الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
زناتة مَعْنَاهُ الرئيس وَكَانَ هَذَا الرجل رَئِيس الوزعة والمتصرفين وحاجب الْبَاب السلطاني قديم الْولَايَة فِي ذَلِك مُنْذُ عهد السُّلْطَان يُوسُف بن يَعْقُوب ثمَّ زفت على السُّلْطَان أبي الْحسن زَوجته الحفصية فَبنى بهَا بمكانه من المعسكر الْمَذْكُور وَأجْمع رَأْيه على الإنتقام لأَبِيهَا من عدوه أبي تاشفين الزياني على مَا نذكرهُ
حُدُوث الْفِتْنَة بَين الْأَخَوَيْنِ أبي الْحسن وَأبي عَليّ ثمَّ مقتل أبي عَليّ وَالسَّبَب فِي ذَلِك
كَانَ السُّلْطَان أَبُو سعيد رحمه الله لما عهد بِالْأَمر لِابْنِهِ أبي الْحسن وَتحقّق مصيره إِلَيْهِ كثيرا مَا يستوصيه بأَخيه أبي عَليّ لكلفه بِهِ وشفقته عَلَيْهِ فَلَمَّا خلص الْأَمر إِلَى أبي الْحسن وَكَانَ موثرا رضَا أَبِيه جهده اعتزم على الْحَرَكَة إِلَى سجلماسة لمشارفة أَحْوَال أَخِيه وَاخْتِيَار أمره وَمَا هُوَ عَلَيْهِ من سلم أَو حَرْب ليعْمَل على مُقْتَضى ذَلِك فارتحل من مُعَسْكَره بالزيتون قَاصِدا سجلماسة فَتَلَقَّتْهُ وُفُود أَخِيه أبي عَليّ أثْنَاء الطَّرِيق مُؤديا حَقه وموجبا مبرته ومهنئا لَهُ بِمَا آتَاهُ الله من الْملك ويعمله مَعَ ذَلِك بِأَنَّهُ متجاف عَن الْمُنَازعَة لَهُ قَانِع من تراث أَبِيه بِمَا فِي يَده طَالب مِنْهُ أَن يعْقد لَهُ بذلك فَأَجَابَهُ السُّلْطَان أَبُو الْحسن إِلَى مَا سَأَلَ وَعقد لَهُ على سجلماسة وَمَا والاها من بِلَاد الْقبْلَة كَمَا كَانَ لعهد أَبِيه وَأشْهد على ذَلِك الْمَلأ من بني مرين وَسَائِر زناتة وَالْعرب وانكفأ السُّلْطَان أَبُو الْحسن رَاجعا إِلَى تلمسان عَازِمًا على الإنتقام من أبي تاشفين الزياني فَسَار حَتَّى انْتهى إِلَى تلمسان ثمَّ تجوزها إِلَى جِهَة الشرق حَتَّى نزل بتاسالت منتظرا لقدوم صهره السُّلْطَان أبي بكر الحفصي عَلَيْهِ وَفَاء بالعهد الَّذِي كَانَ انْعَقَد لَهُ مَعَ السُّلْطَان أبي سعيد أَيَّام وفادة ابْنه أبي زَكَرِيَّاء عَلَيْهِ من أَنَّهُمَا يكونَانِ يدا وَاحِدَة على حِصَار تلمسان حَتَّى يحكم الله بَينهمَا وَبَين صَاحبهَا فَعَسْكَرَ أَبُو الْحسن بتاسالت ثمَّ بعث بِحِصَّة من جنده فِي الْبَحْر إِلَى صهره الحفصي مدَدا لَهُ وَهُوَ يَوْمئِذٍ ببجايه يُقَاتل جَيش بن زيان عَلَيْهَا
وَلم اتَّصل الْخَبَر بِأبي تاشفين صَاحب تلمسان فكر فِي أَمر أبي الْحسن
وُصُول كتاب صَاحب الْحجاز عبد الله بن سعود الوهابي إِلَى فاس وَمَا قَالَه الْعلمَاء فِي ذَلِك
وَفِي هَذِه الْمدَّة أَيْضا وصل كتاب عبد الله بن سعود الوهابي النابع بِجَزِيرَة الْعَرَب المتغلب على الْحَرَمَيْنِ الشريفين الْمظهر لمَذْهَب بهما إِلَى فاس المحروسة وأصل هَذِه الطَّائِفَة الوهابية كَمَا عِنْد صَاحب التعريبات الشافية وَغَيره أَن فَقِيرا من عرب نجد يُقَال لَهُ سُلَيْمَان رأى فِي الْمَنَام كَأَن شعلة من نَار خرجت من بدنه وانتشرت وَصَارَت تَأْكُل مَا قابلها فَقص رُؤْيَاهُ على بعض المعبرين فَفَسَّرَهَا لَهُ بِأَن أحد أَوْلَاده يجدد دولة قَوِيَّة فتحققت الرُّؤْيَا فِي ابْن ابْنه الشَّيْخ مُحَمَّد بن عبد الْوَهَّاب بن سُلَيْمَان فالمؤسس للْمَذْهَب هُوَ مُحَمَّد بن عبد الْوَهَّاب وَلَكِن نسب إِلَى عبد الْوَهَّاب فَلَمَّا كبر مُحَمَّد احترمه أهل بِلَاده ثمَّ أخبر بِأَنَّهُ قرشي وَمن أهل بَيت النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَألف لَهُم قَوَاعِد وعقائد