الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والتقى الْجَمْعَانِ هُنَالك وَصدقهمْ بَنو مرين الجلاد فاختل مصَاف الْمُوَحِّدين وانهزمت عَسَاكِر المرتضى وأسلمه قومه وَرجع إِلَى مراكش مفلولا وَاسْتولى بَنو مرين على مُعَسْكَره واستباحوا سرادقة وانتهبوا فساطيطه وغنموا جَمِيع مَا وجدوا لَهَا من المَال والذخيرة وَاسْتَاقُوا سَائِر الكراع وَالظّهْر وامتلأت أَيْديهم من الْغَنَائِم واعتز أَمرهم وانبسط سلطانهم وَكَانَ يَوْمًا لَهُ مَا بعده وَفِي القرطاس أَن انهزام جَيش المرتضى فِي هَذِه الْمرة كَانَ عَن جولان فرس بَين أخبيتهم لَيْلًا فَحَسبُوا أَن بني مرين قد أَغَارُوا عَلَيْهِم فَانْهَزَمُوا لَا يلوون على شَيْء وَالله أعلم
ثمَّ غزا الْأَمِير أَبُو بكر بعد هَذَا بِلَاد تادلا فاستباح حاميتها من بني جَابر عرب جشم واستلحم أبطالهم والآن من جدهم وخضد من شوكتهم وَفِي خلال هَذِه الحروب كَانَ مقتل عَليّ بن عُثْمَان بن عبد الْحق وَهُوَ ابْن أخي الْأَمِير أبي بكر شعر مِنْهُ بِفساد الدخيلة وَالْإِجْمَاع للتوثب على الْأَمر فَدس لِابْنِهِ أبي حَدِيد مِفْتَاح بن أبي بكر بقتْله فَقتله فِي جِهَات مكناسة سنة إِحْدَى وَخمسين وسِتمِائَة وَالله تَعَالَى أعلم
اسْتِيلَاء الْأَمِير أبي بكر على سجلماسة وَدِرْعه وَسَائِر بِلَاد الْقبْلَة
لما كَانَت سنة خمس وَخمسين وسِتمِائَة نَهَضَ الْأَمِير أَبُو بكر إِلَى محاربة يغمراسن بن زيان وَسمع بِهِ يغمراسن فَنَهَضَ إِلَيْهِ أَيْضا فَكَانَ اللِّقَاء بِأبي سليط فَاقْتَتلُوا وَانْهَزَمَ يغمراسن واعتزم الْأَمِير أَبُو بكر على اتِّبَاعه فثناه عَن رَأْيه فِي ذَلِك أَخُوهُ يَعْقُوب بن عبد الْحق لعهد تَأَكد بَينه وَبَين يغمراسن فَرجع
وَلما انْتهى إِلَى المقرمدة من أحواز فاس بلغه أَن يغمراسن قصد سجلماسة ودرعة لمداخلة كَانَت لَهُ من بعض أَهلهَا وعورة أطمعته فِي ملكهَا فأسرع الْأَمِير أَبُو بكر السّير بجموعه إِلَى سجلماسة فَدَخلَهَا قبل وُصُول يغمراسن إِلَيْهَا بِيَوْم ثمَّ جَاءَ يغمراسن حَتَّى نزل خَارِجهَا بِبَاب تاحسنت وَسقط فِي يَده ويئس من غَلَبَة الْأَمِير أبي بكر عَلَيْهَا ودارت بَينهمَا حَرْب تكافأ
الْمَذْكُور ثمَّ ارتحل إِلَى مراكش وفيهَا أَيْضا تولى الْحَاج مُحَمَّد الصفار مكس فاس بِاثْنَيْنِ وَعشْرين ألف مِثْقَال فِي السّنة
إِيقَاع السُّلْطَان سَيِّدي مُحَمَّد بن عبد الله بقبيلة مسفيوة وَالسَّبَب فِي ذَلِك
كَانَ هَؤُلَاءِ مسفيوة شيعَة للْمولى المستضيء حَسْبَمَا تقدم وَلما زحف السُّلْطَان الْمولى عبد الله إِلَى بِلَاد الْحَوْز وشرد أَخَاهُ الْمولى المستضيء عَن مسفيوة وأوقع بهم الْوَقْعَة الَّتِي تقدم الْخَبَر عَنْهَا أذعنوا إِلَى طَاعَته فِي الظَّاهِر وَبقيت الحسائف كامنة فِي صُدُورهمْ فَكَانَت تِلْكَ الطَّاعَة الَّتِي أظهروها لَهُ هدنة على دخن وَاسْتمرّ حَالهم على ذَلِك إِلَى أَيَّام السُّلْطَان سَيِّدي مُحَمَّد رحمه الله فشرى فسادهم وَقَالَ فِي الْبُسْتَان كَانَ هَؤُلَاءِ مسفيوة من الطغيان وَالِاسْتِخْفَاف من الدولة على غَايَة لم تكن لأحد من يَوْم اسْتخْلف سَيِّدي مُحَمَّد بمراكش وَهُوَ يعالج داءهم فَمَا نفع فِيهِ ترياق إِلَى أَن قدم مراكش قَدمته هَذِه فوفد عَلَيْهِ بهَا مائَة وَخَمْسُونَ من أعيانهم فانتهز فيهم الفرصة وقتلهم كلهم سوى القَاضِي ثمَّ سرب الْخُيُول للغارة على حلتهم فانتسفوها وأبلغوا فِي النكاية فانخضدت بذلك شوكتهم واستقامت طاعتهم وصلحت أَحْوَالهم فِيمَا بعد ذَلِك
