الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
انْتِقَاض ابْن الْأَحْمَر واستيلاء الرئيس أبي سعيد على سبتة
كَانَ مُحَمَّد بن الْأَحْمَر الْمَعْرُوف بالفقيه قد هلك سنة إِحْدَى وَسَبْعمائة وَولي الْأَمر بعده ابْنه مُحَمَّد الْمَعْرُوف بالمخلوع واستبد عَلَيْهِ كَاتبه أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن الْحَكِيم الرندي وَكَانَ من أول مَا فعله مُحَمَّد المخلوع بعد استقلاله بِالْأَمر الْمُبَادرَة إِلَى أَحْكَام عقد الْمُوَالَاة بَينه وَبَين السُّلْطَان يُوسُف فأوفد عَلَيْهِ وَزِير أَبِيه أَبَا سُلْطَان عبد الْعَزِيز بن سُلْطَان الداني ووزيره الْكَاتِب أَبَا عبد الله بن الْحَكِيم فوصلا إِلَى السُّلْطَان يُوسُف بمعسكره من حِصَار تلمسان فتلقاهما بِالْقبُولِ والمبرة وجددت لَهما أَحْكَام الود وَالْولَايَة وانقلبا إِلَى مرساهما خير مُنْقَلب وَطلب السُّلْطَان مِنْهُمَا أَن يمدوه بِالرجلِ من عَسْكَر الأندلس وناشبتهم المعودين منازلة الْحُصُون والمثاغرة بالرباط فأسعفوه ثمَّ فسد مَا بَينهمَا لمنافسات جرت إِلَى ذَلِك فَانْتقضَ ابْن الْأَحْمَر وَعَاد لسنة سلفه من مُوالَاة الطاغية وممالاته على الْمُسلمين أهل الْمغرب وَأحكم الْعَهْد مَعَ هراندة بن سانجة من بني أذفونش مُلُوك قشتالة خذلهم الله
ثمَّ أوعز ابْن الْأَحْمَر الى ابْن عَمه الرئيس أبي سعيد فرج بن إِسْمَاعِيل صَاحب مالقة فِي إِعْمَال الْحِيلَة فِي الْغدر بِأَهْل سبتة فَفعل وداخل فِي ذَلِك بعض عُمَّال بني العزفي بهَا فأمكنه من الْبَلَد فاقتحمها بأساطيله وجنده على حِين غَفلَة من أَهلهَا وتقبض على بني العزفي ولى حاشيتهم وأركبهم الأسطول وَبعث بهم إِلَى مالقة ثمَّ مِنْهَا إِلَى غرناطة فَتَلقاهُمْ ابْن الْأَحْمَر واحتفل لَهُم وأنزلهم بقصوره وأجرى عَلَيْهِم النَّفَقَة واستقروا بالأندلس بُرْهَة من الدَّهْر ثمَّ عَادوا إِلَى الْمغرب كَمَا نذْكر وَأسْندَ الرئيس أَبُو سعيد بِأَمْر سبتة وثقف أطرافها وسد ثغورها وَبلغ الْخَبَر بذلك إل السُّلْطَان يُوسُف فحمى أَنفه وَعظم عَلَيْهِ الْأَمر فَبعث وَلَده الْأَمِير أَبَا سَالم إِبْرَاهِيم فِي جَيش كثيف إِلَى حصارها وحشد إِلَيْهَا قبائل الرِّيف وقيائل تازا فَلم يغن شَيْئا وَرجع مهزوما فسخطه السُّلْطَان لذَلِك وَأَهْمَلَهُ وَبَقِي على ذَلِك الى وَفَاة السُّلْطَان رحمه الله وَكَانَ انْتِقَاض ابْن الْأَحْمَر سنة ثَلَاث وَسَبْعمائة
ثورة عُثْمَان بن ابي الْعَلَاء بجبال غمارة
كَانَ عُثْمَان بن أبي الْعَلَاء إِدْرِيس بن عبد الْحق من أعياص الْملك المريني وَكَانَ قد قدم من الأندلس فِي صُحْبَة الرئيس أبي سعيد عِنْد استيلائه على سبتة ثمَّ ثار بعد ذَلِك بِبِلَاد غمارة ودعا لنَفسِهِ وَبَقِي متنقلا هُنَالك مُدَّة فتغلب على تكساس وآصيلا والعرايش وانْتهى إِلَى قصر كتامة وخب فِي الْفِتْنَة وَوضع إِلَى أَن لحق بالأندلس لأوّل دولة السُّلْطَان أبي الرّبيع فولي بهَا مشيخة الْغُزَاة وَكَانَت لَهُ فِي جِهَاد الْعَدو الْيَد الْبَيْضَاء كَمَا سَيَأْتِي إِن شَاءَ الله
