الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثورة يُوسُف بن مُحَمَّد بن أبي عياد ابْن عبد الْحق وَمَا كَانَ من أمره
كَانَ السُّلْطَان أَبُو ثَابت لما فصل من تلمسان قدم بَين يَدَيْهِ ابْن عَمه الْحسن بن عَامر بن عبد الله بن يَعْقُوب وَأمره بِالنّظرِ فِي أَحْوَال فاس وَالْمغْرب وَأمره بضبطها وتسريح سجونها ورد مظالمها وتفريق الْأَمْوَال على الْخَاصَّة والعامة فَفعل وَلما قدم حَضْرَة فاس عقد لِابْنِ عَمه يُوسُف بن مُحَمَّد بن أبي عياد بن عبد الْحق على مراكش ونواحيها وعهد إِلَيْهِ بِالنّظرِ فِي أحوالها وضبطها صَمد إِلَيْهَا واحتل بهَا وَتمكن مِنْهَا ثمَّ حدثته نَفسه بالإنتزاء فاستلحق واستركب وَاتخذ الْآلَة وجاهر بالخلعان وتقبض على الْوَالِي بمراكش الْحَاج المسعود فَقتله من تَحت السِّيَاط فِي جُمَادَى الْآخِرَة سنة سبع وَسَبْعمائة ودعا لنَفسِهِ واتصل الْخَبَر بالسلطان أبي ثَابت وَهُوَ بفاس فسرح إِلَيْهِ وزيره يُوسُف بن عِيسَى بن السُّعُود بن خرباش الحشمي بِالْحَاء الْمُهْملَة وَيَعْقُوب بن آصناك فِي خَمْسَة آلَاف فَارس فَسَارُوا إِلَى مراكش وبرز يُوسُف بن مُحَمَّد بن أبي عياد إِلَى حربهم وَعبر إِلَيْهِم وَادي أم الرّبيع فَالْتَقوا مَعَه على ضفته الشرقية فهزموه وَعَاد إِلَى مراكش وَاتبعهُ الْوَزير وَدخل ابْن أبي عياد مراكش فَقتل جمَاعَة من جند الفرنج الَّذين بهَا وسبى ذَرَارِيهمْ وَخرج مِنْهَا إِلَى أغمات فَلم يسْتَقرّ بهَا ثمَّ إِلَى جبال هسكورة فَنزل على كبيرها مخلوف بن هنو الهسكوري وَلحق بِهِ مُوسَى بن سعيد الصبيحي من أغمات تدلى من سورها فلحق بِهِ
وَدخل السُّلْطَان أَبُو ثَابت مراكش منتصف رَجَب من سنة سبع وَسَبْعمائة وَأمر بقتل أوربة المداخلين لِابْنِ أبي عياد فِي انتزائه فاستلحموا جَمِيعًا وَلما لحق ابْن أبي عياد بمخلوف بن هنو الهسكوري واستجار بِهِ فَلم يجره على السُّلْطَان أبي ثَابت بل قبض عَلَيْهِ مَعَ ثَمَانِيَة من كبار أَصْحَابه وبعثهم فِي
الْحَدِيد إِلَيْهِ وَهُوَ بمراكش فَقتلُوا فِي مصرع وَاحِد بعد أَن مثل بهم بالسياط وَبعث بِرَأْس ابْن أبي عياد إِلَى فاس فطيف بِهِ وَنصب على سورها ثمَّ أثخن أَبُو ثَابت فِي كل من كَانَ على رَأْي ابْن أبي عياد وخاض مَعَه فِي الْفِتْنَة فاستلحم مِنْهُم بمراكش مَا ينيف على الستمائة وصلبهم على سورها من بَاب الرب أحد أَبْوَاب