الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَقِيَّة أَخْبَار بني أبي الْعَلَاء
قد تقدم لنا أَن عُثْمَان بن أبي الْعَلَاء كَانَ يَلِي مشيخة الْغُزَاة بالأندلس وَأَنه اسْتشْهد سنة ثَلَاثِينَ وَسَبْعمائة وَقَامَ بأَمْره ابْنه أَبُو ثَابت فاستحوذ بعصبيته وَقَومه على بني الْأَحْمَر فَقتلُوا مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل مِنْهُم مرجعه من فتح جبل الْفَتْح ونصبوا لِلْأَمْرِ أَخَاهُ يُوسُف بن إِسْمَاعِيل حَسْبَمَا تقدم الإلماع بذلك ثمَّ إِن السُّلْطَان أَبَا الْحجَّاج هَذَا بَقِي بَين جَنْبَيْهِ دَاء دخيل من بني أبي الْعَلَاء الَّذين فتكوا بأَخيه فَلم يزل يسْعَى فِي أَمرهم حَتَّى قبض عَلَيْهِم وأودعهم المطبق ثمَّ غربهم إِلَى تونس فنزلوا على السُّلْطَان أبي بكر بن أبي زَكَرِيَّا الحفصي واتصل الْخَبَر بالسلطان أبي الْحسن فَكتب إِلَيْهِ باعتقالهم فَفعل ثمَّ بدا لَهُ فَبعث إِلَيْهِ مَعَ عريف الوزعة بِبَابِهِ مَيْمُون بن بكرون فِي إشخاصهم إِلَى حَضرته فتوقف الحفصي عَن ذَلِك وأبى من إخفار ذمتهم فَأَشَارَ عَلَيْهِ وزيره أَبُو مُحَمَّد بن تافراجين ببعثهم إِلَيْهِ وَأَنه لَا يُرِيد بهم إِلَّا الْخَيْر فبعثهم وَبعث كِتَابه بالشفاعة فيهم فقدموا على السُّلْطَان أبي الْحسن مرجعه من الْجِهَاد سنة اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعين وَسَبْعمائة فَتَلقاهُمْ بِالْبرِّ والكرامة إِكْرَاما لشفيعهم وأنزلهم بمعسكره وَحَملهمْ على الْخُيُول المسومة بالمراكب الثَّقِيلَة وَضرب لَهُم الفساطيط وأسنى لَهُم الْخلْع والجوائز وَفرض لَهُم فِي أَعلَى رتب الْعَطاء وصاروا فِي جملَته وَلما احتل بسبتة لمشارفة أَحْوَال الجزيرة الخضراء سعى عِنْده فيهم بِأَن كثيرا من المفسدين يداخلونهم فِي الْخُرُوج والتوثب على الْأَمر فتقبض عَلَيْهِم وأودعهم السجْن بمكناسة الزَّيْتُون واستمروا هُنَالك إِلَى أَن قَامَ أَبُو عنان فَأَطْلَقَهُمْ واستعان بهم على أمره حَسْبَمَا نذكرهُ إِن شَاءَ الله
لَهُ نوع من الْكَشْف شاع بِهِ خَبره عِنْد البربر وأكبوا عَلَيْهِ واشتهر أمره أَيَّام السُّلْطَان سَيِّدي مُحَمَّد بن عبد الله وَلما انْتهى أمره نَهَضَ إِلَى قَبيلَة جروان الَّذين كَانُوا يخدمونه فنهبهم بِسَبَبِهِ وفر مهاوش إِلَى رُؤُوس الْجبَال وَبَقِي مختفيا إِلَى أَن بُويِعَ السُّلْطَان الْمولى يزِيد رحمه الله وَكَانَ قد اتَّصل بمهاوش قبل ولَايَته وَذَلِكَ حِين فر من وَالِده ولجأ إِلَيْهِ حَسْبَمَا مر فآواه مهاوش وَأحسن إِلَيْهِ
وَلما بُويِعَ السُّلْطَان الْمَذْكُور وَفد عَلَيْهِ مهاوش فِي جمَاعَة من قومه ففرح بهم الْمولى يزِيد وَأعْطى مهاوش عشرَة آلَاف ريال وَأعْطى الَّذين قدمُوا مَعَه مائَة ألف ريال وَلما هلك مُحَمَّد وناصر هَذَا ترك عدَّة أَوْلَاد أكبرهم أَبُو بكر وَمُحَمّد وَالْحسن إِلَّا أَنهم تبعوا سيرة أَبِيهِم فِي مُجَرّد التدجيل والتمويه على جهلة البربر وتثبيطهم على طَاعَة السُّلْطَان وَلم يكن مَعَهم مَا كَانَ مَعَ والدهم من التظاهر بِالْخَيرِ وَالدّين فَأمر