وَفِي سنة ثَلَاث وَسَبْعمائة بعث السُّلْطَان يُوسُف وَهُوَ محاصر لتلمسان ركب الْحَاج المغربي إِلَى الْحَرَمَيْنِ الشريفين واعتنى بشأن هَذَا الركب فَبعث مَعَهم حامية من زناتة تناهز خَمْسمِائَة فَارس من الْأَبْطَال وخاطب صَاحب الديار المصرية لعهده وهوالملك النَّاصِر مُحَمَّد بن قلاوون الصَّالِحِي من مماليك بني أَيُّوب المعروفين بالبحرية واستوصاه بحاج أهل الْمغرب وأتحفه بهدية استكثر فِيهَا من الْخَيل العراب والمطايا الفارهة يُقَال كَانَ عدد الْخَيل والمطايا أَرْبَعمِائَة إِلَى غير ذَلِك مَا يُنَاسب من طرف الْمغرب وماعونه وَبعث مَعَهم إِلَى حرم مَكَّة مُصحفا ضخما اعتنى بِهِ واستكتبه وَجعل لَهُ غشاء مكللا بنفيس الدّرّ وشريف الْيَاقُوت ورفيع الْأَحْجَار ونهج السُّلْطَان يُوسُف رحمه الله بِهَذَا الركب والهدية السَّبِيل لحاج الْمغرب فَأَجْمعُوا الْحَج سنة أَربع بعْدهَا فَاجْتمع مِنْهُم عدد وافر وَركب ضخم فعقد السُّلْطَان يُوسُف على دلالتهم لأبي زيد الْغِفَارِيّ وفصلوا من تلمسان فِي شهر ربيع الأول من السّنة الْمَذْكُورَة وَفِي شهر ربيع الآخر بعده قدم حَاج الركب الأول الَّذين حملُوا الْمُصحف والهدية ووفد مَعَهم على السُّلْطَان يُوسُف شرِيف مَكَّة السَّيِّد لبيدة بن أبي نمي نازعا عَن سُلْطَان التّرْك صَاحب مصر لما كَانَ قد قبض
على أَخَوَيْهِ حميضة ورميثة بعد مهلك أَبِيهِم أبي نمي صاب مَكَّة فاستبلغ السُّلْطَان يُوسُف من إكرامه والتنويه بِقَدرِهِ وسرحه إِلَى الْمغرب ليجول فِي أقطاره وَيَطوف على معالم الْملك وقصوره وأوعز إِلَى الْعمَّال بالبرور بِهِ وإتحافه على مَا يُنَاسب قدره وَرجع هَذَا الشريف إِلَى حَضْرَة السُّلْطَان من تلمسان سنة خمس وَسَبْعمائة ثمَّ فصل مِنْهَا إِلَى مشرقه وَفِي شعْبَان من هَذِه السّنة قدم أَبُو زيد الْغِفَارِيّ دَلِيل ركب الْحَاج الثَّانِي وَمَعَهُ بيعَة الشرفاء أهل مَكَّة للسُّلْطَان يُوسُف لما كَانَ صَاحب مصر قد آسفهم بالتقبض على إخْوَانهمْ وَكَانَ ذَلِك شَأْنهمْ مَتى غاظهم السُّلْطَان وأهدوا إِلَى السُّلْطَان يُوسُف ثوبا من كسْوَة الْكَعْبَة أعجب بِهِ فَاتخذ مِنْهُ ثوبا للبوسه فِي الْجمع والأعياد كَانَ يتبطنه بَين ثِيَابه تبركا بِهِ
وَأما الْملك النَّاصِر صَاحب مصر فَإِنَّهُ كافأ السُّلْطَان يُوسُف على هديته بِأَن جمع من طرف بِلَاد الْمشرق مَا يستغرب جنسه وشكله من الثِّيَاب والحيوانات وَنَحْو ذَلِك مثل الْفِيل والزرافة وَنَحْوهمَا وأوفد بِهِ مَعَ عُظَمَاء دولته وفصلوا من الْقَاهِرَة آخر سنة خمس وَسَبْعمائة فوصلوا إِلَى السُّلْطَان يُوسُف وَهُوَ بالمنصورة فِي جُمَادَى الْآخِرَة سنة سِتّ بعْدهَا واهتز لقدومهم وأركب النَّاس للقيهم وَأكْرم وفادتهم وبعثهم إِلَى الْمغرب للتطوف بِهِ على الْعَادة فِي مبرة أمثالهم وَهلك السُّلْطَان يُوسُف أثْنَاء ذَلِك وأفضى الْأَمر إِلَى حافده أبي ثَابت فَأحْسن منقلبهم مَلأ حقائبهم وفصلوا من الْمغرب إِلَى بِلَادهمْ فِي ذِي الْحجَّة من سنة سبع وَسَبْعمائة وَلما انْتَهوا إِلَى بِلَاد بني حسن فِي ربيع من سنة ثَمَان بعْدهَا اعْتَرَضَهُمْ الْأَعْرَاب بالقفر فانتهبوهم وخلصوا إِلَى مصر بجريعة الذقن فَلم يعاودوا بعْدهَا إِلَى الْمغرب سفرا وَلَا لفتوا إِلَيْهِ وَجها وطالما أوفد عَلَيْهِم مُلُوك الْمغرب بعْدهَا من رجال دولتهم من يوبه لَهُ ويهادونهم ويكافئون وَلَا يزِيدُونَ فِي ذَلِك كُله على الْخطاب شَيْئا
وَفَاة السُّلْطَان يُوسُف رحمه الله