ثمَّ دخلت سنة سِتّ وَسبعين وَمِائَة وَألف فِيهَا جَاءَ السُّلْطَان من مراكش إِلَى الغرب وَنهب فِي طَرِيقه آيت سيبر من زمور الثَّلج وبددهم وَلما وصل إِلَى مكناسة أَمر الْقَبَائِل بِدفع الزكوات والأعشار فَكَانَت الحياينة وشراقة وَسَائِر الحوزية يدْفَعُونَ واجبهم بهري فاس وَكَانَ أهل الغرب وَبَنُو حسن والبربر يدْفَعُونَ بهري مكناسة ثمَّ نَهَضَ السُّلْطَان إِلَى غَزْو مرموشة فَهَزَمَهُمْ وَنهب أَمْوَالهم وَاسْتولى على معاقلهم وَقتل مِنْهُم عددا وافرا وَذَلِكَ بعد أَن انتصروا على عَسْكَر السُّلْطَان أَولا وظهروا عَلَيْهِ فَتقدم إِلَيْهِم رحمه الله بِنَفسِهِ وعبيده
كَانَ يتَوَلَّى عَلَيْهِم فأغضى السُّلْطَان عَن ذَلِك وَبَالغ فِي الأنة القَوْل لَهُ فِي كِتَابه ووعده بِأَنَّهُ إِذا وصل إِلَى مراكش يشكيه من أَخِيه وَفِي أثْنَاء ذَلِك وَقبل وُصُول كتاب السُّلْطَان إِلَيْهِ أغرى إخوانه بِالْخرُوجِ عَن طَاعَة السُّلْطَان والاشتغال بِمَا يسْخط الله ويرضي الشَّيْطَان فانبثت خيولهم فِي الطرقات ومخروها مخرا وانتسفوها نسفا وعمدوا إِلَى قوادهم الَّذين ولاهم الْمولى الْمَأْمُون عَلَيْهِم فقبضوا عَلَيْهِم وأودعوهم السجْن وانتهبوا دُورهمْ وَوصل المسافرون والتجارإلى بَاب السُّلْطَان مجردين عُرَاة يَشكونَ مَا دهمهم من أَمر الشراردة وتكاثر عَلَيْهِ شذاذهم فَحِينَئِذٍ اسْتَأْنف السُّلْطَان جده وأرهف حَده وَكتب إِلَى أَخِيه الْمولى الْمَأْمُون باستنفار قبائل الْحَوْز وَجَمعهَا عَلَيْهِ حَتَّى يقدم عَلَيْهِ وَسَار السُّلْطَان فِي جَيش العبيد والودايا وآيت أدراسن وزمور وعرب بني حسن وَبني مَالك وسُفْيَان وَكتب إِلَى الشاوية ودكالة أَن تكون خيلهم معدة حِين يمر بهم وَكَانَ الْمهْدي قد عظم ناموسه وَتمكن من جهلة قومه وَكَاد يتجاوزهم إِلَى غَيرهم حَتَّى صَار يعرض أَو يُصَرح بِأَنَّهُ الْمهْدي المنتظر وَكَانَ السَّبَب الْأَقْوَى فِي طغيانه وطغيان قومه مَا اتّفق لَهُ فِي هزيمَة السُّلْطَان الْمولى سُلَيْمَان رحمه الله فَظن الْمهْدي وشراردته أَن لَا غَالب لَهُم من الله وَلما برز السُّلْطَان رحمه الله من رِبَاط الْفَتْح لقِيه ركب الْحجَّاج الَّذين انتهبهم هشتوكة والشياظمة الَّذين بأحواز آزمور وَكَانَت الْعَادة يَوْمئِذٍ بالمغرب أَن ركاب الْحَاج تَأتي من آفَاق الْمغرب فتجتمع بفاس وَمِنْهَا يخرج الركب على الْهَيْئَة الْمَعْهُودَة فِي ذَلِك الزَّمَان فَلَمَّا وصل هَؤُلَاءِ الْحجَّاج من أهل السوس وَغَيرهم إِلَى الشياظمة وهشتوكة انتهبوهم وجردوهم من الْمخيط وَالْمُحِيط فَسمع السُّلْطَان رحمه الله شكواهم وامتعض لانتهاك حرمتهم وزحف إِلَى هَؤُلَاءِ المفسدين فأوقع بهم وقْعَة شنعاء بالموضع الْمَعْرُوف بفرقالة من أَعمال آزمور حَتَّى كَانُوا يلقون أنفسهم فِي الْبَحْر طلبا للنجاة بعد أَن أثروا فِي الْمحلة أول النَّهَار ثمَّ كَانَت الكرة عَلَيْهِم وَحكم السُّلْطَان السَّيْف فِي رقابهم وامتلأت أَيدي الْعَسْكَر من أثاثهم وماشيتهم وَكَانَت هَذِه الْوَقْعَة طَلِيعَة الْفَتْح ومقدمة الظفر ثمَّ عبر إِلَى آزمور وَمِنْهَا إِلَى الجديدة ثمَّ سَار مَعَ السَّاحِل