مراكش إِلَى برج دَار الْحرَّة عزونه وَقتل فِي أغمات مِنْهُم مثل ذَلِك وَخرج منتصف شعْبَان إِلَى منازلة السكسيوي وتدويخ جِهَات مراكش فَنزل بتامزوارت وتلقاه السكسيوي بالبيعة والهدية والضيافة فَقبل السُّلْطَان أَبُو ثَابت ذَلِك مِنْهُ ثمَّ بعث قائده يَعْقُوب بن آصناك فِي جَيش من ثَلَاثَة آلَاف فَارس إِلَى بِلَاد حاحة برسم غَزْو قبائل زكنة فَفرُّوا بَين يَدَيْهِ حَتَّى دخلُوا بِلَاد الْقبْلَة وَانْقطع أَثَرهم وَرجع إِلَى معسكر السُّلْطَان بتامزوارت وَأخْبرهُ بِسُكُون الْبِلَاد وأمنها فانكفأ السُّلْطَان أَبُو ثَابت رَاجعا إِلَى مراكش فَدَخلَهَا غرَّة رَمَضَان من سنة سبع وَسَبْعمائة ثمَّ خرج مِنْهَا فِي منتصفه قَاصِدا رِبَاط الْفَتْح فاجتاز على بِلَاد صنهاجة وَعبر وَادي أم الرّبيع من مشرع كتامة فِي القوارب لزِيَادَة المَاء يَوْمئِذٍ ثمَّ ارتحل فاجتاز بِبِلَاد تامسنا فَتَلقاهُ بهَا عرب جشم من قبائل الْخَلْط وسُفْيَان وَبني جَابر والعاصم فاستصحبهم مَعَه إِلَى مَدِينَة آنفي بعد أَن استأذنوه فِي الرُّجُوع فَلم يَأْذَن لَهُم وَلما أحتل بآنفي دَعَا بأشياخهم فَحَضَرُوا عِنْده فَقبض على سِتِّينَ مِنْهُم أودعهم سجن آنفى وَضرب أَعْنَاق عشْرين من فسادهم القاطعين للسبل وصلبهم على سور آنفى ثمَّ نَهَضَ إِلَى رِبَاط الْفَتْح فدخله فِي السَّابِع وَالْعِشْرين من رَمَضَان فعيد هُنَالك عيد الْفطر وَقتل بِهِ ثَلَاثِينَ من فتاك لعرب المتهمين بالحرابة وَقطع الطَّرِيق وصلبهم على أسوار العدوتين ثمَّ ارتحل منتصف شَوَّال لغزو عرب ريَاح الموطنين بِأبي طَوِيل وفحص آزغار وبلاد الهبط فغزاهم وَأَخذهم بالإجن الْقَدِيمَة فَقتل مِنْهُم خلقا وسبى ذَرَارِيهمْ وانتهب أَمْوَالهم ونهض إِلَى فاس فاحتل بهَا منتصف ذِي الْقعدَة وَعِيد بهَا عيد الْأَضْحَى ثمَّ نَهَضَ إِلَى سبتة على مَا نذكرهُ
غَزْو السُّلْطَان أبي ثَابت بِلَاد غمارة وسبتة ومحاصرته لعُثْمَان بن أبي الْعَلَاء
قد تقدم لنا أَن عُثْمَان بن أبي الْعَلَاء كَانَ قد ورد من الأندلس صُحْبَة الرئيس أبي سعيد بن الْأَحْمَر المتغلب على سبتة أَيَّام السُّلْطَان يُوسُف وَأَنه ثار بجبال غمارة ودعا لنَفسِهِ واستحوذ عَلَيْهَا وَكَانَ السُّلْطَان يُوسُف بلغه خَبره وأهمه شَأْنه إِلَّا أَنه كَانَ يَرْجُو أَن يفتح تلمسان عَن قريب ثمَّ ينْهض إِلَيْهِ فعاجله الْحمام دون ذَلِك