كَانَ السُّلْطَان يُوسُف بن يَعْقُوب بن عبد الْحق رحمه الله قد اتخذ فِي جملَة حَاشِيَته ومماليكه خَصيا اسْمه سَعَادَة وَكَانَ هَذَا الْخصي قد تصير إِلَيْهِ من جِهَة أبي عَليّ الملياني أَيَّام كَانَ عَاملا لَهُ على مراكش وَكَانَ السُّلْطَان يُوسُف فِي ابْتِدَاء أمره يخلط الخصيان بأَهْله وَلَا يحجبهم عَن حرمه وَعِيَاله ثمَّ حدثت للسُّلْطَان رِيبَة فِي بعض الخصيان فَأعتق جملَة مِنْهُم كَانَ فيهم عنبر الْكَبِير عريفهم وحجب سَائِرهمْ فارتاعوا لذَلِك وفسدت نياتهم فسولت لهَذَا الْخصي الْخَبيث نَفسه الشيطانية الفتك بالسلطان فَعمد إِلَيْهِ وَهُوَ فِي بعض حجر قصره فَاسْتَأْذن عَلَيْهِ فَأذن لَهُ فألفاه مُسْتَلْقِيا على فرَاشه مختضبا بحناء فَوَثَبَ عَلَيْهِ وطعنه طعنات قطع بهَا أمعاءه وَخرج هَارِبا وَانْطَلق بعض الْأَوْلِيَاء فِي أَثَره فأدركه من الْعشي بِنَاحِيَة تاسلت فَقبض عَلَيْهِ وَجِيء بِهِ إِلَى الْقصر فَقتلته العبيد والحاشية وصابر السُّلْطَان يُوسُف منيته إِلَى آخر النَّهَار ثمَّ قضى رحمه الله يَوْم الْأَرْبَعَاء سَابِع ذِي الْقعدَة من سنة سِتّ وَسَبْعمائة وقبر هُنَالك ثمَّ نقل بعد مَا سكنت الهيعة إِلَى مقبرتهم بشالة فَدفن بهَا مَعَ سلفه وأطلال ضريحه لَا زَالَت مائلة إِلَى الْآن
وبموت السُّلْطَان يُوسُف انْقَضتْ مُدَّة الْحصار عَن آل يغمراسن وقومهم من بني عبد الواد وَسَائِر أهل تلمسان وَكَانَت الْمدَّة فِي ذَلِك مائَة شهر كَمَا قُلْنَا نالهم فِيهَا من الْجهد والشدة مَا لم ينل أمة من الْأُمَم واضطروا إِلَى أكل الْجِيَف والقطوط والفيران حَتَّى أَنهم أكلُوا فِيهَا أشلاء الْمَوْتَى من النَّاس وخربوا السقوف للوفود وغلت أسعار الأقوات والحبوب وَسَائِر الْمرَافِق بِمَا
ثمَّ إِن السُّلْطَان الْمولى يزِيد رحمه الله زحف إِلَى سبتة واستنفر النَّاس لجهادها والمرابطة عَلَيْهَا واستصحب مَعَه آلَة الْحَرْب من المدافع والمهاريس وَنصب عَلَيْهَا سَبْعَة أشبارات كَانَ جلها لفنانشة سلا وأهرعت إِلَيْهِ المتطوعة من حَاضر وباد ونسلوا إِلَيْهِ من كل حدب وواد وَأقَام على حصارها مُدَّة ثمَّ أفرج عَنْهَا وَسَار إِلَى نَاحيَة مراكش لأمر اقْتضى ذَلِك فَلَمَّا وصل إِلَى مَدِينَة آنِفا بدا لَهُ من الرُّجُوع فَرجع وَنزل عَلَيْهَا واستأنف الْجد وأرهف الْحَد وَأرْسل إِلَى قبائل الْحَوْز يستنفرهم للْجِهَاد والمرابطة فتقاعدوا عَنهُ بعد أَن أشرف على فتحهَا وَكَانَ مَا نذكرهُ
انْتِقَاض أهل الْحَوْز على السُّلْطَان الْمولى يزِيد ابْن مُحَمَّد وبيعتهم لِأَخِيهِ الْمولى هِشَام رحمهمَا الله
لما قدمت قبائل الْحَوْز على السُّلْطَان الْمولى يزِيد بمكناسة ظهر لَهُم مِنْهُ بعض التَّجَافِي عَنْهُم وأنزلهم فِي الْعَطاء دون البربر والودايا وَغَيرهم فَسَاءَتْ ظنونهم بِهِ وانفسدت قُلُوبهم عَلَيْهِ وَلما رجعُوا إِلَى بِلَادهمْ تمشت رجالاتهم بَعْضهَا إِلَى بعض وخب الرحامنة فِي ذَلِك وَوَضَعُوا واتفقت كلمتهم مَعَ أهل مراكش وَعَبدَة وَسَائِر قبائل الْحَوْز فقدموا الْمولى هِشَام بن مُحَمَّد للْقِيَام بأمرهم وآتوه بيعتهم وطاعتهم وَلما اتَّصل خبر ذَلِك بالمولى يزِيد وَهُوَ محاصر لسبتة أقلع عَنْهَا وَسَار إِلَى الْحَوْز فشرد قبائله وَوصل إِلَى مراكش فَدَخلَهَا عنْوَة يُقَال إِن دُخُوله إِلَيْهَا كَانَ من الْبَاب الْمَعْرُوف بِبَاب يغلى فاستباحها وَقتل وسمل وَكَانَ الْحَادِث بهَا عَظِيما ثمَّ استجاش عَلَيْهِ الْمولى هِشَام قبائل دكالة وَعَبدَة وقصده بمراكش فبرز إِلَيْهِ الْمولى يزِيد وَلما التقى الْجَمْعَانِ بِموضع يُقَال لَهُ تازكورت انهزم جمع الْمولى هِشَام وتبعهم الْمولى يزِيد فأصيب برصاصة فِي خَدّه فَرجع إِلَى مراكش يعالج جرحه فَكَانَ فِي ذَلِك حتفه رحمه الله وَذَلِكَ أَوَاخِر جُمَادَى الثَّانِيَة سنة سِتّ وَمِائَتَيْنِ وَألف
