الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَلما شرع السُّلْطَان أَبُو ثَابت فِي بِنَاء مَدِينَة تطاوين أوفد كَبِير الْفُقَهَاء بمجلسه أَبَا يحيى بن أبي الصَّبْر إِلَى ابْن الْأَحْمَر صَاحب سبتة فِي شَأْن النُّزُول لَهُ عَن الْبَلَد وَأقَام هُوَ بقصبة طنجة ينْتَظر الْجَواب بِمَاذَا يكون وَفِي أثْنَاء ذَلِك مرض مرض مَوته وَتُوفِّي يَوْم الْأَحَد الثَّامِن من شهر صفر سنة ثَمَان وَسَبْعمائة وَدفن بِظَاهِر طنجة ثمَّ حمل شلوه بعد أَيَّام إِلَى مدفن آبَائِهِ بشالة فووري هُنَالك رَحْمَة الله عَلَيْهِ وَعَلَيْهِم
الْخَبَر عَن دولة السُّلْطَان أبي الرّبيع سُلَيْمَان بن أبي عَامر عبد الله بن يُوسُف بن يَعْقُوب بن عبد الْحق رحمه الله
لما هلك السُّلْطَان أَبُو ثَابت تصدى للْقِيَام بِالْأَمر عَمه عَليّ بن يُوسُف الْمَعْرُوف بِابْن زريقاء وَهِي أمه وعَلى هَذَا هُوَ الَّذِي قتل شُيُوخ المصامدة بِكِتَاب ابْن الملياني كَمَا تقدم وخلص الْمَلأ من بني مرين أهل الْحل وَالْعقد إِلَى أبي الرّبيع الْمَذْكُور أخي أبي ثَابت فَبَايعُوهُ واستتب أمره فتقبض على عَمه عَليّ بن زريقاء وسجنه بطنجة فَبَقيَ مسجونا بهَا إِلَى أَن هلك سنة عشر وَسَبْعمائة وَبث السُّلْطَان أَبُو الرّبيع الْعَطاء فِي النَّاس وأجزل الصلات فأرضى الْخَاصَّة والعامة وَصفا لَهُ الْأَمر ثمَّ ارتحل نَحْو فاس واستدعى من كَانَ بمحلة تطاوين من الْجند فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ وأرضاهم بِالْمَالِ كَذَلِك وَلما فصل من طنجة تبعه عُثْمَان بن أبي الْعَلَاء من سبتة فِي جَيش كثيف ليضْرب فِي محلته لَيْلًا فَنَذر بِهِ عَسْكَر السُّلْطَان أبي الرّبيع فأسهروا ليلتهم وَبَاتُوا على صهوات خيولهم فوافاهم عُثْمَان بِسَاحَة علودان وهم على ذَلِك فناجزهم الْحَرْب فهزموه وتقبض على وَلَده وَكثير من عسكره وَقتل آخَرُونَ وَكَانَ للسُّلْطَان أبي الرّبيع الظُّهُور الَّذِي لَا كفاء لَهُ وَوصل أَبُو يحيى بن أبي الصَّبْر من الأندلس وَقد أحكم عقدَة الصُّلْح مَعَ ابْن الْأَحْمَر صَاحب غرناطة
وَلما رأى عُثْمَان بن أبي الْعَلَاء ذَلِك سقط فِي يَده وأيس من الْمغرب فَعبر الْبَحْر فِيمَن مَعَه من الْقَرَابَة إِلَى الأندلس وَولي مشيخة الْغُزَاة بهَا فَكَانَت لَهُ فِي جِهَاد الْعَدو الْيَد الْبَيْضَاء وَعلا أمره بالأندلس وزاحم بني الْأَحْمَر مُلُوكهَا فِي رياستهم وجبايتهم حَتَّى كَاد يستولي على الْأَمر من أَيْديهم وشرقوا بدائه ومارسهم ومارسوه مُدَّة طَوِيلَة وَعدلُوا فِي أمره إِلَى المصانعة والمجاملة فِي أَخْبَار لَيْسَ جلبها من غرضنا إِلَى أَن توفّي لَكنا نذْكر من ذَلِك أنموذجا يسْتَدلّ بِهِ الْوَاقِف عَلَيْهِ على