وَهِي عبَادَة الله وَاحِد قديم قَادر حق رحمان يثيب الْمُطِيع ويعاقب العَاصِي وَأَن الْقُرْآن قديم يجب اتِّبَاعه دون الْفُرُوع المستنبطة وَأَن مُحَمَّدًا رَسُول الله وحبيبه وَلَكِن لَا يَنْبَغِي وَصفه بأوصاف الْمَدْح والتعظيم إِذْ لَا يَلِيق ذَلِك إِلَّا بالقديم وَأَن الله تَعَالَى حَيْثُ لم يرض بِهَذَا الْإِشْرَاك سَخَّرَهُ ليهدي النَّاس إِلَى سَوَاء الطَّرِيق فَمن امتثل فبها ونعمت وَمن أَبى فَهُوَ جدير بِالْقَتْلِ فَهَذِهِ أصُول مذْهبه وَكَانَ قد بثه أَولا سرا فقلده أنَاس ثمَّ سَافر إِلَى الشَّام لهَذَا الْأَمر فَلَمَّا لم يجد بِهِ مُرَاده رَجَعَ إِلَى بِلَاد الْعَرَب بعد غيبته عَنْهَا ثَلَاث سِنِين فاتصل بشيخ من أَشْيَاخ عرب نجد يُقَال لَهُ عبد الله بن سعود وَكَانَ شهما كريم النَّفس فقلده وَقَامَ بنصرة مذْهبه وَقَاتل عَلَيْهِ حَتَّى أظهره واقتسم الرياسة هُوَ وَمُحَمّد بن عبد الْوَهَّاب فَابْن عبد الْوَهَّاب صَاحب الِاجْتِهَاد فِي مسَائِل الدّين وَابْن سعود أَمِير الوهابية وَصَاحب حربهم وَلَا زَالَ أَمر هَؤُلَاءِ الوهابية يظْهر شَيْئا فَشَيْئًا إِلَى أَن تغلبُوا على الْحجاز والحرمين الشريفين وَسَائِر بِلَاد الْعَرَب ثمَّ
فَلهم الْحَظ الأوفر من الْعِنَايَة وَالْخطاب بِصَرِيح الترحيب دون كِنَايَة بالقعود على الْفرش الحريرية المذهبة والمقاعد الْعَالِيَة المطنبة والرش بمياه الأزهار ومباخر الطّيب وكل معنى لطيف ومنظر عَجِيب وَقد أحضر كل وَاحِد مَا شَاءَ من آلَات اللَّهْو والفرح على حسب مَا اشْتهى واقترح فَلَا تكَاد تسمع فِي تِلْكَ الْمجَالِس والمغاني إِلَّا أصوات المثالث والمثاني وضروب الألحان والأغاني وَاسْتمرّ النَّاس فِي ذَلِك ثَلَاثَة أَيَّام وَالْمولى الْخَلِيفَة أعزه الله مَعَ إخْوَته وَبني عَمه فِي الْقبَّة المحمدية الصويرية المشرفة على مجاري الْخَيل وملاعبها ومطاردها ومتاعبها وكل عَشِيَّة يركب من بالحضرة من الْوُجُوه والأكابر على عتاق الْخَيل والجياد الضوامر ويبدي مَا عِنْده من الثقافة والفروسية مَعَ إِظْهَار الشارة المخزنية والأبهة الملوكية ثمَّ بعد هَذَا شرع كبار الدولة ووجوهها ورؤساؤها وقوادها فِي انتخاب الصَّنَائِع والولائم كل على حسب مَا أَدَّاهُ إِلَيْهِ اخْتِيَاره واعتناؤه ثمَّ تتَابع النَّاس فِي مزهاتهم وَإِظْهَار أبهاتهم وانتخاب دواعي الأفراح ومقتضيات الازدهاء والانشراح فَمَا يمر اُحْدُ ببستان إِلَّا ويجد بِهِ جمَاعَة زاهية وَطَائِفَة منبسطة لاهية اهـ
وَفِي سنة ثَلَاث وَثَمَانِينَ وَمِائَتَيْنِ وَألف كَانَ بالمغرب جَراد سد الْأُفق وَذَلِكَ فِي ربيع الأول الْمُوَافق لشهر مارس العجمي فَأكل النَّجْم وَالشَّجر ثمَّ عقبه فرخه الْمَعْرُوف بآمرد فَأكل كل خضراء على وَجه الأَرْض واستلب الأعواد من أوراقها وقشرها من لحائها وفاض فِي الْأَمْصَار حَتَّى دخل على النَّاس فِي بُيُوتهم
وَفِي سنة أَربع وَثَمَانِينَ وَمِائَتَيْنِ وَألف كَانَ الغلاء المفرط بالمغرب الَّذِي لم يتَقَدَّم مثله بلغ فِيهِ الرّبيع وَهُوَ ربع ثمن الْمَدّ بسلا ورباط الْفَتْح سِتِّينَ أُوقِيَّة وَبَاعَ النَّاس أثاثهم وحليهم بالبخس وَكَانَ الْأَمر شَدِيدا على الضُّعَفَاء وَفِي ذِي الْقعدَة من هَذِه السّنة توفّي الْقَائِد الْأَجَل أَبُو مُحَمَّد عبد الله بن عبد الْملك بن بيهي الحاحي وَكَانَ من كبار قواد الْمغرب وَأهل الْبَذْل والإيثار وَالْمَعْرُوف لَهُ فِي ذَلِك أَخْبَار مَذْكُورَة رَحمَه الله