وَدفن بقبور الْأَشْرَاف قبلي جَامع الْمَنْصُور من قَصَبَة مراكش وَلَقَد كَانَ رحمه الله من فتيَان آل عَليّ وسمحائهم وأبطالهم لَهُ فِي النجدة والكفاية الْمحل الَّذِي لَا يجهل والسبق الَّذِي لَا يلْحق وَالْغُبَار الَّذِي لَا يشق وَلَا يضرّهُ تنقيص من نَقصه من الحسدة عَفا الله عَنَّا وعنهم فَإِن مَكَان الرجل غير مكانهم وهمته الْعَالِيَة فَوق تزويراتهم تغمد الله الْجَمِيع بعفوه وغفرانه آمين ولنذكر مَا كَانَ فِي هَذِه الْمدَّة من الْأَحْدَاث
فَفِي شعْبَان سنة اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعين وَمِائَة وَألف توفّي الْفَقِيه الْعَلامَة القَاضِي بسلا أَبُو عبد الله مُحَمَّد السُّوسِي المنصوري وَدفن قرب الْوَلِيّ الصَّالح سَيِّدي مغيث من طالعة سلا وَله شرح على مُخْتَصر السنوسي فِي الْمنطق وَآخر على كبراه وَفِي ضحى يَوْم السبت الثَّامِن وَالْعِشْرين من الْمحرم فاتح سنة ثَلَاث وَأَرْبَعين وَمِائَة وَألف توفّي الْفَقِيه المرابط الْبركَة سَيِّدي الْحَاج الغزواني ابْن الْبَغْدَادِيّ من حفدة الْوَلِيّ الْأَشْهر سَيِّدي مُحَمَّد الشَّرْقِي رضي الله عنه وَدفن بداره بجوار سَيِّدي مغيث أَيْضا
وَفِي يَوْم الْأَرْبَعَاء الثَّامِن وَالْعِشْرين من صفر سنة أَربع وَأَرْبَعين وَمِائَة وَألف توفّي الْفَقِيه الْعَلامَة الإِمَام صَاحب التصانيف المفيدة والأجوبة العتيدة أَبُو عبد الله سَيِّدي مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن زكري الفاسي رحمه الله وَرَضي عَنهُ
وَفِي يَوْم الْجُمُعَة الرَّابِع من رَجَب سنة سِتّ وَأَرْبَعين وَمِائَة وَألف كمل بِنَاء قبَّة ولي الله تَعَالَى أبي الْعَبَّاس سَيِّدي الْحَاج أَحْمد بن عَاشر رضي الله عنه على يَد الْقَائِد أبي عبد الله الحوات وَفِي الشَّهْر نَفسه توفّي الْفَقِيه القَاضِي النوازلي أَبُو الْعَبَّاس سَيِّدي أَحْمد الشدادي بزاوية زرهون
وَفِي سنة خمسين وَمِائَة وَألف ولد الشَّيْخ أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد التجاني شيخ الطَّائِفَة التجانية وَسَيَأْتِي الْكَلَام عَلَيْهِ إِن شَاءَ الله وفيهَا كَانَت المجاعة الْعَظِيمَة بالغرب والفتن وَنهب الدّور بِاللَّيْلِ بفاس وَغَيرهَا وَصَارَ جلّ النَّاس لصوصا
فَكَانَ أهل الْيَسَار لَا ينامون لحراستهم دُورهمْ وأمتعتهم وَهلك من الْجُوع عددا لَا حصر لَهُ حَتَّى لقد أخبر صَاحب المارستان أَنه كفن فِي رَجَب وَشَعْبَان ورمضان ثَمَانِينَ ألفا وَزِيَادَة سوى من كَفنه أَهله هَذَا بفاس وليقس عَلَيْهَا غَيرهَا
وَفِي زَوَال يَوْم الْأَرْبَعَاء الثَّانِي وَالْعِشْرين من شَوَّال سنة ثَمَان وَخمسين وَمِائَة وَألف توفّي قَاضِي سلا الْفَقِيه الْعَلامَة السَّيِّد أَبُو عَمْرو عُثْمَان التواتي وَدفن دَاخل رَوْضَة سَيِّدي الْحَاج أَحْمد بن عَاشر رضي الله عنه