وَلما أفْضى الْأَمر إِلَى السُّلْطَان أبي ثَابت وَقدم حَضْرَة فاس شغله عَن عُثْمَان بن أبي الْعَلَاء مَا كَانَ من ثورة يُوسُف بن مُحَمَّد بن أبي عياد بمراكش كَمَا قدمْنَاهُ فعقد على حَرْب عُثْمَان بن أبي الْعَلَاء لِابْنِ عَمه عبد الْحق بن عُثْمَان بن مُحَمَّد بن عبد الْحق فزحف إِلَيْهِ ونهض عُثْمَان بن أبي الْعَلَاء الى لِقَائِه منتصف ذِي الْحجَّة سنة سبع وَسَبْعمائة فَهَزَمَهُ عُثْمَان بن ابي الْعَلَاء واستلحم من كَانَ مَعَه من جند الفرنج وَهلك فِي تِلْكَ الْوَقْعَة عبد الْوَاحِد الفودودي من رجالات الدولة المرشحين للوزارة وَسَار عُثْمَان بن أبي الْعَلَاء إِلَى قصر كتامة فدخله وَاسْتولى على جهاته وَكَانَ بطلا من الْأَبْطَال وعَلى أثر ذَلِك كَانَ رُجُوع السُّلْطَان أبي ثَابت من غزَاة مراكش وَقد حسم الدَّاء ومحى أثر النِّفَاق فاعتزم على النهوض إِلَى بِلَاد غمارة ليمحو مِنْهَا أثر دَعْوَة ابْن أبي الْعَلَاء الَّتِي كَادَت تلج عَلَيْهِ دَار ملكه ويستخلص سبتة من يَد ابْن الْأَحْمَر المتغلب عَلَيْهَا لِأَنَّهَا صَارَت ركابا لمن يروم الْخُرُوج على السُّلْطَان من الْقَرَابَة المستقرين وَرَاء الْبَحْر غزَاة فِي سَبِيل الله
فَنَهَضَ السُّلْطَان أَبُو ثَابت من فاس عقب عيد الْأَضْحَى من سنة سبع وَسَبْعمائة حَتَّى انْتهى إِلَى قصر كتامة فَتلوم بِهِ ثَلَاثًا حَتَّى تلاحق بِهِ قبائل مرين وَالْعرب وَالرُّمَاة من سَائِر الْبِلَاد فَعرض جَيْشه وارتحل قَاصِدا جبال غمارة وَكَانَ عُثْمَان بن أبي الْعَلَاء قد فر أَمَامه إِلَى نَاحيَة سبتة فَسَار السُّلْطَان أَبُو ثَابت فِي أَتْبَاعه حَتَّى نَازل حصن علودان واقتحمه عنْوَة واستلحم بِهِ زهاء أَرْبَعمِائَة ثمَّ نَازل بلد الدمنة على شاطئ الْبَحْر فَقتل الرِّجَال وسبى النِّسَاء والذرية
باشا الْمَذْكُور فعاود إكرامه ثمَّ طلب مِنْهُ أَن يشفع لَهُ عِنْد أَخِيه الْمولى سُلَيْمَان فَكتب لَهُ بذلك فَأخذ كِتَابه وَانْحَدَرَ إِلَى وهران وَطلب من أميرها الشَّفَاعَة أَيْضا فَكتب لَهُ وَبعث بمكاتيب الأميرين إِلَى السُّلْطَان الْمولى سُلَيْمَان فَقبله وَأمره أَن يذهب إِلَى سجلماسة ينزل بهَا بدار وَالِده ويرتب لَهُ مَا يَكْفِيهِ من مُؤنَة وَكِسْوَة ويقاسمه نعْمَته وَيبقى بَعيدا عَن سماسرة الْفِتَن حَتَّى لَا يَجدوا سَبِيلا إِلَى إيقاد نَار الْفِتْنَة فَلَمَّا بلغه جَوَاب أَخِيه لم يرض ذَلِك وَعَاد إِلَى الْمشرق فَبَقيَ يتَرَدَّد بِهِ إِلَى أَن وافته منيته واستراح من تَعب الدُّنْيَا رحمه الله