مَا وَرَاءه فَنَقُول لما توفّي عُثْمَان بن أبي الْعَلَاء رحمه الله كتب على قَبره مَا صورته هَذَا قبر شيخ الحماة وَصدر الْأَبْطَال والكماة وَاحِد الْجَلالَة لَيْث الْإِقْدَام والبسالة علم الْأَعْلَام حامي ذمار الْإِسْلَام صَاحب الْكَتَائِب المنصورة وَالْأَفْعَال الْمَشْهُورَة والمغازي المسطورة وَإِمَام الصُّفُوف الْقَائِم بِبَاب الْجنَّة تَحت ظلال السيوف سيف الْجِهَاد وقاصم الأعاد وَأسد الآساد العالي الهمم الثَّابِت الْقدَم الْهمام الْمَاجِد الأرضى البطل الباسل الأمضى الْمُقَدّس المرحوم أبي سعيد عُثْمَان ابْن الشَّيْخ الْجَلِيل الْهمام الْكَبِير الْأَصِيل الشهير الْمُقَدّس المرحوم أبي الْعَلَاء إِدْرِيس بن عبد الله بن عبد الْحق
كَانَ عمره ثمانيا وَثَمَانِينَ سنة أنفقهُ مَا بَين رَوْحَة فِي سَبِيل الله وغدوة حَتَّى استوفى فِي المشهورر سَبْعمِائة واثنتين وَثَلَاثِينَ غَزْوَة وَقطع عمره مُجَاهدًا مُجْتَهدا فِي طَاعَة الرب محتسبا فِي إدارة الْحَرْب ماضي العزائم فِي جِهَاد الْكفَّار مصادما بَين جموعهم تدفق التيار وصنع الله تَعَالَى لَهُ فيهم من الصَّنَائِع الْكِبَار مَا سَار ذكره فِي الأقطار أشهر من الْمثل السيار حَتَّى توفّي رحمه الله وغبار الْجِهَاد طي أثوابه وَهُوَ مراقب لطاغية الْكفَّار وأحزابه فَمَاتَ على مَا عَاشَ عَلَيْهِ وَفِي ملحمة الْجِهَاد قَبضه الله إِلَيْهِ واستأثر بِهِ سعيدا مرتضى وسيفه على رَأس ملك الرّوم منتضى مُقَدّمَة قبُول وإسعاد ونتيجة جِهَاد وجلاد ودليلا على نِيَّته الصَّالِحَة وتجارته الرابحة فارتجت الأندلس لبعده أتحفه الله برحمة من عِنْده توفّي يَوْم الْأَحَد الثَّانِي لذِي الْحجَّة من سنة ثَلَاثِينَ وَسَبْعمائة رَحمَه الله
أَخْبَار الْمولى هِشَام بن مُحَمَّد بمراكش والحوز وَمَا يتَّصل بذلك
قد قدمنَا أَن أهل مراكش وقبائل الْحَوْز كَانُوا قد خَرجُوا على السُّلْطَان الْمولى يزِيد وَبَايَعُوا أَخَاهُ الْمولى هِشَام بن مُحَمَّد وَلما قتل الْمولى يزِيد بمراكش اسْتَقَرَّتْ قدم الْمولى هِشَام بهَا وأطاعته قبائل الْحَوْز كلهَا وَكَانَ وزيراه القائمان بأَمْره صَاحب آسفي الْقَائِد عبد الرَّحْمَن بن نَاصِر الْعَبْدي وَكَانَ غَايَة فِي الْجُود وَبسط الْكَفّ وَصَاحب دكالة والحوز الْقَائِد مُحَمَّد الْهَاشِمِي بن العروسي وَكَانَ ذَا شَوْكَة بعصبيته وَقَومه فَكَانَ هَذَانِ القائدان إِلَيْهِمَا النَّقْض والإبرام فِي دولة الْمولى هِشَام هَذَا بِكَثْرَة مَاله وعطائه وَهَذَا بعصبيته وَشدَّة شوكته فدانت للْمولى هِشَام قبائل دكالة وَعَبدَة وأحمر والشياظمة وحاحة وَغير ذَلِك وَاسْتمرّ الْحَال على ذَلِك بُرْهَة من الدَّهْر إِلَى أَن افْتَرَقت عَلَيْهِ كلمة الرحامنة وتجنوا عَلَيْهِ بِأَنَّهُ قتل عاملهم الْقَائِد أَبَا مُحَمَّد عبد الله بن مُحَمَّد الرحماني غيلَة على أَنه كَانَ مُدبر دولته والقائم بأَمْره