وَفِي سنة ثَلَاث وَسِتِّينَ وَمِائَة وَألف كَانَ الوباء بالمغرب وانحباس الْمَطَر فلحق النَّاس من ذَلِك شدَّة ثمَّ تداركهم الله بِلُطْفِهِ
وَفِي سنة تسع وَسِتِّينَ وَمِائَة وَألف كَانَت الزلزلة الْعَظِيمَة بالمغرب الَّتِي هدمت جلّ مكناسة وزرهون وَمَات فِيهَا خلق كثير بِحَيْثُ أحصي من العبيد وحدهم نَحْو خَمْسَة آلَاف وَتكلم لويز مَارِيَة على هَذِه الزلزلة فَقَالَ إِنَّهَا مكثت ربع سَاعَة وتشققت الأَرْض مِنْهَا واضطراب الْبَحْر وفاض حَتَّى ارْتَفع مَاؤُهُ على سور الجديدة وَفرغ فِيهَا وَلما رَجَعَ الْبَحْر إِلَى مقره ترك عددا كثيرا من السّمك بِالْبَلَدِ وفاض على مسارحهم ومزارعهم وأشباراتهم فنسف ذَلِك كُله نسفا واضطربت المراكب والفلك بالمرسى فتكسرت كلهَا وفر نَصَارَى الْبَلَد إِلَى الْكَنِيسَة وَتركُوا دِيَارهمْ منفتحة وَمَعَ ذَلِك لم يفقد مِنْهَا شَيْء لاشتغال النَّاس بِأَنْفسِهِم وَتكلم صَاحب نشر المثاني على هَذِه الزلزلة فَقَالَ وَفِي ضحوة يَوْم السبت السَّادِس وَالْعِشْرين من الْمحرم سنة تسع وَسِتِّينَ وَمِائَة وَألف زلزلت الأَرْض زِلْزَالهَا ومادت شرقا وغربا واستمرت كَذَلِك نَحْو درج زماني وفاض مَاء البرك والصهاريج على الْبيُوت وتكدرت الْعُيُون ووقف مَاء الأودية عَن الجري وَسَقَطت الدّور وتصدعت الْحِيطَان وَأخذ النَّاس فِي هدم مَا تصدع خوف سُقُوطه وفزع النَّاس وَتركُوا حوانيتهم وأمتعتهم وَوَقع بِمَدِينَة سلا أَن مَاء الْبَحْر انحصر عَنهُ إِلَى أقصاه فجَاء النَّاس ينظرُونَ إِلَيْهِ فَرجع المَاء إِلَى جِهَة الْبر وَتجَاوز حَده الْمُعْتَاد بمسافة كَبِيرَة
فأغرق جَمِيع من كَانَ خَارج الْمَدِينَة فِي تِلْكَ الْجِهَة وصادف قافلة ذَاهِبَة إِلَى مراكش فِيهَا من الدَّوَابّ وَالنَّاس عدد كثير فأتلف الْجَمِيع وَرمى بالقوارب والزوارق الَّتِي فِي الْوَادي إِلَى مَسَافَة بعيدَة جدا ثمَّ بعد هَذِه بِنَحْوِ سِتَّة وَعشْرين يَوْمًا عَادَتْ زَلْزَلَة أُخْرَى أَشد من الأولى بعد صَلَاة الْعشَاء هِيَ الَّتِي أثرت فِي مكناسة غَايَة وَهلك تَحت الْهدم بهَا نَحْو عشرَة آلَاف نفس وَفعلت بفاس أَيْضا فعلا شنيعا انْظُر تَمام كَلَامه فقد أَطَالَ فِي وصفهَا
وَفِي يَوْم الْأَحَد التَّاسِع وَالْعِشْرين من رَمَضَان سنة سبع وَسبعين وَمِائَة وَألف انكسفت الشَّمْس وَبَقِي مِنْهَا مثل الْهلَال ثمَّ انجلت بعد حِين
وَفِي فجر يَوْم الْأَحَد الثَّامِن وَالْعِشْرين من ربيع الثَّانِي سنة إِحْدَى وَثَمَانِينَ وَمِائَة وَألف توفّي الشريف الْبركَة مولَايَ الطّيب بن مُحَمَّد الوزاني وعمره ينيف على الثَّمَانِينَ سنة وَبعد صَلَاة الْعَصْر من يَوْم الْأَرْبَعَاء الثَّامِن وَالْعِشْرين من جُمَادَى الأولى سنة اثْنَتَيْنِ وَتِسْعين وَمِائَة وَألف انكسفت الشَّمْس وَظَهَرت النُّجُوم لِكَثْرَة الظلام ثمَّ انجلت وَرجعت لحالها بعد نصف سَاعَة وَنَحْوهَا
وَفِي أَعْوَام تسعين وَمِائَة وَألف كَانَت المجاعة الْكَبِيرَة بالمغرب وانحبس الْمَطَر وَوَقع الْقَحْط وَكثر الْهَرج ودام ذَلِك قَرِيبا من سبع سِنِين