نهب عرب آنقاد لركب حَاج الْمغرب وَمَا نَشأ عَن ذَلِك
ثمَّ بلغ السُّلْطَان الْمولى سُلَيْمَان رحمه الله أَن جمَاعَة من التُّجَّار وَالْحجاج الَّذين قدمُوا من الْمشرق خَرجُوا من وَجدّة متوجهين إِلَى فاس فَلَمَّا توسطوا أَرض آنقاد عدت عَلَيْهِم عربها فنهبتهم فاستدعى السُّلْطَان رحمه الله الْكَاتِب أَبَا الْقَاسِم الصياني وَأمره بِالْمَسِيرِ إِلَى وَجدّة يكون واليا بهَا وَيصْلح مَا فسد من أَعمالهَا فكره الصياني ذَلِك واستقال فَلم يقلهُ السُّلْطَان وعزم عَلَيْهِ فِي الْمسير إِلَيْهَا وَعين لَهُ مائَة فَارس تذْهب مَعَه فامتثل راغما وأضمر أَنه إِن فَارق السُّلْطَان يذهب إِلَى أحد الْحَرَمَيْنِ الشريفين فيقيم بِهِ بَقِيَّة عمره وَجمع موجوده وَخرج فَخرج مَعَه قفل التُّجَّار الَّذِي كَانَ محصورا بفاس وَلما توسطوا أَرض آنكاد وجدوا الْعَرَب فِي انتظارهم فثأروا بهم وقاتلوهم فتماسكت خيل السُّلْطَان هنيئة ثمَّ كثرهم الْعَرَب فهزموهم وَلم يبْق من تِلْكَ الْخَيل إِلَّا قائدها فِي عشرَة من إخوانه وانتهبت الْعَرَب مَا كَانَ فِي ذَلِك القفل من أَمْتعَة التُّجَّار وسلعها وَلم ينج من نجا مِنْهُ إِلَّا بِنَفسِهِ قَالَ الصياني فلجأنا إِلَى قَصَبَة الْعُيُون وتفرق جَمعنَا وَقتل منا سَبْعَة نفر وجرح آخَرُونَ فَبعثت من أَتَانَا بالقتلى فدفناهم ثمَّ سرحت قَائِد الْخَيل إِلَى وَجدّة مَعَ بعض الْعَرَب الَّذين هُنَالك وطلعت أَنا مَعَ برابرة بني يزناسن وَلَيْسَ معي إِلَّا مركوبي
وَفرس آخر كَانَ عَلَيْهِ مَمْلُوك لي قتل فِي المعركة قَالَ ثمَّ خلصت إِلَى وهران فَنزلت عِنْد الباي مُحَمَّد باشا فأظهر التأسف والتوجع وراودني على الْمقَام فأبيت ثمَّ ذكر الصياني أَنه بعد هَذَا ذهب إِلَى تلمسان وَاجْتمعَ هُنَالك بالمولى مسلمة بن مُحَمَّد وتلاوما وتعاتبا حَسْبَمَا ذَكرْنَاهُ آنِفا وَكَانَ ذَلِك أَوَاخِر سنة سِتّ وَمِائَتَيْنِ وَألف
بعث السُّلْطَان الْمولى سُلَيْمَان الجيوش إِلَى الْحَوْز ونهوضه على أَثَرهَا إِلَى رِبَاط الْفَتْح وَعوده إِلَى فاس