أَمرهم عِنْد أهل جبل فازاز واعتقدوهم ووقفوا عِنْد إشارتهم ثمَّ لما جَاءَت دولة السُّلْطَان الْمولى سُلَيْمَان رحمه الله واتفقت لَهُ الْهَزِيمَة الَّتِي مر ذكرهَا وأمتلأت أَيدي البربر من خيل المخزن وسلاحه وأثاث الْجند وفرشه بطروا وَظهر لَهُم إِن ذَلِك إِنَّمَا نالوه ببركة مهاوش لِأَنَّهُ كَانَ يعدهم بِشَيْء من ذَلِك فَتمكن ناموسه من قُلُوبهم واستحكمت طاعتهم لَهُ وتمردوا على السُّلْطَان بِسَبَب مَا كَانُوا يسمعُونَ مِنْهُ إِلَّا أَن كَيده كَانَ قاصرا على أهل لِسَانه ووطنه لَا يتعداهم إِلَى غَيرهم ثمَّ بعد ذَلِك بِزَمَان انطفأ ذباله وَلم يزل فِي انتقاص إِلَى الْآن وَالله غَالب على أمره
حُدُوث الْفِتْنَة بفاس وقيامهم على عاملهم الصفار
لما توالت هَذِه الْفِتَن على السُّلْطَان رحمه الله وانفتقت عَلَيْهِ الفتوق وَصَارَ النَّاس كَأَنَّهُمْ فوضى لَا سُلْطَان لَهُم قَامَ عَامَّة أهل فاس على عاملهم الْحَاج مُحَمَّد الصفار فأرادوا عَزله وتعصبت لَهُ طَائِفَة من أهل عدوته وافترقت
اهـ ثمَّ إِن السُّلْطَان أعزه الله قبض على عَامل فاس إِدْرِيس السراج وعَلى وَلَده واثنين آخَرين مَعَه من رُؤُوس الْفِتْنَة وغربهم إِلَى مراكش وَولى على فاس الْقَائِد الجياني بن حمو البُخَارِيّ أحد قواده واستقامت الْأَحْوَال
وَكَانَ مِمَّا قيل من الشّعْر فِي هَذِه الْوَقْعَة قَول صاحبنا الْفَقِيه الأديب أبي عبد الله مُحَمَّد بن نَاصِر حركات السلاوي حفظه الله
(لله ياتلك الَّتِي تأوي الفنا
…
لَا تَنْقَضِي مَا كَانَ صبري قد بنى)
(كلا وَقد هيجت مني لوعة
…
قد أوشكت فِي مهجتي أَن تهدنا)
(وأتيت موطن مصرع العشاق ثمَّ
…
بَكَيْت حَتَّى كدت تبْكي الموطنا)
(لَو كَانَت الأجبال تعقل لانثنت
…
تبْكي لما بك رأفة وتحننا)
(فَبِأَي رَأْي يَا حميمة قد غَدا
…
مِنْك البكا عوض الترنم والغنا)
(وَبِأَيِّ ذَنْب قد فجعت قُلُوبنَا
…
وسقيتنا كأس الأسى بدل الهنا)
(أَو مَا كَفاك من المتيم مهجة
…
مَا شَأْنهَا إِلَّا معاناة العنا)
(صب لَهُ فِي كل يَوْم عِبْرَة
…
وتلهف يقتده قد القنا)
(كَيفَ اصْطِبَارِي والحبيب مصارمي
…
والدهر مغرا بالوشاية بَيْننَا)
(دَعْنِي فعدلك للمتيم ضلة
…
شَرّ عَلَيْهِ من مقاساة الضنا)
(تالله لارقأت لعَيْنِي عِبْرَة
…
حَتَّى ترى وَجه المليك الأيمنا)
(الْيَد الشهم السّري الأصيد الفخم
…
النَّهْي الباهي الْهمام الصيدنا)
(الْأَعْظَم المستعظم العذب الْحلِيّ المستعذب
…
الْحسن الثنا المستحسنا)
(قد حَاز فِي الْأَشْرَاف كل فَضِيلَة
…
مَلأ المسامع حسنها والأعينا)
(ومكارما ومحاسنا ومفاخرا
…
لَو ذاق لذتها الكفور لآمَنَّا)
(فلذاك سيدنَا الْمُقَدّس خصّه
…
بمآثر مَا تَنْتَهِي فتدونا)
(ورث الْخلَافَة كَابِرًا عَن كَابر
…
لَا كَالَّذي يَأْتِي إِلَيْهَا ضعيفنا)
(عشقته عشق ابْن الملوح خذنه
…
وصبت إِلَيْهِ صبا الْعُيُون إِلَى الرنا)
(وَله وَقد لبته قبل دُعَائِهِ
…
أَلْقَت أزمتها وَقَالَت هَا أَنا)
(ملك بِهِ الْملك الْأَغَر تشيدت
…
أَرْكَانه فِي الْعِزّ محكمَة الْبَنَّا)
(أضحى بِهِ يختال فخرا قَائِلا
…
لسواك يَا ركن الورى لن أركنا)