وَفِي أَوَاخِر ربيع الثَّانِي سنة أَربع وَتِسْعين وَمِائَة وَألف توفّي الشَّيْخ الْعَلامَة الإِمَام الْمُحَقق البارع أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن الْحسن بناني الفاسي الْفَقِيه الْمَشْهُور صَاحب التآليف الحسان مثل حَاشِيَته البديعة على شرح الشَّيْخ عبد الْبَاقِي الزّرْقَانِيّ على مُخْتَصر خَلِيل حكى الْعَلامَة الرهوني فِي حَاشِيَته قَالَ لما أخبر الشَّيْخ التاودي ابْن سَوْدَة بوفاته جَاءَ فَزعًا وَهُوَ يبكي فَلَقِيَهُ بعض النَّاس فَقَالَ لَهُ الله يَجْعَل الْبركَة فِيكُم فَقَالَ لم تبْق بركَة بعد هَذَا الرجل وَذَلِكَ لمعرفته بمكانته
وَفِي ضحى يَوْم السبت الثَّامِن عشر من صفر سنة سِتّ وَتِسْعين وَمِائَة وَألف توفّي الشريف الْبركَة الْمولى أَحْمد بن الطّيب الوزاني رحمه الله ونفعنا بِهِ وبأسلافه آمين
(وأرحبهم فِي الْعِزّ باعا وَفِي العلى
…
وَأَكْثَرهم فِي الْفضل حظا وأزيد)
(أَتَتْهُ عروس الْملك عاشقة لَهُ
…
وَكم عاشق عَنْهَا يذاذ ويطرد)
(وَأَلْقَتْ على شوق إِلَيْهِ زمامها
…
فطاب لَهَا مِنْهُ الجناب الممهد)
(فَأَصْبَحت الْأَيَّام تزهو بعدله
…
وتنعم فِي ظلّ الهناء وتسعد)
(فَفِي بَابه مأوى المكارم والندى
…
وَفِي بَابه الْخيرَات تولي وتوجد)
(ودولته للعز والنصر مألف
…
وحضرته للأمن واليمن موعد)
(تذل مُلُوك الْعَالمين لِبَأْسِهِ
…
وتركع مهما أبصرته وتسجد)
(لَهُ رَاحَة فِي الْجُود مَا الْغَيْث عِنْدهَا
…
وَمَا الْبَحْر والدر النفيس الْمُقَلّد)
(لَهُ أنعم تأوي إِلَى ظلها المنى
…
وتسحب أذيال السماح وترفد)
(وعزم على الْخيرَات لَيْسَ بسامع
…
مقَالَة من فِي المكرمات يزهد)
(ورأي ينير الْخطب عِنْد اعتكاره
…
وَيفْسخ مَا أَيدي النوائب تعقد)
(وَوجه إِذا مَا لَاحَ أيقنت أَنه
…
محيا لَهُ وَقت السَّعَادَة مولد)
(حييّ كثير الابتسام مبارك
…
يكبر رَبِّي إِن بدا ويوحد)
(أهز بِهَذَا الْمَدْح مِنْهُ معاطفا
…
تجر ذيول الْفَخر إِن هُوَ يحمد)
(لَهُ الْعَسْكَر الجرار تبرق فِي الوغا
…
صوارم مِنْهُ والمدافع ترْعد)
(يعد إِلَى الْأَعْدَاء كل كَتِيبَة
…
من الرَّعْد يحدوها الوشيح المسدد)
(وكل كمى كالغضنفر مغضبا
…
وكل صقيل وَهُوَ مَاض مُجَرّد)
(يبد العدا قبل اللِّقَاء مهابة
…
فصارمه يفري الطلى وَهُوَ مغمد)
(هُوَ الْملك الْمَشْهُور بالحلم والدها
…
وبالعلم والشهب الدراري تشهد)
(تشد لإدراك الْغنى عِنْد بَابه
…
ركائب أنضاها الدؤب المشدد)
(يحدث عَنهُ الْوَفْد عِنْد صدوره
…
أَحَادِيث من بَحر إِذا الْبَحْر يزِيد)
(إِلَى مجده آمالنا قد تطاولت
…
وَلَيْسَ لَهَا إِلَّا حماه الْمُؤَيد)
(فيا ملكا يحمي الرّعية بأسه
…
ويحييهم بالبذل والبذل أرغد)
(يدبر فيهم كل يَوْم مصالحا
…
تعود بِمَا يرضون وَالْعود أَحْمد)
(ويشملهم بِالْعَدْلِ وَالْفضل والندا
…
وَيصْلح بالصمصام من هُوَ مُفسد)
(هَنِيئًا لَك الْملك الْجَدِيد فَإِنَّهُ
…
يَدُوم بِحَمْد الله وَهُوَ مسرمد)
(هَنِيئًا لنا نَحن العبيد فإننا
…
بسؤدد مَوْلَانَا الإِمَام نسود)
(ودونك يَا خير السلاطين كاعبا
…
بديعة حسن للنَّهْي تتودد)
(تدير كؤوس الراح دون تأثم
…
إِذا هِيَ أثْنَاء المحافل تنشد)
(فَلَا زلت مَا بَين الْمُلُوك مُخَيّرا
…
كَمَا اختبر مَا بَين الْمَعَادِن عسجد)