قد قدمنَا أَن أهل مراكش وقبائل الْحَوْز كَانُوا مُتَمَسِّكِينَ بدعوة الْمولى هِشَام بن مُحَمَّد من لدن دولة الْمولى يزِيد رحمه الله وَلما صفت بِلَاد الغرب للسُّلْطَان الْمولى سُلَيْمَان رحمه الله تاقت نَفسه إِلَى تمهيد بِلَاد الْحَوْز والاستيلاء عَلَيْهَا فعقد لِأَخِيهِ الْمولى الطّيب بن مُحَمَّد على عشرَة آلَاف من الْخَيل وَعين مَعَه جمَاعَة من قواد الْجَيْش وبعثهم إِلَى قبائل الشاوية وَذَلِكَ أَوَاخِر سنة سبع وَمِائَتَيْنِ وَألف ثمَّ زحف السُّلْطَان على أَثَرهم إِلَى رِبَاط الْفَتْح فمحا بَقِيَّة آثَار الْفِتْنَة الَّتِي نشأت بهَا وَأقَام ينْتَظر مَا يكون من أَمر أَخِيه
وَفِي سادس شَوَّال من السّنة صلى السُّلْطَان الْجُمُعَة بِمَسْجِد القصبة مِنْهَا وَكَانَ هُوَ الإِمَام وخطب خطْبَة بليغة تشْتَمل على الْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر والتحذير من الْحَرَام وَاجْتنَاب الآثام ووعد وأوعد وَقَالَ فِي آخر خطبَته وانصر اللَّهُمَّ جيوش الْمُسلمين وعساكرهم ودعا لكافة الْأمة وَصلى فِي الرَّكْعَة الأولى بِسُورَة الْجُمُعَة وَفِي الثَّانِيَة بِسُورَة الغاشية الخ وَلما قدم الْمولى الطّيب بِلَاد الشاوية تنافس قواد الْجَيْش الَّذين مَعَه وَتَنَازَعُوا الرياسة وَصَارَ كل وَاحِد مِنْهُم يرى أَنه صَاحب الْأَمر وَكَانَ من أعظمهم تهورا الْقَائِد الغنيمي كَانَ من قواد الْمولى يزِيد رحمه الله فأبقاه الْمولى سُلَيْمَان على رياسته تألفا لَهُ فاستبد على سَائِر القواد فِي الرَّأْي إِذْ كَانَ رَدِيف
الْخَلِيفَة الْمولى الطّيب وَصَاحب مشورته فَلَمَّا كَانَ وَقت اللِّقَاء تخاذلوا عَنهُ وجروا عَلَيْهِ الْهَزِيمَة وَتركُوا أخبيتهم وأثاثهم بيد الْعَدو وَرَجَعُوا مفلولين إِلَى السُّلْطَان برباط الْفَتْح وهم عشرَة آلَاف فَارس كَمَا مر فَمَا وسع السُّلْطَان رحمه الله إِلَّا الرُّجُوع بهم إِلَى فاس لتجديد آلَة السّفر والغزو ثَانِيًا وإخلاف مَا ضَاعَ من الأخبية وَالسِّلَاح والأثاث حَسْبَمَا يذكر بعد إِن شَاءَ الله
ثورة مُحَمَّد بن عبد السَّلَام الخمسي الْمَعْرُوف بزيطان بِالْجَبَلِ
لما كَانَت سنة ثَمَان وَمِائَتَيْنِ وَألف ثار بقبيلة الْأَخْمَاس من جبال عمَارَة رجل من طلبتها يُقَال لَهُ مُحَمَّد بن عبد السَّلَام ويدعى زيطان فاجتمعت عَلَيْهِ سماسرة الْفِتَن من كل قَبيلَة وَكثر تابعوه وَكَانَ السَّبَب فِي ثورته أَن الْقَائِد قاسما الصريدي كَانَ واليا بِتِلْكَ النَّاحِيَة أَيَّام الْمولى يزِيد رحمه الله