قَالَ أكنسوس هَكَذَا شاع أَن الْمولى هشاما هُوَ الَّذِي أَمر بقتل عبد الله الرحماني وَابْن الدَّاودِيّ قَالَ وَالَّذِي تحدث بِهِ السُّلْطَان الْمولى سُلَيْمَان مَعَ بعض النَّاس هُوَ أَن الْفرْقَة المنحرفة من الرحامنة قَتَلُوهُ وأظهروا أَن الْمولى هشاما هُوَ الَّذِي دس إِلَيْهِم بذلك وَكَذَلِكَ أَمر ابْن الدَّاودِيّ وَالله أعلم وَلما قتل الْقَائِد عبد الله خلعت الرحامنة طَاعَة الْمولى هِشَام وبايعت أَخَاهُ الْمولى حُسَيْن بن مُحَمَّد وزحفوا بِهِ إِلَى مراكش فَلم يرع الْمولى هشاما إِلَّا طبولهم تقرع حول القصبة وأرهفوه وأعجلوه عَن ركُوب فرسه فَخرج يسْعَى على قَدَمَيْهِ إِلَى أَن أَتَى ضريح الشَّيْخ أبي الْعَبَّاس السبتي فعاذ بِهِ وثابت إِلَيْهِ نَفسه وَبعد أَيَّام تسلل وَسَار فِي جمَاعَة من حَاشِيَته إِلَى آسفي وَنزل على وزيره الْقَائِد عبد الرَّحْمَن بن نَاصِر فَأكْرم مثواه وَأحسن نزله وَغدا وَرَاح فِي طَاعَته ومرضاته وَدخل الْمولى حُسَيْن قصر الْخلَافَة
بمراكش فاستولى على مَا فِيهِ من الذَّخِيرَة والأثاث من مَتَاع الْمولى هِشَام ومتخلف الْمولى يزِيد فاضطر أهل مراكش حِينَئِذٍ إِلَى مبايعة الْمولى حُسَيْن وَالْخطْبَة بِهِ وَكَانَ ذَلِك سنة تسع وَمِائَتَيْنِ وَألف وافترقت الْكَلِمَة بالحوز فَكَانَ بعضه كعبدة وأحمر ودكالة مَعَ الْمولى هِشَام وَبَعضه مثل الرحامنة وَسَائِر قبائل حوز مراكش مَعَ الْمولى حُسَيْن واتقدت نَار الْفِتْنَة بَين هَؤُلَاءِ الْقَبَائِل وتفانوا فِي الحروب إِلَى أَن بلغ عدد الْقَتْلَى بَينهم أَكثر من عشْرين ألفا هَذَا كُله وَالسُّلْطَان الْمولى سُلَيْمَان مُقيم بفاس معرض عَن الْحَوْز ومتربصين بأَهْله الدَّوَائِر إِلَى أَن ملوا الْحَرْب وملتهم وَكَانَ ذَلِك من سعادته فصاروا يَتَسَلَّلُونَ إِلَيْهِ أَرْسَالًا ويسألونه الذّهاب إِلَى بِلَادهمْ ليعطوه صَفْقَة بيعتهم فَكَانَ يعدهم بذلك وَيَقُول إِذا فرغت من أَمر الشاوية قدمت عَلَيْكُم إِن شَاءَ الله
ثورة الْمولى عبد الْملك بن إِدْرِيس بآنفا وَالسَّبَب فِي ذَلِك
كَانَت قبائل الشاوية مُنْذُ هزموا جَيش الْمولى الطّيب بن مُحَمَّد وهم حذرون من سطوة السُّلْطَان عالمون بِأَنَّهُ غير تاركهم فعزموا على تلافي أَمرهم عِنْده وأوفدوا عَلَيْهِ جماعات من أعيانهم الْمرة بعد الْمرة يسألونه أَن يولي عَلَيْهِم رجلا يكونُونَ عِنْد نظره ويقفون عِنْد أمره وَنَهْيه فولى عَلَيْهِم ابْن عَمه وصهره على أُخْته الْمولى عبد الْملك بن إِدْرِيس بن الْمُنْتَصر وَوَجهه مَعَهم فَقدم