وَفِي هَذِه الْأَيَّام ظهر الْمولى عبد الرَّحْمَن بن سُلَيْمَان بن مُحَمَّد وَقرب من فاس طَالبا للْملك قيل إِن بعض أَبنَاء عَمه بفاس ومكناسة لما توفّي السُّلْطَان رحمه الله كاتبوه واستحثوه للقدوم وواطأهم على ذَلِك بعض عبيد البُخَارِيّ وَبَعض البربر الَّذين بأحواز مكناسة وَلما قرب من فاس كَانَ الْفَقِيه أَبُو عبد الله مُحَمَّد الْعَرَبِيّ بن الْمُخْتَار الجامعي يَوْمئِذٍ يَلِي أَمر شراقة بهَا فَقَامَ فِي ذَلِك أحسن قيام وَحمل النَّاس على الثَّبَات والتمسك بِطَاعَة أَمِير الْمُؤمنِينَ سَيِّدي مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن فَكَانَ ذَلِك سَببا فِي سُكُون هَذِه الْفِتْنَة وانحسام مادتها فَرجع الْمولى عبد الرَّحْمَن بن سُلَيْمَان عوده على بدئه وآيس من بُلُوغ قَصده وَأقَام بزاوية العياشي عِنْد البربر إِلَى أَن أضمحل أمره وَلما قدم السُّلْطَان سَيِّدي مُحَمَّد رحمه الله من مراكش إِلَى مكناسة اجتاز بِمَدِينَة سلا وَنزل بِرَأْس المَاء فِي الثَّالِث وَالْعِشْرين من صفر سنة سِتّ وَسبعين وَمِائَتَيْنِ وَألف وَبعد الزَّوَال دخل فِي جمَاعَة من حَاشِيَته وزار الشَّيْخ أَبَا مُحَمَّد عبد الله بن حسون وَالشَّيْخ أَبَا الْعَبَّاس أَحْمد بن عَاشر رضي الله عنهما وَدخل البستيون الْكَبِير وَرَأى مدافعه مَنْصُوبَة على عجلات الْحَدِيد وَكَانَت تغوص فِي الأَرْض إِذا جرت من شدَّة ثقل المدافع فَأَشَارَ بِأَن يفرش لَهَا بِسَاط من الْعود الْجيد الْمُحكم الصَّنْعَة والتركيب حَتَّى يَتَأَتَّى جريانها عَلَيْهِ بِلَا كلفة فصنعت لَهَا كَمَا أَشَارَ رحمه الله وَقد كنت مدحته بقصيدة لم يبْق على ذكري الْآن مِنْهَا إِلَّا بيتان وهما
(حوى العلويون الْمَعَالِي كلهَا
…
وَمَا مِنْهُم إِلَّا ذرى الْمجد صاعد)
(وَلَكِن أَمِير الْمُؤمنِينَ مُحَمَّد
…
هُوَ الْبَدْر فِي العلياء وَهِي الفراقد)
انْتِقَاض الصُّلْح مَعَ الإصبنيول واستيلاؤه على تطاوين ورجوعه عَنْهَا وَالسَّبَب فِي ذَلِك
كَانَ السَّبَب فِي انْتِقَاض الصُّلْح مَعَ جنس الإصبنيول أَن الْعَادة كَانَت جَارِيَة مَعَ أهل سبتة من النَّصَارَى وَأهل اللانجرة من الْمُسلمين أَن يتَّخذ كل من الْفَرِيقَيْنِ محلا للحراسة على المحدة الَّتِي بَينهمَا وَكَانَ النَّصَارَى يتخذون هُنَالك بُيُوتًا صغَارًا من اللَّوْح والمسلمون يتخذون أخصاصا من البردى وَنَحْوه فَلَمَّا كَانَ آخر دولة السُّلْطَان الْمولى عبد الرَّحْمَن رحمه الله بنى نَصَارَى سبتة على المحدة بَيْتا من حجر وطين وَجعلُوا فِيهِ عَلامَة طاغيتهم الْمُسَمَّاة عِنْدهم بالكرونة فَتقدم إِلَيْهِم أهل اللانجرة وَقَالُوا لَهُم لَا بُد أَن تهدموا هَذَا الْبَيْت الَّذِي لم تجر الْعَادة ببنائه وترجعوا إِلَى حالتكم الأولى من اتِّخَاذ بيُوت الْخشب فَامْتنعَ النَّصَارَى من ذَلِك فَعمد أهل اللانجرة إِلَى ذَلِك الْبَيْت فهدموه وَإِلَى تِلْكَ الكرونة فنجسوها بالعذرة وَقتلُوا مِنْهُم أُنَاسًا وضيقوا على أهل سبتة بالغارات حَتَّى كَانُوا يصلونَ إِلَى السُّور فَرفع أهل سبتة أَمرهم إِلَى كَبِيرهمْ بطنجة فَكلم كَبِيرهمْ نَائِب السُّلْطَان بهَا وَهُوَ يَوْمئِذٍ أَبُو عبد الله مُحَمَّد ابْن الْحَاج عبد الله الْخَطِيب التطاوني وشكا إِلَيْهِ مَا نَالَ أهل سبتة من عيث اللانجرة فدافعه الْخَطِيب فَلم ينْدَفع وَقَالَ لَا بُد من حُضُور اثْنَي عشر رجلا مِنْهُم بطنجة وَسَمَّاهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ وَلَا بُد من قَتلهمْ جَزَاء على فعلهم فَعظم الْأَمر