الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
خنقا وَقيل جوعا وَذهب فِي الذاهبين وَأَبوهُ أَبُو عبد الله مُحَمَّد الْكِنَانِي هُوَ الَّذِي بَعثه السُّلْطَان يَعْقُوب بن عبد الْحق إِلَى الْمُسْتَنْصر الحفصي عِنْد فتح مراكش وَعَاد إِلَيْهِ مِنْهُ بالهدية صُحْبَة وَفد أهل تونس وتلطف أَبُو عبد الله الْكِنَانِي حَتَّى ذكر الْمُسْتَنْصر فِي الْخطْبَة على مِنْبَر مراكش وَفَرح الْوَفْد بذلك حَسْبَمَا تقدم الْخَبَر عَنهُ مُسْتَوفى وَنَشَأ ابْنه منديل هَذَا فِي ظلّ الدولة المرينية فَكَانَ من أمره مَا قصصناه عَلَيْك
وفادة أهل الأندلس على السُّلْطَان أبي سعيد واستصراخهم إِيَّاه على الطاغية وَمَا نَشأ عَن ذَلِك
كَانَ الْمُلُوك من بني مرين قد انْقَطع غزوهم عَن الأندلس بُرْهَة من الدَّهْر مُنْذُ دولة السُّلْطَان يُوسُف بن يَعْقُوب لاشتغاله فِي آخر أمره بحصار تلمسان واشتغال حفدته من بعده بِأَمْر الْمغرب مَعَ قصر مدتهم فتطاول الْعَدو وَرَاء الْبَحْر على الْمُسلمين بِسَبَب هَذِه الفترة وَاشْتَدَّ كَلْبه كَلْبه على ثغورها مَعَ أَن الْقَرَابَة من بني مرين كَانُوا شجى فِي صَدره وقذى فِي عَيْنَيْهِ فِي تِلْكَ الْبِلَاد حَسْبَمَا ألمعنا إِلَيْهِ غير مرّة وَلما أفْضى الْأَمر الى السُّلْطَان أبي سعيد اشْتغل فِي صدر دولته بِأَمْر ابْنه عَليّ وَخُرُوجه عَلَيْهِ فاهتبل الطاغية الْغرَّة فِي الأندلس وزحف فِي جموعه إِلَى غرناطة سنة ثَمَان عشرَة وَسَبْعمائة وَكَانَ من خبر هَذِه الْوَقْعَة أَن الطاغية بطرة بن سانجة وَيُقَال دون بطرة وَقد نبهنا على لَفظه دون فِيمَا سبق ذهب إِلَى طليطلة وَدخل على مرجعهم الَّذِي يُقَال لَهُ البابا وَسجد لَهُ وتضرع بَين يَدَيْهِ وَطلب مِنْهُ استئصال مَا بَقِي من الْمُسلمين بِأَرْض الأندلس وأكد عزمه وتأهب لذَلِك غَايَة الأهبة فوصلت أثقاله ومجانيقه وآلات الْحصار والأقوات فِي المراكب وَتقدم فِي جموعه حَتَّى نزل بأحواز غرناطة وَكَانَ رديفه فِي ذَلِك الْجند علجا آخر يُقَال لَهُ جوان وانضم إِلَيْهِم مُلُوك آخَرُونَ من مُلُوك الْأَطْرَاف قيل سَبْعَة وَقيل أَكثر وامتلأت الأَرْض بهم وعزموا على استئصال بَقِيَّة الْمُسلمين بالأندلس وَكَانَ جيشهم فِيمَا قيل يشْتَمل على خَمْسَة وَثَلَاثِينَ ألفا من الفرسان وعَلى نَحْو مائَة ألف من الرجالة الْمُقَاتلَة
وَلما رأى أهل الأندلس ذَلِك بعثوا صريخهم إِلَى السُّلْطَان أبي سعيد فَقدم عَلَيْهِ وفدهم بِحَضْرَتِهِ من فاس وَفِيهِمْ من وُجُوه الأندلس وصلحائها الشَّيْخ أَبُو عبد الله الطنجالي وَالشَّيْخ ابْن الزيات البلشي وَالشَّيْخ أَبُو إِسْحَاق بن أبي الْعَاصِ وَغَيرهم فَاعْتَذر إِلَيْهِم السُّلْطَان أَبُو سعيد بمَكَان عُثْمَان بن أبي الْعَلَاء من دولتهم وَمحله