الْمولى عبد الْملك أَرض تامسنا وَنزل بِمَدِينَة آنِفا وَهِي الْمُسَمَّاة الْيَوْم بِالدَّار الْبَيْضَاء وَتَوَلَّى الْقيام على مُسْتَفَاد مرْسَاها وَصَارَ يُسهم فِيهِ لأعيان الشاوية الَّذين مَعَه وَكَانَ قَصده بذلك أَن يتألفهم على الطَّاعَة والخدمة فَلَمَّا حصل لَهُم ذَلِك السهْم من المَال تطاولوا إِلَى الزِّيَادَة عَلَيْهِ وَقد قيل فِي الْمثل قَدِيما لَا تطعم العَبْد الكراع فيطمع فِي الذِّرَاع فَصَارَ الْمولى عبد الْملك يقاسمهم الْمُسْتَفَاد شقّ الأبلمة فَلَمَّا بلغ السُّلْطَان ذَلِك كتب إِلَيْهِ يعاتبه على
وهم فِي هَذَا كُله لَيْسَ لَهُم وازع يحملهم على مَا يُرَاد مِنْهُم
فَالْحَاصِل أَن جَيش مغربنا إِذا حَضَرُوا الْقِتَال وَكَانُوا على ظُهُور خيولهم فهم فِي تِلْكَ الْحَال مساوون فِي الاستبداد لأمير الْجَيْش لَا يملك من أَمرهم شَيْئا وَإِنَّمَا يُقَاتلُون هِدَايَة من الله لَهُم وحياء من الْأَمِير وَقَلِيل مَا هم وَقد جربنَا ذَلِك فصح فَفرُّوا عَن السُّلْطَان الْمولى سُلَيْمَان فِي وقْعَة ظيان أَولا وَفِي وقْعَة الشراردة ثَانِيًا وَكَانَ السُّلْطَان الْمولى عبد الرَّحْمَن أهيب فِي نُفُوسهم مِنْهُ فَكَانُوا يلزمون غرزه لكنه لما بَعثهمْ إِلَى تلمسان فعلوا فعلتهم وسلكوا عَادَتهم وَلما شهدُوا مَعَ الْخَلِيفَة سَيِّدي مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن وقْعَة إيسلي جاؤوا بهَا شنعاء غَرِيبَة فِي الْقبْح وَلَوْلَا أَنه قَامَ بِنَفسِهِ لَيْلَة الْحَاج عبد الْقَادِر وَمنع النَّاس من الرّكُوب لربما عَادوا إِلَى فعلهم وَأحسن مَا كَانَت حَالهم فِي هَذَا الْحَرْب فَإِنَّهُم قاوموا الْعَدو وَفرقُوا صفوفه غير مرّة لكِنهمْ أَتَوا من عدم الضَّبْط الَّذِي هُوَ كضبطه فَعدم ملاقاتهم لِلْعَدو فِي الْكَيْفِيَّة القتالية هُوَ الَّذِي أضرّ بهم وَأوجب لعدوهم الظُّهُور عَلَيْهِم إِذْ الشَّيْء كَمَا علمت إِنَّمَا يُقَاوم بِمثلِهِ وَالشَّر إِنَّمَا يدْفع بضده فالتنافي إِنَّمَا يحصل بَين الضدين أَو المثلين وحربنا وَحرب الإصبنيول كَانَ من بَاب الخلافين وَلَا تنَافِي بَين الخلافين كَمَا هُوَ مُقَرر فِي علم الْحِكْمَة والتوفيق إِنَّمَا هُوَ بيد الله
ولنرجع إِلَى الْكَلَام على الصُّلْح المتناول فَنَقُول لما دَار الْكَلَام بَين الْمولى الْعَبَّاس رحمه الله وَبَين أردنيل فِي الصُّلْح اسْتَعدوا للاجتماع فِي يَوْم مَعْلُوم بمَكَان سوي بَين المحلتين فَلَمَّا كَانَ ذَلِك الْيَوْم ضرب بِالْمحل الْمعِين خباء وَجَاء الْمولى الْعَبَّاس وَمَعَهُ جمَاعَة من وُجُوه جَيْشه وَفِيهِمْ أَبُو عبد الله الْخَطِيب التطاوني وَخرج أردنيل وَمَعَهُ جمَاعَة من وُجُوه عسكره وَخرج مَعَه مقدم الْمُسلمين بتطاوين الْحَاج أَحْمد آبعير رَجَاء أَن يكون هُوَ الترجمان بَين الأميرين فيفوز بِذكر ذَلِك الْجمع وفخره فأخفق رجاؤه لِأَنَّهُ لما توافى الْجَمْعَانِ إِلَى الخباء بَقِي النَّاس كلهم قَائِمين على بعد مِنْهُ وَلم يدْخلهُ إِلَّا الْمولى الْعَبَّاس وأردنيل والخطيب لَا رَابِع لَهُم فِيمَا قيل وَأبْدى أردنيل من
