الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رَمَضَان سنة أَربع وَسبعين وسِتمِائَة وَفِي ثَانِي يَوْم من شَوَّال من هَذِه السّنة ثارت الْعَامَّة باليهود بفاس بِسَبَب حدث أحدثوه فَقتلُوا مِنْهُم أَرْبَعَة عشر يَهُودِيّا وَلَوْلَا أَن السُّلْطَان ركب بِنَفسِهِ ورد الْعَامَّة عَنْهُم لكَانَتْ إِيَّاهَا
بِنَاء الْمَدِينَة الْبَيْضَاء الْمُسَمَّاة الْيَوْم بفاس الْجَدِيد
لما فتح جبل تينملل ومحيت مِنْهُ بَقِيَّة آل عبد الْمُؤمن وتمهد ملك الْمغرب للسُّلْطَان يَعْقُوب واستفحل أمره وَكَثُرت غاشيته رأى أَن يختط بَلَدا ينْسب إِلَيْهِ ويتميز بسكناه وَينزل فِيهِ بحاشيته وأوليائه الحاملين لسرير ملكه فَأمر بِبِنَاء الْمَدِينَة الْبَيْضَاء ملاصقة لمدينة فاس على ضفة واديها المخترق لَهَا من جِهَة أَعْلَاهُ وَشرع فِي تأسيسها ثَالِث شَوَّال من سنة أَربع وَسبعين وسِتمِائَة وَركب السُّلْطَان بِنَفسِهِ فَوقف عَلَيْهَا حَتَّى خطت مساحتها وأسست جدرانها وَجمع الْأَيْدِي عَلَيْهَا وَحشر الصناع والعملة لبنائها وأحضر لَهَا أهل النجامة والمعدلين لحركات الْكَوَاكِب فَاخْتَارُوا لَهَا من الطوالع مَا يرضون أَثَره ويحمدون سيره وأسست فِيهِ وَكَانَ فِي أولائك االمعدلين إمامان شهيران أَبُو الْحسن بن الْقطَّان وَأَبُو عبد الله بن الحباك المقدمان فِي الصِّنَاعَة فكمل تشييد هَذِه الْمَدِينَة على مَا رسم رحمه الله وكما رَضِي ونزلها بحاشيته وَذَوِيهِ سنة أَربع وَسبعين الْمَذْكُورَة واختط النَّاس بهَا الدّور والمنازل وأجريت فِيهَا الْمِيَاه إِلَى الْقُصُور وَكَانَت من أعظم آثَار هَذِه الدولة وأبقاها على الْأَيَّام
قَالَ ابْن أبي زرع وَمن سَعَادَة طالعها أَنه لَا يَمُوت فِيهَا خَليفَة وَلم يخرج مِنْهَا لِوَاء قطّ إِلَّا كَانَ منصورا وَلَا جَيش إِلَّا كَانَ ظافرا
ثمَّ أَمر رحمه الله بِبِنَاء قَصَبَة مكناسة فشرع فِي بنائها وَبِنَاء جَامعهَا فِي السّنة الْمَذْكُورَة ثمَّ استوزر صنيعته أَبَا سَالم فتح الله السدراتي وأجرى لَهُ رزق الوزارة على عَادَتهم
ثمَّ كافأ يغمراسن بن زيان على هديته الَّتِي كَانَ بعث بهَا إِلَيْهِ قبل إِجَازَته
وَارْتَحَلُوا إِلَى مكناسة وانقلبت إِلَى السُّلْطَان فَوَجَدته قد أَصَابَته حمى أَقَامَ لَهَا بقصبة تادلا وَكَانَ الطَّبِيب أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد آدراق يعالجه وَلَا يدْخل عَلَيْهِ إِلَّا أَنا وَهُوَ وَصَاحب طَعَامه الْحَاج عبد الله إِلَى أَن عوفي فوصل الطَّبِيب بِأَلف دِينَار ثمَّ سَافر إِلَى مكناسة وبوصوله إِلَيْهَا قبض على بلقاسم الزموري ونكبه واستصفى أَمْوَاله وَولي على زمور وَبني حكم ولد مُحَمَّد واعزيز قَالَ الصياني وَمن ذَلِك الْوَقْت رفع السُّلْطَان منزلتي على أقراني وَصَارَ يقدمني فِي الْمُهِمَّات
ثمَّ دخلت سنة سبع وَثَمَانِينَ وَمِائَة وَألف فِيهَا انْعَقَدت الشُّرُوط بَين السُّلْطَان وَبَين البرتغال وَهِي اثْنَان وَعِشْرُونَ شرطا مضمنها الصُّلْح والأمان كالشروط الْمُتَقَدّمَة
ذكر مَا آل إِلَيْهِ أَمر اليكشارية الَّذين استخدمهم السُّلْطَان من قبائل الْحَوْز