من دَار ملكهم وَكَانَ عُثْمَان بن أبي الْعَلَاء يتَوَلَّى يَوْمئِذٍ مشيخة الْغُزَاة بالأندلس لِأَن وَفَاته تَأَخَّرت إِلَى سنة ثَلَاثِينَ وَسَبْعمائة حَسْبَمَا مر فَشرط عَلَيْهِم السُّلْطَان أَبُو سعيد أَن يمكنوه مِنْهُ ليتأتى لَهُ العبور إِلَى تِلْكَ الْبِلَاد وَجِهَاد الْعَدو بهَا من غير تشويش وَقَالَ ادفعوه إِلَيْنَا برمتِهِ حَتَّى يتم أَمر الْجِهَاد ثمَّ نرده عَلَيْكُم حياطة على الْمُسلمين وخشية من تَفْرِيق كلمتهم فاستصعب أهل الأندلس هَذَا الشَّرْط لما يعلمونه من صرامة عُثْمَان بن أبي الْعَلَاء وإدلاله ببأسه وبأس عشيرته فأخفق سَعْيهمْ وَرَجَعُوا منكسرين وأطالت الفرنج الْمقَام على غرناطة وطمعوا فِي التهامها
ثمَّ إِن الله تَعَالَى نفس عَن مخنقهم ودافع بقدرته عَنْهُم وهيأ لعُثْمَان بن أبي الْعَلَاء فِي الفرنج وَاقعَة كَانَت من أغرب الوقائع وَذَلِكَ أَنه لما كَانَ يَوْم المهرجان وَهُوَ الْخَامِس من جُمَادَى الأولى من سنة تسع عشرَة وَسَبْعمائة عمد عُثْمَان بن أبي الْعَلَاء إِلَى جمَاعَة جنده وَاخْتَارَ من أنجاد بني مرين مِنْهُم نَحْو الْمِائَتَيْنِ وَقيل أَكثر وَتقدم بهم نَحْو جَيش الفرنج فَظن النَّصَارَى أَنهم إِنَّمَا خَرجُوا لأمر غير الْقِتَال من مُفَاوَضَة أَو إبلاغ رِسَالَة أَو نَحْو ذَلِك حَتَّى إِذا سامتوا موقف الطاغية ورديفه جوان صمموا نَحْوهمَا حَتَّى خالطوهما فِي مراكزهما فصرعوهما فِي جملَة من الْحَاشِيَة وَانْهَزَمَ ذَلِك الْجمع من حِينه وولوا الأدبار واعترضهم من ورائهم مسارب المَاء للشُّرْب على نهر شنيل فتطارحوا فِيهَا وَهلك أَكْثَرهم واكتسحت أَمْوَالهم وتبعهم الْمُسلمُونَ يقتلُون وَيَأْسِرُونَ ثَلَاثَة أَيَّام وَخرج أهل غرناطة لجمع الْأَمْوَال وَأخذ الأسرى فاستولوا على أَمْوَال عَظِيمَة مِنْهَا من الذَّهَب فِيمَا قيل ثَلَاثَة وَأَرْبَعُونَ قِنْطَارًا وَمن الْفضة مائَة وَأَرْبَعُونَ قِنْطَارًا وَمن السَّبي سَبْعَة آلَاف نفس حَسْبَمَا كتب بذلك بعض الغرناطيين إِلَى الديار المصرية وَكَانَ من جملَة الْأُسَارَى امْرَأَة الطاغية وَأَوْلَاده
يحيى بِكَسْر الْيَاء الْأَخِيرَة فَاسْتَاقُوا ماشيتهم وَسَبْيهمْ وَقدمُوا بهما على السُّلْطَان فسرح السُّلْطَان السَّبي
ثمَّ دخلت سنة ثَمَان عشرَة وَثَمَانِينَ وَألف فِيهَا أغار آيت أدراسن على رفاق تافيلالت بطرِيق ملوية ونهبوا بعض القفل وَذَلِكَ بِسَبَب أَن السُّلْطَان كَانَ قد قبض على مُحَمَّد بن مُحَمَّد واعزيز وسجنه بالجزيرة وَولى عَلَيْهِم أَخَاهُ أَبَا عزة بن مُحَمَّد واعزيز فَلم يقبلوه وجمعوا كلمتهم على ابْن عَمه أبي عزة بن نَاصِر وَكَانَ منحرفا عَن السُّلْطَان ومفارقا لَهُ فولوه أَمرهم وَلما رأى السُّلْطَان اعوجاجهم سرح لَهُم مُحَمَّدًا واعزيز