الْأَدَب والخضوع للْمولى الْعَبَّاس مَا جَاوز الْحَد وتفاوضوا سَاعَة ثمَّ انفض الْمجْلس وتناقل النَّاس أَن حَاصِل مَا دَار بَينهمَا أَن أردنيل رغب فِي الصُّلْح وتأكيد الوصلة بَينهم وَبَين الْمُسلمين على شُرُوط ذكرهَا وَأَن الْمولى الْعَبَّاس توقف فِيهَا وأحال ذَلِك على مشورة أَخِيه السُّلْطَان سَيِّدي مُحَمَّد وَذهب كل إِلَى سَبيله وَبَقِي النَّاس ينتظرون الْجَواب بِأَيّ شَيْء يَأْتِي من عِنْد السُّلْطَان وَبعد أَيَّام ورد الْخَبَر بِأَن السُّلْطَان لم يقبل ذَلِك الصُّلْح فاستمر النَّاس على حالتهم الأولى من كَون محلّة الْعَدو بتطاوين وَبَعضهَا خَارِجهَا شرقا وغربا ومحلة مولَايَ الْعَبَّاس على بعد من الْبَلَد مِقْدَار نصف يَوْم ثمَّ إِن الْمُسلمين اجْتَمعُوا ذَات يَوْم وبيتوا محلّة الْعَدو النَّازِلَة خَارج الْبَلَد فِي لَيْلَة مَعْلُومَة فتقدموا إِلَيْهَا وَذَلِكَ فِي أَوَاخِر شعْبَان سنة سِتّ وَسبعين وَمِائَتَيْنِ وَألف وهجموا عَلَيْهَا فِي لَيْلَة مظْلمَة وَالنَّصَارَى غَارونَ وفتكوا فيهم فتكة بكرا باتوا يَقْتُلُونَهُمْ اللَّيْل كُله وَمن الْغَد كَذَلِك إِلَى الْمسَاء وَقَاتل النَّصَارَى ذَلِك الْيَوْم أَيْضا وَلَكِن الظُّهُور كَانَ للْمُسلمين وَلَوْلَا قُوَّة نفوس الْعَدو باستنادهم إِلَى الْبَلَد وتحصن كَبِيرهمْ بهَا لكانوا انكسروا كسرة شنيعة وَكَانَ عدد الْقَتْلَى من النَّصَارَى فِي هَذِه الْوَقْعَة نَحْو الْخَمْسمِائَةِ والجرحى أَكثر من ألف وَأما الْمُسلمُونَ فَكَانَ الْقَتْل فيهم ضَعِيفا وَلما أصبح أردنيل وَرَأى مَا حل بعسكره ساءت أخلاقه وقلب لأهل تطاوين ظهر الْمِجَن وأبدل تِلْكَ الشَّفَقَة الَّتِي كَانَ يعاملهم بهَا بالغلظة والبشاشة بالاكفهرار وَعمد إِلَى مَسْجِد الشَّيْخ أبي الْحسن عَليّ بركَة رحمه الله فاتخذه مارستانا للجرحى فظلت الْجَرْحى تنقل إِلَيْهِ وَفرض على أهل تطاوين اللحف والقطائف فَجمع من ذَلِك شَيْئا كثيرا فرشه بِالْمَسْجِدِ الْمَذْكُور لجرحاه وَصَارَ عَامَّة عَسْكَر النَّصَارَى بتطاوين كلما لقوا أحدا من الْمُسلمين عيروه بالغدر وقبحوه ثمَّ إِن أردنيل أَقَامَ بعد هَذِه الْوَقْعَة نَحْو عشرَة أَيَّام ريثما استجم جَيْشه وأبلت جرحاه وَخرج فِي تَمام الشَّوْكَة وَكَمَال الاستعداد يُرِيد أَن يضْرب فِي محلّة الْمُسلمين فَجعل تطاوين