الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَلَمَّا أفْضى الْأَمر إِلَى السُّلْطَان أبي الرّبيع اسْتعْمل خَليفَة هَذَا بداره فِي بعض المهن فباشر الْأُمُور وترقى فِيهَا حَتَّى اتَّصل بالسلطان فَجعل غَايَة قَصده السّعَايَة بِأبي مُحَمَّد بن أبي مَدين وَكَانَ يُؤثر عَن السُّلْطَان أبي الرّبيع أَنه يختلي مَعَ حرم حَاشِيَته وتعرف خَليفَة ذَلِك من مقالات النَّاس فَدس إِلَى السُّلْطَان بِأَن ابْن أبي مَدين يعرض باتهامك فِي ابْنَته وَأَن صَدره قد وغر لذَلِك وَأَنه مترصد بالدولة ومتربص بهَا الدَّوَائِر فتمكنت سعايته من السُّلْطَان وَظن أَنه صَادِق وَكَانَ يخْشَى غائلة ابْن أبي مَدين بِمَا كَانَ لَهُ من الوجاهة فِي الدولة ومداخلة الْقَبِيل فاستعجل السُّلْطَان أَبُو الرّبيع دفع غائلته ودس إِلَى قَائِد جند الفرنج بقتْله فَسَار إِلَيْهِ ولقيه بمقبرة الشَّيْخ أبي بكر بن الْعَرَبِيّ فرصده وَأَتَاهُ من خَلفه فطعنه طعنة كبته على ذقنه واحتز رَأسه وألقاه بَين يَدي السُّلْطَان أبي الرّبيع وَدخل الْوَزير سُلَيْمَان بن يرزيكن فَوجدَ الرَّأْس بَين يَدَيْهِ فَذَهَبت نَفسه عَلَيْهِ وعَلى مَكَانَهُ من الدولة حسرة وأسفا وَأَيْقَظَ السُّلْطَان لمكر الْيَهُودِيّ وأطلعه على خبثه وَأخرج لَهُ بَرَاءَة كَانَ بعث بهَا ابْن أبي مَدين مَعَه إِلَى السُّلْطَان يتنصل فِيهَا وَيحلف على كذب مَا رمي بِهِ عِنْده فَتنبه السُّلْطَان لمكر الْيَهُودِيّ وَعلم أَنه قد خدعه وَنَدم حَيْثُ لم يَنْفَعهُ النَّدَم وفتك لحينه بخليفة بن وقاصة وحاشيته من الْيَهُود المتصدين للْخدمَة وسطا بهم سطوة الهلكة فَأَصْبحُوا مثلا للآخرين
انْتِقَاض أهل سبتة على بني الْأَحْمَر ومراجعتهم طَاعَة بني مرين
كَانَ أهل سبتة قد سئموا ملكة أهل الأندلس وثقلت عَلَيْهِم ولايتهم لَا سِيمَا حِين رَحل عَنْهُم عُثْمَان بن أبي الْعَلَاء وَعبر الْبَحْر بِقصد الْجِهَاد كَمَا مر واتصل خبر ذَلِك بالسلطان أبي الرّبيع فانتهز الفرصة فيهم وَعقد لِثِقَتِهِ تاشفين بن يَعْقُوب الوطاسي أخي وزيره عبد الرَّحْمَن بن يَعْقُوب على عَسْكَر ضخم من بني مرين وَسَائِر طَبَقَات الْجند وَبَعثه إِلَى سبتة فأغذ السّير إِلَيْهَا وَنزل بساحتها وَلما أحس بِهِ أهل الْبَلَد تمشت رجالاتهم فِيمَا بَينهم وتنادوا
(فاصعد على مِنْبَر الإقبال معتليا
…
فالسعد أنْجز مَا كَانَ بِهِ وَعدك)
(وانهض إِلَى غَايَة الآمال تدركها
…
فَالْآن قَالَت لَك العلياء هَات يدك)
(وَلَا تخف أبدا من سوء عَاقِبَة
…
فَلَيْسَ يفلح من بالسوء قد قصدك)
(ألبسك الْملك العميم نائله
…
من الرضى حللا قوى بهَا مددك)
(فضلا من الحكم الترضي حكومته
…
جعلهَا كالشجا فِي حلق من جحدك)
(فاشكر صَنِيع الَّذِي أولاك مكرمَة
…
تنَلْ رِضَاهُ وتبلغ بالرضى رشدك)
قدوم عرب الرحامنة على السُّلْطَان الْمولى سُلَيْمَان ومسيره إِلَى مراكش واستيلاؤه عَلَيْهَا
قد قدمنَا أَن أهل الْحَوْز افْتَرَقت كلمتهم على قسمَيْنِ فبعضهم بَايع الْمولى حُسَيْن بن مُحَمَّد وَبَعْضهمْ أَقَامَ على بيعَة أَخِيه الْمولى هِشَام وَأَنه نَشأ عَن ذَلِك حروب تفانى فِيهَا الْخلق