فَلَمَّا بُويِعَ الْمولى سُلَيْمَان ولى على تِلْكَ النَّاحِيَة الْقَائِد الغنيمي الْمُتَقَدّم الذّكر وَكَانَ عسوفا فِيمَا قيل فَقبض على الْقَائِد قَاسم واستصفى أَمْوَاله وَبث عَلَيْهِ الْعَذَاب كي يظْهر مَا بَقِي عِنْده حَتَّى هلك فِي الْعَذَاب فثار زيطان وَاجْتمعت عَلَيْهِ الغوغاء من أهل تِلْكَ الْبِلَاد وَلما شرى داؤه بعث السُّلْطَان بِجَيْش إِلَى الْقَائِد الغنيمي وَأمره أَن يقْصد زيطان وَجمعه فزحف إِلَيْهِ بِبِلَاد غصاوة قرب وازان وأوغل فِي طلبه فَنَهَاهُ من مَعَه من رُؤَسَاء الْجَيْش عَن التورط بِالنَّاسِ فِي تِلْكَ الْجبَال والشعاب فلج واقتحمها بخيله وراميته وَلما توسطها سَالَتْ عَلَيْهِ الشعاب بالرماة من كل جَانب وهاجت الْحَرْب وأحاط الْعَدو بالجيش فَقتلُوا مِنْهُم وسلبوا كَيفَ شاؤوا وردوهم على أَعْقَابهم منهزمين وَلما اتَّصل خبر الْهَزِيمَة بالسلطان اغتاظ وَقبض على الغنيمي وَمكن مِنْهُ أَوْلَاد قَاسم الصريدي فباشروا قَتله بِأَيْدِيهِم وَاقْتَصُّوا مِنْهُ بأبيهم وَولى على قبائل الْجَبَل أَخَاهُ الْمولى الطّيب وفوض إِلَيْهِ أَمر الثغوروأنزله طنجة وَبَقِي الْمولى
(صَار كنيفا لعلج
…
وَلم يراع احترامه)
(وَكم وَكم من أُمُور
…
للدّين فِيهَا اهتضامه)
(تبْكي عَلَيْهَا عُيُون
…
كآبة وندامة)
(تطوان مَا كنت إِلَّا
…
بَين الْبِلَاد حمامة)
(أَو كخطيب تردى
…
من بعد لبس الْعِمَامَة)
(بل كنت روضا بهيجا
…
زهرك أبدى ابتسامه)
(أَو كمحيا عروس
…
علاهُ فِي الخد شامة)
(فقت بهاء وحسنا
…
فاسا ومصر وشامه)
(رماك بِالْعينِ دهر
…
وَلَا كزرق الْيَمَامَة)
(فَفرق الْأَهْل حَتَّى
…
لم يبْق إِلَّا ارتسامه)
(مَا كَانَ أحلى زَمَانا
…
وَمَا ألذ غرامه)
(مضى لنا مَعَ بدور
…
ذَوي نهى وفخامه)
(مَا بَين إنشاد شعر
…
وَبَين إنشا مقَامه)
(وشملنا فِي التئام
…
والبسيط يهوى التئامه)
(حن السرُور إِلَيْهِ
…
شوقا ورام التثامه)
(ساعده السعد حَتَّى
…
نَالَ المنى ومرامه)
(يَا حسنها من لَيَال
…
لَو لم تصر كالمنامة)
(تطوان يَا دَار أنس
…
وخيس أهل الزعامة)
(هَل للوصال سَبِيل
…
فالهجر أكمل عَامه)
(وَالْقلب ذاب اشتياقا
…
وحسرة واستهامة)
(والوجد أَضْعَف جسما
…
وَكَاد يبري عِظَامه)
(يَا أهل تطوان صبرا
…
فَمَا لخطب أدامه)
(دوَام حَال محَال
…
وَهل لظل إِقَامَة)
(إِن غَابَ نجم سعود
…
ولاح نجم شآمة)
(فَسَوف يطلع بدر
…
