أَمْرِي شَيْئا فَأحْسن وَلَا تؤاخذني بِمَا كَانَ مني إِلَيْك وَقد كَانَ الطَّاهِر بن مَسْعُود قبل هَذِه الْمدَّة عَاملا بتارودانت فَعَزله السُّلْطَان بِابْن الطَّاهِر فأساء إِلَيْهِ فَلهَذَا قَالَ لَهُ مَا قَالَ فَقَالَ الطَّاهِر بن مَسْعُود وَأَنت مَقْبُوض قَالَ نعم قَالَ عَليّ وَعلي لَا جرى عَلَيْك أَمر تكرههُ مَا دمت حَيا ثمَّ إِن السُّلْطَان أحضر الْحَاج مُحَمَّد بن الطَّاهِر وَأحمد بن المحجوب فقرعهما وَأمر بِالْقَبْضِ عَلَيْهِمَا فَقبض أعوان الودايا على أخيهم وَقبض أعوان العبيد على أخيهم وَخَرجُوا بهما إِلَى السجْن مَعَ الْعشي وَكَانَ الطَّاهِر بن مَسْعُود قد