وولاه عَلَيْهِم وَأمره بِالْقَبْضِ على أبي عزة بن نَاصِر فَأبى فَغَضب السُّلْطَان عَلَيْهِ ثَانِيَة وهم بِهِ ففر مُحَمَّد واعزيز وكشف وَجه الْعِصْيَان فَنَهَضَ حِينَئِذٍ إِلَى آيت أدراسن فِي العساكر وَأرْسل إِلَى قبائل آيت ومالو أَن يأتوهم من خَلفهم وَتقدم هُوَ حَتَّى نزل بِقرب آعليل وَوَقعت الْحَرْب فنصر الله السُّلْطَان وَانْهَزَمَ آيت أدراسن ونهبت مَوَاشِيهمْ واحتوى البربر على حللهم وفر أَوْلَاد واعزيز الثَّلَاثَة برؤوسهم لآيت ومالو وشرعت العساكر فِي إِخْرَاج زُرُوعهمْ إِلَى أَن استصفوها وَأمر السُّلْطَان بهدم قصورهم فهدمت وَأعْطى كروان بِلَادهمْ وَرجع إِلَى فاس مظفرا منصورا ثمَّ لم يقم بهَا إِلَّا يَسِيرا حَتَّى خرج إِلَى تازا وَترك عَامل فاس أَبَا الْعَبَّاس أَحْمد اليموري بِبِلَاد الحياينة لقبض خراجهم وَلما احتل بتازا جهز العساكر إِلَى وَجدّة مَعَ الشَّيْخ عبد الله بن الْخضر لجباية قبائلها وجهز جَيْشًا آخر مَعَ عَامل سجلماسة أبي عبد الله مُحَمَّد الصريدي فَنزل ملوية وجبى قبائلها وطلع إِلَى بِلَاد الصَّحرَاء مَعَ أَوديتهَا إِلَى نَاحيَة فجيج فجبى أَمْوَال تِلْكَ النواحي ثمَّ توجه إِلَى سجلماسة فَفرق الْجَيْش على أقاليم صحرائها درعة والفائجة وتدغة وفركلة وغريس وزيز وَالْخَنْدَق ومدغرة والرتب فجبى أَمْوَال تِلْكَ الْقَبَائِل كلهَا وَقرر عماله ونوابه بِكُل إقليم مِنْهَا ومهد طَرِيق الصَّحرَاء وَرجعت عساكره منصورة
ثمَّ دخلت سنة تسع عشرَة وَمِائَتَيْنِ وَألف فِيهَا عزل السُّلْطَان الْقَائِد أَبَا الْعَبَّاس أَحْمد اليموري عَن فاس وَولى عَلَيْهَا صهره الْمولى حبيب بن عبد الْهَادِي فَقَامَ بهَا أحسن قيام وَكَانَ ذَا عقل ومروءة وسمت ودهاء وفيهَا توجه السُّلْطَان فِي العساكر إِلَى مراكش وَلما احتل بهَا بعث جَيْشًا إِلَى السوس لنظر الْكَاتِب أبي عبد الله الرهوني وَبعث جَيْشًا آخر إِلَى عَامل حاحة لنظر أبي الْعَبَّاس أَحْمد اليموري ثمَّ خرج السُّلْطَان فِي جَيش ثَالِث إِلَى ثغر الصويرة لمشاهدتها وَالْوُقُوف على آثَار وَالِده بهَا فَانْتهى إِلَيْهَا وَأقَام بهَا أَيَّامًا وَفرق المَال على جندها أحرارا وعبيدا وَنظر فِي أُمُور مرْسَاها وَأمر بإصلاح مَا لَا بُد مِنْهُ فِيهَا وَعَاد إِلَى الغرب مؤيدا منصورا
فتْنَة الْفَقِير أبي مُحَمَّد عبد الْقَادِر ابْن الشريف الفليتي واستحواذه على تلمسان وبيعته للسُّلْطَان الْمولى سُلَيْمَان وَالسَّبَب فِي ذَلِك