لما جمع السُّلْطَان سَيِّدي مُحَمَّد بن عبد الله رحمه الله هَذَا الصِّنْف من رُمَاة الْجند وَسَمَّاهُمْ اليكشارية كَالَّذِين من قبلهم وَكَانَ جمعهم على يَد الْقَائِد عبد النَّبِي المنبهي حَسْبَمَا سبق حصل مِنْهُم ضَرَر كَبِير للرعية فِي المَال والحريم وصاروا يعيثون فِي غلل جناتهم مِمَّا يَمرونَ بِهِ أَيَّام أسفارهم حَتَّى صَار ذَلِك الْفساد عِنْدهم عَادَة وَمَا من منزل يبيتُونَ بِهِ إِلَّا ويكلفون أَهله مَا لَا يُطِيقُونَ فَإِذا كَلمهمْ أَعْيَان الرّعية فِي الرِّفْق بِالنَّاسِ قَالُوا هَذِه عَادَة لَا نتركها وَهِي من قوانين الدولة وَلما علم السُّلْطَان بِمَا يرتكبونه من العسف أسقطهم من الجندية وَنزع مِنْهُم السِّلَاح وردهم إِلَى المغرم مَعَ إخْوَانهمْ وأراح النَّاس من شرهم
ثمَّ دخلت سنة ثَمَان وَثَمَانِينَ وَمِائَة وَألف فِيهَا عزل السُّلْطَان الْقَائِد مُحَمَّد بن أَحْمد البوزراري عَن قبائل تامسنا وتادلا وَمَا اتَّصل بهما وَلم يتْرك
أبعد قلت بل أقرب قَالَ أَنا كَبِير من كبراء الْعَسْكَر وَتَحْت نَظَرِي ثَمَان عشرَة مائَة بَقِي مِنْهَا فِي هَذِه الْوَقْعَة ثَمَانِيَة عشر عسكريا انْتهى كَلَام هَذَا الْمخبر
ثمَّ إِن الزمالة والدوائر لجوا فِي مُوالَاة الفرنسيس وأحكموا أَمرهم مَعَه وولوا عَلَيْهِم رجلا مِنْهُم يُقَال لَهُ الْمُصْطَفى بن إِسْمَاعِيل كَانَ هُوَ السَّبَب الْأَكْبَر فِي تملك الفرنسيس بِلَاد الْمغرب الْأَوْسَط وَجل الحروب الَّتِي كَانَت تكون بَين الْمُسلمين وَالنَّصَارَى فِي تِلْكَ الْمدَّة على يَده إِلَى أَن قتل منتصف سنة تسع وَخمسين وَمِائَتَيْنِ وَألف ضاعف الله عَلَيْهِ غَضَبه ونقمته وَلما اتَّصل بالسلطان الْمولى عبد الرَّحْمَن رحمه الله مَا عَلَيْهِ الْحَاج عبد الْقَادِر من جِهَاد عَدو الدّين وحماية بَيْضَة الْمُسلمين أعجبه حَاله وَحسنت مَنْزِلَته عِنْده لِأَنَّهُ رأى أَنه قد قَامَ بنصرة الْإِسْلَام على حِين لَا نَاصِر لَهُ فَصَارَ السُّلْطَان رحمه الله يمده بِالْخَيْلِ وَالسِّلَاح وَالْمَال الْمرة بعد الْمرة على يَد الْأمين الْحَاج الطَّالِب بن جلون الفاسي وَغَيره وطالت الْحَرْب بَينه وَبَين الفرنسيس وَاسْتولى الفرنسيس فِي بعض الكرات على تلمسان وضايقه الْحَاج عبد الْقَادِر فِيهَا حَتَّى أخرجه مِنْهَا ثمَّ استردها الفرنسيس بعد معارك شَدِيدَة ومواقف صعبة إِلَّا أَن ضَرَر الْحَاج عبد الْقَادِر للفرنسيس كَانَ مَقْصُورا على قتل النُّفُوس واستلاب الْأَمْوَال وَأما الفرنسيس فَكَانَ ضَرَره بِالْمُسْلِمين عَائِدًا على تملك بِلَادهمْ وتنقصها من أطرافها ودام ذَلِك مُدَّة من سِتّ عشرَة سنة
وَبِالْجُمْلَةِ فَلَقَد كَانَ الْحَاج عبد الْقَادِر هَذَا فِي أول أمره على مَا يَنْبَغِي من المثابرة على الْجِهَاد والدرء فِي نحر الْعَدو وَلَوْلَا أَنه انعكس حَاله فِي آخر الْأَمر وخلصت الأَرْض للفرنسيس وَالله غَالب على أمره
وَفِي سنة خمسين وَمِائَتَيْنِ وَألف ولد مؤلف هَذَا الْكتاب أَحْمد بن خَالِد الناصري السلاوي أَخْبَرتنِي والدتي السِّت فَاطِمَة بنت الْفَقِيه السَّيِّد مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن قَاسم بن زَرُّوق الحسني الإدريسي الجباري أَنِّي ولدت بعد طُلُوع الْفجْر صَبِيحَة يَوْم السبت الثَّانِي وَالْعِشْرين من ذِي الْحجَّة من السّنة