على الْخَطِيب وَرُبمَا كلم فِي ذَلِك باشدور النجليز فَقَالَ لَهُ أحضر هَؤُلَاءِ المطلوبين على عين الْأَجْنَاس وَإِذا حَضَرُوا وَظهر حق الإصبنيول فَأَنا ضَامِن أَن لَا يصيبهم شَيْء فأعجب الْخَطِيب ذَلِك وعزم عَلَيْهِ فاتصل الْخَبَر بِأَهْل اللانجرة وَأَن الْخَطِيب عازم على أَن يكْتب إِلَى السُّلْطَان فِي شَأْن اثْنَي عشر رجلا مِنْهُم بأعيانهم فَمَشَوْا إِلَى الشريف سَيِّدي الْحَاج عبد السَّلَام بن الْعَرَبِيّ الوزاني وَقَالُوا لَهُ إِن الْخَطِيب لَا ينصح السُّلْطَان وَلَا الْمُسلمين وَإِن كل مَا قَالَه النَّصَارَى يساعدهم عَلَيْهِ حَتَّى جسرهم علينا وَنحن جئْنَاك لتعلم السُّلْطَان بأمرنا وتسأله أَن يمدنا بالقبائل الْمُجَاورَة لنا وَنحن نكفيه
هَذَا المهم وَفِي أثْنَاء هَذِه الْمدَّة توفّي السُّلْطَان الْمولى عبد الرَّحْمَن رحمه الله وَولي ابْنه سَيِّدي مُحَمَّد وَقدم مكناسة وَاجْتمعت كلمة أهل الْمغرب عَلَيْهِ فَكتب لَهُ الشريف سَيِّدي الْحَاج عبد السَّلَام بِأَمْر أهل اللانجرة وَقرر لَهُ مطلبهم فَشَاور السُّلْطَان فِي ذَلِك بعض حَاشِيَته فَمَال إِلَى الْحَرْب وَذَلِكَ كَانَ الرَّاجِح عِنْد السُّلْطَان لِأَنَّهُ عظم عَلَيْهِ أَن يُمكن الْعَدو من اثْنَي عشرا من الْمُسلمين وفْق اقتراحه واختياره يقتلهُمْ بِمحضر الْمَلأ من نواب الْأَجْنَاس وَرَأى رحمه الله أَن لَا يُمكنهُ من مطلبه حَتَّى يعْذر فِيهِ فاستخار الله تَعَالَى وَبعث خديمه الْحَاج مُحَمَّد بن الْحَاج الطَّاهِر الزُّبْدِيُّ الرباطي إِلَى الْخَطِيب بطنجة وَأمره أَن ينظر فِي الْقَضِيَّة ويستكشف الْحَال وَأَن لَا يجنح إِلَى الصُّلْح إِلَّا إِذا لم يجد عَنهُ محيصا وَكثر المتنصحون لَدَى السُّلْطَان وهونوا عَلَيْهِ أَمر الْعَدو جدا مَعَ أَنه لَيْسَ من السياسة تهوين أَمر الْعَدو وتحقيره وَلَو كَانَ هينا حَقِيرًا فوصل الزُّبْدِيُّ إِلَى طنجة وَاجْتمعَ بالخطيب وفاوضه فِي الْقَضِيَّة فَوجدَ الْخَطِيب جانحا إِلَى السّلم فَأبى أَن يساعده على ذَلِك وَأظْهر كتاب السُّلْطَان بتفويض النّظر إِلَيْهِ فِي النَّازِلَة فَتَأَخر الْخَطِيب عَنْهَا وَترك الْخَوْض وَالْكَلَام فِيهَا وَآخر الْأَمر أَن الزُّبْدِيُّ انْفَصل مَعَ نَائِب الإصبنيول على الْحَرْب وَذهب إِلَى حَال سَبيله وأزال الإصبنيول سنجقه من طنجة وَركب إِلَى بِلَاده فِي الْحِين وَكتب الزُّبْدِيُّ إِلَى السُّلْطَان بالْخبر فَكتب السُّلْطَان إِلَى الثغور يُخْبِرهُمْ بِمَا عقده مَعَ الإصبنيول من الْحَرْب وَأمرهمْ أَن يَكُونُوا على حذر وَأَن يَأْخُذُوا أهبتهم للْجِهَاد وَفتح السُّلْطَان بَيت المَال وأبدأ وَأعَاد فِي تَفْرِيق المَال وَالسِّلَاح والكسي وَقدم أَولا الْقَائِد الْمَأْمُون الزراري إِلَى تطاوين فِي نَحْو مائَة فَارس وَخَمْسمِائة من رُمَاة الْعَسْكَر فرابطوا خَارج تطاوين إِلَى جِهَة سبتة ثمَّ برز جَيش الإصبنيول من سبتة فِي نَحْو عشْرين ألفا من الْعَسْكَر فِي غَايَة الاستعداد وَكَمَال الشَّوْكَة وَنزل على طرف المحدة دَاخل أرضه وَكَانَ خُرُوجه يَوْم السبت أواسط ربيع الأول سنة سِتّ وَسبعين وَمِائَتَيْنِ وَألف فَنَهَضَ إِلَيْهِ أهل اللانجرة وَمن جاورهم من قبائل الْجَبَل وتسامع النَّاس بذلك فقدموا من كل جِهَة حَتَّى اجْتمع مِنْهُم نَحْو