لما كَانَت سنة عشْرين وَمِائَتَيْنِ وَألف هَاجَتْ الْفِتْنَة بَين عرب تلمسان وَالتّرْك وَكَانَ السَّبَب فِي ذَلِك أَن باي وهران كَانَ لَهُ انحراف عَن الْفُقَرَاء والمنتسبين وَسُوء اعْتِقَاد فيهم فَقتل بعض الطَّائِفَة الدرقاوية وَأمر بِالْقَبْضِ على مقدمهم أبي مُحَمَّد عبد الْقَادِر بن الشريف الفليتي تلميذ الشَّيْخ الْأَكْبَر أبي عبد الله سَيِّدي مُحَمَّد الْعَرَبِيّ بن أَحْمد الدرقاوي شيخ الطَّائِفَة الْمَذْكُورَة ففر أَبُو مُحَمَّد عبد الْقَادِر الْمَذْكُور إِلَى الصَّحرَاء وَنزل بحلة الْأَحْرَار فَاجْتمع عَلَيْهِ أهل طائفته وامتعضوا لمن قتل مِنْهُم ولنفي مقدمهم عَن وَطنه وعشيرته وامتعضت لَهُم عَشَائِرهمْ من قبائل الْعَرَب الَّذِي هُنَالك وزحفوا لِحَرْب التّرْك على حِين غَفلَة مِنْهُم فَقَتَلُوهُمْ فِي كل وَجه
وَلما دخل فصل الرّبيع من السّنة الْمَذْكُورَة بعث صَاحب الجزائر عسكرا إِلَى باي وهران وَأمره بغزو الْعَرَب فَنَهَضَ إِلَيْهِم وَوَقعت الْحَرْب بَينه
من ذِي الْقعدَة مِنْهَا توفّي والدنا الْفَقِيه المرابط الْأَخير أَبُو الْبَقَاء خَالِد بن حَمَّاد بن مُحَمَّد الْكَبِير الناصري بقبيلة سُفْيَان وَدفن بتربة الشَّيْخ أبي سلهام رضي الله عنه وَكَانَ رحمه الله من الْوَرع والتحري فِي أكل الْحَلَال على جَانب عَظِيم بِحَيْثُ فاق أَكثر أهل زَمَانه فِي ذَلِك وَكَانَ دينا وقورا كثيرالأوراد ذَا صمت وجد وَله إِلْمَام بالفقه والسيرة النَّبَوِيَّة مرجو الْبركَة عِنْد الْعَامَّة رحمنا الله وإياه وَالْمُسْلِمين
ثورة الجيلاني الروكي ومقتله
كَانَ الجيلاني الروكي من عرب سُفْيَان رجلا خامل الذّكر سَاقِط الْقدر حرفته رعي الْبَهَائِم وَنَحْو ذَلِك من عمل أهل الْبَادِيَة فَوكل بِهِ جني أَو شَيْطَان ففاه بالمخاريق وتبعته الْعَامَّة فثار بِبِلَاد كورت وَتقدم إِلَى دَار الْقَائِد عبد الْكَرِيم بن عبد السَّلَام بن عودة الْحَارِثِيّ السفياني فِي أخلاط من الأوباش بِالْعِصِيِّ والمقاليع فحاصر الْقَائِد الْمَذْكُور فِي دَاره من الظّهْر إِلَى الْغُرُوب ثمَّ اقتحم الْعَامَّة عَلَيْهِ دَاره فَقَتَلُوهُ وَقتلُوا جمَاعَة من إخْوَته وَبني عَمه ونهبوا مَا وجدوا بداره وَكَانَ شَيْئا كثيرا من المَال والأثاث وَبَقِي أُولَئِكَ الْقَتْلَى مصرعين بِفنَاء الدَّار ثَلَاثَة أَيَّام لم يدفنوا وافتتنت الْعَامَّة بِهَذَا الروكي ونسبوا لَهُ الخوارق والكرامات من غير استناد إِلَى دَلِيل وَوَعدهمْ بِأَنَّهُ يستولي على الْملك وَيحكم المتمسكين بدعوته فِي الْأَمْوَال كَيفَ شاؤوا وضاعت نفوس فِي تِلْكَ الْفِتْنَة ونهبت أَمْوَال وَاخْتَلَطَ المرعى بالهمل وَكنت حَاضرا لهَذَا الْخطب الْعَظِيم فَكَانَ من افتتان الْعَامَّة بِهَذَا الْمَعْتُوه واعتقادهم فِيهِ وجهلهم الْمركب فِي أمره مَا لَا يكَاد يصدق بِهِ إِذا حُكيَ وَكَانَ السُّلْطَان سَيِّدي مُحَمَّد رحمه الله يَوْمئِذٍ برباط الْفَتْح فاهتز لهَذَا الْخطب لِأَن الشَّيْطَان كَانَ قد نفخ فِي أباطيل الروكي وشاعت فِي الْعَالم حَتَّى اهتز لَهَا النَّصَارَى الَّذين كَانُوا بتطاوين وَحَدثُوا أنفسهم بالفرار ثمَّ إِن السُّلْطَان رحمه الله أغراه أَخَاهُ الْمولى الرشيد فَلَمَّا سمع الروكي بمجيئه وعد أوباشه بِأَنَّهُ سينصر عَلَيْهِ وَأَن خيل السُّلْطَان