يمحو سناه ظلامه)
(فَاعْتَصمُوا برجاء
…
وارعوا بِصدق ذمامه)
(وحسنوا الظَّن تنجوا
…
دنيا وَيَوْم الْقِيَامَة)
(وفوضوا الْأَمر لله
…
يكف عَنَّا انتقامه)
(مَا فَازَ إِلَّا ذكي
…
قدم خيرا أَمَامه)
(حَيْثُ أَقَامَهُ يرضى
…
وَلَو بقصر كتامة)
(وَلَا يزل ذَا انْتِظَار
…
فِي كل وَقت ختامه)
(يراقب الله سرا
…
وجهرة باستدامه)
(يطْلب حسن ختام
…
وَحل دَار المقامة)
ثمَّ إِن أردنيل بعد أَن رتب الْحُكَّام بتطاوين عَاد إِلَى محلته وَقسم عسكره قسمَيْنِ وأنزله مكتنفا للبلد شرقا وغربا وَاخْتَارَ مِنْهُ عشرَة آلَاف فَأدْخلهَا الْمَدِينَة وَبَقِي هُوَ خَارِجا بِإِحْدَى المحلتين قَالَ إِن جَيْشه كَانَ يَوْم دخل تطاوين سبعين ألفا كلهَا مقاتلة فِي غَايَة الاستعداد وَكَمَال الشَّوْكَة ثمَّ أَمر بالنداء فِي الْبَلَد أَن من أوقد نَارا تلْزمهُ الْعقُوبَة الشَّدِيدَة حذرا من أَن تكون هُنَالك مينا للْمُسلمين أَو مَا أشبههَا فَبَقيَ النَّاس على ذَلِك نَحْو أَرْبَعَة أَيَّام لم يوقدوا فِيهَا نَارا ونادى أَيْضا بِأَن من فر من أهل الْبَلَد وَلم يَأْتِ إِلَى مَتَاعه وَأَصله إِلَى سَبْعَة أَيَّام فَلَا شَيْء لَهُ بعد وَلم يقدم شَيْئا على نقل البارود والمدفع الَّذِي كَانَ للْمُسلمين بِالْمَدِينَةِ فَأَما المدفع فَحَمله إِلَى أصبانيا وَأما البارود فَجعله بضريح ولي الله تَعَالَى سَيِّدي السعيدي وَكَذَا فعل بِجَمِيعِ آلَات الْجِهَاد ثمَّ عمد إِلَى ضريح سَيِّدي عبد الله الْبَقَّال فَجعله كَنِيسَة وَجعل مَسْجِد الباشا مختزنا للأرز وَالشعِير وَمَسْجِد القصبة مختزنا للكليط ثمَّ سَار فِي الْمُسلمين بالتوقير والاحترام وَلم يسمهم خسفا وَلَا كلفهم شغلا وَلَا اقْتضى مِنْهُم مغرما كَانَ يتألفهم بذلك وَمن بَاعَ مِنْهُم شَيْئا أَضْعَف لَهُ فِي الثّمن وأربحه وَكَذَا فعل مَعَ أهل المداشر الَّذين حول الْبَلَد حَتَّى اتخذ النَّاس سوقا بِموضع يعرف بكدية المدفع خَارج تطاوين وشاع خَبره فِي قبائل الْجَبَل فانهاروا عَلَيْهِ من كل جَانب وربحت النَّاس فِيهِ ثمَّ كتب أردنيل كتبا وَبعث بهَا إِلَى قبائل الْجَبَل يعدهم ويمنيهم إِن هم قدمُوا عَلَيْهِ وخالطوه بِالْبيعِ وَالشِّرَاء ويتوعدهم إِن لم يَفْعَلُوا فقدموا من كل أَوب وَارْتَفَعت الأسعار