فَلَمَّا كَانَت سنة عشر وَمِائَتَيْنِ وَألف قدم على السُّلْطَان بمكناسة جمَاعَة من أَعْيَان الرحامنة مبايعين لَهُ وسائلين لَهُ الْمسير مَعَهم إِلَى بِلَادهمْ لتجتمع كلمتهم عَلَيْهِ فَوَعَدَهُمْ بِأَنَّهُ إِذْ فرغ من أَمر الشاوية ومهد طَرِيقه بهَا إِلَى الْحَوْز سَار إِلَيْهِم ثمَّ قوى عزمه رحمه الله فَخرج فِي العساكر من مكناسة وَقصد تامسنا فَلَمَّا احتل بهَا قدم عَلَيْهِ أَوْلَاد أبي رزق وفر أَوْلَاد أبي عَطِيَّة وَأَوْلَاد حريز الَّذين عِنْدهم الْمولى عبد الْملك بن إِدْرِيس ولجؤوا إِلَى وَادي أم الرّبيع فقصدهم السُّلْطَان هُنَالك وأوقع بهم وفر الْمولى عبد الْملك إِلَى أَخْوَاله بالسوس فَأَقَامَ عِنْدهم إِلَى أَن شفع فِيهِ أَخُو السُّلْطَان الْمولى عبد السَّلَام بن مُحَمَّد وَأُخْته الملاة صَفِيَّة وَكَانَت زَوْجَة الْمولى عبد الْملك فَقبل السُّلْطَان شفاعتهما فَعَفَا عَنهُ وَعَاد إِلَى فاس وَاطْمَأَنَّ جنبه وَأما الشاوية فَإِنَّهُم قدمُوا على السُّلْطَان تَائِبين خاضعين فَعَفَا عَنْهُم وَولى عَلَيْهِم الْأُسْتَاذ الْغَازِي بن الْمدنِي المزمري فصلحت الْأَحْوَال على يَده
حَالهم وتبصر فِي جَمِيع أُمُورهم وَمَا هم عَلَيْهِ فِي قتال عدوهم من الضَّبْط وَعَدَمه وَهل هم مكفيون فِي جَمِيع مَا تَدْعُو الْحَاجة إِلَيْهِ أم لَا واستوعب ذَلِك وائتنى بِالْأَمر على وَجهه قَالَ فَذَهَبت فوصلت إِلَى الْمحلة يَوْم الْخَمِيس وَفِي صَبِيحَة الْيَوْم الَّذِي يَلِيهِ كَانَ حَرْب أبي صفيحة فجَاء النذير إِلَى الْمولى الْعَبَّاس وَأخْبرهُ بِأَن الْمُسلمين الْآن يُقَاتلُون الْعَدو قَالَ فركبت فِي جمَاعَة من النَّاس وَذَهَبت لأنظر حَال الْمُسلمين وَحَال عدوهم كَمَا أَمرنِي السُّلْطَان رحمه الله فوصلت إِلَى مقاتلة الْمُسلمين فَإِذا هم يرتادون موضعا ينزلون بِهِ أثقالهم ويضربون بِهِ أخبيتهم ليتفرغوا لقِتَال عدوهم فَإِذا هم عزموا على النُّزُول بوادي آكراز فأجهضهم الْعَدو عَنهُ بِالرَّمْي بالكور والضوبلي وَهُوَ مُتَقَدم أَمَام لَا يثنيه شَيْء فتأخروا عَن ذَلِك الْمحل ونزلوا بِمحل أمنُوا بِهِ على أخبيتهم وأثاثهم ثمَّ تقدمُوا إِلَيْهِ وقاتلوه قتالا شَدِيدا حَتَّى ردُّوهُ على عقبه بالموضع الْمَعْرُوف بآمصال مرَّتَيْنِ أَو ثَلَاثًا وَقتلُوا مِنْهُ مَا جَاوز الْحصْر وَفِي ذَلِك الْيَوْم اسْتشْهد عَامل سُفْيَان وَبني مَالك أَبُو مُحَمَّد عبد السَّلَام بن عبد الْكَرِيم بن عودة الْحَارِثِيّ وَبَات الْعَدو تِلْكَ اللَّيْلَة بوادي آكراز الَّذِي كَانَ الْمُسلمُونَ أَرَادوا أَن ينزلُوا بِهِ وباتت محلّة الْمُسلمين بالفنيديق وتفرق جلّ متطوعتها كل إِلَى حَال سَبيله على عَادَتهم وَكَانَ الْوَقْت وَقت شتاء وَبرد غَايَة
قَالَ فَلم يُعجبنِي ذَلِك وَمن الْغَد وَهُوَ يَوْم السبت أصبح الْعَدو مُقيما والمسلمون مقيمين كَذَلِك وَكَانَ الرَّأْي أَن يعاجلوه بوقعة أُخْرَى ويلحوا عَلَيْهِ كي يكسروا شوكته ويهضموا مَا دَامَ متألما وَلَا يَتْرُكُوهُ حَتَّى يجم ويستريح لكِنهمْ لم يَفْعَلُوا وَدَار الْكَلَام فِي ذَلِك الْيَوْم فِي الصُّلْح فأذعن كل من الأميرين أَمِير الْمُسلمين وأمير النَّصَارَى وجنحوا إِلَيْهِ لأَنهم كَانُوا مَعًا قد سئموا الْحَرْب وملوا الْقِتَال ثمَّ من الْغَد وَهُوَ يَوْم الْأَحَد تداعوا للاجتماع بعد أَن نَهَضَ الْعَدو من مَحَله الَّذِي كَانَ نازلا بِهِ وَاجْتمعَ وانكمش وَأظْهر الْقُوَّة بالتهييىء للحرب والتعبئة لِلْقِتَالِ حَتَّى أَنه إِذا كَانَ صلح فَذَاك وَإِلَّا فالقتال فعل ذَلِك مكيدة وَالْحَاصِل أَن الْمولى الْعَبَّاس تقدم فِي جمَاعَة من وُجُوه الْجَيْش