تكون غنيمَة لَهُ وَقَالَ لَهُم اتَّخذُوا الشكائم أَي الأرسان من الدوم وأعدوها لتقودوا بهَا خيل السُّلْطَان فَاتخذ جمع عَظِيم من الْعَامَّة الحبال والأرسان وتوشحوا بهَا تَحت الثِّيَاب وَجعلُوا يتبعُون الروكي أَيْنَمَا ذهب انتظارا لوعده وَلما قرب الْمولى الرشيد مِنْهُ أَخذ أمره فِي النُّقْصَان وناموسه فِي الْبطلَان وَلما كَانَ الْمولى الرشيد قرب سوق الْأَرْبَعَاء من بِلَاد سُفْيَان جعل الشكائمية يقربون من الْمحلة ويتطوفون حولهَا مختفين بالأودية والشعاب والكدى ينتظرون هزيمتها بخارق من خوارق دجالهم فَأعْلم الْمولى الرشيد بمكانهم فَبعث الْخَيل فالتقطوهم فِي سَاعَة وَاحِدَة وَلم يفلت مِنْهُم إِلَّا الْقَلِيل وسيقوا إِلَى رِبَاط الْفَتْح فسجنوا بِهِ مُدَّة وَأما الروكي فَإِنَّهُ قصد جبل زرهون وَدخل رَوْضَة الْمولى إِدْرِيس الْأَكْبَر رضي الله عنه فَاجْتمع عَلَيْهِ جمَاعَة من الْأَشْرَاف الأدارسة والعلويين وغلقوا أَبْوَاب الْقبَّة وَتقدم إِلَيْهِ شرِيف علوي ففتك فِيهِ وأراح النَّاس من شَره واحتزوا رَأسه وَيَده وحملوهما إِلَى السُّلْطَان فَبعث بهما إِلَى مراكش فعلقا بِجَامِع الفناء مُدَّة وَكَانَ جهلة الْعَوام لَا يصدقون بِمَوْتِهِ وبقوا ينتظرون رجعته سنتَيْن أَو ثَلَاثًا {وَمن يضلل الله فَمَا لَهُ من هاد} الرَّعْد 33 وَكَانَ مقتل الروكي فِي أواسط شعْبَان سنة ثَمَان وَسبعين وَمِائَتَيْنِ وَألف وَلم تجَاوز مدَّته أَرْبَعِينَ يَوْمًا وَكَانَ مِمَّا كتبه السُّلْطَان فِي شَأْنه مَا نَصه وَبعد فَإِن فتانا من سُفْيَان مرق من الدّين وَفتن بِأُمُور شيطنته من اغْترَّ بِهِ من الْمُسلمين وَجمع عَلَيْهِ أوباشا من أَمْثَاله وَأَضْرَابه وأشكاله وَتقدم بهم لدار خديمنا ابْن عودة فَقَتَلُوهُ ثمَّ تقدم بهم للشراردة فقاتلوه ثمَّ تقدم بهم لزاوية مَوْلَانَا إِدْرِيس فقاتله أَهلهَا قتالا يُرْضِي الله وَرَسُوله وَلم يحصل لَهُم من قِتَاله ضجر ثمَّ قبضوا عَلَيْهِ وقتلوه وعلقوا رَأسه بِبَاب الزاوية الْمُسَمّى بِبَاب الْحجر وَأَغْلقُوا الْأَبْوَاب بعد ذَلِك على من دخل مَعَه من أَتْبَاعه وأنصاره وأشياعه فقبضوا عَلَيْهِم وجعلوهم فِي السلَاسِل والأغلال وَنحن على نِيَّة إِقَامَة الْحَد عَلَيْهِم إِن شَاءَ الله جَزَاء وفَاقا على مَا ارتكبوه من الْفساد وقبيح الْأَعْمَال وَمن كَانَ مِنْهُم حِينَئِذٍ خَارِجا عَن الْبَاب تخطفته الْأَيْدِي وجنوا ثمار مَا سعوا فِيهِ من الْبَغي والتعدي وَقطع دابر جَمِيعهم فَالْحَمْد لله حق حَمده وَمَا كل نعْمَة إِلَّا