فزادت ضعف مَا كَانَت عَلَيْهِ وَأكْثر واستمرت كَذَلِك فَلم ترجع بعد ثمَّ أَخذ فِي تَرْتِيب بِنَاء الْمَدِينَة وتبديل شكلها حَسْبَمَا جرت بِهِ عَادَة النَّصَارَى فِي مدنهم فهدم مَا لم يُوَافق نظره وفرز الدّور من سور الْبَلَد وكل دَار كَانَت ملتصقة بالسور فصلها عَنهُ وَاسْتمرّ على هَذَا الْحَال نَحْو الْعشْرين يَوْمًا ثمَّ دَار الْكَلَام بَينه وَبَين الْمولى الْعَبَّاس فِي الصُّلْح وتسامع النَّاس بِهِ ففرح الْمُسلمُونَ وَالنَّصَارَى مَعًا أما الْمُسلمُونَ فَوجه فَرَحهمْ ظَاهر وَأما النَّصَارَى فَإِنَّهُم وَإِن كَانَ لَهُم الظُّهُور فهم لَا يدركونه سهلا بل مَعَ الْقَتْل الْعَظِيم وَالْجرْح الْكثير وَالْمَشَقَّة الفادحة قَالَ تَعَالَى {إِن تَكُونُوا تألمون فَإِنَّهُم يألمون كَمَا تألمون وترجون من الله مَا لَا يرجون} النِّسَاء 104 هَذَا إِلَى مُفَارقَة بِلَادهمْ الَّتِي ألفوها وعوائدهم الَّتِي ربوا عَلَيْهَا لَا سِيمَا عَامَّة جيشهم الَّذين الْغَلَبَة فِي ضمن هلاكهم فدماؤهم هِيَ ثمنهَا كَمَا قيل بجبهة العير يفد حافر الْفرس
حكى من حضر أَن عَسْكَر النَّصَارَى لما سمعُوا بتناول الصُّلْح حصل لَهُم من الْفَرح أَضْعَاف مَا حصل للْمُسلمين وصاروا يَتَرَدَّدُونَ إِلَيْهِم ويبحثونهم عَمَّا تجدّد من الْأَخْبَار وَكلما سمعُوا بِشَيْء من أَمر الصُّلْح طاروا فَرحا وَذَلِكَ لِأَن قتال النَّصَارَى كُله على الْإِكْرَاه إِذْ لَا يُمكن عسكريا مِنْهُم أَن يفر من الزَّحْف حَال الْقِتَال لِأَن الخيالة والسيافة من ورائهم يذمرونهم إِلَى الإِمَام وَمهما رَجَعَ أحد مِنْهُم إِلَى خلف وَترك فِي الصَّفّ فُرْجَة ضربت عُنُقه فِي الْحِين فالموت عِنْدهم فِي الْفِرَار مُحَقّق وَفِي التَّقَدُّم مظنون فيختارون المظنون على الْمُحَقق اللَّهُمَّ إِلَّا إِذا اشتدت الْحَرْب وحمي الْوَطِيس وَاخْتَلَطَ الرِّجَال بِالرِّجَالِ أمكن الْفِرَار حِينَئِذٍ لاشتغال الرئيس والمرؤوس كل بِنَفسِهِ وَبِهَذَا الضَّبْط لم تتفق لَهُم هزيمَة مُنْذُ خَرجُوا من سبتة وَمن عَادَة الْعَدو فِي الْحَرْب أَنه إِذا نَهَضَ لِلْقِتَالِ ارتحل بِجَمِيعِ مَا فِي عسكره كَأَنَّهُ مُسَافر فترى العسكري مِنْهُم إِذا تقدم لِلْقِتَالِ حَامِلا مَعَه جَمِيع مَا يحْتَاج إِلَيْهِ من مَاء وَطَعَام وبارود ورصاص حَتَّى الموسى والمقص والمرآة والصابون وَغير ذَلِك قد اتخذ لجَمِيع ذَلِك أوعية لطافا وعلقها عَلَيْهِ فَلَا يؤده حملهَا لِأَنَّهُ اقْتصر من كل على